وحتى الآن، لم تضع الصين حدًا أقصى للانبعاثات التي تُطلقها، ولا أهدافًا بخصوص انبعاثات غازات الدفيئة الأخرى بخلاف الكربون، مثل غاز الميثان، ولكنها تعهَّدت بفعل الأمرين. ويقول الباحثون إن هذه الإجراءات ستكون ضرورية لإتاحة فرصة خفض الاحترار العالمي بما يقل عن 1.5 درجة مئوية...
بقلم: سمريتي مالاباتي
للمرّة الأولى، تنشر الصين، وهي الدولة الأعلى إنتاجًا للانبعاثات الكربونية في العالم، خططًا تُبيِّن الخطوط العريضة التي يمكن من خلالها تحقيق التعهّدات التي قطعتها عام 2019، بتصفير صافي انبعاثات الكربون بحلول عام 2060، وبلوغ ذروة الانبعاثات قبل عام 2030.
ويقول الباحثون إن الوثائق التي نُشِرت قبل المحادثات المناخية ضمن المؤتمر السادس والعشرين لأطراف اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغيّر المناخ، ويعرف اختصارًا بـ«كوب26» COP26، والتي انتهت أعمالها في 15 من نوفمبر، تبعث برسالة قوية لقطاع الصناعة وللأجهزة الحكومية والجامعات في الصين، لتكثيف جهودهم لمساعدة البلاد على تحقيق أهدافها المناخية.
وبالفعل، شهد هذا العام قرارات صدرت من عشر جامعاتٍ ومؤسساتٍ بارزة بتأسيس معاهد أبحاث في مساحة تحييد الكربون، كما أسَّست الأكاديمية الصينية للعلوم بدورها في الشهر الماضي مركزًا للغرض نفسه، ويقول جيانج كيجون، مصمم النماذج في معهد أبحاث الطاقة في بكين: "سنبدأ عملنا على الفور"، وتُعلِّق وو ليبو، عالمة الاقتصاد البيئي بجامعة فودان في شنجهاي، قائلة إن البلاد تمر بـ"حركة وطنية"، إذ تُغيِّر الشركات والحكومات الإقليمية والقطاع الأكاديمي اتجاهاتها.
تعمل وو كذلك مديرةً لمعهد أبحاث شنجهاي لاستراتيجيات الطاقة وتحييد الكربون، وهو مبادرة مشتركة دشَّنتها الجامعة وحكومة مدينة شنجهاي في وقتٍ سابق من الشهر الحاليّ. وبمجرد حصول المعهد على تمويلٍ للمنح البحثية، فإنه سيركز على رفع القيود التنظيمية عن سوق الكهرباء وتمويلات المناخ، حسبما تقول وو.
تحدٍ صعب
وتقول شي شاومين، الباحثة في سياسات الطاقة بجامعة شنجهاي جياو تونغ، إن تحقيق حالة الحياد الكربوني يُمثّل "تحدِّيًا صعبًا تواجهه الصين". تعمل شي نائبةً لمدير معهد أبحاث الحياد الكربوني التابع للجامعة، الذي تأسَّس في شهر مايو. وحسبما تقول شي، فقد حصل المعهد بالفعل على تمويل بمبلغ 20 مليون يوان صيني تقريبًا (3.1 مليون دولار أمريكي)، للعمل على مجموعة واسعة من تكنولوجيا الطاقة.
وانطلاقًا من الوضع الحاليّ، الذي تطلق فيه الصين أكثر من 11 جيجا طن من ثاني أكسيد الكربون في 2020، ينبغي للصين تخفيض انبعاثاتها لتحقق حالة صفرية من الانبعاثات، في غضون أربعة عقود. وبحسب ما يقول جانج هي، مصمم نماذج نظم الطاقة بجامعة ستوني بروك في نيويورك، الذي درس نظام الطاقة الصيني، فالصين هي الدولة الأولى على الإطلاق التي تحاول تحقيق انخفاض على هذا النطاق وبهذه السرعة.
من الجدير بالذكر أن ما تطلقه الصين حاليًا من انبعاثات يبلغ ضعف الانبعاثات التي تطلقها الولايات المتحدة، وثلاثة أمثال ما تطلقه الهند، التي تعهدت بدورها في مؤتمر «كوب 26» بالوصول إلى صافي انبعاثات صفري مع حلول عام 2070.
وتقول فو شا، مصممة النماذج التي تعمل مع «إنيرجي فاونديشن تشاينا» Energy Foundation China غير الربحية ومقرها بكين: "هناك كثير من المجالات التي ستحتاج إلى إسهامات الباحثين"، وتتضمن هذه المجالات تكنولوجيا الطاقة منخفضة الانبعاثات الكربونية، من خلايا وقود الهيدروجين إلى البطاريات، إلى جانب الآليات المعتمدة على ظروف السوق، بغرض الحدِّ من الانبعاثات، ومنها ضرائب الكربون ومخططات التجارة، وكذلك النماذج التي ستُساعد الحكومات والصناعات المحلية على وضع أهداف واقعية لتقليل الانبعاثات، حسبما تقول شا.
سيجب على الباحثين كذلك تحديد أي من الشرائح السكانية ستتأثر بدرجة أكبر جرّاء هذا التحول، وكذلك البحث في طرق مساعدتهم على التكيّف، حسب قول هي، الذي يضيف أن تمهيد الطريق نحو "تحول أكثر عدلًا وشمولًا، يمثّل أحد الموضوعات البحثية بالغة الأهمية".
الطاقة الشمسية.. طاقة الرياح.. الطاقة الكهرومائية
لكن أمام كثير من المعاهد البحثية طريقٌ طويلٌ لضبط توجّه أقسامها البحثية بصورة تتواءم مع أهداف الحياد الكربوني، بحسب قول جيانج. ومن زاوية أخرى، يشير زانج شيليانج، مصمم النماذج المناخية بجامعة تسينج-هوا في بكين، التي أسَّست معهدًا خاصًا بها للحياد الكربوني في شهر سبتمبر، إلى أن هذه الأقسام البحثية الجديدة ستحتاج إلى هجر الموضوعات الهندسية التقليدية، التي تركز مثلًا على تكنولوجيا الغلايات التي تعمل بالفحم، ومحركات الاحتراق الداخلي.
أحد وثيقتي السياسة اللتين أصدرتهما الحكومة المركزية، بعد طول انتظارٍ في شهر أكتوبر، تُركّز على توجيهات العمل، أما الأخرى فتتناول برنامج العمل حتى عام 2030. وكلا الوثيقتين يضع الخطوط العريضة للمسار البحثي، ويقدِّم للمرة الأولى تفاصيل دقيقة بخصوص خطة الحكومة الصينية لتحقيق أهدافها الكربونية.
وتتحدث الوثيقتان عن "تعزيز الأبحاث الأساسية والأبحاث في مجال التكنولوجيا المتقدمة"، مثل الانقسام النووي، والشبكات الذكية والمواد الجديدة، وكذلك وضع "برنامج عمل يضمن دعم العلوم والتكنولوجيا على نحو أفضل"، بغرض تحقيق حالة الحياد الكربوني.
وتضم الوثيقتان أيضًا تفاصيل بخصوص التزام البلاد بزيادة حصة الطاقة التي تُنتجها الصين من مصادر نووية ومتجددة، من 16% في وقتنا الحاليّ إلى 80% بحلول عام 2060. وتخطط الحكومة لزيادة سعة الطاقة الشمسية وطاقة الرياح إلى 1200 جيجاواط بحلول عام 2030، وهي سعة تكفي لتزويد مئات الملايين من المنازل بالطاقة، وكذلك تركيب 80 جيجاواط من الطاقة الكهرومائية على مدار العقد القادم.
ووفقًا للوثيقتين، فإن تقنيات احتجاز الكربون وعزله ستلعب هي الأخرى دورًا مهمًا في تحقيق أهداف الصين، ويمكن أن تُمثِّل نقاطًا يُركّز عليها الباحثون. وتقدم الوثيقتان أيضًا خطة لزيادة نسبة المركبات الكهربية والهجينة لتصبح 40% من المركبات المُباعة بحلول عام 2030. ويقول الباحثون إنهم يتوقعون قدرًا أكبر بكثير من التفاصيل في الوثائق التي ستُنشر مستقبلًا.
تبعات عالمية
ورغم النشاط المحموم بهدف تحقيق صافي الانبعاثات الصفري في الصين، فلا يزال بعض الباحثين يشعر بخيبة الأمل جرّاء الالتزامات التي قطعتها الصين حتى الآن.
ففي اجتماع «كوب26»، وقَّعت الصين بيانًا مشتركًا مع الولايات المتحدة، يهدف إلى البحث عن طرق لتقليل الانبعاثات أكثر، لكن بعض العلماء شعروا بالإحباط لامتناع الصين عن تقديم تعهدات أقوى لتقليل الانبعاثات على مدار العام القادم، وكذلك لأن الصين مارست ضغوطًا لتعديل نص الاتفاقية النهائية بخصوص الفحم، من "التخلّص التدريجي" من استعمال الفحم إلى "التقليل التدريجي" لاستعمال الفحم.
وتقول يان تشين، عالمة الاقتصاد ومُحللة الكربون، المقيمة في أوسلو والتي تعمل مع شركة «ريفينيتيف» Refinitiv، التي تقدِّم بيانات عن الأسواق المالية، إن تعهّدات الصين الحالية لن تنجح على الأرجح في إبقاء الاحترار العالمي تحت 1.5 درجة مئوية، وهو الهدف الأكثر طموحًا من بين الأهداف التي وضعتها حكومات العالم في مؤتمر باريس للمناخ التابع للأمم المتحدة عام 2015. وتستطرد تشين: "ما تعهّدت به الصين لا يكفي".
وحتى الآن، لم تضع الصين حدًا أقصى للانبعاثات التي تُطلقها، ولا أهدافًا بخصوص انبعاثات غازات الدفيئة الأخرى بخلاف الكربون، مثل غاز الميثان، ولكنها تعهَّدت بفعل الأمرين. ويقول الباحثون إن هذه الإجراءات ستكون ضرورية لإتاحة فرصة خفض الاحترار العالمي بما يقل عن 1.5 درجة مئوية.
ضخامة الصين تعني أن لتعهداتها تبعات عالمية، بحسب بيب كاناديل، كبير الباحثين بمركز علم المناخ التابع لهيئة البحوث الأسترالية الحكومية في كانبيرا، الذي يضيف: "حينما تتحرَّك الصين قليلًا في هذا الاتجاه أو ذاك، يحس العالم كله بتبعات ذلك".
ويقول هي إن أهداف الصين، رغم أنها ليست على قدر الطموح الذي يرغب فيه بعضهم، فإنها واقعية على الأقل. ويُكمل: "ما يجب على الصين فعله يختلف في بعض الأحيان عما يمكنها الوفاء به".
اضف تعليق