يرى الباحثون أن اتفاق جلاسجو للمناخ خطوة إلى الأمام، بَيْد أن الجهود المبذولة لتقليل انبعاثات الكربون، لا تكفي لتقليص مقدار الاحترار العالمي إلى درجتين مئويتين بحد أقصى. اذ توصَّل ممثلو الحكومات المشاركون في «المؤتمر السادس والعشرين لأطراف اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغيُّر المناخ» (المعروف اختصارًا بـCOP26)...
بقلم: إحسان مسعود وجيف توليفسون
يرى الباحثون أن اتفاق جلاسجو للمناخ خطوة إلى الأمام، بَيْد أن الجهود المبذولة لتقليل انبعاثات الكربون، لا تكفي لتقليص مقدار الاحترار العالمي إلى درجتين مئويتين بحد أقصى.
توصَّل ممثلو الحكومات المشاركون في «المؤتمر السادس والعشرين لأطراف اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغيُّر المناخ» (المعروف اختصارًا بـCOP26)، إلى اتفاق باتخاذ مزيدٍ من الخطوات لخفض انبعاثات غازات الدفيئة، عقب مباحثات امتدت لأكثر من 24 ساعة.
ففي الثالث عشر من نوفمبر الحاليّ، اتَّفق ممثلو ما يقرب من 200 بلد على الصيغة النهائية لنص الاتفاق، والذي جاء بتعهدات ببذل بمزيد من الجهود لكبح جماح هذه الانبعاثات، والإخطار أولًا بأول بالخطى المحرزة في هذا الصدد، ورصد مزيدٍ من التمويلات للبلدان ذات الدخول المنخفضة والمتوسطة لمواجهة هذه الانبعاثات.
وقد أعرب باحثون عن ارتياحهم إزاء الخروج باتفاق من رحم الاجتماع، لكن بعضهم غادر المؤتمر شاعرًا بعدم الرضا لعدم تبنّي التزامات أكثر صرامة فيه للحدِّ من الانبعاثات، والإخفاق في الاتفاق على تمويلات لتحجيم "الخسائر والأضرار" للبلدان الأكثر عُرضة للتأثُر سلبًا بتغيُّر المناخ.
تعقيبًا على ذلك، قال نيكولاس هوينه، الباحث في علوم المناخ من جامعة فاجينينجن ومقرّها هولندا: "المؤتمر السادس والعشرون لأطراف اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغيُّر المناخ نجح في الوصول إلى اتفاق، لكنه لم يحلّ المشكلة". وأضاف أن البلدان في الوقت الحاليّ تحتاج إلى تقديم تعهّدات أكثر طموحًا للتصدي لمشكلة تغير المناخ.
وقد نصَّت الوثيقة الختامية الصادرة عن المؤتمر التي تألَّفت من 11 صفحة، والمعروفة باسم «اتفاق جلاسجو للمناخ» على وجوب الحدِّ من انبعاثات غازات الدفيئة، وخفض انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون بنسبة 45% بحلول عام 2030، عما كانت عليه في عام 2010، لمنع درجات الحرارة العالمية من تجاوز 1.5 درجة مئوية فوق مستوياتها في عصور ما قبل الثورة الصناعية. وتشير الوثيقة إلى أنه في ظل التعهدات الحالية للحدِّ من الانبعاثات، من المتوقع أن تزداد مستويات هذه الانبعاثات بحلول عام 2030 بنسبة 14% تقريبًا عما كانت عليه في عام 2010.
وقد أقرَّت البلدان المشاركة في المؤتمر بالحاجة الماسة إلى تقليل الانبعاثات بوتيرة أسرع، كما اتفقت على تقديم تقرير سنوي يُوضِّح الخُطَى المُحرَزة في هذا الشأن. وللمرّة الأوُلى في تاريخ مؤتمرات أطراف اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغيُّر المناخ، أشار نص وثيقة المؤتمر إلى أن البلدان المشاركة فيه اتفقت على بدء خفض توليد الطاقة من الفحم (دون احتجاز الكربون وتخزينه)، وبدء إلغاء الدعم الموجّه للأنواع الأخرى من الوقود الأحفوري.
"نعي أن ما نطمح إلى تحقيقه لا يزال غير كافٍ للوفاء بالتعهدات المُلزِمة التي جرى التوصل إليها في اتفاق باريس للمناخ".
رغم ذلك، بعد معارضة من دولتي الصين والهند، عُدِّل تعهد نصَّ في المسودات الأوَّلية للاتفاق على "التخلص التدريجي من استخدام الفحم" ليصبح "الخفض التدريجي لاستخدام الفحم".
وقد شدد بوبندر ياداف، وزير البيئة وتغيُّر المناخ الهندي، في المؤتمر على أهمية ألا تتوقع البلدان الأكثر ثراءً من البلدان الأكثر فقرًا التوقف عن تمويل إنتاج أنواع الوقود الأحفوري كالغاز، معللًا كلامه بأن الأُسر محدودة الدخل تعتمد على الوقود الأحفوري لخفض تكاليف الطاقة التي تتحملها.
ثغرات باقية
تضمن الاتفاق أيضًا تعهدات بعض البلدان بوقف إزالة الغابات، وخفض انبعاثات غاز الميثان، فضلًا عن وعود من القطاع المالي للمؤتمر بحشد استثمارات تبلغ قيمتها أكثر من تريليون دولار لتمويل شركات تلتزم بتحقيق صافي انبعاثات صفري. مع ذلك، تدل جهود النمذجة المناخية على أن هذه الوعود ستظل غير كافية للحدِّ من مقدار الاحترار العالمي فلا يتجاوز درجتين مئويتين فوق مستويات عصور ما قبل الثورة الصناعية، وهو ما نصَّ عليه اتفاق باريس للمناخ، الذي أُبرم في عام 2015.
وإذا حققت البلدان المشاركة في المؤتمر الأهداف المرجوة منها بحلول عام 2030، فمن المتوقع أن تستمر درجات الحرارة العالمية في الارتفاع بمقدار 2.4 درجة مئوية فوق مستويات عصور ما قبل الثورة الصناعية بحلول عام 2100، وفقًا لتحليل أجراه هوينه وفريقه البحثي، ونشره الموقع الإلكتروني «كلايمت أكشن تراكر» Climate Action Tracker في الأسبوع الأول من انعقاد المؤتمر (انظرgo.nature.com/3hikj6f).
وقبيل ختام المفاوضات، ألقى السيد ألوك شارما، رئيس المؤتمر، كلمة قال فيها: "نعي أن ما نطمح إلى تحقيقه لا يزال غير كافٍ للوفاء بالتعهدات المُلزِمة التي جرى التوصل إليها في اتفاق باريس للمناخ". وأضاف: "أبقينا على الهدف الرامي إلى عدم تجاوُز درجات الحرارة العالمية لـ1.5 درجة مئوية فوق مستوياتها قبل الثورة الصناعية، لكن الآمال في تحقيقه واهية، ولن يصمد إلا إذا التزمنا بالتعهدات التي أخذناها على عاتقنا وترجمناها سريعًا إلى أفعال".
أما تشارلي جاردنر، اختصاصي البيولوجيا والحفاظ على البيئة من جامعة كِنت في كانتربري بالمملكة المتحدة، والذي انضم إلى المظاهرات التي اندلعت خارج المؤتمر تحت لواء مجموعة الناشطين «ثورة العلماء» Scientist Rebellion، فيقول إن العالم في حاجة إلى إجراءات جذرية أكثر صرامة، مثل التعجيل بوقف إنتاج الوقود الأحفوري وتغيير اتجاه اقتصادات الدول لينحرف مسارها عن النمو الثابت.
الخسائر والأضرار
كما حظي تمويل جهود مواجهة التغير المناخي، أي قيام البلدان الغنية بتمويل البلدان ذات الدخل المنخفض والمتوسط لمساعدتها على الانصراف عن الاعتماد على الوقود الأحفوري، بمناقشة مكثفة خلال المؤتمر.
وكان غضب عارم قد ساد إزاء إخفاق البلدان ذات الدخل المرتفع في الوفاء بتعهداتها السابقة بتوفير 100 مليار دولار أمريكي لتمويل جهود مواجهة التغيُّر المناخي سنويًا، بدءًا من عام 2020. في هذا الصدد تقول سارة جين أحمد، الباحثة المتخصصة في تمويل العمل المناخي واستشارية وزراء مالية «مجموعة العشرين» V20، وهي مجموعة تضم 20 بلدًا مهددًا بالتأثر سلبًا بالتغيرات المناخية، إن "مفاد الرسالة التي بعثها «مؤتمر أطراف اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ» أن على كل بلد أن يساعد نفسه".
مع ذلك، يتضمَّن «اتفاق جلاسجو للمناخ» التزامًا بمضاعفة "تمويلات العمل المناخي"، وهي مبالغ تُرصد لمساعدة البلدان منخفضة الدخل على تحسين تأقلمها مع أزمة التغيُّر المناخي، لتبلغ قيمة هذه التمويلات 40 مليار دولار أمريكي بحلول عام 2025. ويقترب حجم تمويلات العمل المناخي في الوقت الراهن من ربع المبلغ الذي يُرصد سنويًا لتمويل التأقلم مع التغير المناخي في البلدان ذات الدخل المنخفض والمتوسط، والذي تبلغ قيمته 80 مليار دولار أمريكي.
بالإضافة إلى ذلك، يُلزم الاتفاق البلدان بمواصلة السعي إلى وضع تعريف محدد لتمويلات العمل المناخي تتوافق عليه جميع البلدان. وتصف كلير شاكيا، الباحثة في المعهد الدولي للبيئة والتنمية، وهو منظمة بحثية مقرها لندن، هذا الإلزام بأنه أساسي إذا استعادت البلدان المتقدمة والنامية ثقتها في بعضها. وفي الوقت الحاليّ، يختلف تعريف تمويلات العمل المناخي باختلاف البلدان. فعلى سبيل المثال، يعد بعض البلدان المعونات الإنمائية (التي قد تشمل تمويل توفير المياه النظيفة أو بناء المدارس) أحد صور تمويلات العمل المناخي. ويعد بعض البلدان أيضًا القروض من أشكال تمويلات العمل المناخي، بينما يرى بعضها الآخر أن توفير تمويلات العمل المناخي لا بدَّ أن يتأتى في صورة مِنح.
وقد أخفقت البلدان المشاركة بالمؤتمر في التوافق على إنشاء صندوق لتمويل "الخسائر والأضرار"، والقصد من وراء هذا النوع من التمويلات أن يخدم كبوليصة تأمين، يمكن من خلالها تعويض البلدان المهددة بالتأثر سلبًا بالتغير المناخي عما يلحق بها من أضرار تُخلِّفها الانبعاثات التي لم تتسبب هي فيها. بيد أن الاتفاق الذي تمخض عنه المؤتمر يتضمن خططًا لإنشاء مكتب تابع لمنظمة الأمم المتحدة ليصبح أحد مرافق المساعدة التقنية التي ستستمر في بحث هذه الفكرة.
في هذا السياق، يقول مالك أمين أسلم، الناشط في مجال حماية البيئة ووزير تغير المناخ بباكستان: "على أرض الواقع، لا شك أن البلدان تتكبد خسائر وأضرارًا بفعل تغير المناخ بينما نتحدث الآن، وأن أعباء هذه التكاليف تتشارك الدول في تحملها على نحو غير منصف". وقد أعرب أسلم عن ثقته في أن هذا الصندوق سوف يُؤسس في نهاية المطاف، لكنه يعتقد أن ذلك لن يجري إلا بعد عقد مزيد من المناقشات.
سوق الكربون
انتهى المشاركون في مفاوضات المؤتمر أيضًا من صوغ الأحكام التي تنظِّم أوجه التعاون الدولي، وأسواق الكربون، وهو ما أنهى جدالًا مطوَّلًا بخصوص كيفية تنفيذ هذه الجزئية التي وردت في اتفاق باريس للمناخ، المبرم في عام 2015. وتطرح هذه الأحكام الجديدة نظامًا محاسبيًا يُرجى من خلاله منع تكرار حساب أنشطة الحدِّ من الانبعاثات. فعلى سبيل المثال، عندما تضخ شركة أو بلد ما استثمارات في الحدِّ من الانبعاثات لدى شركة أخرى أو بلد آخر، فإن هذا الإطار المحاسبي الجديد يضمن ألا يُسجل هذا النشاط إلا مرة واحدة، عند إبلاغ منظمة الأمم المتحدة به.
وقد احتفى معظم العلماء والمتخصصين في مجال البيئة بهذه النتيجة. عن ذلك، يقول روبرت ستافينز، المتخصص في الاقتصاد من جامعة هارفارد، ومقرها مدينة كامبريدج بولاية ماساتشوستس الأمريكية إن هذه المحصلة "غاية آمالنا". فوجود إطار محاسبي مشترك من شأنه أن يفتح المجال أمام تنفيذ خطط تبادل تجاري منفصلة لحصص الكربون، كالمعمول بها حاليًا في أوروبا والصين وبعض مناطق الولايات المتحدة الأمريكية، بهدف إنشاء سوق دولية أكبر.
لكن على الرغم من أن الوثيقة الختامية للمؤتمر تشير إلى حقوق الشعوب الأصلية للبلدان، وهي شعوب تشرف على مساحات شاسعة من الغابات الاستوائية المهددة بتغير المناخ، يتساءل بعض النشطاء عما إذا كانت الأحكام الجديدة كافية، أم لا. وتقول جنيفر تاولي كوربوز، وهي محامية تنتمي لشعوب الإجوروت بالفلبين، وتشغل منصب الرئيس المعني بالسياسات من مجموعة «نيا تيرو» Nia Tero لدعم الشعوب الأصلية وهي مجموعة غير هادفة للربح: "سيتعين علينا أن نراقب عن كثب تنفيذ هذه الخطة الجديدة للحدِّ من الانبعاثات الكربونية، في ضوء أنها لا تشير إلا من بعيد إلى حقوق الشعوب الأصلية". وتضيف: "النبأ السار أننا نتمتع بموجب هذه الخطة بحماية أكبر من التي كان سيوفرها لنا سوق تبادل الحصص الكربونية التطوعي سريع النمو".
وفي تحليل تناول الالتزامات سالفة الذكر التي تعهدت بها الدول للتصدي للتغير المناخي، والتي وُضعت قبل انعقاد المؤتمر، قُدِّر حجم النفقات التي قد يوفرها العالم سنويًا بحلول عام 2030 حال وجود سوق عالمية للكربون بنحو 300 مليار دولار أمريكي (J. Edmonds et al. Clim. Change Econ. 12, 2150007; 2021). في هذا الصدد، يقول جيمس إدموندز، أحد من شاركوا في كتابة التحليل والمتخصص في علم المناخ بالمختبر الوطني لشمال غرب المحيط الهادئ التابع لوزارة الطاقة الأمريكية وجامعة ميريلاند ومقرها كوليدج بارك بالولايات المتحدة: "إذا أُعيد استثمار هذه الأموال في مجال تخفيف آثار التغير المناخي، سيقفز العدد السنوي المقترح لعمليات الحدِّ من الانبعاثات في عام 2030 إلى ما فوق الضعف". وأضاف: " الفرص في هذا المجال لا تعد ولا تحصى".
تمثيل الأطياف المختلفة في المؤتمر
على الرغم من أن المؤتمر خلص إلى اتفاق نهائي، فإن الاجتماع تعرَّض للانتقاد بسبب منع ممثلي عديد من الجماعات غير الحكومية، ومنهم باحثون، من حضور المناقشات.
ضمَّ المؤتمر ما يقرب من 12 ألف ممثل من أطياف مختلفة؛ من قطاع الأعمال ومن الشباب والباحثين. ووفقًا لتريسي باخ، المحامية المتخصصة في مجال حماية البيئة، والتي تشارك في رئاسة مجموعة باحثين باسم «هيئات البحث غير الحكومية المستقلة» Research and Independent Non-Governmental Organizations، فعلى مدار أغلب فاعليات المؤتمر، لم يُسمح إلا لممثل واحد من كل جماعة بحضور المفاوضات التي جرت داخل قاعات مغلقة، بينما سُمح لعدد أكبر بكثير من ذلك بالحضور في جلسات القمة السابقة لهذا المؤتمر.
وكانت حكومة المملكة المتحدة قد أعلنت في السابق أن المؤتمر كان الأكثر تمثيلًا لمختلف الأطياف بين مؤتمرات أطراف اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ، إذ سُمح فيه بحضور قرابة 40 ألف شخص (بما في ذلك مُوفَدو الحكومات الرسمية)، مقارنة بـ22 ألف شخص حضروه لدى انعقاده في مدريد. وهنا، تقول باخ: "جاء معظم المراقبين لجلسات المؤتمر للمشاركة في عملية المفاوضات". وأردفت: "إعطاء عدد أكبر من الأشخاص شارات [ليدخلوا بها مركز المؤتمرات] دون السماح لهم بمتابعة فاعلياته مباشرة لا يجعل المؤتمر بالضرورة أكثر تمثيلًا للأطياف المختلفة من ذي قبل".
أما باتريشيا إسبينوزا، الأمينة التنفيذية لاتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغيّر المناخ في جنيف، فقد صرَّحت للحضور بأن التجربة التي حظي بها مراقبو المؤتمر سيُنظَر فيها فورًا "لضمان تمثيل مزيدٍ من الأطياف المختلفة مستقبلًا".
اضف تعليق