نظراً لما يمارسه النفط من دور مهم وكبير في السياسة والاقتصاد والعلاقات الدولية، أصبح يتصف بأنه سلعةً، سياسية واقتصادية واستراتيجية، تُحتم أن تُدار هذه السلعة بشكل دقيق لتعظيم المنافع وتدنية التكاليف من قبل أطراف العلاقة. تتحدد أسعار أي سلعة وفقاً لقانون اقتصادي، قانون العرض والطلب...
نظراً لما يمارسه النفط من دور مهم وكبير في السياسة والاقتصاد والعلاقات الدولية، أصبح يتصف بأنه سلعةً، سياسية واقتصادية واستراتيجية، تُحتم أن تُدار هذه السلعة بشكل دقيق لتعظيم المنافع وتدنية التكاليف من قبل أطراف العلاقة.
النفط كسلاح
بشكل عام، تتحدد أسعار أي سلعة وفقاً لقانون اقتصادي، قانون العرض والطلب، بدافع اقتصادي، الربح، فارتفاع الطلب على سلعة ما سيرفع سعرها، وحين ينخفض الطلب سينخفض سعرها.
لكن الأمر مختلف بالنسبة لأسعار النفط قليلاً لأنها تحدد أحياناً لاعتبارات غير اقتصادية والشواهد كثيرة وأبرزها 1973، حين تم استخدم النفط كسلاح، من خلال إعلان وقف ضخ النفط من قبل الدول العربية المصدرة للنفط للدول التي وقفت لجانب إسرائيل في الحرب.
فريقيّ السوق النفطية
هناك فريقان في سوق النفط الدولية هما المنتجون، الذين يرغبون بأسعار مرتفعة للنفط، والمستهلكون، الذين يرغبون بأسعار منخفضة، بمعنى هناك أشبه بالصراع بين الفريقين دفع كل منهما إلى التسلح لحماية مصالحه من الآخر، فلجأ المنتجون إلى التسلح بكارتل نفطي وهو "أوبك"، من أجل الحفاظ على الأسعار من الانخفاض على أقل تقدير.
ولجأ المستهلكون إلى إنشاء وكالة الطاقة الدولية على إثر ارتفاع الأسعار في عام 1974 والتي أخذت على عاتقها إضعاف أوبك لحماية مصالح المستهلكين من خلال محورين:
الأول، تقليل الاعتماد على النفط كمصدر للطاقة التقليدية، هذا ما دفع المستهلكين إلى اتخاذ الإجراءات اللازمة لخفض استهلاك النفط بواسطة التقدم التقني من جانب وإحلال مصادر الطاقة المتجددة من جانب آخر.
والثاني، استخدام سياسة التنويع في الاستيرادات النفطية بدلاً من سياسة التركيز الاستيرادي من أوبك، فلجأ المستهلكون إلى منتجين خارج أوبك، وهذا ما أضعف قوة أوبك.
ثقل أمريكا في السوق النفطية
على الرغم من تواضع احتياطيات النفط المؤكدة للولايات المتحدة الأمريكية والتي لم تتجاوز 50 مليار برميل منذ عام 1960 وحتى عام 2018 إلا إنها كانت بشكل عام تمارس ثقلها، من بين المنتجين والمستهلكين، في الأسواق الدولية للنفط، وذلك لأسباب عديدة قد تكون سياسية او اقتصادية أو عسكرية أو علمية أو غيرها أو جميعها.
ما يؤكد ثقلها في الأسواق الدولية للنفط هو احتلالها، في الوقت الحاضر، مرتبة في الصدارة في العالم من حيث استهلاك النفط وإنتاجه واستيراده وتصديره مستقبلاً حسب التوقعات التي سنشير إليها لاحقاً.
- الاستهلاك
فالولايات المتحدة الأمريكية تُعد المستهلك الأكبر في العالم، حيث لم ينخفض استهلاكها من النفط الخام عن 10 مليون برميل يومياً منذُ عام 1960 بل أخذت وتيرة الاستهلاك ترتفع بشكل متزايد حتى بلغت 20،452 ألف برميل يومياً في 2018.
- الإنتاج
وبالمقابل أخذ المسار العام لإنتاجها النفطي الاتجاه نحو التزايد من 7 مليون برميل عام 1960 حتى 10،900 ألف برميل يومياً في عام 2018 وهو أكبر إنتاج في العالم متجاوزةً الدول ذات الاحتياطيات والإنتاج الكبير كالسعودية التي تملك 267 مليار برميل كاحتياطي وتنتج 10،300 ألف برميل يومياً، وروسيا التي تنتج 10،527 ألف برميل في نفس العام، حسب بيانات أوبك.
- الاستيراد
يتضح من خلال حجم الإنتاج والاستهلاك هناك فجوة كبيرة بينهما 9،552 ألف تقريباً، لابُد من ردمها، وبالفعل يتم ردمها غالباً من خلال قناة الاستيراد من الأسواق الدولية للنفط، وبفعل هذا الحجم الاستيرادي الكبير تحتل الولايات المتحدة ثقلها الكبير في الأسواق الدولية للنفط.
تركيبة إنتاج النفط الأمريكي
وتجب الإشارة إلى تركيبة الإنتاج النفطي في أمريكا بالتزامن مع تواضع احتياطياتها المؤكدة التي تمت الإشارة إليها آنفاً، وذلك لمعروفة القاعدة الأساسية التي تنطلق منها توقعات تصدير النفط الأمريكي مستقبلاً.
إن حجم الإنتاج المذكور سلفاً لا يقتصر على النفط الطبيعي المستخرج من باطن الأرض بل هناك نسبة كبيرة منه تعتمد على النفط الصخري، خصوصاً في السنوات الأخيرة، وذلك بفعل التطور التقني الذي أسهم في اكتشاف نفط صناعي وبتكاليف منخفضة أخذت في الآونة الأخيرة تقترب شيئاً فشيئاً من تكاليف إنتاج النفط الطبيعي، مما جعلت البعض يعتقد إنها السبب وراء تراجع أسعار النفط.
حيث بلغ حجم النفط الصخري 7 مليون برميل يومياً مُشكلاً ما نسبته 60% من إجمالي إنتاج النفط في الولايات المتحدة الأمريكية في عام 2018، علماً إن هذه النسبة كانت تشكل 12% قبل عقد من الزمن، أي في عام 2008، حسب ما أشارت إليه إدارة معلومات الطاقة الأمريكية[i].
تصدير النفط الأمريكي مستقبلاً
إن ارتفاع نسبة مشاركة النفط الصخري في تركيبة إنتاج النفطي الأمريكي، من 12% في عام 2008 إلى 60% من إجمالي إنتاج النفط الخام في عام 2018، تعكس مدى التطور الهائل في ثورة النفط الصخري ومدى اعتماد الولايات المتحدة الأمريكية عليه.
إن ثورة النفط الصخري وارتفاع نسبة مساهمته إجمالي إنتاج النفط في الولايات المتحدة الأمريكية، كانا السبب وراء التوقعات التي تشير لصدارة الولايات المتحدة في تصدير النفط مستقبلاً.
وبهذا الصدد، أكدت الوكالة الدولية للطاقة بأن "الولايات المتحدة ستقود نمو إمدادات النفط خلال السنوات الست المقبلة، وذلك بفضل القوة الهائلة التي تتمتع بها صناعة الصخر الزيتي، مما يؤدي إلى تحول سريع في أسواق النفط العالمية. وبحلول عام 2024 ستصدر الولايات المتحدة المزيد من النفط أكثر من روسيا وستلحق في المملكة العربية السعودية - وهذا معلم رئيسي من شأنه أن يجلب تنوعًا أكبر في المعروض في الأسواق" [ii].
أمريكا المتحكم الرئيس بأسعار النفط مستقبلاً
إن هذا التحول الكبير الذي سيحصل بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية، المتمثل في تحولها إلى أكبر منُتج ومُصدر للنفط الخام في العالم، سيُعطيها زخماً من الفاعلية والتأثير في أسعار النفط على الساحة الدولية، وتصبح هي المتحكم الرئيس ببوصلة أسعار النفط، وهذا ما تطمح إليه لمجابهة منافسيها كالصين –على سبيل المثال لا الحصر-من أجل الحفاظ على صدارتها العالمية.
خصوصاً إذا ما علمنا إن الصين تشهد تقدماً ملموساً على المستوى الاقتصادي عالمياً في الوقت الذي تفتقر فيه للثروة النفطية احتياطاً وإنتاجا، إذ لم يتجاوز الاحتياطي النفطي 26 مليار برميل منذُ 1960 ولغاية 2018، ولم يتجاوز إنتاجها 4،500 ألف برميل يومياً لنفس المدة، كما إنها تفتقر للنفط الصخري، وهذا يدفع بالصين لسد معظم احتياجاتها النفطية من خلال الاستيرادات، فما بالك إذا أصبحت الصين هي الاقتصاد الأول في العالم مستقبلاً وأمريكا هي المنتج والمصدر الرئيس للنفط في العالم ؟!
بالتأكيد إن أمريكا تحاول الحفاظ على مكانتها قدر الإمكان في العالم وبالتالي لن تدع هذه الفرصة تمر مرور الكرام، بل ستستثمرها أيما استثمار من خلال تكوين التحالفات مع المنتجين للتحكم بالأسعار ويكون دورها كدور السعودية في الأوبك، لمعاقبة المنافسين سواء أكانوا أصدقاء أم أعداء، وتصبح هي المتحكم الرئيس بالأسعار النفطية في الأسواق الدولية.
اضف تعليق