يرتبط تدريس الفلسفة في العالم بتوفر المناخ الديمقراطي في المجتمعات المتعددة والثقافات المتنوعة ويتوزع نحو اتجاهات متفرقة وممارسات مختلفة ولكنه يلتقي حول جملة من المناهج الضرورية والقيم الكونية ويستوجب إعطاء الفلسفة منزلة هامة في المنظومات التربوية والأنساق الثقافية لكي تقوم بدورها في تكوين المواطنين والمربين...
تقديم:
"التصرف بحيث تصبح الفلسفة ممكنة، أو حتى تظل مستمرة، يمكن القيام به في أماكن متعددة. وفي مناسبات مختلفة جدا." 1
يرتبط تدريس الفلسفة في العالم بتوفر المناخ الديمقراطي في المجتمعات المتعددة والثقافات المتنوعة ويتوزع نحو اتجاهات متفرقة وممارسات مختلفة ولكنه يلتقي حول جملة من المناهج الضرورية والقيم الكونية ويستوجب إعطاء الفلسفة منزلة هامة في المنظومات التربوية والأنساق الثقافية لكي تقوم بدورها في تكوين المواطنين والمربين ونشر مبادئ التسامح والسلم والمدنية بين الشعوب بصورة شاملة وناجعة.
زد على ذلك تساهم الفلسفة بشكل أساسي في إيجاد أرضية متينة للتفاهم بين الناس من خلال إجراء تحليل عقلاني للمشاكل التي تعترضهم في الحياة اليومية عبر اعتماد خطاب حجاجي موزون ولغة حوارية دالة.
في الواقع يزداد الاهتمام بالتفكير الفلسفي بالقدر الذي تحترم فيه المؤسسة التعليمية هذه المادة المحورية وتشجع على تدريسها في المستويات المختلفة وتراهن عليها بغية الوعي بالمعارف العلمية ومواكبة تطور التقنيات والفنون والآداب وتدفع الناس إلى ممارسة التفكير الشخصي في القيم المناسبة للوضع البشري.
لقد أطلقت منظمة اليونسكو هذا البيان المساند للتفكير الفلسفي ووقع عليه قرابة ألفين شخص من مختلف أرجاء العالم بعد مناقشته بشكل مطول في شبكات من 66 دولة من أسيا وأوروبا الوسطى وأمريكا اللاتينية وافريقيا وضم عدة فلاسفة على غرار كواين ودريدا وكاستورياديس وقام برقن صياغته النهائية دوميت ودافيدسن:
"نحن المشاركون في الأيام الدولية "لتدريس الفلسفة والديمقراطية في العالم" التي نظمتها اليونسكو، والتي عقدت في باريس يومي 15 و 16 فبراير 1995،
دعونا نلاحظ أن المشاكل التي تتناولها الفلسفة هي تلك المتعلقة بحياة ووجود الناس الذين يتم اعتبارهم عالميًا،
نعتقد أن التفكير الفلسفي يمكن ويجب أن يساهم في فهم وإدارة الشؤون الإنسانية،
دعونا نأخذ في الاعتبار أن النشاط الفلسفي، الذي لا يسحب أي فكرة من النقاش الحر، الذي يسعى إلى تحديد التعريفات الدقيقة للمصطلحات المستخدمة، للتحقق من صحة الاستدلال، لدراسة حجج الآخرين بانتباه، يسمح لكل واحد بأن يتعلم التفكير بنفسه،
التأكيد على أن التعليم الفلسفي يعزز الانفتاح والمسؤولية المدنية والتفاهم والتسامح بين الأفراد وبين المجموعات،
نؤكد من جديد أن التعليم الفلسفي، من خلال تكوين عقول حرة ومفكرة قادرة على مقاومة أشكال مختلفة من الدعاية والتعصب والإقصاء واللاّتسامح، يساهم في السلام ويعد الجميع لتحمل المسؤولية في مواجهة أسئلة كبيرة معاصرة، وخاصة في ميدان الإيتيقا،
دعونا نحكم على أن تطور التفكير الفلسفي، في التعليم وفي الحياة الثقافية، يسهم بطريقة مهمة في تكوين المواطنين، من خلال ممارسة قدرتهم على الحكم، وعنصر أساسي في أي ديمقراطية،
لهذا السبب، من خلال الالتزام ببذل كل ما في وسعنا، في مؤسساتنا وبلداننا المعنية، لتحقيق هذه الأهداف، نعلن ما يلي:
يجب ضمان النشاط الفلسفي الحر في كل مكان، بجميع أشكاله وفي جميع الأماكن التي يمكن ممارستها فيها، لجميع الأفراد
يجب الحفاظ على التعليم الفلسفي أو توسيعه حيثما كان موجودًا، وخلقه في مكان غير موجود بعد، وتسمية "فلسفة" بشكل صريح
يجب توفير التعليم الفلسفي من قبل مدرسين أكفاء، مدربين خصيصًا لهذا الغرض، ولا يمكن أن يخضعوا لأي أمر اقتصادي أو تقني أو ديني أو سياسي أو إيديولوجي
في حين يبقى مستقلا، يجب أن يكون التعليم الفلسفي، حيثما أمكن، مرتبطًا بفعالية بالتدريب الجامعي أو المهني، في جميع المجالات
توزيع الكتب في متناول جمهور واسع، سواء بلغتهم أو بسعر البيع، وإنشاء برامج إذاعية أو تلفزيونية، وأشرطة صوتية أو فيديو، والاستخدام التعليمي لجميع الوسائل السمعية البصرية والكمبيوتر، يجب تشجيع إنشاء أماكن متعددة للحوار الحر، وجميع المبادرات التي من شأنها أن تتيح لأكبر عدد من الناس الوصول إلى فهم أولي للأسئلة والأساليب الفلسفية، من أجل تشكيل تعليم فلسفي للبالغين.
معرفة الانعكاسات الفلسفية للاختلافات الثقافية، ومقارنة مساهمات كل منها، وتحليل ما يجمعهم وما يعارضهم، يجب متابعتها ودعمها من قبل مؤسسات البحث والتعليم
لا يمكن للنشاط الفلسفي، باعتباره ممارسة حرة للتفكير، أن يعتبر أي حقيقة مكتسبة بشكل نهائي ويحرض على احترام قناعات كل واحد، لكن يجب ألا يقبل، بأي حال من الأحوال، تحت وطأة حرمان نفسه، العقائد التي تنكر حرية الآخرين، والاستخفاف بالكرامة الإنسانية وتوليد الهمجية".
تعقيب:
من الضروري العمل على نشر الثقافة الفلسفية والدفاع عن استقلالية التفكير الفلسفية والاعتناء بالهوية الفلسفية والتشجيع على البحث الحر والنقاش العلني وتبادل الخبرات الفلسفية بين الذوات والمؤسسات ولكن ثمة فرق جوهري بين المثال والواقع وبين التنظير والتطبيق وحال الفلسفة اليوم في عالمنا الراهن لا تسر ولا تبشر بخير وخاصة في ظل انتشار نظام التفاهة والصناعة الثقافية والعقلانية الحسابية وتفضيل التبسيط على التعقيد والمباشر على التوسط والمادي على المجرد والصورة على الفكرة.
وعلى الرغم من توقيع بعض أساتذة الفلسفة من الجامعات المغاربية إلا أن واقع تدريس الفلسفة في العالم العربي في تراجع مستمر وأقسام الفلسفة في الجامعات تعاني من المزاحمة الموازية تحت عناوين مختلفة ولا يحصل المدرسون على كافة حقوقهم والمؤلفون في المجال الفلسفي هم بدورهم في عزلة عن القراء والجمهور الفلسفي في تقلص مستمر والكتاب الفلسفي نفسه محاصر تحت ذرائع تجارية واهية، فكيف يمكن للمشتغلين بالفلسفة أن يبدعوا ويغيروا الأوضاع ويقوموا بأدوار تنويرية وهم في وضع مأزوم؟ ألا يجدر أن يتجه تدريس الفلسفة في العالم العربي نحو توطين الثورة الثقافية وترسيخ القيم الديمقراطية؟
اضف تعليق