q

تعيش السعودية هذه الفترة جملة من الازمات الاقتصادية والسياسية، فمأزق الحرب ضد اليمن وصعوبة حسم المعركة ضد الحوثيين باتت أمراً لامفر منه، بل وقد يكون مستحيل وكذلك الحال في الجهة المقابلة والمقصود بذلك سوريا، فقوات النظام أصبحت انتصاراتها تورق السلطات السعودية لاسيما بعد الانتصارات في حلب، وفي ظل تدهور عالمي لاسعار النفط وتصاعد للنفقات العسكرية للحرب في الخارج، واحتمال تأزم العلاقة مع الولايات المتحدة الشريك الاقوى لها لاسيما بعد فوز ترامب، يبدو ان المشهد الاقتصادي والسياسي في السعودية يتجه الى طريق مسدود، اذ وعلى صعيد الجانب الاقتصادي، صرح الملك سلمان السعوديين أن إجراءات إعادة هيكلة الاقتصاد التي تبنتها المملكة ردا على هبوط حاد في أسعار النفط "مؤلمة" الا إنها ضرورية لتفادي تعرض البلاد لضرر على المدى الطويل.

وفي خطوة صارمة لتقليص النفقات أمر الملك سلمان بخفض رواتب الوزراء وأعضاء مجلس الشورى بما يتراوح من 15 إلى 20 بالمئة وقلص المزايا المالية لموظفي القطاع العام، وأدى هبوط حاد في أسعار النفط منذ منتصف 2014 إلى دفع دول الخليج العربية الغنية بالطاقة إلى كبح البذخ في الانفاق العام. وسجلت السعودية عجزا قياسيا في الميزانية بلغ حوالي 100 مليار دولار العام الماضي مما إضطرها إلى إيجاد إدخارات جديدة في الانفاق وسبل لجمع أموال.

فرص تجاوز العجز في موازنة 2017

من المرجح على نطاق واسع أن يواكب إعلان موازنة الحكومة السعودية لعام 2017 إعلان الحكومة تحقيق نجاح كبير في خفض عجز الموازنة للعام الجاري عن التقديرات الأولية التي أعلنتها قبل عام ما سيسمح لها بالإنفاق بصورة أكبر على دعم النمو الاقتصادي.

شهد الاقتصاد السعودي في 2016 أحد أصعب الفترات منذ عقود مع تباطؤ النمو ومحاولة الحكومة خفض عجز الموازنة الذي بلغ مستوى قياسيا عند 367 مليار ريال (98 مليار دولار) في 2015، ويتوقع مصرفيون ومحللون واقتصاديون بارزون أن تكشف الرياض عن موازنة 2017 خلال أسبوعين وأن تعلن خلالها تحقيق تقدم كبير في ضبط المالية العامة بصورة لم يكن يتوقعها الكثيرون قبل 12 شهرا.

ومن شأن ذلك أن يسمح للحكومة بأن تحول أنظارها بعيدا عن إدارة الأزمة المالية في 2017 وأن تركز بصورة أكبر على الإصلاحات الاقتصادية ودعم نمو القطاع الخاص وتنويع الاقتصاد بعيدا عن النفط، من جانبه يرى الاقتصادي السعودي البارز إحسان بو حليقة " ان أحد أبرز التحديات خلال العام المقبل ستكون التحول من النمو الاقتصادي الضعيف إلى تحقيق نمو أعلى ويبدو لي أن الحكومة ستركز على ذلك خلال إعداد ميزانية 2017."

وكانت الحكومة السعودية توقعت تحقيق عجز قيمته 326 مليار ريال عندما أعلنت موازنة 2016 في ديسمبر كانون الأول الماضي، لكن يبدو أن الخفض الحاد للإنفاق والإصلاحات الاقتصادية التي أعلنها مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية الذي يشرف عليه ولي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان ستنجح في خفض هذا الرقم بشكل كبير.

ويتوقع الاقتصاديون أن يبلغ العجز نحو 220 مليار ريال، وقد تصل من 231 الى 235 مليار ريال، فيما توقعت جدوى للاستثمار عجزا قدره 265 مليار ريال، ويعني ذلك أن العجز قد يبلغ في المتوسط بحسب تلك التوقعات نحو 240 مليار ريال أو ما يعادل عشرة بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي وهو رقم لا يزال مرتفعا لكنه أقل كثيرا من عجز بلغت نسبته 15 بالمئة من الناتج المحلي العام الماضي.

ويعود النجاح في الخفض المتوقع للعجز إلى عدد من الإجراءات الصارمة والقاسية من بينها مطالبة الوزارات والجهات الحكومية بخفض الإنفاق على العقود وتأجيل صرف مستحقات القطاع الخاص وشركات المقاولات لشهور وخفض مزايا وعلاوات العاملين بالقطاع الحكومي وإلغاء عدد من المشروعات وتقليص دعم الوقود والطاقة والمياه.

وأدى ذلك إلى تباطؤ النمو الاقتصادي، ومن المتوقع أن ينمو الناتج المحلي الإجمالي بنسبة تتراوح بين 1.2 و1.8 بالمئة هذا العام مقارنة مع 3.3 بالمئة في 2015، وتتضمن خطة التحول الوطني التي أعلنت في يونيو حزيران إنفاق الحكومة نحو 270 مليار ريال على مدى خمس سنوات على مشروعات تهدف لتنويع الاقتصاد وتحديث البنية التحتية والخدمات الاجتماعية.

لكن يبدو أن الحكومة لم تصرف سوى قدر ضئيل من هذه الأموال حتى الآن. وذكر مصدر إنه تمت مطالبة الوزارات والجهات الحكومية بخفض ميزانية مبادرات خطة التحول الوطني حتى قبل إطلاق هذه المشروعات، وهناك توقعات على نطاق واسع بأن يواكب إعلان موازنة 2017 إعلان الحكومة عن جولة جديدة من رفع أسعار الوقود والمياه والكهرباء. وتوقع السعودي الفرنسي كابيتال زيادة نسبتها 20 بالمئة في أسعار الكهرباء و40 بالمئة في أسعار الوقود، ويتوقع بعض الاقتصاديون أن تتوسع الحكومة بشكل طفيف في الإنفاق العام المقبل لاسيما فيما يتعلق بالإنفاق على مشروعات التنمية، يذكر ان الحكومة كانت تتوقع إنفاق 840 مليار ريال خلال 2016 مقارنة مع 975 مليارا في 2015.

91.3 مليار دولار ديون السعودية

ذكرت وزارة المالية السعودية، إن الدين العام بلغ 342.4 مليار ريال (91.3 مليار دولار)، بنهاية سبتمبر/ أيلول2016، وأضافت الوزارة في بيان لها "بلغ إجمالي ما أصدرته وزارة المالية من أدوات دَين محلية حتى نهاية سبتمبر الماضي، 97 مليار ريال (25.9 مليار دولار)، إضافة إلى ترتيب القرض الدولي في مايو/ أيار الماضي بمبلغ 10 مليارات دولار (37.5 مليار ريال)، وتابعت"وتم إصدار سندات دولية مقومة بالدولار الأميركي في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، بقيمة 17.5 مليار دولار (65.6 مليار ريال)، ليبلغ إجمالي ما تم إصداره من أدوات دَين محلية ودولية في عام 2016 نحو 200.1 مليار ريال (53.6 مليار دولار). وعليه، يكون إجمالي حجم الدين العام قد بلغ 342.4 مليار ريال (91.3 مليار دولار) حتى تاريخ إصدار هذا البيان".

وتبلغ الديون الخارجية على السعودية، حالياً، 27.5 مليار دولار (17.5 مليار دولار سندات و10 مليارات دولار قروض)، لتعادل 30% من إجمالي ديونها، فيما 63.8 مليار دولار ديون محلية، تشكل 70% من الإجمالي، وكان الدين العام للسعودية قد بلغ 73 مليار دولار في أغسطس/ آب الماضي، 63 مليار دولار منها محلية، و10 مليارات دولار خارجية، فيما جمعت تمويلاً قيمته 17.5 مليار دولار في أكتوبر الماضي، عبر أول سندات عالمية مقومة بالدولار.

وتعاني السعودية، أكبر دولة مُصدّرة للنفط في العالم في الوقت الراهن، تراجعاً حاداً في إيراداتها المالية، الناتجة عن تراجع أسعار النفط الخام عما كان عليه عام 2014، وأعلنت السعودية موازنة تتضمن عجزاً يبلغ 87 مليار دولار أميركي للسنة المالية الحالية، بعد تسجيلها عجزا بـ98 مليار دولار العام الماضي.

26.7 مليار دولار تسوية ديون القطاع الخاص

أظهرت وثيقة رسمية أن الحكومة السعودية خصصت 100 مليار ريال (26.7 مليار دولار) لسداد الديون المستحقة عليها لشركات القطاع الخاص بعد تأخر المدفوعات لأشهر، وفي خطوة تهدف للحد من عجز الموازنة الضخم الناجم عن تدني أسعار النفط قلصت حكومة المملكة أكبر مصدر للنفط في العالم الإنفاق وخفضت أو علقت المدفوعات المستحقة عليها لشركات المقاولات وقطاع الرعاية الصحية بل ولبعض المستشارين الأجانب الذين ساهموا في رسم ملامح إصلاحاتها الاقتصادية.

غير أن تأخر المدفوعات ألحق ضررا بالغا ببعض الشركات بما أدى إلى تباطؤ الاقتصاد وقالت الحكومة في وقت سابق هذا الأسبوع إنها ستسدد كافة المستحقات المتأخرة بحلول نهاية العام الحالي، ولم تكشف السلطات عن إجمالي حجم المستحقات المتأخرة لكن محللين بالقطاع الخاص قدروا أنه قد يصل لعشرات المليارات من الدولارات.

وذكرت الوثيقة التي وصفت بأنها تعميم "عاجل جدا" وأصدرتها وزارة المالية لجميع الجهات الحكومية إن مرسوما ملكيا فوض وزير المالية "باتخاذ الإجراءات والترتيبات واللازمة لصرف المبالغ المستحقة المستكملة للإجراءات النظامية إلى نهاية العام المالي الحالي، على ألا يتجاوز ما يتم صرفه عن 100 مليار ريال."

وأضافت أن الأموال سيتم صرفها "من فوائض إيرادات الأعوام المالية الماضية" لكنها لم تذكر ما إن كانت الحكومة تتوقع بالفعل دفع جميع الأموال المخصصة لسداد المتأخرات والبالغة 100 مليار ريال.

وإن على الأجهزة الحكومية تسجيل طلبات صرف المستحقات في البوابة الإلكترونية التي أعدتها وزارة المالية لحصر المستحقات وذلك "في مدة لا تزيد عن ثلاثة أسابيع"، وأكد وزير المالية محمد الجدعان عزم الحكومة سداد جميع المستحقات المتأخرة للقطاع الخاص "في أقرب وقت ممكن" مقدرا أن إجمالي المدفوعات قد يصل إلى مليارات كثيرة من الدولارات.

وتوقعت الحكومة في خطتها الأصلية لموازنة 2016 عجزا قدره 326 مليار ريال بعد تسجيل عجز قياسي بلغ 367 مليار ريال في 2015، ويتوقع محللون بالمملكة أن يقل عجز العام الحالي كثيرا عن التقديرات الأصلية. ومن المنتظر الإعلان عن عجز هذا العام في أواخر الشهر المقبل مع خطة موازنة 2017، وإذا صرفت الحكومة 100 مليار ريال بحلول نهاية هذا العام فإن عجز الموازنة قد يتجاوز توقعات الكثير من المحللين وربما يقارب 250 مليار ريال أو يزيد.

الطريق الى الأزمة ..!!

ان ما يمر به الاقتصاد السعودي تعاني منه أغلب دول المنطقة لاسيما النفطية منها، فحالة العجز في الموازنة في دول لم تكن تعرف العجز من قبل يعد مؤشر لمدى خطورة الوضع خاصة بعد تدهور اسعار النفط عالميا.

فضلا عن مشاركة السعودية في الحرب ضد اليمن ودعمها للتنظيمات الارهابية في العراق وسوريا ومايتطلبه ذلك من زيادة في النفقات العامة لاسيما العسكرية منها، وهذا ماينذر في حال بقاء الوضع على حاله خاصة بعد فوز ترامب وصدور قانون جاستا الذي يقضي بمقاضاة السعودية عن الاعمال الارهابية التي طالت الولايات المتحدة في 11 ايلول بمزيد من التعقيد والصعوبة.

وعليه فالسعودية مطلوب منها مزيد من المرونة والشفافية مع العالم ومحيطها، ومزيد من الاحترام والتعاون مع الاطراف الأخرى فضلا عن مزيد من الاصلاحات الاقتصادية كتقليل النفقات العامة وهيكلتها، ودعم اكثر للقطاع الخاص من اجل منع تفاقم الوضع مستقبلاً، والا فالطريق الى الأزمة وارد لامحالة.

اضف تعليق