يبدو ان فرص أوبك في فرض هيمنتها السعرية باتت تتضاءل وبشكل ملحوظ، فسياسة خفض الانتاج وان حافظت بعض الشيء على ماء وجه الاسعار ولفترة قصيرة، الا ان البعض بدأ يشكك في استمرار نجاحها، وهذا ما دعا أوبك الى محاولة طلب عقد اجتماعي استثنائي من أعضائها من اجل...
تمر أوبك بمرحلة حرجة وهذا ما يبدو عليه المشهد واضحا بعد التراجع المستمر في أسعار النفط وتذبذبها المستمر فضلا عن ان الكميات الكبيرة الفائضة في السوق والتي يجب التعامل معها. وفي ظل هذا التراجع يرى البعض سيما الجانب الاماراتي ان تعافي اسعار النفط قادم وسيكون في الربع الاول من 2019 اذا ماالتزم الجميع بقرار التخفيض، وهو أمر لم يرجحه الكثير، وهو ما قد ينعكس سلباً على اقتصادات الدول المنتجة للنفط.
فقد خَلُص مسح إلى تراجع معروض نفط أوبك بأكبر قدر في عامين مع إجراء السعودية، أكبر مصدر في العالم، وحلفائها الخليجيين تخفيضات أكبر من المستويات المحددة لهم في اتفاق خفض الإنتاج بينما شهدت إيران وليبيا وفنزويلا انخفاضات غير طوعية. وأظهر المسح أن منظمة البلدان المصدرة للبترول التي تضم 14 عضوا ضخت 30.98 مليون برميل يوميا هذا الشهر، بانخفاض قدره 890 ألف برميل يوميا عن ديسمبر كانون الأول، وهو أكبر تراجع عن الشهر السابق منذ يناير كانون الثاني 2017، ويشير المسح إلى أن أوبك قطعت قرابة ثلاثة أرباع الطريق صوب هدف تخفيضات الإنتاج التي بدأت في أول يناير كانون الثاني في مسعى لتفادي تخمة في المعروض، رغم قيام العراق، ثاني أكبر منتج في المنظمة، وبعض صغار المنتجين الآخرين بضخ الخام فوق المستويات المتفق عليها.
واتفقت أوبك وروسيا ومنتجون آخرون، في تحالف يعرف باسم أوبك+، في ديسمبر كانون الأول على خفض إمدادات الخام بواقع 1.2 مليون برميل يوميا اعتبارا من الأول من يناير كانون الثاني. ويبلغ نصيب أوبك من الخفض 800 ألف برميل يوميا يجريه أعضاء المنظمة معا باستثناء إيران وليبيا وفنزويلا. وفي يناير كانون الثاني، حقق الأحد عشر عضوا بالمنظمة المشاركون في اتفاق خفض الإمدادات الجديد نسبة التزام بلغت 70 في المئة، بحسب المسح. ودفع مزيد من التخفيضات في إيران وليبيا وفنزويلا إجمالي خفض أوبك إلى 890 ألف برميل يوميا. وجاء الاتفاق الأخير لأوبك وحلفائها بعد أشهر من موافقتهم على ضخ المزيد من النفط، وهو ما خفف جزئيا من قيود الاتفاق الأصلي لكبح الإمدادات الذي بدأ سريانه في 2017.
وجاء أكبر خفض في المعروض من السعودية، أكبر منتج للنفط في أوبك، التي ضخت 350 ألف برميل يوميا أقل من انتاجها في ديسمبر كانون الأول، حسبما أظهره المسح. اذ كان المعروض السعودي سجل في نوفمبر تشرين الثاني مستوى قياسيا مرتفعا عند 11 مليون برميل يوميا بعد أن طالب ترامب بضخ المزيد من النفط لكبح ارتفاع الأسعار وتعويض فاقد إمدادات إيران. وغيرت المملكة مسارها سريعا مع هبوط الأسعار بفعل تخمة محتملة في المعروض في 2019. وجاء ثاني وثالث أكبر تراجع من الكويت والإمارات العربية اللتين، شأنهما شأن السعودية، خفضتا أكثر من المطلوب بموجب الاتفاق، وفقا للمسح.
ومن بين أعضاء أوبك الثلاثة الذين لا تشملهم التخفيضات الطوعية، كان الإنتاج الليبي هو الأكثر تراجعا مع توقف حقل الشرارة النفطي، أكبر حقول البلاد، لمدة شهر بسبب اضطرابات، ونزل إنتاج إيران أكثر بفعل العقوبات الأمريكية التي تثني الشركات عن شراء نفطها. واستطاعت إيران أن تحافظ على صادرات الخام عند ما يصل إلى مليون برميل يوميا مدعومة باستثناءات من العقوبات وجهودها لمواصلة بيع الخام.
أوبك تصدر قائمة بحصص خفض الإنتاج لتعزيز الثقة
نشرت منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك) قائمة بتخفيضات إنتاج النفط من قبل أعضائها وكبار المنتجين الآخرين لستة أشهر حتى يونيو حزيران، في مسعى لتعزيز الثقة في التحرك الذي يستهدف تجنب حدوث تخمة معروض في عام 2019، ودعت لجنة وزارية من المنظمة والدول غير الأعضاء في بيان الدول المشاركة إلى ”مضاعفة جهودها في التنفيذ الكامل وفي الوقت المحدد“. واتفقت مجموعة المنتجين المعروفة باسم أوبك+ في ديسمبر كانون الأول على العودة لخفض الإنتاج خشية هبوط الأسعار وزيادة الإمدادات، وتعهدت المجموعة بخفض الإنتاج بمقدار 1.2 مليون برميل يوميا اعتبارا من الأول من يناير كانون الثاني، على أن تتحمل أوبك حصة في الخفض قدرها 800 ألف برميل يوميا.
ويعكس التحرك نحو الإعلان عن الحصص سعي المنتجين إلى زيادة مصداقية الاتفاق. وكانت أوبك كشفت في البداية عن القليل من التفاصيل حول الكيفية التي ستعمل بها، وقالت مصادر إنه لن يتم الإعلان عن الحصص، وصرح الأمين العام لأوبك محمد باركيندو، الذي ظل يحث على نشر القائمة، في تصريحات لرويترز يوم الخميس إن ”قطاع النفط لا يمكنه أن يتحمل انتكاسة نزولية أخرى“. وذكر البيان أن اللجنة، المسماة لجنة المراقبة الوزارية المشتركة، ستفحص تخفيضات الإنتاج كل شهر وأكد أنها ستجتمع في باكو بأذربيجان في الثامن عشر من مارس آذار المقبل، وفي النصف الأول من عام 2019، ستخفض أوبك وحلفاؤها إنتاج النفط بمقدار 1.195 مليون برميل يوميا إلى 43.874 مليون برميل يوميا.
وستجتمع مجموعة أوبك+ بالكامل في 17 و18 أبريل نيسان بمدينة فيينا لاتخاذ قرار بشأن ما إذا كانت ستمدد الاتفاق إلى ما بعد يونيو حزيران القادم، وتستند التعديلات إلى الاجتماع 175 لمؤتمر أوبك والاجتماع الوزاري الخامس لأوبك والمنتجين من خارجها وتسري اعتبارا من يناير كانون الثاني 2019. غير ان وزير الطاقة الروسي ألكسندر نوفاك افاد إن من المستبعد جدا أن تنشئ أوبك وبقية منتجي النفط كيانا مشتركا وذلك بسبب التعقيدات الإضافية التي ستنتج عن ذلك وأيضا خطر فرض عقوبات أمريكية بدعوى الاحتكار، وقد يعرض تشريع أمريكي مقترح يحمل اسم ”نوبك“ منظمة أوبك لدعاوى قضائية بزعم الاحتكار. لكنه لا يشهد تحركا منذ فترة طويلة ولمح رؤساء أمريكيون سابقون إلى أنهم سيشهروا حق الرفض في وجه أي خطوة تحول هذا التشريع لقانون.
أوبك ليست عدواً للولايات المتحدة
صرح وزير الطاقة الإماراتي سهيل المزروعي إن منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك) ليست عدوا للولايات المتحدة، وأضاف المزروعي خلال مؤتمر لقطاع الطاقة في أبوظبي تعليقا على العلاقات بين أوبك والولايات المتحدة، وهي من الدول الكبرى المستهلكة للنفط، ”إننا نكمل بعضنا، لسنا أعداء هنا“. وفي ديسمبر كانون الأول، وافقت أوبك ودول أخرى من كبار منتجي النفط بقيادة روسيا على خفض إنتاج الخام بمقدار 1.2 مليون برميل يوميا اعتبارا من يناير كانون الثاني لمنع حدوث تخمة في المعروض ودعم الأسعار، وجاء هذا القرار على الرغم من دعوات من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب للدول المصدرة للنفط للإحجام عن خفض الإنتاج قائلا إن ذلك سيتسبب في رفع أسعار الخام في الأسواق العالمية.
وذكر المزروعي إن متوسط سعر الخام بلغ 70 دولارا للبرميل في عام 2018. وتوقع وزير النفط والغاز العماني محمد الرمحي في كلمة أمام المؤتمر ذاته أن يتراوح السعر بين 60 و80 دولارا للبرميل في 2019. كما إن خفض الإنتاج بمقدار 1.2 مليون برميل يوميا ينبغي أن يكون كافيا لتحقيق التوازن للسوق، وتوقع أن يبدأ التصحيح هذا الشهر وأن يتحقق في النصف الأول من العام. وأضاف أنه لا يتوقع زيادة إنتاج فنزويلا وليبيا وإيران في 2019، وإن إنتاج تلك الدول سينخفض على الأرجح. والدول الثلاث معفاة فعليا من تخفيضات الإنتاج، فضلا عن إنه لا حاجة لأن تعقد أوبك وحلفاؤها اجتماعا قبل أبريل نيسان، وهو الموعد الذي تحدد لكي يتخذوا قرارا بشأن سياستهم الإنتاجية في الفترة المتبقية من عام 2019.
نمو إنتاج النفط الصخري الأمريكي يطيح بتخفيضات أوبك في 2019
تُظهر التوقعات أن الزيادة في إنتاج النفط الخام الأمريكي ستطمس تخفيضات إنتاج أوبك الرامية لإعادة التوازن إلى السوق بنهاية العام المقبل مما يقوض جهود المنظمة في الوقت الذي يزيد فيه منتجو النفط الصخري مستوى الإنتاج بغض النظر عن بيئة السعر. اذ اوضحت إدارة معلومات الطاقة الأمريكية إن إنتاج الولايات المتحدة من النفط بلغ 11.6 مليون برميل يوميا في أحدث أسبوع وهو ما يقل قليلا فحسب عن أعلى مستوى على الإطلاق البالغ 11.7 مليون برميل يوميا. وإذا زاد الإنتاج بالمعدل الذي تتوقعه إدارة المعلومات فإنه سيبتلع عمليا تخفيضات أوبك بنهاية 2019.
وفي وقت سابق من ديسمبر كانون الأول، اتفقت منظمة البلدان المصدرة للبترول وحلفاء من بينهم روسيا على تطبيق تخفيضات كاسحة في الإنتاج تبلغ 1.2 مليون برميل يوميا، مع مساهمة الحلفاء غير الأعضاء في أوبك بخفض بنحو 400 ألف برميل يوميا. واضافت إدارة معلومات الطاقة إن ذلك يعادل زيادة متوقعة في الإنتاج الأمريكي العام القادم بمقدار 1.18 مليون برميل يوميا نظرا لنمو النفط الصخري أوائل 2019 وبدء تشغيل مشروعات بحرية طال انتظارها في وقت لاحق من العام. وأثرت المخاوف من تخمة المعروض على أسعار النفط في آخر شهرين حيث تراجعت أسعار الخام الأمريكي إلى 46 دولار للبرميل يوم الثلاثاء من ذروة تجاوزت 76 دولار للبرميل في أكتوبر تشرين الأول.
وزاد الإنتاج الأمريكي العام الماضي وتجاوز المستوى القياسي البالغ عشرة ملايين برميل يوميا المسجل في 1970. ومع تقدم تقنيات مثل التكسير الهيدروليكي، أصبحت الولايات المتحدة أكبر منتج للخام في العالم ومن المتوقع أن يتجاوز الإنتاج 12 مليون برميل يوميا في الأشهر المقبلة، ويلقي هذا الضوء على الصعوبات المتزايدة التي تواجهها أوبك في كبح المعروض لرفع الأسعار إلى مستوى تراه المنظمة مقبولا وملائما لميزانيات الدول. ومن المنتظر أن تكون ميزانية السعودية للعام 2019 هي الأكبر على الإطلاق لكن الاقتصاديين يرون أن ميزانية المملكة موضوعة على أساس سعر 70 دولارا في المتوسط لخام برنت في 2019. ويبلغ سعر الخام في الوقت الراهن 58 دولارا للبرميل.
وفي ظل هذا الصراع يبدو ان فرص أوبك في فرض هيمنتها السعرية باتت تتضاءل وبشكل ملحوظ، فسياسة خفض الانتاج وان حافظت بعض الشيء على ماء وجه الاسعار ولفترة قصيرة، الا ان البعض بدأ يشكك في استمرار نجاحها، وهذا ما دعا أوبك الى محاولة طلب عقد اجتماعي استثنائي من اعضائها من أجل النظر في تراجع اسعار النفط، وهو مايطرح هنا تساؤل مهم مفاده انه حتى في ظل هذا الاجتماع فماهي الفرص المتاحة والممكنة امام أوبك غير الاستمرار في خفض الانتاج، هذا في ظل تنامي انتاج النفط الصخري الامريكي، وعليه تبدو ان اوبك مشلولة في ايجاد حلول جديدة لمعالجة الوضع الراهن الا في حال حدوث معجزة اقتصادية وهو أمر مستبعد في ظل الظروف الحالية.
اضف تعليق