مشكلة الجفاف في الولايات المتحدة الأمريكية أصبحت من المشكلات المهمة والمعقدة خصوصا وان هذه المشكلة قد تفاقمت بشكل كبير في العديد من الولايات، بسبب التغيرات المناخية وارتفاع درجات الحرارة وغيرها من المشكلات الأخرى التي اثرت سلبا على العديد من مناحي الحياة هذا بالإضافة الى تأثيراتها الاقتصادية الكبيرة، وهو ما دفع السلطات الى اتخاذ بعض القرارات والقيود الخاصة في سبيل ترشيد استخدام المياه، وبحسب بعض المصادر الاعلامية فقد تنبأ علماء المناخ في الولايات المتحدة بأن المناطق الجنوبية – الغربية للبلاد سوف تتعرض الى جفاف شديد في النصف الثاني من القرن الحالي. ويستند العلماء في هذا الى المعلومات التاريخية المسجلة عن مناخ أمريكا الشمالية، ودرس العلماء حالة التربة وكمية هطول الأمطار وأخذوا بالاعتبار التوقعات بشأن ارتفاع درجات الحرارة في العالم.
وبحسب بعض التوقعات المستقبلية فستتعرض الولايات المتحدة بعد حوالي 50 سنة الى أشد موجة جفاف منذ ألف سنة. وهناك ما يشير الى صحة هذه التوقعات حاليا. فمثلا تعاني ولايات اوكلاهوما ونيفادا وكاليفورنيا وتكساس واريزونا منذ 11 سنة من شحة المياه. وان مستوى المياه في أحواضها الضخمة، مثل ميد وباول، قد انخفض بصورة ملحوظة.
خفض كميات المياه
وفي هذا الشأن فقد قررت شركة توزيع المياه في جنوب كاليفورنيا خفض كميات المياه التي تضخها للمدن والبلدات بنسبة 15 في المئة وذلك في إطار ترشيد استهلاك المياه بالولاية لمواجهة موجة من الجفاف المدمر مضى عليها أربع سنوات. وتهدف خطة شركة توزيع المياه الى إلزام منطقة لوس انجليس الكبرى بلوائح أصدرها حاكم كاليفورنيا جيري براون لسكان مدن الولاية وبلداتها بخفض استهلاك المياه بنسبة 25 في المئة وإلا عوقبوا بدءا من يوليو تموز القادم بتوقيع غرامات تصاعدية في أول خفض اجباري من نوعه للمياه في تاريخ الولاية.
ومن المتوقع استمرار هذا الخفض لمدة عام مع وجود فرص كل شهر لتعديل هذه اللوائح. أما إعادة النظر رسميا في الموضوع برمته فستجري في ديسمبر كانون الاول القادم موسم سقوط الامطار. وفي حالة نجاح خطة براون على مستوى الولاية فسيستهلك السكان والمنشآت التجارية فقط ثلاثة أرباع الكميات المستهلكة في عام 2013. وفرضت شركة توزيع المياه خططها الخاصة بترشيد استهلاك المياه أربع مرات فقط منذ عام 1977 كان آخرها عام 2008 عندما نجحت الولاية في نسبة خفض بلغت عشرة في المئة فيما يشعر مسؤولون بالتفاؤل بأن الوكالات المحلية ستلتزم مجددا بنسب الخفض. بحسب رويترز.
وقال جيفري كايتلينجر المدير العام لشركة توزيع المياه "لدي ثقة كبيرة في ان سكان جنوب كاليفورنيا سيحشدون انفسهم وراء هذا الهدف. إنه ليس وقت الهلع". وكان بعض اعضاء مجلس ادارة شركة توزيع المياه يسعى الى خفض أكبر نسبته 20 في المئة لكن الشركة وافقت على نسبة 15 في المئة معتبرة انه هدف قابل للتطبيق. ودخلت كاليفورنيا عامها الرابع من موجات الجفاف الشديد حيث وصلت كتل الجليد على قمم الجبال -التي عادة ما توفر نحو ثلث احتياجات الولاية من المياه- عند أدنى مستوى قياسي لها ما أجبر المزارعين على حرث رقعة زراعية تصل الى آلاف الافدنة.
الاثرياء وهدر المياه
الى جانب ذلك يواجه الاثرياء في ولاية كاليفورنيا الاميركية، انتقادات كثيرة على خلفية اتهامهم بهدر المياه لاستخدامها في ري حدائقهم الكبيرة واحواض السباحة الضخمة في مساكنهم. فعند التنزه في بيفرلي هيلز الراقية قرب لوس انجليس، ليس من النادر رؤية انظمة ري مشغلة في وضح النهار وبكامل قوتها تحت اشعة الشمس الحارقة ما يؤدي الى سكب نصف مياهها في قنوات الري تحت الارض.
وهذا الواقع يبدو صادما اكثر في قلب صحراء كاليفورنيا خصوصا في المناطق الراقية مثل بالم سبرينغز وبالم ديزرت، اذ تنتشر مضامير الغولف والحدائق الغناء والفيلات الفخمة ويؤدي ريها الى تبخر كميات كبيرة من المياه في اوج ارتفاع الحرارة. ستيفاني بينسيتل هي استاذة علوم بيئية في جامعة يو سي ال ايه ومشاركة في اعداد دراسة بشأن استهلاك المياه تبعا لمستوى الدخل. وقد اظهرت هذه الدراسة ان الاحياء الاغنى هي تلك التي تشهد اكبر استهلاك للمياه للفرد، "خصوصا لأن المساكن اكبر حجما" وتضم المساحات العشبية الاكبر.
وبحسب بينسيتل فإن هذه المسألة تطرح اشكالية اخلاقية: "فهل لمجرد انكم تملكون مساحات اكبر من الارض لكم الحق في استهلاك مياه اكثر؟ لأن المياه التي يستخدمونها لري النباتات هي كمية لن يستطيع احدنا شربها في الاشهر المقبلة". وفي مواجهة الاستنفاد السريع لمخزونات المياه في كاليفورنيا، اعلن حاكم الولاية قيودا على الاستهلاك المياه كما ان البلديات الاكثر نهما على المياه مثل بيفرلي هيلز المسماة "المدينة الحديقة"، قد تشهد اقتطاعا لمستويات استهلاكها من المياه بنسبة 35%.
وتقول تريش راي مساعدة مدير المشاريع الكبرى في بيفرلي هيلز إن "35 % نسبة كبيرة حقا، وأشعر بالقلق لمعرفة التدابير التي سيتعين علينا تطبيقها لتحقيق ذلك". وتؤكد راي أن البلدية قامت اساسا بتقليص استهلاكها للمياه بنسبة "14 % في خلال خمس سنوات" وبأن "المواطنين يفهمون أن الأمور تغيرت" بالمقارنة مع الفترة التي كانت المياه متوافرة بكميات كبيرة. وبحسب ستيفاني بينسيتل، سيتعين ايضا اعادة النظر في انظمة التعرفة عبر تحديد ثمن اغلى للمياه المستخدمة "في الخارج" اي لري الحدائق وملء الاحواض مقارنة مع تلك المستخدمة "في الداخل" للاستحمام او الطهو على سبيل المثال.
كما يمكن اللجوء الى حل آخر عبر فرض تعرفة تصاعدية، أي أنه كلما ازداد استهلاك المياه يصبح سعرها اغلى، وذلك عبر نظام المراحل "لأن الناس الاكثر ثراء بإمكانهم دفع مبالغ اكبر لكونهم يستهلكون اكثر" وفق هذه الباحثة. لكن سيكون من الصعب اجراء رقابة فعلية على طريقة استهلاك الناس: "فالأمر اشبه بتحديد مستويات السرعة (على الطرقات). إذا لم يكن هناك شرطي خلفكم، تقع على عاتقكم مسؤولية التقيد" بهذه الحدود بحسب بينسيتل.
لذا يتعين شرح سبب فرض هذه التدابير وأيضا كيفية تطبيقها: "فالناس لا يعلمون كم يستهلكون من المياه. علينا أن نشرح لهم بوضوح متى باستطاعتهم الري والمدة اللازمة لذلك...". وفي إمكان كل شخص في كاليفورنيا القيام بخطوات صغيرة من شأنها السماح على المدى الطويل بتغيير الوضع، "إذ ان الاستحمام لمدة اقصر لن يعكر صفوكم خلال النهار"، على ما تقول بينسيتل مبتسمة. بحسب فرانس برس.
ويفصل اونيسيمو خوريغوي، وهو بستاني، الطريقة التي يمكن لبعض التغييرات التقنية البسيطة أن تحدث فرقا على هذا الصعيد: "فمن الأفضل برمجة انظمة الري التلقائية للساعة الثالثة او الرابعة فجرا لأن كل ساعة يمكن توقيتها بشكل محدد". اما لناحية اختيار النباتات، ينصح خوريغوي بالاستغناء عن المسحات العشبية والازهار لاعتماد النباتات الصحراوية مثل الصبار والنباتات العصارية والأغاف التي تتناسب مع اللون الازرق اللازوردي لسماء كاليفورنيا.
حملة وتحذيرات
في السياق ذاته أطلق اريك جارسيتي رئيس بلدية لوس أنجليس حملة "انقذوا قطرة المياه" وذلك في إطار حشد سكان ولاية كاليفورنيا وراء جهود ترشيد استخدام المياه بسبب موجات الجفاف المستمرة منذ بضع سنوات. تجئ هذه الحملة في أعقاب توجيهات لسكان مدن الولاية بخفض استهلاك المياه قبل بدء أشهر الصيف الحارة والجافة وإلا عوقبوا بتوقيع غرامات تصاعدية.
ودخلت كاليفورنيا عامها الرابع من موجات الجفاف الشديد حيث وصلت كتل الجليد على قمم الجبال -التي عادة ما توفر نحو ثلث احتياجات الولاية من المياه- عند أدنى مستوى قياسي لها ما أجبر المزارعين على حرث رقعة زراعية تصل الى آلاف الافدنة. وفي لوس انجليس تلتمس حملة جارسيتي من سكان ثاني أكبر مدن الولايات المتحدة الحفاظ على المياه من خلال ملصقات على الحافلات والشاحنات وبرامج توعية بالمكتبات واعلانات تحثهم على وضع برامج لاحلال نباتات مقاومة للجفاف محل حشائش الحدائق الكثيفة في استهلاك المياه.
وقال جارسيتي في بيان من مكتبه في لوس انجليس أكثر مدن الولاية من حيث عدد السكان "لأننا اتبعنا أساليب استراتيجية وبدأنا مبكرا فقد توافرت لدينا أدوات قوية لمجابهة هذا الجفاف التاريخي". وأضاف "والآن ومن خلال هذه الحملة الموسعة التي لم يسبقها مثيل نتخذ اجراءات كي نطمئن الى أن كل واحد من سكان لوس انجليس على علم بالموقف ومستعد كي يطوع هذه الادوات لترشيد استهلاك المياه وخفض فواتيرها".
على صعيد متصل أعلنت كيت براون حاكم ولاية أوريجون الأمريكية حالة طوارئ خاصة بالجفاف في ثلاث مقاطعات جنوبية ووسطى بالولاية لتوسع بذلك نطاق اعلانات سابقة في مارس آذار الماضي فيما تواجه الولاية انخفاضا قياسيا في مستويات الكتل الجليدية. وقالت براون التي تنتمي للحزب الديمقراطي في الاعلان إن استمرار موجات الجفاف تسبب في "كارثة بيئية واقتصادية" بمقاطعات كروك وهارني وكلاماث بالولاية مما يفاقم من المخاطر التي تتعرض لها الحياة البرية والزراعة علاوة على اندلاع حرائق غابات. وقالت براون "شتاء أوريجون الدافئ والجاف بصورة غير معهودة يحمل تداعيات خطيرة محتملة".
يجئ الاعلان عن الجفاف في أوريجون في الوقت الذي يهدد فيه منسوب دون المعتاد من سقوط الأمطار وتدني مستوى الجليد قطاع الزراعة في مناطق من الغرب الامريكي. وفي واشنطن أعلن جاي انسلي حاكم ولاية واشنطن حالة طوارئ بشأن الجفاف في بعض مناطق الولاية الواقعة الى الشمال من أوريجون. وقالت براون إن مقاطعتي مالهور وليك في جنوب شرق أوريجون تخضعان لحالة طوارئ الجفاف. بحسب رويترز.
وتقول ادارة موارد المياه في اوريجون إن الكتل الجليدية على مستوى الوكالة أقل من 50 في المئة من المستوى المعتاد فيما نضبت مياه عدد من البحيرات والمسطحات المائية مما يمثل خطرا على أنواع الاسماك المهددة بالانقراض في المنطقة. وفي بعض الحالات أدت موجات الجفاف الى اكتشاف مواقع تاريخية كانت مدفونة منذ زمن طويل. وبدأت بلدة (كلاماث جنكشن) -التي هجرها سكانها في ستينيات القرن الماضي لتنفيذ مشروع للري والتي ظلت تحت الماء فترة تزيد على نصف قرن- تظهر الى حيز الوجود تدريجيا منذ أواخر العام الماضي.
قيود على استخدام المراحيض
من جانب اخر وفي إطار جهودها لترشيد استخدام المياه بسبب استمرار موجات الجفاف واصلت ولاية كاليفورنيا تشديد اللوائح على كم استهلاك المياه داخل دورات المياه. تجئ هذه اللوائح التي أقرتها لجنة الطاقة بكاليفورنيا في أعقاب توجيهات لسكان مدن الولاية وبلداتها بخفض استهلاك المياه وقال المفوض اندرو مكاليستر "في مواجهة موجة الجفاف الحالية التي تمر بها كاليفورنيا يتعين علينا مراعاة كفاءة الاستخدام بقدر الامكان. وتحديث الحد الادنى القياسي للاستهلاك بدورات المياه والمراحيض والصنابير مجرد خطوة في هذا الاتجاه".
وتقضي اللوائح الجديدة التي يبدأ سريانها بالولاية عام 2016 بخفض طفيف في استهلاك المياه عبر صنابير المطابخ الى 6.8 لتر في الدقيقة من 8.31 لتر في الدقيقة حاليا. وقالت اللجنة في بيان صحفي إن هذه الكميات ستزيد بصفة مؤقتة حتى يتسنى للسكان ملء الأحواض والآنية. أما استهلاك صنابير الحمامات فسينخفض الى 4.51 لتر في الدقيقة من 8.36 لتر في الدقيقة كما عدلت اللجنة بالخفض لوائح أخرى كانت مطبقة منذ عام 2007. بحسب رويترز.
واقترح مجلس المياه توقيع غرامات على مرافق المياه المحلية تصل الى عشرة آلاف دولار في اليوم اذا اخفقت في اقناع السكان وقطاع الاعمال بمراعاة أهداف ترشيد المياه. وتطالب اللوائح التنظيمية المقترحة مرافق المياه بتقديم تقارير دورية عن تطور الأوضاع حتى المناطق الصغيرة مطالبة بجمع بيانات عن استهلاك المياه مع تقليل فترات الري إلى يومين فقط في الأسبوع.
اضف تعليق