الزلزال المدمّر الذي ضرب النيبال وذهب ضحيته أكثر من 6700 قتيل وأكثر من 14 ألف جريح، لايزال محط اهتما عالمي خصوصا وان حجم الدمار الهائل وضعف الإمكانات الحكومية ربما قد يتسبب بحدوث كارثة انسانية خطيرة بسبب نقص الامدادات وانتشار الجثث التي قد تكون بداية لازمة صحية كبيرة في هذا البلد الفقير الذي يعاني الكثير من الازمات والمشاكل كما يقول بعض المراقبين، وبحسب بعض التقارير فقد اعلنت الامم المتحدة ان 8 ملايين من اصل 28 مليون نيبالي، بينهم 1٫7 مليون طفل، تضرروا من الزلزال الذي بلغت قوته 7٫8 درجه، ويعد الاعنف منذ اكثر من 80 عاماً، واطلقت الامم المتحدة نداءً لجمع 415 مليون دولار. وفي سياق متصل أعلنت الحكومة النيبالية التي تواجه انتقادات وغضب شعبي كبير، أنه لم يعد هناك أي أمل في العثور على ناجين تحت أنقاض المباني، التي انهارت من جرّاء الزلزال المدمّر، ولايزال الآلاف مفقودين في نيبال، بينما بدأ توصيل الأغذية والمساعدات لمَن تقطعت بهم السبل في المناطق النائية بعد الزلزال.
من جانب اخر قالت رئيسة وفد الاتحاد الأوروبي في نيبال، رينسجي تيرنيك، إنه لا يزال هناك ما يصل إلى ألف أوروبي بين المفقودين؛ معظمهم في طرق معروفة لممارسة تسلق الجبال. وأضافت تيرنيك: "لا نعلم أين هم أو أين يمكن أن يكونوا"، وقال مسؤولون إن من الصعب اقتفاء أثر المفقودين؛ لأن الكثير ممّن يقومون بهذا النوع من الرحلات لا يسجلون أسماءهم في سفارات بلادهم. وفي العاصمة كاتماندو، تمّ إحراق الكثير من الجثث المجهولة سريعاً تجنباً لانتشار الأمراض، ولمحاولة تخفيف الرائحة الكريهة التي بدأت تنبعث من الجثث في المناطق المنكوبة.
خطر تفشي الأمراض
وفي هذا الشأن وعقب تعرضها لزلزال المدمر تواجه نيبال خطر تفشي الأمراض إثر تضرر نظام الصرف الصحي فيها بشكل كبير، بجانب بدء تحلل الجثث المفقودة بين الأنقاض، ما يهدد آلاف الناجين الذين يعيشون في أوضاع مزرية. ويخشى مسؤولو الإغاثة مواجهة كارثة أخرى شبيهة بانتشار مرض الكوليرا في هايتي بعد زلزال العام 2010. وفي هذا الصدد قال باتريك فولر، المتحدث باسم اللجنة الدولية للصليب الأحمر في منطقة آسيا - المحيط الهادئ، "حين يكون هناك بيئة الوضع الصحي فيها سيء ويشرب السكان من موارد مياه مشكوك بأمرها، سيكون هناك دائما خطر انتشار أمراض تنتقل عبر المياه، مثل الإسهال والأمراض الرئوية".
وفي المخيمات حيث ينتشر الخوف من الإصابة بالأمراض، يرتدي الناجون كمامات طبية، حتى أن رئيس الحكومة سوشيل كويرالا ارتدى واحدة خلال زيارة لطمأنة العائلات المذعورة. من جهته شرح بابو رام مراسيني من دائرة مكافحة الأمراض والأوبئة في نيبال قائلا إن "منشآت الصرف الصحي والمياه في الخيم بالغة الأهمية". متابعاً " أبلغنا الحكومة إنها إذا لم تفعل أي شيء بهذا الخصوص فسيكون الوقت تأخر فعليا". وبسبب المخاوف من كارثة صحية في العاصمة فضل الكثير من السكان العودة إلى القرى.
أما الباقون في العاصمة فيعانون من وضع محبط فعلياَ، حيث تعيش عائلات كبيرة قد يصل عدد أفرادها لخمسة عشر فرداً في خيام صغيرة في المخيمات المنتشرة في ساحتي تونديخل وخولا مانش، حيث تنتشر المراحيض العامة. وفي ميدان تونديخل قالت كريشنا سيفا "نخشى فكرة استخدام تلك المراحيض، وحتى المساحات المتبقية أصبحت محدودة". وعمدت الطواقم الصحية إلى إزالة النفايات ورش المطهرات، إلا أن بعض المشردين بين المخيمات يشكون من ضعف المساعدة المقدمة من الحكومة.
وقالت غوراف كالكي (25 عاما) التي تعيش في خيمة مع عائلتها وكلبيها، "نستخدم مطهراتنا الخاصة في خيمتنا في محاولة لتفادي الإصابة بالأمراض". أما فولر من الصليب الأحمر فأشار إلى أن الأولوية هي إنشاء "مراكز إمداد مياه مناسبة" في كل أنحاء كاتماندو والمناطق المتضررة حولها. وتابع "لا أريد أن أتوقع انتشار أوبئة حاليا ولكن المناعة لدى صغار وكبار السن تضعف بشكل كبير في حال عدم حصولهم على الغذاء المناسب والمياه النظيفة في ظل بيئة لائقة للعيش".
وأضاف "تحدثنا إلى الكثير من الأشخاص وهم لا يستطيعون الحصول على المياه". وأوضح فولر أن "المنظمات توزع زجاجات المياه واعتقد أن الحكومة تحاول إطلاق جهود لإيصال المياه إلى مناطق متنوعة، ولكننا في مدينة من 2,5 مليون نسمة، والجميع يعاني الأمر نفسه". ورجح أن يكون الوضع في المناطق الريفية أفضل بفضل تدفق جداول المياه. بحسب فرانس برس.
من جهته، لفت اجاي ليخي، رئيس مؤسسة دلهي الصحية، إلى "الخطر الناتج من تحلل جثث البشر وجيف الماشية والحيوانات الأليفة". وأوضح أنه "من غير الممكن إزالة كل الجثث في وقت واحد. سيكون هناك جثث مدفونة بين الركام. لذلك لا يمكن إزالة خطر مرض الملاريا او أمراض أخرى ينقلها البعوض بسبب انتشار الرطوبة". وأبدى شاهي، قريب كالكي خوفه من المستقبل واحتمال انتشار الأمراض. وقال "أتساءل ماذا سنفعل الآن وكم من الوقت سنبقى هنا في العراء".
من جانب اخر تحاول شرطة مكافحة الشغب النيبالية احتواء غضب الناجين فيما يخوض رجال الانقاذ سباقا مع الزمن بحثا عن احياء محتملين تحت الانقاض في كاتماندو. ويتراجع مخزون المؤن فيما لا تزال الهزات الارتدادية تثير الخوف في المدينة المنكوبة. وبدأ الاف الاشخاص الراغبين في المغادرة التجمع امام ابرز محطة حافلات بعدما وعدت الحكومة بتامين خدمات خاصة.
لكن مع تاخر وصول الحافلات بدأ مواطنون يعبرون عن غضبهم وتطور الوضع الى صدامات بين الحشود فيما ارسل العديد من عناصر مكافحة الشغب في محاولة لاحتواء الوضع قرب البرلمان. وقال كيشور كافري الطالب البالغ من العمر 25 عاما "نحن ننتظر قالوا لنا انه سيتم تامين 250 حافلة لكن ايا منها لم يصل". واضاف "نحن على عجلة للوصول الى منازلنا وتفقد عائلاتنا لاننا لا نعلم ما سيحل الان. اعتقد ان الحكومة تواجه صعوبات كبرى. وفي المناطق النائية كان العديد من الناس يطلبون المساعدة لنقلهم عبر مروحيات كانت تصل الى قراهم لنقل المساعدات.
عمليات متواصلة
على صعيد متصل تمكنت فرق الانقاذ من انتشال صبي عمره 15 عاما حيا من تحت الانقاض في الزلزال الذي ضرب النيبال في تطور لحظة نادرة بعثت مشاعر الفرح في العاصمة المدمرة كاتماندو بعد ايام من الكارثة وقال الصبي الناجي ويدعى بيمبا تامانغ انه تمكن من البقاء حيا بتناول السمن. واعتبر انقاذه معجزة قوبلت بصيحات الابتهاج من حشود المارة الذي تجمعوا لمشاهدة عملية الانقاذ في بيت للضيافة دمره الزلزال. الا ان انتشال جثة صبي اخر من المكان نفسه بعد دقائق قليلة اكد تضاؤل احتمال العثور على ناجين. وسارعت فرق الانقاذ الى وضع دعامة لرقبة الصبي بيمبا الذي غطاه الغبار وثبتت في ذراعه انبوب تغذية قبل ان يتم نقله على عجل الى مستشفى ميداني حيث تبين انه غير مصاب سوى بجروح طفيفة فقط.
وقال الصبي "لم اعتقد ابدا انني ساخرج حيا". واضاف بيمبا الذي كان يعمل بوابا في بيت الضيافة، انه كان يتناول الغداء قرب مكتب الاستقبال عندما بدأت الارض في الاهتزاز. واضاف "حاولت الهرب ولكن شيئا سقط على راسي وافقدني الوعي -- لا ادري كم بقيت غائبا عن الوعي". واضاف "عندما صحوت كنت عالقا تحت الانقاض ووجدت نفسي وسط ظلام كثيف (...) وسمعت اصوات اشخاص اخرين من حولي يصرخون طلبا للمساعدة .. ولكنني شعرت بالعجز عن مساعدتهم".
وردا على سؤال عما اذا كان ياكل شيئا اثناء احتجازه تحت الانقاض، قال بيمبا انه عثر على "عبوة من السمن في الظلام". واضاف "لا ادري من اين اتت". وصرحت ليبي وايز المتحدثة باسم المستشفى الميداني ان بيمبا "يتحسن بطريقة رائعة" مؤكدة انه لم يصب بأية جروح خطيرة". واضافت "لقد بقي تحت الانقاض مدة 120 ساعة وهذه اطول فترة نسمع فيها عن شخص يبقى كل هذه الفترة تحت الانقاض وينجو". واوضحت "ليس لدي اي تفسير منطقي. انها معجزة. انه أمر رائع نراه وسط كل هذا الدمار".
وذكرت منظمة الصحة العالمية التابعة للامم المتحدة انها تلقت تقارير بان نحو 1400 شخص قتلوا في منطقة سيندهوبالتشوك الجبلية شمال شرق كاتماندو التي اصبحت احد المراكز الاساسية لجهود الاغاثة الدولية. وتوجهت مروحيات عسكرية نيبالية وهندية الى مناطق اقليم غورخا النائي التي تضررت بالزلزال والتي يستغرق الوصول اليها مشيا على الاقدام 12 يوما، بحسب المنظمة الدولية. الا ان المنظمة ذكرت في تقريرها ان "الاحتياجات لا تزال هائلة حيث ان المروحيات لا تستطيع الوصول الى بعض المناطق بسبب سوء الاحوال الجوية وحدة انحدار سفوح التلال". واكدت ان "الوصول الى هذه المناطق وتوفير الدعم الصحي يعد امرا اساسيا". بحسب فرانس برس.
وقالت راجينا ماهارجان بعد قضاء ليلة في خيمة خارج منزلها مع زوجها واهله وابنها البالغ 4 سنوات "لا ادري الى متى سنفعل هذا. الى متى سنعيش في الشارع؟. وفر مئات الاف السكان من المدينة خشية وقوع هزات ارتدادية ورغبة منهم في تفقد الدمار الذي لحق بالقرى التي يتحدرون منها. وعادت مؤشرات الحياة الطبيعية الى كاتماندو حيث فتحت بعض المتاجر ابوابها لاول مرة منذ الزلزال، بينما طرح باعة الخضر منتجاتهم في ساحة دوربار المدمرة.
من جانب اخر كان المزارع النيبالي ريشي رام خانال على وشك ترك بلاده والسفر للعمل في دبي كعامل نظافة في مطعم كنتاكي براتب شهري يصل إلى 220 دولارا مما كان سيتيح له فرصة انتشال أسرته من براثن الفقر. لكن آماله ذهبت أدراج الرياح ووجد خانال نفسه مدفونا تحت أنقاض مبنى في العاصمة كاتمندو يتكون من خمسة طوابق فاحتجز تحت الحطام واضطر لشرب بوله فيما أخذ يصرخ طلبا للنجدة وانتظر لأكثر من ثلاثة أيام إلى أن تم إنقاذه.
وقتل الآلآف عندما سوى الزلزال مباني بالأرض وأثار انهيارات جليدية وأرضية. وتم إنقاذ خانال (26 عاما) بعدما ظل محتجزا تحت الأنقاض 80 ساعة. لكن بعد أن تعافى في مستشفى جامعة تريبهوفان التعليمي وبتر الأطباء ساقه تمنى خانال لو أنه قتل في الكارثة. وقال "ماذا سأفعل باقي حياتي؟ فرصتي للعمل في دبي انتهت ولا يمكنني حتى العمل كمزارع.. لا أملك حتى المال اللازم لشراء كرسي متحرك. كيف سأقضي ما تبقى من حياتي وكيف سأوفر المال لأسرتي؟" ويواجه ملايين الناجين من أسوأ كارثة تضرب نيبال منذ 81 عاما نفس الأسئلة وأصبح عليهم ان يتكيفوا مع فقد الأحبة والأصدقاء والأقارب وإعادة إعمار حياتهم في بلد فقير مدمر. وقالت الأمم المتحدة إن حياة ما يصل إلى ثمانية ملايين شخص تضررت بسبب الزلزال.
إسرائيل تجلي مواطنيها
في السياق ذاته بدأت إسرائيل الاثنين إجلاء أبناء لأمهات بديلة وآبائهم الإسرائيليين من نيبال في رحلات العودة لطائرات أرسلت لتقديم الإغاثة من الزلزال القوي الذي ضرب البلاد. ولجأ العديد من المثليين في إسرائيل إلى أمهات بديلة في نيبال، لأن القانون الإسرائيلي لا يسمح باللجوء لأمهات بديلات من أجل الإنجاب إلا للزيجات بين النساء والرجال.
وقال ضابط إسرائيلي يدعى "كولونيل رون" "نقلنا سبعة أطباء لتقييم حجم الكارثة ومداها وسنعد بقية القوات التي ستصل من إسرائيل. والمهمة الثانية كانت إعادة 11 إسرائيليا منهم ثلاثة رضع ولدوا هناك قبل أسبوعين. لدينا المعرفة الكافية والخبرة والمهنية اللازمة لتنفيذ المهمة لكن الأهم أن لدينا الالتزام الأخلافي بإعادة المواطنين الإسرائيليين وأعتقد أن هذه المهمة تمت بسلاسة وبشكل مهني والأهم بكثير من الحساسية."
وقالت الخارجية الإسرائيلية إن الرضع ضمن 25 طفلا ولدوا في الفترة الأخيرة لأمهات بديلة في نيبال وتقرر نقلهم إلى إسرائيل بعد زلزال وستنقل كذلك خمس أمهات بديلة في المراحل الأخيرة من الحمل إلى إسرائيل. وقالت إذاعة "راديو إسرائيل" إن النساء سيسمح لهن بالبقاء في إسرائيل حيث يتلقين رعاية طبية أفضل حتى يضعن.
الى جانب ذلك تهافتت مجموعة من الجوالين معظمها من اسرائيل حاصرها انهيار جليدي في نيبال من أجل الحصول على الطعام ومكان على طائرات الهليكوبتر للانقاذ بعد أن رفض سكان محليون توفير المأوى لها. وكان يعتقد ان ما يصل إلى 250 شخصا فقدوا بعد وقوع انهيار جليدي في قرية في لانجتانج وهو متنزه عام شمال العاصمة كاتمندو. ولم يثبت وقوع حالات وفاة أو إصابات في الحادث.
ولم يستطع مئات من الجوالين -الذين شعر كثير منهم بالبرد والجوع- العودة لمكان آمن بسبب انسداد الطرق والممرات فيما أغلقت بعض الفنادق الصغيرة التي تضررت جراء زلزال. وقالت الجوالة الاسرائيلية ليلي ميلكوفيتش "كنا نجلس داخل خيمتنا عندما سقطت عليها فجأة كتلة من الثلج. بعد بضع دقائق وجدنا ان بعض اصدقائنا غطتهم الثلوج. وفور شعورنا بالقدرة على مساعدتهم بدأنا في سحبهم." بحسب رويترز.
وقالت ميلكوفيتش -بعد نقلها جوا إلى نقطة تجمع لاعادة من يتم انقاذهم إلى كاتمندو- ان شجارات دبت من أجل أولوية الصعود لطائرات الهليكوبتر لكن التوتر هدأ بعد ان تبين وجود عدد كاف من الطائرات لاعادة الجميع. وقال أميت روبن الذي يتمركز في مطار كاتمندو مع فريق من منظمة ماجنوس انترناشونال للبحث والإنقاذ "يعتقد القرويون ان السائحين يأخذون الكثير من الطعام." وقال اودهاف بهاتاري حاكم المقاطعة والذي يدير العمليات من منطقة التجمع إنه تم نقل 100 شخص بطريق الجو ومن المنتظر نقل 125 اخرين. وقال إن طائرات الهليكوبتر الاسرائيلية كانت تنقذ رعاياها أولا قبل الجنسيات الأخرى.
اضف تعليق