لم يكن في ذهن الجميع في يوم من الايام ان تكون الصين ذلك المارد الاقتصادي الهائل الذي يخرج من قمقم الشيوعية والتخلف والدكتاتورية والقمع والبطش، وان كل المحاولات التي ارادت ابقاء هذا المارد نائماً وقابعاً في قمقمه باءت في الفشل، ليفرض نفسه وبقوة على الجميع، في ان يكون مستهلكين لبضائعه وصناعته، حتى اعظم الدول استسلمت لواقع الحال الجديد، حيث استطاع هذا المارد وفي وقت قصير ان يكون ثاني اكبر اقتصاد من حيث الناتج المحلي الاجمالي في العالم، الا ان هذا الانتعاش والازدهار وكما هو معلوم لايدوم، فالاقتصاد دائما مايمر بدورة من التغيرات، تارة تجده ينمو وتارة اخرى ينكمش، خصوصاً في ظل المتغيرات المتسارعة والجديدة، وهذا مابدت تستشعره الصين الان، وماصار يلوح في الافق، حيث بين مؤخراً صندوق النقد الدولي إن نمو الإقراض في الصين يمضي بوتيرة "سريعة للغاية" بالمعايير العالمية وهناك مخاطر متنامية من أن يتسبب ذلك في أزمة مصرفية أو تباطؤ حاد في النمو أو الإثنين معا إذا لم تكن هناك استراتيجية شاملة لمعالجة مشكلة استفحال الديون، وذكر الصندوق في ورقة عمل إن بكين عليها أن تعمل سريعا قبل أن تتغلغل المشكلات في جوهر النظام المصرفي وقبل أن تكون هناك حاجة لمعالجة المشكلات المتعلقة بالمقرضين والمقترضين في نفس الوقت، وتمثل هذه الورقة واحدة من تحذيرات عديدة أطلقها صندوق النقد الدولي بشأن الاقتصاد الصيني هذا العام.
ويتوقع الصندوق أن ينمو ثاني أكبر اقتصاد في العالم بعد الولايات المتحدة الاميركية 6.6 في المئة في 2016 لكنه قال إن النمو سيتباطأ تدريجيا إلى نحو 5.8 في المئة في 2021، وتبلغ ديون الشركات الصينية نحو 18 تريليون دولار أو حوالي 169 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد، وقدرت وكالة التصنيف الائتماني ستاندرد آند بورز جلوبال أن بنوك الصين في حاجة إلى أموال بنحو 1.7 تريليون دولار لتغطية زيادة محتملة في القروض المتعثرة.
ومما جاء في ورقة صندوق النقد التي نشرها في 14 أكتوبر تشرين الأول "مجرد تخفيف أعباء البنوك من خلال شطب قروض متعثرة من ميزانياتها العمومية أو إعادة رسملة البنوك أو السماح بإفلاس شركات بدون إعادة رسملة البنوك لن ينعش النشاط الاقتصادي."
وأضاف أن السلطات أخفقت حتى الآن في تنفيذ استراتيجية شاملة حيث يتضمن اتجاه الصين بشكل رئيسي معالجة "مشكلة الطاقة الزائدة" مع قليل من الاهتمام بالتعقيدات المالية، وهذا وقد اعلن بنك الشعب الصيني (البنك المركزي) إن البنوك الصينية قدمت قروضا جديدة بقيمة 1.22 تريليون يوان (181.3 مليار دولار) في سبتمبر أيلول لتصل إلى أعلى مستوياتها في ثلاثة أشهر ومتجاوزة بكثير التوقعات بينما ارتفع نمو المعروض النقدي.
تباطؤ اقتصاد الصين مصدر خطر للاقتصاد العالمي
وفي ذات السياق ذكر كبير الاقتصاديين في صندوق النقد الدولي إن أي تباطؤ في اقتصاد الصين هو تهديد كبير للاقتصاد العالمي، وإنه لا يستبعد "هبوطا اضطراريا" فادحا لأحد محركات النمو الاقتصادي في العالم، وأضاف ان الصين تمر بثورة سياسية كبيرة. وأعتقد أن الاقتصاد يتباطأ بدرجة أكثر مما تظهره الأرقام الرسمية، وأشار إلى أنه "إذا أردت أن تنظر إلى جزء من العالم لديه مشكلة دين فلتنظر إلى الصين. إذ إن لديهم رصيدا غذى النمو، لكن هذه الأشياء لا تستمر إلى الأبد."
وقال بنك التسويات الدولي الأسبوع الماضي - وهو مركز أبحاث دولي يخدم المصارف المركزية - إن "الهوة" في نسبة الرصيد الصيني بالنسبة إلى إجمالي الناتج المحلي - وهي كمية الدين في أي اقتصاد بالنسبة إلى النمو السنوي - تقف عند 30.1 في المئة، مما يزيد المخاوف من أن انتعاش الاقتصاد الصيني كان يعتمد على فقاعة رصيد غير مستقر.
ووُصفت الأرقام بأنها "مرتفعة جدا طبقا للمستويات الدولية"، بحسب ما ذكرته لجنة السياسة المالية في بنك أنجلترا، الذي يتختبر الآن تعرض المصارف البريطانية لآثار التباطؤ الصيني.
ويوجد لدى المصارف البريطانية ما قيمته 530 مليار دولار قروضا وأموالا في مجال الأعمال في الصين، بما في ذلك هونغ كونغ. ويمثل هذا نحو 16 في المئة من الرصيد الأجنبي لدى المصارف في المملكة المتحدة.
اليوان الصيني وصدمات متتالية
احدثت الصين صدمة في الاسواق في منتصف اب/اغسطس 2015 عندما خفضت سعر اليوان بشكل كبير وبعد سنة لا تزال عملتها تتراجع واستنفد المضاربون ما لديهم فبنك الصين لم يتراجع عن سياسة التدخل والمستثمرون اقل قلقا بكثير، حيث خفضت الصين عملتها المستقرة والموجهة في المعتاد بنسبة 5% خلال اسبوع الصيف الماضي واليوم بات مسموحا لليوان بالتذبذب امام الدولار ضمن هامش 2% من السعر المرجعي الذي يحدده بنك الصين.
وقد اثار قرار الصيف الماضي القلق على سلامة اداء الاقتصاد الصيني ومن "حرب عملات" بين الدول المتنافسة، الا ان الصين دافعت عن قرارها بقولها - دون ان تقنع احدا - انه يهدف الى دعم المصدرين وانها مجرد طريقة جديدة للحساب تعتمد على تقلبات سوق الصرف، هذا ولم يتوقف تراجع العملة الصينية منذ ذلك الحين حتى انها اغلقت الاربعاء على 6,6430 يوان للدولار مقتربة من ادنى سعر مسجل منذ ست سنوات في حين تراجع سعر الصرف المرجعي لبنك الصين بنسبة 9% على مدى سنة.
ويذكر خبراء مكتب "كابيتال ايكونوميكس" انه بالاضافة الى حجم التخفيض في صيف 2015 فان "عدم ثقة الاسواق ازاء بنك الصين والتكتم على نواياه زادت من الضغوط على اليوان. وبعد سنة يبدو المستثمرون اقل توترا ازاء تقلبات العملة الصينية، من جهته يسعى بنك الصين الى تحسين التواصل مع السوق بعد ان كان يكتفي باصدار بيانات مقتضبة.
ويحاول البنك المركزي التدخل في السوق لوقف تدهور اليوان والحد من هروب الرساميل الذي عززته خشية المستثمرين من انهيار قيمة اموالهم، حيث ذكرت وكالة بلومبرغ ان الف مليار دولار خرجت من البلاد العام الماضي، اذ انفق البنك المركزي منذ سنة 440 مليار دولار من احتياطاته لشراء اليوان لوقف تراجعه.
في الوقت ذاته تراجعت عمليات تحويل العملات فالبنوك الصينية باعت من العملات الاجنبية اكثر مما اودع فيها خلال الربع الثاني من السنة ثم تراجع الفارق الى النصف مقارنة مع الربع الاول، ومن جهة ثانية، وبهدف تعزيز استخدام اليوان على المستوى الدولي، وعدت بكين بجعله مستقرا امام سلة من العملات الرئيسية.
وبين ارتفاع اسعار الفائدة الاميركية التي تزيد من جاذبية الدولار والقلق الناجم عن بريكست (خروج بريطانيا من الاتحاد الاوروبي) الذي يدفع لشراء العملات المستقرة، يتوقع ان يستمر تراجع اليوان ولكن الى متى؟ حيث وعلى سنوات انتقدت واشنطن الصين على خفض قيمة عملتها لكنها ابدت ارتياحا ازاء ضعف اليوان حاليا.
وبهذا قد يبدو ان نجاح الصين ماهو الا فقاعة قد تنفجر في اي لحظة، ولربما علمت العديد من الدول خصوصاً دول اوروبا، انه ليس من صالحها ان يبقى هذا المارد مسيطراً، والا فأن مصالحها ستضرر ان بقى الوضع كما هو عليه، حتى الولايات المتحدة سعت لذات الشيء مع الصين، ومساعيها في التجارة مع الصين عبر مايعرف بالقيود او الشروط الضبابية (معايير السلامة والبيئة) خير دليل على ذلك، وان كانت الضغوط قلت خاصة بعد تحسن وضع الدولار عالمياً، وعليه يثار سؤال هنا، هل ماتمر به الصين هو مجرد دورة اقتصادية ام محاولة لتحجيم قوة هذا المارد ومن ثم القضاء عليه؟!.
اضف تعليق