q
انخفاض مستوى المعلم ينبع من تمهين عمله وجعله كغيره من المهن التي يؤديها المختصين فيها دون مراعاة انعكاساتها المستقبلية، فعدم التمكين الكافي للمعلم يجعله اسير المنهج الموضوع والذي عادة ما يكون فقيرا لا يرتقي لان يكون عاملا من عوامل تطور الملكة الفكرية للطلبة والنهوض بوعيهم ومجاراة التقدم العلمي والسلوكي...

يتذكر كل فرد من افراد المجتمع معلمه في الصف الأول او المرحلة الابتدائية، ولكل منا ذكرياته الخاصة مع هذا المعلم او تلك المربية الفاضلة، ولا تزال هذه الذكريات والمواقف تنساب في العروق لترسم ملامح شخصيتنا بتقادم الايام، إذا فالمعلم كان يؤدي أدوار اجتماعية الى جانب الوظيفة التعليمية.

المعلمون الذين تجاوزت اعدادهم الآلاف في الوقت الحاضر، لم يتمكنوا من إرضاء الأهالي بما يقدموه خلال مسيرتهم التربوية، وعلى الرغم من ان مستوى التعليم بصورة عامة يتأثر بالعديد من المؤثرات، لكن يبقى المعلم اللاعب الوحيد والمؤثر الأبرز من بين هذه العوامل، التي من بينها المنهج الدراسي إذا كان غير مناسب لمتطلبات المرحلة وقادر على مواكبة التجدد المستمر.

وكذلك للإدارة المدرسية وكيفية التعامل مع الطلبة الأثر البالغ في رفع مستوى التعليم، ولا تقل أهمية البيئة المنزلية، التي تعد واحدة من اهم العوامل المساعدة على التفوق والتمييز في المراحل الأولية من الدراسة.

ويبقى أكثر العوامل تماسا مع الطلبة وتأثيرا على رسم مستقبلهم هو المعلم، فالمعلم المتفرد والمميز في طريقة تقديم المعلومات، قادر الى حد بعيد على تجاوز الخلل والثغرات التي تعاني منها العملية التربية، وهنا تحول من العمل التربوي البحت الى التنشئة الاجتماعية بعيدا عن التدهور المستمر الذي أصيبت فيه القطاعات التربوية.

لو توجهنا بالأسئلة التي تخطر في اذهان أولياء الأمور في العصر الحالي، هل ان المعلم اليوم يؤدي الدور الذي يجب ان يؤديه؟

واضح جدا انه لا يؤدي دوره بالشكل المطلوب والمخرجات العملية هي من تؤكد ذلك، انخفاض في نسب النجاح بالمراحل الأولية، وكذلك ضعف نسبة القراءة والكتابة لكثير ممن اتم المرحلة الابتدائية ولو أجرينا أي اختبار سريع سيقع الاغلب في غياهب ابسط الاختبارات، ولا ينجوا منها الا العدد القليل.

في الكتابة عن تراجع دور المعلم لا يمكن ان نجتزأ تقصير المعلمين فقط، فالتقصير او عدم الاهتمام بالمادة العلمية، يأتي ضمن فشل او لنقل تراجع المنظومة التعليمية في عموم البلاد، لكن مع هذا لا يمكن ان نعفي المعلم من تقصيره ونتركه وكأنه بريء من الكارثة التي ستلحق في الأجيال القادمة.

الجيل القادم يعاني من متلازمة يصعب الخلاص منها، وهي ان المعلم لا يدرك أهمية دوره في الحياة الاجتماعية، فهو يركب الى جانب الكثير في قارب المجهول، ولا يعرف اين وجهة هذا القارب الذي اخذ بالانحدار او التوجه الى مناطق خطيرة قياسا فيما يحصل بالدول التي أعطت للتعليم مكانته واحدثت تغيرا وقفزة سريعة.

عدم الثقة في العملية التعليمية بمجملها أدى الى ضعف أداء المعلمين في المدارس الحكومية، ولتعويض ذلك صار البديل هو التعليم الخاص او المدارس الاهلية، وربما يعود السبب في ذلك الى إهمال المعلم لوظيفته الحساسة وهو إعداد جيل الإعداد الصحيح، واضع قدمه على الجادة العلمية.

ولكي يكون الحياد حاضرا عند الحديث عن ملف التعليم والمعلمين، من غير المنصف ان نضع الجميع في مستوى واحد من ناحية عدم الاهتمام من اجل النهوض بالمستوى العلمي للطلبة، هنالك من يضع اهم أولوياته الطالب وما يجب ان يغرسه فيه من مادة علمية وزرع الأفكار النافعة في المستقبل.

انخفاض مستوى المعلم ينبع من تمهين عمله وجعله كغيره من المهن التي يؤديها المختصين فيها دون مراعاة انعكاساتها المستقبلية، فعدم التمكين الكافي للمعلم يجعله اسير المنهج الموضوع والذي عادة ما يكون فقيرا لا يرتقي لان يكون عاملا من عوامل تطور الملكة الفكرية للطلبة والنهوض بوعيهم ومجاراة التقدم العلمي، الى جانب الدور الاجتماعي الذي لا يقل أهمية الأول.

اضف تعليق