من المقرر أن يصبح التعليم للسنة الدراسية الوشيكة البدء، تعليماً مدمجاً، أي دمج التعليم التقليدي الحضوري بالتعليم الالكتروني عن بعد، ولكن ثمَّة تحديات عديدة تواجه هذه الاستراتيجية المستندة على التطور التقني الهائل في التكنولوجيا، فالأمية في العالم الافتراضي ما زالت متسيدة ومهيمنة في المشهد الرقمي...
من المقرر أن يصبح التعليم للسنة الدراسية الوشيكة البدء، تعليماً مدمجاً، أي دمج التعليم التقليدي الحضوري بالتعليم الالكتروني عن بعد، ولكن ثمَّة تحديات عديدة تواجه هذه الاستراتيجية المستندة على التطور التقني الهائل في التكنولوجيا. فالأمية في العالم الافتراضي ما زالت متسيدة ومهيمنة في المشهد الرقمي، وقد أصابت سهامها ليس العوائل فقط بل حتى المدرسين والمعلمين، فالكثير منهم لا يجيد استخدام (الحاسبة أو اللابتوب أو الهواتف الذكية) بمهارة عالية، ويظهر ذلك جلياً بالارتباك والحيرة التي تحاصرهم عندما تلجأهم ضرورة ما لإرسال رسالة عبر الإيميل مثلاً أو تنزيل تطبيق ما؛ لأنهم يعدّونها من وسائل الترف البعيدة عن مهنتهم التي ترتكز على السبورة والطباشير!
أما العوائل فالحديث عنها، يستلزم تفصيلاً، إذ بالإمكان تقسيمها اقتصادياً إلى قسمين، تلك من ذوي الدخل المحدود التي ستجد بتوفير أجهزة اتصال وانترنيت مستمر لأبنائها التلاميذ والطلبة عبأ ثقيلاُ على كاهلها، ويشكل هذا العامل تحدياً كبيراً امام التعليم المدمج وإن أعلنت وزارة التربية بعرض الدروس في التلفزيون التربوي!
أما العوائل التي لا يشكل العامل الاقتصادي عائقاً أمام امتلاكها وسائل الاتصال، فيمكن تقسيمها إلى ثلاثة فئات في تعاملها مع وسائل الاتصال المتطورة، فهناك الفئة التي تركت الحبل على الغارب لأبنائها، فالأجهزة الذكية لا تجد مستقراً ومقاماً إلا بين أياديهم، وأحداق عيونهم المسمرة على الشاشات تشرك الأنامل معها بلا كلل ولا ملل لملاحقة ذلك اللاعب وتلك اللعبة حتى بلغ الأمر إلى الادمان الذي ينسيهم وجبتهم الغذائية!
والفئة الثانية تلك التي تنتهج مع أبنائها أسلوباً خاصاً في التربية، يكمن بفرض قيود ومراقبة شديدة ومستمرة على الأبناء عند استخدامهم العالم الرقمي، وأحياناً يصل إلى حرمانهم كلياً من هذه الأجهزة، واطلق المتخصصون على هذا الحرمان بـ"الإقصاء الرقمي والاجتماعي المستحدث"، وتعلل العوائل تصرفها هذا بخشيتها من الآثار السلبية لهذه الوسائل (الايباد والهواتف والحواسيب) التي لا يمكن تداركها بسهولة لاسيما على المراهقين والأطفال بل حتى على الشباب.
فالجميع متفق أنَّ وسائل الاتصال الرقمية أفرزت سلبيات جمَّة ناتجة من سوء التوظيف والاستخدام ابتداءً بالإدمان وتراجع المستوى الدراسي ومروراً بالابتزاز والجرائم الالكترونية وانتهاء بتغيير انماط التفكير والتقاليد والعادات والقيم السائدة، ووقعت هذه الفئة في فخ الأمية الرقمية بجهلها بوسائل التربية الرقمية باعتبارها القواعد المنظمة للعلاقة بين العالمين: الافتراضي والواقعي، المستندة على المهارات وبرامج توعوية كمنهج سلوكي عند التعامل مع وسائل الاتصال الحديثة، كذلك وقعت في فخ الأمية بالابتعاد عن مواكبة التطور التقني هذا.
وأخيراً الفئة الثالثة من العوائل التي أدركت أن هذه الوسائل أصبحت جزء لا يتجزأ من حياتنا لاستخداماتها الكثيرة في الاتصال والمعرفة، وأن عليها وضع ضوابط تجعل الأبناء يستخدمون هذه الوسائل في الحدود التي لا تؤثر على حياتهم خارج العالم الافتراضي، وهذا يتطلب بالتأكيد أن تتمتع هذه العوائل بدرجة عالية من الوعي لتتمكن من تغذية عقلية أبنائهم بالقيم والتقاليد والثقافة التي يحتاجونها في ولوجهم للعالم الافتراضي، ويحددون لهم المسارات الآمنة اجتماعياً وثقافياً ومعرفياً، فهذه العوائل سلّمت بالأمر الواقع أن الأساليب التربوية التقليدية بحاجة للتأطير بأساليب حديثة تتناسب مع عصر التكنولوجيا لاستثمار هذه التقنية بنحو أفضل وتحقيقاً للأهداف التربوية المرجوة.
ويبقى التساؤل هل يقضي التعليم عن بعد على الأمية الرقمية عند العوائل التي تعدّ وسائل الاتصال ترفاً وليس ضرورة؟.. وهل يحدّ التعليم عن بعد من إدمان الأبناء على تلك الأجهزة ويسهم بإشباع حاجاتهم الرقمية بفتح آفاق معرفية وتقنية لهم لم يسبق أن ولجوها؟!
اضف تعليق