في ضوء المسح الخاص بالتطورات الاقتصادية والاجتماعية في المنطقة العربية 2015-2016، الخاص باللجنة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا (الاسكوا)، بالاضافة الى تقرير آفاق الاقتصاد العربي الخاص بصندوق النقد العربي الذي يتضمن تحديث توقعات النمو الاقتصادي واتجاهات تطور الاسعار المحلية في الدول العربية خلال عامي 2016-2017، بلغ متوسط معدل نمو الناتج المحلي الاجمالي في المنطقة العربية بالقيمة الحقيقية حسب التقديرات 9,0بالمائة عام 2015، بدون تغير يذكر عن عام 2014، وقد أرهق تراجع اسعار النفط منذ منتصف عام 2014، وكذلك انتشار النزاعات المسلحة، فاقتصادات بلدان مجلس التعاون الخليجي التي قادت النمو في المنطقة خلال الاعوام الماضية تباطأت في عام 2015 نتيجة لعوامل عديدة منها تراجع عائدات الصادرات النفطية، وبطء نمو الطلب المحلي، وتضاؤل الثقة في اوساط اصحاب الاعمال والشركات.
وواجهت هذه البلدان تحديات اضافية في استراتيجياتها للتنويع الاقتصادي، واعتمدت تدابير اصلاحية مختلفة مثل اعانات الدعم في محاولة للتكيف مع تراجع اسعار النفط، غير ان الانخفاض في الاسعار لم يأت بالفوائد المتوقعة على البلدان العربية المستوردة للطاقة، اذ شهدت انخفاضاً في فاتورة الواردات، رافقه انخفاض في العائدات الاسمية للصادرات نتيجة لضعف الطلب الخارجي.
وأدت الاحداث الامنية في المنطقة الى تراجع قطاع السياحة والصادرات من الخدمات، واشتدت القيود على ميزان المدفوعات بدرجات متفاوتة في مختلف البلدان، فبينما استمرت بلدان مجلس التعاون الخليجي في انعاش الطلب المحلي من غير قيود على ميزان المدفوعات، شهدت بلدان اخرى، لاسيما تونس وسوريا والسودان ومصر واليمن، قيوداً شديدة أدت الى كبح نمو الطلب المحلي وتدهور مستويات المعيشة.
واستمرت الصراعات المسلحة في سوريا والعراق وليبيا واليمن، فدفعت بالعديد من العمال الى خارج سوق العمل، وآلت الاوضاع الاقتصادية الى الركود، وكانت النتيجة اعداد كبيرة غير مسبوقة من اللاجئين والمهاجرين عبرت البحرت المتوسط الى اروربا في العام 2015، اما في العام 2016 فيرى صندوق النقد العربي في تقريره كمحصلة، للعوامل السابق الإشارة إليها، واستناداً إلى الافتراضات الرئيسية للتقرير، تم خفض معدل نمو الدول العربية كمجموعة خلال عام 2016 بنحو 0.3 نقطة مئوية مقارنة بالتوقعات الواردة في تقرير آفاق الاقتصاد العربي، حيث من المتوقع أن ينخفض النمو في البلدان العربية كمجموعة إلى 2.6 في المائة عام 2016. أما فيما يتعلق بعام 2017، من المتوقع حدوث تحسن نسبي لمعدل النمو الاقتصادي إلى نحو 3.1 في المائة مستفيداً من التعافي التدريجي للنشاط الاقتصادي في كل من الدول العربية المصدرة للنفط والمستوردة له نتيجة عدد من العوامل.
في المقابل، من المتوقع تحقيق مجموعة الدول العربية المُصدرة للنفط الأخرى نمواً محدوداً لا يتعد الواحد بالمائة العام الجاري على ضوء التأثير الانكماشي المتوقع الناشيء عن ظروف الأوضاع الداخلية في عدد من دول المجموعة باستثناء الجزائر. أما في عام 2017، وعلى ضوء التوقعات بتحسن أسعار النفط وبفرضية حدوث تطور إيجابي ملموس على صعيد البيئة الداخلية يتوقع ارتفاع النمو إلى 6.2 في المائة العام المقبل، وهو ما سيعكس بالأساس النمو الضعيف المسجل في سنة المقارنة.
فيما يتعلق بالدول العربية المستوردة للنفط، من المتوقع تباطؤ وتيرة النشاط الاقتصادي بفعل تأثر الطلب المحلي والخارجي بعدد من العوامل التي من شأنها أن تنعكس على مستويات النمو المسجلة عام 2016، ومن أهمها استمرار تباطؤ النشاط في بعض القطاعات الاقتصادية الرئيسية نتيجة استمرار ضعف الطلب العالمي والأوضاع في سوق الصرف الأجنبي وظروف الجفاف في بعض دول المجموعة. بناء عليه، تم خفض توقعات نمو المجموعة إلى 3.1 في المائة عام 2016 مقارنة بنحو 3.6 في المائة متوقعة في تقرير آفاق الاقتصاد العربي إصدار مارس الماضي. من المنتظر عام 2017 أن يستمر تعافي الأداء الاقتصادي في بلدان المجموعة على ضوء التحسن المتوقع للنشاط في عدد من القطاعات الرئيسية في تلك الدول التي ستستفيد من التحسن المتوقع للطلب العالمي، وهو ما سيتبعه ارتفاع في مستويات الاستثمار والانفاق الاستهلاكي والصادرات بما يدعم النشاط الاقتصادي الذي من المتوقع ارتفاعه إلى 3.9 في المائة.
فيما يتعلق باتجاهات تطور الأسعار المحلية، ارتفعت معدلات التضخم في معظم الدول العربية خلال الأشهر الأولى من عام 2016. جاء ذلك نتيجة للارتفاع الذي شهدته أسعار السلع الغذائية، ومجموعة الوقود والطاقة. فقد انتهجت معظم الدول العربية تطبيق سياسات هادفة إلى ترشيد مستويات الدعم الحكومي وخاصة الموجه منها للمنتجات النفطية. وقد استفادت تلك الدول في تطبيق تلك السياسات، من بقاء الاسعار العالمية للنفط والسلع الاساسية عند مستويات منخفضة، مما خفف من حدوث ارتفاعات قوية في معدلات التضخم في الدول العربية بصفة عامة. إضافة إلى أثر انخفاض معدلات نمو السيولة وتراجع الاداء الاقتصادي في تخفيف حدة الضغوط التضخمية.
كما تأثر المستوى العام للأسعار في بعض الدول بتواصل الاختناقات في سلاسل إمداد السلع الاساسية نتيجة للظروف المحلية التي تشهدها تلك الدول. إضافة إلى الضغوط التضخمية المتولدة عن زيادة عدد النازحين من بعض المناطق. كمحصلة للتطورات سالفة الذكر، يتوقع أن يبلغ معدل التضخم في الدول العربية كمجموعة خلال عام 2016 حوالي 7.8 في المائة. بالنسبة لعام 2017، فمن المتوقع أن يُسجل معدل التضخم في الدول العربية نحو 8.5 في المائة.
ففي الدول العربية المصدرة للنفط، من المتوقع خلال عام 2016 أن يشهد معدل التضخم في دول المجموعة ارتفاعاً ليبلغ حوالي 6.3 في المائة مقارنة مع 4.3 في المائة محققة خلال عام 2015. جاء ذلك كمحصلة لزيادة معدل التضخم لدى كلٍ من مجموعة الدول العربية المصدرة الأخرى للنفط ليصل إلى نحو 6.9 في المائة، ومجموعة دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية ليبلغ حوالي 3.8 في المائة خلال عام 2016. وعلى صعيد توقعات مستويات التضخم لعام 2017، يتوقع أن يرتفع معدل التضخم لدى المجموعة ليبلغ حوالي 7.0 في المائة.
أما فيما يتعلق بدول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، فقد تأثر معدل التضخم خلال الأشهر الاولى من عام 2016 بالارتفاع الذي شهدته أسعار مجموعة الوقود والطاقة والمجموعات الأخرى الخاصة بخدمة السكن. جاء ذلك نظراً لانتهاج معظم دول المجموعة إجراءات هادفة إلى ترشيد مستويات الدعم الحكومي وتطبيق "آلية التمرير التلقائي" للأسعار العالمية. وقد ساعد هذه المجموعة من الدول على تطبيق تلك السياسات، بقاء الأسعار العالمية للنفط والسلع الأساسية عند مستويات منخفضة، الامر الذي حد من حدوث ارتفاعات قوية في المستوى العام للأسعار لدى دول المجموعة. كما خفف من حدة الضغوط التضخمية في دول المجموعة انخفاض معدلات نمو السيولة المحلية وتراجع النشاط الاقتصادي، إضافة إلى ارتفاع القوة الشرائية للعملات المحلية لدى معظم دول المجموعة لارتباطها بالدولار الأمريكي. في ضوء التطورات سالفة الذكر، من المتوقع أن يبلغ معدل التضخم في هذه المجموعة من الدول خلال عام 2016 حوالي 3.8 في المائة. بالنسبة لعام 2017، يتوقع أن يسجل معدل التضخم مستوى 3.1 في المائة.
بخصوص الدول العربية الاخرى المصدرة للنفط، فقد شهدت دول المجموعة (باستثناء الجزائر) تواصل الاختناقات في سلاسل إمداد السلع الأساسية نتيجة للتطورات المحلية التي تشهدها هذه الدول، إضافة إلى أثر هذه الظروف على نزوح السكان من بعض المناطق إلى مناطق أخرى، الأمر الذي يولد ضغوط تضخمية ناتجة عن ارتفاع أسعار الإيجارات وخدمات المرافق السكنية في تلك المناطق التي نزح إليها السكان. بينما تأثر معدل التضخم في بعض دول المجموعة كنتيجة لتطبيق بعض السياسات بغرض ترشيد مستويات الدعم الحكومي خاصة بالنسبة لمنتجات الطاقة، إضافة إلى أثر تراجع قيمة العملات المحلية في بعض دول المجموعة على زيادة حدة الضغوط التضخمية في تلك الدول. كمحصلة للتطورات السابقة، من المتوقع أن يبلغ معدل التضخم في هذه المجموعة من الدول نحو 6.9 في المائة خلال عام 2016. فيما يتعلق بعام 2017، يتوقع أن يبلغ معدل التضخم حوالي 7.8 في المائة.
فيما يتعلق بالدول العربية المستوردة للنفط، سجلت معظم دول المجموعة خلال الأشهر الاولى من عام 2016 زيادة في مستويات التضخم كنتيجة أساسية لارتفاع أسعار السلع الغذائية ومنتجات الوقود والطاقة المنزلية والنقل. فقد تأثرت معدلات التضخم بتلك الدول بالسياسات الرامية نحو ترشيد مستويات الدعم خاصة الموجه منها للمنتجات النفطية. خفف من حدة الضغوط التضخمية تبني السلطات النقدية في معظم دول المجموعة سياسة نقدية انكماشية، إضافة إلى تباطؤ النشاط الاقتصادي وأثره في الحد من التضخم المدفوعة بعوامل جذب الطلب.
من جانب آخر، ساهم أثر التمرير الناتج عن تعرض قيمة العملة المحلية لبعض الدول لضغوط، نظراً لتراجع الموارد من النقد الاجنبي في تلك الدول، في زيادة مستويات التضخم. إضافة إلى أثر زيادة أعداد النازحين إلى بعض دول المجموعة على زيادة الضغوط التضخمية وزيادة مستويات الطلب على السلع والخدمات في ضوء التطورات السابقة، يتوقع أن يبلغ معدل التضخم لدى دول المجموعة حوالي 9.6 في المائة خلال عام 2016. بالنسبة لعام 2017، من المتوقع أن يصل معدل التضخم في دول المجموعة إلى حوالي 10.3 في المائة.
اضف تعليق