هبوط أسعار النفط في الأسواق العالمية، كان له الكثير من الانعكاسات السلبية وتأثيرات متباينة على الاقتصاد في العديد الدول، خصوصا تلك التي تعتمد على النفط كمورد رئيسي للدخل في موازناتها العامة ومنها دول الخليج العربي، التي تواجه اليوم وبحسب بعض الخبراء جملة من التحديات والضغوط هائلة بسبب اعتمادها الكبير على صادرات النفط. حيث يشكل النفط ما يقرب من نصف الناتج المحلي لدول الخليج مجتمعة، وتمتلك هذه الدول أكبر احتياطي نفطي عالمي يقدر بـ486.8 مليار برميل بما يعادل 35.7% من إجمالي الاحتياطي العالمي من النفط وما نسبته 70% من إجمالي الاحتياطي العالمي لأوبك.
وبحسب معهد المحاسبين القانونيين في انجلترا وويلز ICAEW، فإن تراجع أسعار النفط سيضع تحديات هائلة أمام أسواق دول مجلس التعاون الخليجي، لا سيما مع ضعف الطلب وزيادة العرض، والأداء القوي للدولار الأمريكي. وحذر المعهد وكما نقلت بعض المصادر الإعلامية من تداعيات الانخفاض المستمر في أسعار النفط، إذ أنها قد تُلقي بضغوطات لا يُستهان بها على اقتصادات دول الخليج العربي، وستؤثر قطعاً على النمو الحقيقي لإجمالي الناتج المحلي، ما لم تُتّخذ خطوات جادة بخصوص سياسات التنويع الاقتصادي في أسواق المنطقة.
ووفقاً لصندوق النقد الدولي وأسعار النفط المتوقعة لبلوغ نقطة التعادل في 2015، تُعاني البحرين وعُمان من ضغوطات كبيرة، إذ تحتاجان إلى أسعار 116 و108 دولار أميركي للبرميل على التوالي لتحقيق التوزان بين الإيرادات والمصروفات في الموازنة العامة. وتتمتع كلّ من السعودية وقطر والإمارات والكويت بوضع أفضل، نظراً لنضوج أنظمتها المصرفية المحلية وتطوّرها، ونفاذها إلى الأسواق الدولية على نطاق واسع، بالإضافة إلى صناديق الثروات السيادية الضخمة التي تحقّق عوائد استثمارية مرتفعة للغاية.
خسائر صادرات النفط
وفي هذا الشأن فقد قال صندوق النقد الدولي إن الخسائر الناجمة عن انخفاض صادرات النفط قد تستنزف ما يصل إلى 300 مليار دولار من اقتصادات دول الخليج هذا العام. وذكر الصندوق في تحديث لتوقعاته لمنطقتي الشرق الأوسط وآسيا الوسطى أن الاقتصادات التي تعتمد اعتمادا كبيرا على صادرات النفط ومنها قطر والعراق وليبيا والسعودية ستكون الأكثر تضررا من هبوط أسعار الخام أكثر من 50 بالمئة.
وتقترب أسعار النفط حاليا من أدنى مستوياتها في ست سنوات وسط توقعات بتخمة في المعروض مرتبطة بالارتفاع الكبير غير المتوقع في إنتاج النفط الصخري الأمريكي. غير أن صندق النقد قال إن هبوط أسعار الخام لن يتمخض على الفور عن مكاسب كبيرة لمستوردي النفط في الشرق الأوسط وآسيا الوسطى الذين تضرروا من توقعات تباطؤ نمو اقتصادات الشركاء التجاريين الرئيسيين في منطقة اليورو وروسيا.
وخفض الصندوق توقعاته للنمو الاقتصادي العالمي إلى 3.5 بالمئة في عام 2015 مقارنة مع تقديراته في أكتوبر تشرين الأول البالغة 3.8 بالمئة. كما قلص الصندوق كثيرا من توقعاته لنمو الدول المصدرة للنفط روسيا ونيجيريا والسعودية. وقال صندوق النقد إن من المتوقع أن تسجل جميع الدول المصدرة تقريبا في الشرق الأوسط وآسيا الوسطى عجزا في الموازنة هذا العام بسبب انخفاض أسعار النفط الذي دفع الصندوق إلى خفض توقعاته لنمو المنطقة بواقع نقطة مئوية مقارنة مع توقعاته في أكتوبر تشرين الأول لتصل إلى 3.4 بالمئة في عام 2015.
ومن المرجح أن تصل الخسائر إلى 21 نقطة مئوية من الناتج المحلي الإجمالي في دول مجلس التعاون الخليجي أو ما يقرب من 300 مليار دولار. وقال الصندوق إن المتوقع أن تصل الخسائر في الدول خارج مجلس التعاون الخليجي ودول آسيا الوسطى إلى 90 مليار دولار و35 مليار دولار هذا العام. وأضاف ان الدول المستوردة للنفط ستحقق مكاسب أقل مقارنة مع خسائر المصدرين نظرا لأن اقتصاداتها أقل اعتمادا على سعر النفط. بحسب رويترز.
وتوقع الصندوق أن يحقق المغرب ولبنان وموريتانيا أكبر المكاسب من هبوط أسعار الخام بينما ستشهد لبنان ومصر على الأرجح تحسنا في أرصدتهما المالية. ويتوقع صندوق النقد أن تجني الدول المستوردة للنفط في الشرق الأوسط معظم المكاسب لتعزز موازين معاملاتها الجارية بواقع نقطة مئوية واحدة من الناتج المحلي الإجمالي مقارنة مع توقعات الصندوق في أكتوبر تشرين الأول. وقال إن المستوردين في آسيا الوسطى قد يشهدون تراجعا في ميزان المعاملات الجارية هذا العام مقارنة مع توقعات أكتوبر تشرين الأول بسبب انخفاض الطلب من روسيا والصين.
صناديق الثروة السيادية
من جانب اخر قد يدفع تهاوي أسعار النفط صناديق الثروة السيادية لدول الخليج العربية إلى سحب عشرات المليارات من الدولارات من الأسواق العالمية في العام الحالي ومن المتوقع أن يأتي أغلب الأموال المسحوبة من أدوات الدين الدولارية الأمريكية والودائع المصرفية في الخارج. لكن - في إطار توازن حساس بالنسبة للصناديق المكلفة بتنويع اقتصادات دولها بعيدا عن الهيدروكربونات - من المتوقع أن يظل الكثير منها نشطا في القيام باستثمارات طويلة الأجل في قطاعات مثل البنية التحتية والعقارات مع زيادة التركيز على الدول النامية بدلا من الاقتصادات الأوروبية المتباطئة.
وعلى مدى أكثر من عقد من الزمن كانت الصناديق السيادية لدول مجلس التعاون الخليجي الست مستثمرا رئيسيا في أسواق الأوراق المالية للدول المتقدمة واشترت حصصا في شركات بارزة مثل توتال وفولكسفاجن كما استثمرت في القطاع العقاري الأوروبي. ونمت تلك الصناديق سريعا حيث تشير بيانات لصندوق النقد الدولي إلى أن قيمة الصناديق السيادية الخليجية - بما في ذلك الأصول الخارجية لمؤسسة النقد العربي السعودي (البنك المركزي السعودي) - تبلغ حاليا نحو 2.43 تريليون دولار إجمالا. وأغلب تلك الأموال مستثمر في الخارج.
لكن من المتوقع أن يتأثر النمو مع تراجع إيرادات الحكومات من صادرات الطاقة بسبب انخفاض أسعار النفط حوالي 60 بالمئة خلال الشهور الماضية - إذ أن إيرادات النفط هي المصدر الرئيسي للأموال الجديدة للصناديق. وتشير تقديرات لمؤسسة كابيتال إكونوميكس إلى أنه إذا بلغ متوسط سعر خام القياس العالمي برنت 60 دولارا للبرميل في العام الحالي فستواجه دول مجلس التعاون الخليجي عجزا في ميزان المعاملات الجارية 60 مليار دولار هو الأول منذ العام 1998. وقد يوقف هذا التدفقات الصافية للإيرادات النفطية الجديدة على الصناديق بشكل كامل.
بل إن التدفقات قد تغير اتجاهها في الواقع. وقد تضطر الحكومات لتصفية بعض أصول الصناديق لتغطية عجز الميزانية مع انخفاض إيراداتها. وإذا بقيت أسعار برنت عند مستواها الحالي قرب 50 دولارا للبرميل فمن المرجح أن تواجه جميع حكومات مجلس التعاون الخليجي عجزا في الميزانية. ومستويات العجز المتوقع ضئيلة بالمقارنة مع حجم الصناديق ولذا يقول مصرفيون ومحللون مطلعون على عمليات تلك الصناديق إن دول الخليج ستتفادى أي عمليات بيع واسع النطاق للأصول على النقيض من دول مصدرة للنفط تواجه أزمات مثل روسيا.
لكن مايكل مادويل رئيس معهد صناديق الثروة السيادية الذي مقره الولايات المتحدة الذي يتابع هذا القطاع قال إنه حتى قبل بدء تهاوي أسعار النفط كان هناك ميل لدى بعض الصناديق السيادية لنقل مزيد من الأموال إلى أوطانها لدعم النمو الاقتصادي المحلي. وأضاف أن هذا الاتجاه قد يزداد قوة.
وقال دييجو لوبيز مدير وحدة صناديق الثروة السيادية لدى شركة بي.دبليو.سي الاستشارية إن الصناديق تتطلع للاستثمار في أصول مثل البنية التحتية والعقارات لكنها تسعى بشكل متزايد للاستثمار في الاقتصادات الناشئة مع ندرة الفرص في الدول المتقدمة. وعلى سبيل المثال فقد أعلن جهاز قطر للاستثمار في الآونة الأخيرة عن حملة كبيرة في آسيا إذ يهدف لاستثمار 15-20 مليار دولار على مدى خمس سنوات لتنويع محفظته التي تركز على أوروبا.
ورفض جهاز أبوظبي للاستثمار وجهاز قطر للاستثمار وصندوق الاحتياطي العام العماني التعليق. ولم ترد شركة ممتلكات البحرين القابضة (ممتلكات) وهي صندوق الثروة السيادية البحريني والهيئة العامة للاستثمار الكويتية ووزارة المالية السعودية ومؤسسة النقد العربي السعودي على طلبات للتعليق.
وقد تكون السعودية صاحبة أكبر نصيب من السحب من الأسواق العالمية. وبلغت الأصول الأجنبية الصافية للبنك المركزي السعودي 732 مليار دولار في نوفمبر تشرين الثاني منها 545 مليار دولار في صورة أوراق مالية و131 مليارا ودائع في بنوك بالخارج. ومن المعتقد أن الغالبية العظمى من تلك الأصول بالدولار الأمريكي وخاصة سندات الخزانة الأمريكية.
وتتوقع الحكومة عجزا قياسيا في الميزانية قدره 38.7 مليار دولار لعام 2015. ويعتقد محللون أن تلك التقديرات تفترض متوسط سعر للنفط قرب 60 دولارا للبرميل ومن ثم فإنه إذا بقي برنت قرب 50 دولارا فقد تواجه الرياض عجزا في حدود 50-60 مليار دولار. وربما تغطي المملكة ذلك العجز بالاقتراض أو بتقليص الأصول المحلية حيث تملك الحكومة ودائع تعادل 96 مليار دولار في بنوك تجارية سعودية.
السعودية خطط مؤجلة
الى جانب ذلك قال هاشم يماني رئيس مدينة الملك عبد الله للطاقة الذرية والمتجددة إن خطط السعودية لبناء محطات كهرباء تعمل بالطاقة النووية والشمسية ستتأخر نحو ثماني سنوات عن موعدها الأصلي حتى تكتمل. وفي عام 2012 قالت المملكة أكبر بلد مصدر للنفط في العالم إنها ستضيف 17 جيجاوات من الكهرباء بالطاقة النووية ونحو 41 جيجاوات من الكهرباء بالطاقة الشمسية بحلول عام 2032. ولا يوجد في السعودية حاليا محطات كهرباء تعمل بالطاقة النووية.
وقال يماني في مؤتمر للطاقة بأبوظبي إن الخطة كانت تتطلع إلى 20 عاما على أن يكون عام 2023 المعلم الرئيسي للتخطيط على الأجل الطويل. وأضاف أن ذلك تم تعديله مؤخرا ليتم التركيز على عام 2040 كمحور للتخطيط في مجال الطاقة بالمملكة على الأجل الطويل. ولم يذكر يماني سببا وراء التأخير أو يحدد موعد تشغيل أول محطات تعمل بالطاقة النووية والشمسية.
ومع أن السعودية لديها مصادر مالية وفيرة لإقامة تلك المشروعات إلا أنها تواجه تحديات فنية ونقصا في إمدادات المياه اللازمة للاستخدام في المحطات إضافة إلى عقبات بيروقراطية محتملة. وينمو الطلب على الكهرباء في المملكة ثمانية في المئة سنويا وهو ما يدفع الشركة السعودية للكهرباء التي تديرها الدولة وتعد أكبر شركة مرافق عامة في منطقة الخليج إلى إنفاق مليارات الدولارات على مشروعات لإضافة طاقة كهربائية. بحسب رويترز.
الكويت مشاريع تنموية
على صعيد متصل اعلنت الحكومة الكويتية خطة لانفاق 45,5 مليار دينار (115 مليار دولار) في مشاريع خلال السنوات الخمس المقبلة بالرغم من انخفاض اسعار الخام، بحسب ما اعلن نائب في مجلس الامة. وقال النائب محمد الجابري امين سر لجنة الشؤون الاقتصادية في مجلس الامة ان الانفاق المتوقع يشمل 523 مشروعا حيويا على مدى خمس سنوات ابتداء من السنة المالية المقبلة التي تبدأ مطلع نيسان/ابريل.
وذكر الجابري ان وزيرة التخطيط والتنمية هند الصبيح ناقشت مشروع الخطة مع اللجنة البرلمانية. وبحسب النائب، فان اللجنة حصلت على تأكيدات بان الانخفاض الحاد في اسعار الخام لن يؤثر على مشاريع التنمية في الكويت التي تملك ثروة سيادية ضخمة وقد استثمرت مليارات الدولارات في صندوق خاص لاجيال المستقبل. وبحسب الجابري، فان السعر المرجعي لبرميل النفط سيحتسب عند مستوى 45 دولارا للبرميل في موازنة السنة المالية المقبلة، مقارنة ب75 دولارا لميزانية السنة المالية الحالية.
وتراجع سعر برميل النفط الكويتي الى 43,21 دولار مقارنة باكثر من 110 دولار في حزيران/يونيو 2014. وتشكل عائدات النفط 94% من العائدات العامة الكويتية. وكانت الحكومة تعهدت بخفض الانفاقات الجارية، لاسيما على دعم اسعار الخدمات، وهي تمثل 85% من اجمالي الانفاق العام، الا انها تعهدت بالابقاء على نفس مستويات الانفاق الاستثماري. وسجلت الكويت فوائض تراكمية في ميزانياتها خلال السنوات المالية ال15 الماضية، ومن المتوقع ان تسجل فائضا في السنة المالية الحالية التي تنتهي في 31 اذار/مارس. الا ان الكويت قد تسجل عجزا في السنة المالية المقبلة ما لم ترتفع اسعار النفط.
من جانب اخر قال وزير النفط الكويتي على العمير إن بلاده عضو منظمة أوبك تعتزم إنفاق 100 مليار دولار خلال خمس سنوات على القطاع النفطي. وقال العمير "في سبيل تحقيق هذه التوجهات الاستراتيجية لمؤسسة البترول الكويتية التي نطمح بالوصول إليها خلال الخمس سنوات القادمة فقد تم تقدير الإنفاق الرأسمالي بحوالي 100 مليار دولار أمريكي على مختلف القطاعات في صناعة النفط والتي تشمل الاستكشاف والتكرير والبتروكيماويات والنقل البحري."
ميزانية قطر
في السياق ذاته قال مصدر بقطاع الطاقة القطري إن من المتوقع أن تعد قطر ميزانيتها للعام المالي الذي يبدأ في ابريل نيسان على اساس سعر مفترض للنفط قدره 45 دولارا للبرميل إنخفاضا من 65 دولارا في ميزانية العام الحالي. وقال المصدر الذي يشارك في مراجعة بنود الميزانية "ميزانية هذا العام تفترض سعرا قدره 45 دولارا لبرميل النفط.. وهو سعر متحفظ وسيساعد في الحفاظ على النمو." وطلب المصدر عدم ذكر اسمه نظرا لعدم إعلان الميزانية.
ولم ترد وزارة المالية على طلب للتعقيب. وفي السابق لم تكشف الوزارة بانتظام عن سعر النفط المفترض في الميزانية. وافتراض سعر قدره 45 دولارا للبرميل لا يعني بالضرورة أن قطر تتوقع هذا المستوى على مدى العام إذ أن سعر النفط في الميزانية هو مجرد إجراء حسابي يستخدم لإحصاء الايرادات المتوقعة. وفي السنوات السابقة افترضت قطر في الغالب أسعارا متحفظة جدا للنفط ليتضح في نهاية الأمر أنها أقل بكثير من السعر الفعلي.
وتشير أحدث بيانات إلى أن الانفاق الحكومي الفعلي في الربع من ابريل نيسان حتى نهاية يونيو حزيران من العام المالي الحالي انخفض 6.6 بالمئة مقارنة عن مستواه قبل عام ليصل إلى 38.8 مليار ريال (10.7 مليار دولار) وحققت الحكومة فائضا فعليا بلغ 79 مليار ريال. لكن سعر خام القياس العالمي مزيج برنت انخفض منذ ذلك الحين من حوالي 115 دولارا للبرميل إلى أقل من 50 دولارا وهو ما شكل ضغطا على الماليات العامة لدول الخليج المصدرة للنفط. وربما تكون قطر أقل الدول الخليجية تضررا. فرغم أنها منتج كبير للنفط إلا أن ارتباط إيرادات صادراتها من الغاز الطبيعي بالنفط ضعيف. بحسب رويترز.
اضف تعليق