انخفاض أسعار النفط في السوق العالمية، والذي أثار حالة من الهلع والخوف لدى الكثير من الدول المنتجة بسبب تراجع الطلب ووفرة المعروض، لا يزال يشكل مصدر قلق متنامي بسبب عدم وجود اتفاق خاص بين أعضاء منظمة البلدان المصدرة للنفط (أوبك) التي وقفت عاجزة حيال هبوط أسعار النفط، التي أثرت بشكل سلبي على جميع تلك الدول دون استثناء كما يقول بعض الخبراء، الذين أكدوا على ان أسواق النفط العالمية دخلت اليوم حقبة جديدة بسبب أسعار النفط التي قد تطول لفترات غير محددة.
وهو ما قد يسهم بإثارة أزمات وصراعات جديدة في المنطقة والعالم، خصوصا وان بعض المراقبين قد أرجع هذا التدهور الكبير لأسباب سياسية الهدف منه معاقبة بعض الدول المهمة ومنها (إيران وروسيا)، اذ اتفق منتجو النفط الكبار في العالم والولايات المتحدة الأمريكية، رغم خسارتها من النفط الصخري، على خفض الأسعار من أجل معاقبة روسيا اقتصادياً بسبب موقفها من الأزمة في أوكرانيا، وكذلك معاقبة إيران التي تم تخفيف العقوبات المفروضة عليها، وأصبح لديها قدرة أكبر على بيع نفطها في الخارج.
وشهدت أسعار النفط في الأسواق العالمية منذ يونيو/حزيران 2014 هبوطا مطردا، إذ كان سعر خام برنت في حدود 110 دولارات للبرميل، لكنه انحدر في الأيام الأولى من يناير/كانون الثاني 2015 إلى ما دون خمسين دولارا، ويُعزى هذا الهبوط إلى ما يسمى "أساسيات السوق"، متمثلة في التفاعل بين العرض والطلب، فضلا عن قوة العملة الأميركية (الدولار) وتأثير نشاط المضاربين في الأسواق، لكن البعض يشكك في هذا الأمر ويربطه بعوامل سياسية.
لا تعافي في أسعار النفط
وفي هذا الشأن قالت وكالة الطاقة الدولية إن أسعار النفط قد تواصل انخفاضها وإن تعافيها قد يستغرق بعض الوقت رغم تزايد العلامات التي تشير إلى أن الاتجاه النزولي سيتوقف وربما في النصف الثاني من العام الحالي مع تباطؤ نمو المعروض في أمريكا الشمالية. وهبطت أسعار النفط نحو 60 بالمئة على مدى الأشهر الستة الماضية ويجري تداول خامي القياس العالميين حاليا دون 50 دولارا للبرميل في ظل معروض من الخام الخفيف العالي الجودة من الولايات المتحدة وكندا يفوق الطلب في وقت يشهد ضعفا في النمو الاقتصادي العالمي.
ولم تخفض منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك) الإنتاج رغم انهيار الأسعار. وقالت وكالة الطاقة في تقرير "لا أحد يعلم الحد الأدنى الذي ستصل إليه السوق. لكن الهبوط له تأثير... ربما لا يكون تعافي الأسعار وشيكا ما لم تحدث أي تعطيلات كبيرة لكن تتزايد العلامات التي تشير إلى أن المسار سيتغير."
وأضافت الوكالة التي تقدم المشورة للدول الصناعية بخصوص سياسات الطاقة أن انخفاض أسعار النفط سيؤدي في النهاية إلى الحد من الإنتاج وتعزيز الطلب. وتابعت "أبرز الآثار الملموسة المترتبة على الأسعار تظهر على جبهة العرض. كانت خطط الإنفاق على أنشطة المنبع أول المتضررين من هبوط السوق. وبدأت الشركات في تقليص ميزانياتها وأرجأت أو ألغت مشروعات جديدة بينما تسعى لاستخراج أكبر إنتاج ممكن من الحقول المنتجة."
وخفضت وكالة الطاقة توقعاتها لنمو إمدادات المعروض من خارج أوبك بواقع 350 ألف برميل يوميا إلى 950 ألف برميل يوميا انخفاضا من معدل النمو القياسي البالغ 1.9 مليون برميل يوميا في 2014. وقلصت الوكالة أيضا توقعاتها لنمو إنتاج كندا والولايات المتحدة بواقع 95 ألفا و80 ألف برميل يوميا على الترتيب كما خفضت توقعاتها لإنتاج كولومبيا 175 ألف برميل يوميا وروسيا 30 ألف برميل يوميا.
وأشارت إلى أن نمو المعروض النفطي لا يتباطأ بوتيرة أسرع في أمريكا الشمالية نظرا لأن الكثير من المنتجين يتحوطون جيدا على ما يبدو من انخفاض الأسعار في الأجل القريب. ويعني تعديل توقعات نمو المعروض من خارج أوبك بالخفض أن الطلب على نفط أوبك سيبلغ 29.8 مليون برميل يوميا في المتوسط في النصف الثاني من 2015 بما يقل قليلا عن المستوى الرسمي المستهدف لإنتاج أوبك والبالغ 30 مليون برميل يوميا.
ورفعت الوكالة توقعاتها للطلب على نفط أوبك خلال عام 2015 بأكمله بواقع 300 برميل يوميا إلى 29.2 مليون برميل يوميا بما يقل كثيرا عن إنتاج المنظمة في ديسمبر كانون الاول البالغ 30.48 مليون برميل يوميا. ووجد إنتاج أوبك الشهر الماضي دعما في إمدادات العراق التي ارتفعت لأعلى مستوياتها في 35 عاما بينما استقرت إمدادات السعودية. وعلى صعيد الطلب ذكرت وكالة الطاقة أنه لا توجد بوادر واضحة حتى الآن تظهر تجاوبا مع انخفاض الأسعار. وقالت "فيما عدا بعض الاستثناءات القليلة الملحوظة مثل الولايات المتحدة لا يبدو حتى الآن أن انخفاض الأسعار يحفز الطلب."
وعزت الوكالة ذلك إلى أن المنافع المعتادة التي يجلبها تراجع الأسعار من زيادة دخل المستهلكين القابل للإنفاق وانخفاض تكاليف المدخلات يقابلها ضعف في الظروف الاقتصادية الأساسية التي كانت بدورها سببا رئيسيا لهبوط الأسعار في المقام الأول. وذكرت الوكالة أن النتيجة المترتبة على هذه التغيرات تتمثل في أن ارتفاع المخزونات سيستمر في النصف الأول من العام الحالي مشيرة إلى أن السوق قد تستعيد بعض توازنها في النصف الثاني من العام. بحسب رويترز.
وقالت "استعادة توازن السوق لا تمثل العودة إلى الوضع السابق. فمن الواضح أن السوق تمر بمنعطف تاريخي." وأضافت "ربما يكون هناك ضوء في نهاية النفق أمام المنتجين على صعيد الأسعار لكن السنوات القليلة القادمة قد تكون فترة إعادة حسابات لسوق وصناعة اضطرتا على مدار تاريخهما البالغ 150 عاما إلى تجديد نفسهما من حين لآخر."
اوبك لا تعبأ بحماية الأسعار
على صعيد متصل قال وزير الطاقة الاماراتي سهيل المزروعي ان منظمة الدول المصدرة للنفط (اوبك) لا تستطيع ان تستمر في حماية اسعار النفط التي انهارت معتبرا انه يجب الحد من ارتفاع امدادات النفط الصخري. ويرى المحللون ان الاعضاء الاغنى في اوبك مثل الامارات، كانوا مستعدين للقبول بتراجع اسعار النفط على امل ان يجبر ذاك المنتجين بكلفة مرتفعة مثل منتجي النفط الصخري على الخروج من السوق.
وقال المزروعي "لا نستطيع ان نستمر بحماية سعر معين" للنفط. واضاف "لقد شهدنا فائضا في الامدادات مصدره بشكل اساسي النفط الصخري وهذا كان يجب ان يصحح". وقال المزروعي ان الامارات "قلقة" ازاء التوازن في اسواق النفط الا انه "لا يمكنها في اي ظرف من الظروف ان تكون الطرف الوحيد المسؤول" في اشارة الى رفع الانتاج من قبل الدول غير الاعضاء في اوبك. واعتبر المزروعي انه يتعين على المنتجين من خارج اوبك ان يكونوا منطقيين في ما يتعلق بمستويات انتاجهم، مضيفا ان الاسعار الحالية "غير مستدامة" بالنسبة لهؤلاء المنتجين.
واضاف "نقول للسوق وللمنتجين الآخرين انه يتعين عليهم ان يكونوا عقلانيين، ان يكونوا مثل اوبك وان يتطلعوا الى النمو في السوق". واعتبر انه لو خفضت اوبك انتاجها، لكان المنتجون الآخرون تدخلوا ليعوضوا الانتاج الناقص، وستكون اوبك خسرت في هذه الحالة حصة من السوق دون ان يكون لذلك تأثير على الاسعار. واعتبر المزروعي ان الاسعار الحالية "غير مستدامة" خصوصا بالنسبة للمنتجين خارج منطقة الخليج.
واعتبر ان سعر البرميل ما دون الخمسين دولارا لا يسمح لمنتجي النفط الصخري بالاستمرار في الاستثمار لرفع الانتاج. وقال "ان النفط الصخري يؤمن اربعة ملايين برميل تقريبا للولايات المتحدة يوميا، وهناك تطلع بان تضاف اربعة ملايين برميل اخرى بحلول العام 2020. هذا غير ممكن مع مستويات الاسعار الحالية". واشار الوزير الاماراتي الى انه لا يتوقع تعافيا سريعا لأسعار النفط. وقال "من غير المرجح ان نرى ارتفاعا مفاجئا" في الاسعار. بحسب رويترز.
الا ان المزروعي أكد ان تراجع العائدات النفطية لن يثني بلاده عن الاستثمار في رفع قدرتها الانتاجية. وقال "نحن نتطلع الى الحفاظ على دورنا كمنتج موثوق وسنستمر بالاستثمار". واضاف "لا يمكننا كدولة منتجة مسؤولة ومصدر موثوق للامدادات نوقف ببساطة خططنا كل مرة كان هناك اضطرابات في السوق. ان ذلك ليس من الحكمة في شيء وليس ضمن خططنا".
مؤشر الانخفاض سيستمر
في السياق ذاته قال وزير النفط الكويتي ان الانخفاض الحاد في اسعار الخام غير مبرر الا انه توقع عدم حدوث تحسن في السوق قبل النصف الثاني من العام الحالي. وقال الوزير علي العمير في ظل استمرار تراجع الاسعار الى مستويات هي الادنى منذ ست سنوات "لا احد يمكنه ان يبرر هذا الانخفاض الآن". واعتبر العمير ان من بين العوامل التي تدفع نحو تراجع الاسعار وجود فائض في الامدادات اليومية بمقدار 1,8 مليون برميل اضافة الى التباطؤ في الاقتصاد العالمي.
وتابع الوزير الكويتي "نتوقع ان يستمر هذا الوضع حتى امتصاص السوق للفائض وتحسن الاقتصاد العالمي. التوقعات تشير الى ان ذلك لن يحصل قبل النصف الثاني من العام 2015". وتتراجع اسعار النفط بشكل متواصل منذ حزيران/يونيو، وتزايد الانخفاض مع اتخاذ اوبك في تشرين الثاني/نوفمبر قرارا بالابقاء على مستويات انتاجها من دون تغيير عند 30 مليون برميل يوميا. بحسب فرانس برس.
ودعت دول اعضاء في منظمة الدول المصدرة للنفط (اوبك) هي الجزائر وايران وفنزويلا الى التحرك من اجل الحد من تراجع الاسعار الا ان العمير قال انه لا يتوقع ان تعيد اوبك النظر في قرارها. وذكر ان قيام اوبك بتخفيض انتاجها بمقدار مليون برميل سيكون له تأثير محدود على الاسعار. واضاف "ان ذلك لن يكون اكثر من الفائض الموجود حاليا في السوق".
إيران وسعر النفط
في السياق ذاته قال الرئيس الإيراني حسن روحاني إن الدول التي تقف وراء انخفاض أسعار النفط العالمية ستندم على قرارها محذرا من أن السعودية والكويت ستعانيان مثل إيران. وقال روحاني في كلمة بثها التلفزيون الحكومي "أولئك الذين خططوا لخفض الأسعار على حساب دول أخرى سيندمون على هذا القرار" وذلك في الوقت الذي هوت فيه أسعار الخام إلى قرب أقل مستوياتها في ستة أعوام في الأسواق العالمية. وأضاف "إذا عانت إيران من جراء انخفاض أسعار النفط فاعلموا أن دولا أخرى منتجة للنفط مثل السعودية والكويت ستعاني أكثر من إيران." وأشار روحاني تحديدا إلى اعتماد موازنة الكويت والسعودية على صادرات النفط.
وأضاف الرئيس الإيراني أن البيانات تشير إلى أن 80 بالمئة من موازنة السعودية تعتمد على مبيعات النفط بينما تصل هذه النسبة في الكويت إلى 95 بالمئة. وتشير حسابات من واقع البيانات الرسمية إلى أن إيرادات النفط شكلت حوالي 90 بالمئة من إيرادات السعودية و92 بالمئة من إيرادات الكويت في عام 2013. من ناحية أخرى قال روحاني إن ما لا يزيد على ثلث الموازنة الإيرانية يعتمد على مبيعات النفط بينما يرتبط ما يقدر بنسبة 60 بالمئة من صادرات البلاد بالنفط.
وتقول إدارة معلومات الطاقة الأمريكية إن العقوبات الغربية المفروضة على طهران بسبب برنامجها النووي قلصت صادرات إيران من 2.5 مليون برميل يوميا في 2011 إلى نحو مليون يوميا في المتوسط. وتكيفت إيران مع تراجع الصادرات بفضل الأسعار المرتفعة لكنها لم تعد تجد هذا الدعم في الأسعار اليوم. وأكد وزير النفط الإماراتي سهيل بن محمد المزروعي أن منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك) لن تخفض الإنتاج لدعم الاسعار.
الى جانب ذلك قال وزير النفط الإيراني بيجن زنغنه إن إيران لا ترى علامة على تحول داخل منظمة أوبك نحو اتخاذ إجراء لدعم أسعار النفط المتهاوية وأضاف أن صناعة النفط الإيرانية يمكنها التغلب على آثار مزيد من الهبوط حتى إلى 25 دولارا للبرميل. وتأتي هذه التصريحات مؤشرا آخر على أنه على الرغم من الضغوط التي تمارسها إيران وفنزويلا فإن الاحتمال ضئيل أن تتخذ منظمة اوبك المؤلفة من 12 عضوا إجراء جماعيا لدعم الأسعار.
وفي التصريحات التي نشرت على الموقع الإلكتروني لوزارة النفط الإيرانية دعا زنغنه إلى زيادة التعاون بين أعضاء أوبك من أجل توازن السوق لضمان سعر معقول للنفط للمستثمرين والمنتجين. وقررت أوبك في اجتماعها في نوفمبر تشرين الثاني عدم خفض الإنتاج على الرغم من مخاوف أعضاء مثل إيران وفنزويلا بعد ان جادلت السعودية بأنه يجب على المنظمة الدفاع عن حصتها في السوق في مواجهة النفط الصخري الأمريكي ومصادر منافسة أخرى. بحسب رويترز.
وقال الوزير الإيراني "السعر التعادلي لبرميل النفط بمشروع الموازنة العامة المقبلة اقترح على أساس 72 دولارا" لكن إيران قادرة على مواجهة أسعار أقل من ذلك. وأضاف "الصناعة النفطية الإيرانية لن تواجه أي مشاكل حتى لو بلغ البرميل 25 دولارا." وقال زنغنه إن إيران ليس لديها خطط لخفض انتاجها من النفط ولم تعقد اجتماعات أخرى مع السعودية المنافس السياسي الرئيسي لإيران في منطقة الخليج منذ اجتماع اوبك في نوفمبر تشرين الثاني.
صهاريج لتخزين النفط
من جهة اخرى قالت مصادر مطلعة إن إيران استأجرت مستودعات لتخزين النفط في ميناء داليان بالصين في وقت سابق ونقلت شحنتين على الأقل من هناك إلى الهند وواحدة إلى كوريا الجنوبية. وإلى جانب العقوبات الغربية التي خفضت صادرات ايران النفطية بأكثر من النصف تجاهد طهران إلى جانب منتجين آخرين في الشرق الأوسط للحفاظ على حصتها في السوق الآسيوية إذ أضر تراجع أسعار النفط العالمية باقتصادها. بحسب رويترز.
واستأجرت السعودية والامارات بالفعل مستودعات تخزين في اليابان وكوريا الجنوبية لعدة سنوات لتسهيل نقل الامدادات لأكبر عملائهما. وقال مسؤول حكومي هندي ومصدر في قطاع النفط إن مسألة استئجار ايران للمستودعات الصينية خرجت للنور في أغسطس آب حينما سألت الجمارك الهندية شركة النفط الوطنية الايرانية الحكومية عن شحنة من النفط الخام كانت متجهة إلى شركة مانجالور للتكرير والبتروكيماويات. وأكد مصدر في بكين على اطلاع مباشر بمسألة التخزين أن شركة النفط الوطنية الايرانية استأجرت صهاريج النفط في ميناء داليان الشمالي الشرقي في الصين في وقت سابق.
اضف تعليق