مؤسسات الدولة العراقية مطالبة باستراتيجية صنع القرار مع الاخذ بنظر الاعتبار في انتقال فلسفتها من مؤسسات متسامحة مع المخاطر تبذل الكلف عليها عند حدوث الازمات الى فلسفة البحث عن المخاطر من خلال مراكز الدراسات والبحوث الموجودة في هيكليتها الإدارية لان الاثر البيئي السلبي سيمثل اكبر تحدي للتنمية الاقتصادية...
يعتبر العراق وبحكم جغرافية موقعه الاستراتيجي في قلب الشرق الأوسط منعطفاً لجميع التحولات المناخية التي تشهدها المنطقة لأن للتضاريس رأي قاس على الأثر البيئي الحاصل في منطقة الشرق الأوسط. العراق الذي صنف من أعظم بلدان الشرق الأوسط حسب تقرير البنك الدولي عام 1944 في تقاريره الأولى عن العراق أشار وبشكل واضح الى أهمية التنمية الاقتصادية من خلال دعم مشاريع الزراعة في حينها.
يقدر البنك الدولي أن التكلفة الاقتصادية السنوية للتدهور البيئي في العراق تتراوح بين أربعة إلى ثمانية بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي ونتيجة انخفاض منسوب المياه في نهري دجلة والفرات بأكثر من 60 بالمائة خلال العشرين عامًا الماضية وتدهور جودة المياه أصبح العراق في قبضة أزمة المياه بعد السنوات الأخيرة من الجفاف الشديد، والقضاء على المحاصيل في بعض أجزاء من البلاد وتسبب في عدد كبير بشكل غير عادي من العواصف الرملية وفي ظل عدم وجود اتفاقية تقاسم المياه مع سوريا وتركيا سيستمر تغير المناخ الذي له آثار عميقة التأثير على العراق حيث يتصارع مع إمدادات المياه والصحراء الزاحفة.
يقسم العراق جغرافياَ العراق الى عدة مناطق تشكل الصحراء نسبة كبيرة منها تقدر بمساحة تبلغ 54% اما بقية المساحات تتوزع بين أراضي صالحة للزراعة في السهل الرسوبي تشكل 21.5%، مراعي طبيعية في الباديتين الشمالية والجنوبية صحراوية 42،5%، مراعي طبيعية في منطقة الجزيرة صحراوية تشكل 5.9%، متعددة غابات ومراعي وزراعة في جبال ووديان تشكل 18.3% ومتعددة مراعي وزراعة في المناطق المتموجة تشكل نسبة 9.5% والبقية من المساحة هي مسطحات مائية تشكل نسبة 2.3% من مساحة العراق الكلية الا ان مصادر وزارة التخطيط لعام 2012 تشير بأن مساحة الاراضي المزروعة حوالي 17.2 مليون دونم في عام 2012 أي ما يشكل نسبة 9.8% مساحة العراق تم زراعته !
ان الحكومة العراقية وضعت خطة خمسية لدعم البرنامج الوطني لمكافحة العواصف الرملية والغبارية في العراق2015 -2020 والذي تم التخطيط له بواقع عدد من المشاريع المقترحة بلغ عددها 16 مشروع وبتكلفة إجمالية قدرها 186.1 مليون دولار أمريكي على مدى خمس سنوات لكن لا تتوفر لدينا تقارير عن مستوى التقدم في هذه الخطة.
عوامل لسان التصحر الزاحف هذا سيشكل تحدي كبير على المشاريع الاستراتيجية والصغيرة الخدمية في العراق ومنها لا للحصر:
مشاريع الصناعة النفطية
ان تغير الظروف المناخية ستنعكس على مواصفات مواقع المشاريع Site Conditions وبالتالي فإن مواصفات المعدات النفطية ستزداد كلفتها بنسبة لا تقل عن 30% حيث سيلقي هذا التغيير على الكلف الرأس المالية للمشاريع CAPEX وكلفة الصيانة والتشغيل OPEX كما ان مراحل حياة المشروع ستشهد تحديات من المخاطر الناتجة عن الظروف القاهرة التي سيتم تصنيفها من قبل الشركات الأجنبية في تقارير ستزيد من متطلبات كلف العقود نتيجة لتضمين هذه المخاطر في خطة المخاطر للمشاريع وخطط الاستجابة بشكل عام وكذلك من مخاطر العمل المتعلقة بظروف الصحة والسلامة المهنية.
مشاريع الطاقة الكهربائية
إضافة الى ما ذكر أعلاه في انعكاس الأثر البيئي على الكلف الرأس المالية للمشاريع CAPEX وكلفة الصيانة والتشغيل OPEX فإنه سينعكس على انتاج ونقل وتوزيع الطاقة الكهربائية حيث ستتأثر وحدات التوليد الغازية بالعواصف الترابية وخصوصاً في وحدة INLET للتوربين بالإضافة الى ملحقات التوليد الأخرى، اما خطوط النقل الرئيسية فإن تكدس الاتربة على العوازل الخاصة بخطوط النقل سيزيد من حصول العوارض على تلك الخطوط وهذا ما يتطلب مراجعة خطة الصيانة السنوية على الخطوط من حيث التنظيف والمراقبة.
مشاريع الطاقة المتجددة
يصنف العراق من الدول الفتية الداعمة لاستراتيجية مشاريع الطاقة المتجددة كالطاقة الشمسية واخرها توجه الحكومة العراقية بالتعاقد مع شركة توتال الفرنسية لإنشاء محطة توليد طاقة شمسية بقدرة كهربائية سعتها 1000MW.
يشكل تراكم الغبار على الألواح الكهروضوئية مجال اهتمام متزايد بموثوقية الألواح الشمسية ويعد التخفيف من غبار الخلايا الكهروضوئية أحد الجوانب الرئيسية للصيانة المطلوبة لتحسين أداء الألواح الكهروضوئية وزيادة إنتاجيتها حيث تعتبر منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا هي الأكثر غبارًا في العالم كما انها الأعلى معدل تكرار للعواصف الترابية واهمها العراق وخصوصاً في المنطقة الواقعة بين نهري دجلة والفرات وعلى طول الحدود السورية العراقية حيث تشهد أعلى كثافة غبار في الشرق الأوسط.
يتأثر إنتاج الطاقة للألواح الكهروضوئية بشكل كبير بعدة عوامل، مثل سرعة الرياح واتجاهها، والإشعاع الشمسي، والتظليل، ودرجة الحرارة، والنظافة، وتلوث الهواء، وما إلى ذلك حيث يؤثر تغيير طفيف في الظروف المناخية على الإشعاع الشمسي وكذلك درجة الحرارة المحيطة، مما يؤدي إلى اختلافات في الطاقة الناتجة التي تم الحصول عليها من الألواح الكهروضوئية.
تتأثر كفاءة الألواح الشمسية بحجم ووزن جزيئات الغبار المترسبة على سطح اللوحة وبينت الدراسات العلاقة بين فقد الطاقة من اللوحة الكهروضوئية وكتلة الغبار المتراكم على سطحها بعمق حيث استنتج أن هناك علاقة خطية بين المتغيرين؛ كلما أصبح حجم جزيئات الغبار المترسبة أصغر، كلما تم حظر الإشعاع على سطح الوحدة الكهروضوئية، وبالتالي، كلما كان الانخفاض في الطاقة المتولدة أكثر وضوحًا.
أي ان العراق يشهد مخاطر جمة تهدد مشاريع الطاقة المتجددة نتيجة الأثر البيئي الذي يعيشه في الوقت الحاضر.
المشاريع الصحية والخدمية الأخرى
نتيجة لتغيرات المناخ السلبية التي نشهدها ولضعف البنية التحتية في المباني الصحية والمدرسية والخدمية الأخرى فانه يتطلب إعادة النظر بالتصاميم الأساس في وثائق التصاميم ومراحل التقييم للمشاريع الخدمية والصحية ومواقعها بالنسبة الى اتجاه الرياح.
ان إعادة تقييم المشاريع وتحديث المواصفات الهندسية امر مهم للغاية علماً ان الأثر البيئي الذي نشهده الان سيزيد من تعقيد الملف الخدمي وصعوبة استدامة منشآته.
ان مؤسسات الدولة العراقية مطالبة باستراتيجية صنع القرار مع الاخذ بنظر الاعتبار في انتقال فلسفتها من مؤسسات متسامحة مع المخاطر تبذل الكلف عليها عند حدوث الازمات الى فلسفة البحث عن المخاطر من خلال مراكز الدراسات والبحوث الموجودة في هيكليتها الإدارية لان الاثر البيئي السلبي سيمثل اكبر تحدي للتنمية الاقتصادية، الامر الذي يتطلب بدائل مجدية كخطوة أولى من استجابتها لخطر المخاطر والذي سيلقي بظلاله على الموازنة التشغيلية على حساب الموازنة الاستثمارية لان الموقف العام يتطلب مناقشة مسألة التوازن بين السمات الاقتصادية والاجتماعية والبيئية.
اضف تعليق