من جديد يواجه العراق تحدياً جديداً، ولكن هذه المره التحدي اقتصادي لاأمني، فبسبب الحرب ضد تنظيم داعش الارهابي والسعي لتحرير ماتبقى من اراضي العراق، يحاول العراق ان يستنفر كل طاقاته الانتاجية ، من اجل زيادة صادراته النفطية، الا ان قرار أوبك بضرورة خفض الانتاج للحفاظ على مستويات من الاسعار المقبولة، قد يشكل عقبة امام زيادة الانتاج والتصدير، ولأن العراق لايملك مورداً أخر غير النفط، فأن قرار أوبك قد يكون تحدياً قوياً يصعب تجاوزه اذا مااتفق جميع أعضاء أوبك على قرار التخفيض، وقد يبدو ان العراق بدأ بإعلان تحديه لهذا القرار مسبقاً، ففي الوقت الذي تجتمع فيه منظمة أوبك في فيينا الشهر المقبل لبحث خفض إنتاجها النفطي تشير مناسبة أقل بروزا تستضيفها بغداد في ذات اليوم إلى طموح العراق للقيام بنقيض ذلك تماما في المدى الطويل، اذ في الثلاثون من نوفمبر تشرين الثاني والذي هو موعد اجتماع وزراء أوبك في العاصمة النمساوية وهو أيضا الموعد النهائي الذي وضعه وزير النفط العراقي جبار على اللعيبي للشركات العالمية لتقديم عروضها للمساهمة في تطوير 12 حقلا نفطيا صغيرا ومتوسطا.
وارتفع بالفعل إنتاج النفط في العراق ثاني أكبر منتجي أوبك بشكل كبير رغم الفساد وضعف البنية التحتية والحرب ضد تنظيم داعش الارهابية، ويعقد هذا جهود أوبك لإنعاش الأسعار عبر القيام بأول خفض للإنتاج منذ الأزمة المالية العالمية في 2008، ومن المفترض أن يقرر وزراء منظمة الدول المصدرة للبترول في فيينا أي الدول الأعضاء سيقوم بخفض إنتاجه بموجب اتفاق إطاري تم التوصل إليه الشهر الماضي.
ومع ذلك فإن باقي أعضاء أوبك والمنتجين المنافسين لا يحتاجون سوى لقراءة شروط العطاء الجديد لاستيعاب نوايا بغداد، وتضع وثيقة العطاء تحقيق زيادة سريعة في الإنتاج كمطلب رئيسي للفوز بالعقود، وترغب بغداد في الحد الأقصى من الإيرادات بما في ذلك تلك الناجمة عن بيع الغاز المنبعث كمنتج ثانوي لاستخراج الخام بدلا من حرقه، وبعد تحقيق الإنتاج التجاري في المرحلة الأولي من التطوير تقول وثيقة وزارة النفط أنه في المرحلة الثانية سيجرى تحقيق ارتفاع مستدام للإنتاج بجانب الاستفادة الكاملة من الغاز المصاحب، وباحتياطيات نفطية تبلغ 143 مليار برميل فإن العراق يتحكم بنحو عشر كل النفط في باطن الأرض بأنحاء العالم.
وذكر مسؤول كبير بشركة نفط الجنوب الحكومية إن وزارة النفط في عجلة من أمرها، وأضاف أن خطة اللعيبي تتمثل في زيادة الإنتاج بأسرع وقت ممكن لتخفيف الأضرار الناجمة عن انخفاض الأسعار وتوليد مزيد من الإيرادات والحصول على خام إضافي للدفع للمقاولين.
وهذا ماشجع الحكومة بالمضي قُدماً نحو تطوير حقول أصغر خاصة بعد تعثر المحادثات مع شركات النفط الكبرى بشأن مراجعة عقودها الخاصة بتشغيل الحقول العملاقة في جنوب العراق.
وبموجب عقود خدمة أرسيت منذ 2003 تدفع وزارة النفط رسوما مقومة بالدولار لشركات إنتاج النفط مقابل كل برميل يجري إنتاجه، وفي حين كان هذا النموذج جيدا بالنسبة لبغداد عندما كانت أسعار النفط مرتفعة فإنها تدفع حاليا نفس الرسوم في وقت تراجعت فيه إيرادات مبيعات النفط بشكل كبير.
صادرات العراق النفطية في تزايد مستمر
اذ تفيد بيانات تحميل السفن ومصدر بقطاع الشحن أن صادرات الخام العراقية تتجه إلى الارتفاع بشكل طفيف في أكتوبر تشرين الأول مما يعطي مؤشرا إلى أن اتفاق أوبك لفرض قيود على الإمدادات لم يكبح بعد الشحنات من ثاني أكبر منتج بالمنظمة، وتظهر بيانات الشحن أن متوسط الصادرات من جنوب العراق في الخمسة والعشرين يوما الأولى من أكتوبر تشرين الأول بلغ 3.31 مليون برميل يوميا ارتفاعا من 3.276 مليون برميل يوميا الشهر الماضي وفقا لأرقام العراق.
حيث يضخ الجنوب معظم نفط العراق الذي يصدر كميات أصغر من الخام من الشمال عبر خط أنابيب إلى تركيا، وبحسب بيانات التحميل والمصدر بلغت الشحنات الشمالية من خام الحقول الواقعة في منطقة كردستان شبه المستقلة 580 ألف برميل يوميا في المتوسط في أكتوبر تشرين الأول. وبلغ متوسط تلك الصادرات 595 ألف برميل يوميا في سبتمبر أيلول.
وحتى الآن بلغت صادرات الخام العراقية 3.89 مليون برميل يوميا في أكتوبر تشرين الأول. وإذا استمر هذا المعدل فسيكون أعلى 20 ألف برميل يوميا عن إجمالي صادرات سبتمبر أيلول وفقا لأرقام قدمها مسؤولون عراقيون في احد المؤتمرات الصحفية.
وبلغت أسعار النفط نحو 51 دولارا للبرميل حاليا أو نصف مستواها في منتصف 2014 فيما يرجع جزئيا إلى تخمة في المعروض استمرت لفترة أطول من توقعات المحللين لأسباب منها إنتاج قياسي مرتفع للأربع عشرة دولة الأعضاء في أوبك.
عقود نفطية جديدة
أفاد مسؤول تنفيذي بإحدى الشركات المتقدمة لأحد العقود الجديدة إن اللعيبي يرغب في ترك بصمته من خلال "زيادة الإنتاج سريعا، والشركات المؤهلة مسبقا للجولة 19 شركة بينهم ست شركات يابانية وشركات إماراتية تشمل دراجون أويل ومبادلة للبترول ونفط الهلال وأيضا جلينكور للتنقيب السويسرية وشركات من الصين وروسيا وإيطاليا والكويت وإندونيسيا وفيتنام وتايلاند وماليزيا وعلى الرغم من ان الحقول صغيرة أو متوسطة بالمعايير العراقية لكنها كبيرة بأي معايير أخرى، وتحوي تسعة حقول منها مجتمعة 2.3 مليار برميل وهو ما يعادل كامل احتياطيات بريطانيا التي تنتج حاليا نحو مليون برميل يوميا.
وتشير العطاءات الجديدة أيضا إلى التحرك بعيدا عن عقود الخدمات الفنية القائمة التي تشكو بعض شركات إنتاج النفط العاملة بها من تأخر مستحقات على بغداد، اذ بالنية التخلص من العقود القديمة وجعلها أكثر إفادة للعراق وشركات النفط، والفكرة من ذلك هو إنه اذا واصلت شركات النفط الاستثمار فأن العراق سيجد وسيلة كي يدفع لهذه الشركات، وسيجرى منح العقود الجديدة بناء على مفاوضات ثنائية ومباشرة بين وزارة النفط والشركات مع الاقتراب من نموذج عقود تقاسم الإنتاج التي بموجبها تحصل الشركات على نسبة من إنتاج النفط بدلا من رسوم عن عملها.
ومن المرجح أن تختلف بنية هذه العقود بما يتماشى مع الجيولوجيا المتبانية لشتى الحقول وبالتالي الطرق المختلفة لاستخراج الخام، ويرى جعفر الطائي العضو المنتدب لدي منار إنرجي جروب الإماراتية "في بلد مثل العراق ومع التنوع الكبير في حقول النفط من المستحيل أن يكون لديك نظام عقد واحد، وهذا يمثل تطور نحو نموذج عقد عراقي هجين يجمع بين عناصر عقد الخدمات الفنية وعقد تقاسم الإنتاج.
وتتوزع الحقول المطروحة على ثلاث محافظات وتتضمن أربعة في البصرة وخمسة في ميسان وثلاثة في وسط العراق وفق وثيقة المناقصة المنشورة بموقع وزارة النفط العراقية على الانترنت،.
والدعوة الجديدة تسمح لشركات النفط "بتقديم مقترحاتها الخاصة بالصيغة التعاقدية والنماذج التجارية والمالية" في تحول واضح عن عقود الخدمة التي استخدمت في الحقول النفطية العملاقة بجنوب البلاد.
وستقوم الوزارة بإجراء مفاوضات مباشرة مع شركات النفط الأجنبية بشكل منفرد أو في شكل اتحادات شركات وستستخدم تلك المحادثات كأساس لإرساء عقود التطوير والإنتاج.
وبموجب عقود الخدمة التي استخدمتها بغداد في جولات ما بعد 2003 بما في ذلك تلك الخاصة بحقولها النفطية الجنوبية العملاقة مثل الرميلة وغرب القرنة 1 و2 ومجنون تدفع الوزارة لشركات النفط الكبرى رسوما ثابتة مقومة بالدولار عن كل برميل من النفط يجرى إنتاجه.
وفي حين كان هذا النموذج جيدا بالنسبة لبغداد عندما كانت أسعار النفط مرتفعة فإن تراجع الأسعار على مدى العامين الأخيرين جعل بغداد تدفع نفس الرسوم لشركات مثل بي.بي وإكسون ولوك أويل وشل في وقت تراجعت فيه إيرادات مبيعات النفط بشكل كبير.
وأشارت وزارة النفط الى انها مرارا كانت ترغب في إعادة التفاوض على شروط عقود الخدمة مع شركات النفط العالمية لربط الرسوم التي تحصل عليها الشركات مقابل تطوير حقولها بأسعار النفط وكذلك تقاسم الأعباء مع الشركات عند هبوط أسواق الخام.
وقد تشارك الشركات التي لم تتأهل بشكل مسبق في العطاء بعد دفع رسوم قيمتها 15 ألف دولار وتقديم ما يثبت قدراتها الفنية والمالية. وتوفر وزارة النفط معلومات وبيانات جميع الحقول معدة بشكل حقيبة معلومات مقابل 50 ألف دولار.
العراق وفرص التعاون مع أوبك
وعلى الرغم من محاولة العراق زيادة انتاجه من الخام النفطي، الا انه ابلغ أوبك بأستعداده للتعاون في التوصل إلى اتفاق على خفض المعروض لدعم أسعار النفط بشرط أن يحتفظ بإنتاجه قرب المستويات الحالية.
الا ان المسؤولين إن البلد ينبغي أن يحصل على بعض الإعفاءات مثل إيران ونيجيريا وليبيا الذين تضرر إنتاجهم من الحروب أو العقوبات، وأشاروا أيضا إلى أنهم قد يقبلون بخفض الإنتاج لكن من مستوى أساسي أعلى وهو ما يعني المحافظة على الإنتاج عند نفس المستوى، ويقدر العراق إنتاجه في سبتمبر أيلول عند 4.774 مليون برميل يوميا وقد يزيد قليلا في أكتوبر تشرين الأول. وتقدر المصادر الثانوية لأوبك إنتاج العراق عند 4.455 مليون برميل يوميا.
ويذكر إن اللعيبي أطلع باركيندو "على حقيقة الإنتاج العراقي" الذي يزيد عن تقديرات ما تسمى بالمصادر الثانوية التي تستند إليها المنظمة، وأضاف أن "هذه الأرقام من حق العراق" في إشارة إلى أن البلد الذي مزقته الحرب يسعى للحفاظ على مستويات إنتاجه النفطي، وإذا اضطر العراق للمشاركة في تقليص إنتاج أوبك فإن الاتفاق سيكون أنسب لبغداد إن أصرت على أن تكون بيانات الإنتاج الأعلى هي المعيار الأساسي للخفض، في الوقت ذاته صرح فلاح العامري رئيس شركة تسويق النفط العراقية (سومو) إن العراق لن يخفض إنتاجه دون 4.7 مليون برميل يوميا لا من أجل أوبك ولا غيرها، هذا وذكر المدير العام لشركة نفط الشمال فريد صادق إن الشركة زادت صادراتها عبر خط الأنابيب هذا الشهر إلى نحو 133 ألف برميل يوميا من 95 ألف برميل يوميا في سبتمبر أيلول من إنتاج كركوك. كما ينقل الخط الخام من إنتاج الحقول الخاضعة لسيطرة الأكراد.
من جهته ترك وزراء أوبك موضوع حجم إنتاج كل دول من أعضاء المنظمة إلى ما تسميه المنظمة باللجنة الرفيعة المستوى، وستعمل اللجنة على التفاصيل الخاصة بحصة كل دولة قبل الاجتماع الوزاري التالي لأوبك في الثلاثين من نوفمبر تشرين الثاني وستضم على الأرجح مندوبي وممثلي الدول الأعضاء في أوبك، ومن بين أعضاء أوبك كان العراق صاحب أكبر إسهام في زيادة إنتاج المنظمة العام الماضي وقد يرتفع ذلك الإنتاج في 2017 مع تنفيذ شركات النفط العالمية لعقود حسبما صرح به نائب وزير النفط فياض النعمة.
تحذيرات بشأن إنخفاض الانتاج
صرحت شركة جينل إنرجي إحدى كبرى شركات إنتاج النفط في إقليم كردستان العراق إنها تتوقع وصول إيرادات العام بأكمله إلى الحد الأدنى للنطاق المستهدف بسبب ضعف الإنتاج أكثر من المتوقع وهو ما أدى لانخفاض أسهمها لأدنى مستوى لها في سبعة شهور.
وشهد حقل طق طق -الحقل الرئيسي للشركة الذي تتجاوز احتياطياته 170 مليون برميل- تراجعا في الإنتاج الإجمالي في الربع الثالث إلى 58 ألفا و600 برميل يوميا مقابل 68 ألفا و800 برميل يوميا في النصف الأول من العام حيث انخفض الإنتاج من الآبار القائمة.
ودفع هذا الشركة إلى التحذير من أن إيرادات عام 2016 ستكون عند الحد الأدنى من النطاق المستهدف بين 200 مليون و230 مليون دولار والذي خفضته بالفعل في يوليو تموز من بين 200 مليون و275 مليون دولار.
وأضافت الشركة أيضا إن مستويات الإنتاج لعام 2016 ستكون عند الحد الأدنى من النطاق المستهدف بين 53 ألفا و60 ألف برميل يوميا، وهوت أسهم الشركة 11 بالمئة إلى 83 بنسا بحلول الساعة 0732 بتوقيت جرينتش بعد انخفاضها إلى 76.25 بنس وهو أدنى مستوى منذ مارس آذار، وارتفعت مستحقات جينل انرجي لدى حكومة إقليم كردستان العراق - التي تدفع لمنتجي النفط في الإقليم مبالغ مالية مقابل الصادرات - إلى 437 مليون دولار في نهاية سبتمبر أيلول من 412 مليون دولار في نهاية يونيو حزيران.
من خلال هذا العرض، نستشعر من هناك حرباً أخرى يواجهها العراق، حرب من نوع أخر، هي حرب إقتصادية لا عسكرية، والخصم لا داعش الارهابي وانما هو أوبك التي تسعى لخفض انتاج أعضائها للمحافظة على أسعار النفط عند معدلات مقبولة، وعلى الرغم من شرعية قرار أوبك وضرورته في الوقت الراهن، الا مايمر به العراق قد يمثل حالة خاصة يجب من خلالها ان تعيد التفكير في مسألة قرار الخفض في الانتاج، على الاقل بالنسبة للعراق، وان لم يحصل ذلك، خاصة اذا ماكانت النوايا التي تقدمها أوبك سياسية لا اقتصادية، فهذا يعني ان ثمة تحدياً اضافياً وعقبة جديدة سيواجهها العراق تزامناً مع حربه ضد داعش ومابعد داعش من خلال إعمار المناطق المحررة وحاجته لمزيد من الايرادات لتمويل نفقات الحرب والاعمار.
اضف تعليق