تعاني مصر من مشكلات اقتصادية قديمة مستمرة ومستفحلة، ولم تنجح الحكومات المتعاقبة على امتصاص حالات الفقر او تحييدها، لاسيما أن أعداد النفوس في تزايد مستمر، مع نقص متزايد في الموارد، وزيادة في الفساد، والمتاجرة في السوق السوداء، مع ضعف في الإجراءات الحكومية، اذ أن وضع الرئيسي السيسي لا يحسد عليه.
فمع بعض الإجراءات التي حاولت الحد من انتشار الفساد ومحاصرة السوق السوداء إلا أنها انتعشت مجددا لتعود مصر إلى المربع رقم واحد حيث ترزح تحت ضغط لخفض قيمة العملة وإيقاد شرارة جولة جديدة من ارتفاعات الأسعار في وقت يتباطأ فيه النمو الاقتصادي. وتوفير الغذاء بأسعار في المتناول قضية سياسية قابلة للانفجار في مصر التي يعيش عشرات الملايين من سكانها على حد الكفاف وحيث ساهم السخط على الأوضاع الاقتصادية في الإطاحة برئيسين خلال خمس سنوات.
وما يزيد الطين بلّة أن موارد مصر في تناقص مستمر بسبب نقص الصادرات سنة بعد أخر، فقد انخفضت الصادرات المصرية بنسبة 13.9 بالمئة في النصف الأول من 2015-2016 في حين يقول المصنعون إن نقص الدولار يزيد من صعوبة استيراد المواد الخام. كما أن خفض قيمة العملة يجعلهم يدفعون المزيد لشراء مستلزمات الإنتاج تلك مما يرفع سعر المنتج المحلي
ومع المحاولات المتواصلة للحكومة في الحد من المتاجرة في السوق السوداء، خاصة في مجال العملة، إلا أن هذه القرارات والعقوبات التي نص بعضها على عقوبة السجن من 6 شهور الى سنة مع غرامة تصل الى مليون جنيه، لكن ذلك لم يلقَ اهتماما من المتاجرين في العملة بالسوق السوداء، حيث بدا المتعاملون في سوق العملة بمصر غير مكترثين بمشروع القانون الذي أقرته الحكومة ويقضي بفرض عقوبات بالسجن على من يبيعون العملة الصعبة خارج القنوات الرسمية بجانب غرامات بملايين الجنيهات.
وأوضح المتعاملون أن التعاملات مستمرة في السوق السوداء بشكل طبيعي دون أي تأثير للعقوبات التي تتوعدهم بها الحكومة. ما يعني تفاقم مستمر لهذه الأزمة، وتصاعد في انتشار السوق السوداء للعملة، وهو امر يضاعف من المشكلات الاقتصادية التي تعاني منها مصر، ويقول متعاملون إنهم يعرضون الأسعار الرسمية في مكاتب الصرافة التي تخضع لرقابة صارمة دون إبرام أي صفقات ثم يعقدون الصفقات في المقاهي أو أي مكان آخر بأسعار السوق السوداء. ولم يتسن على الفور الاتصال بالبنك المركزي للحصول على تعقيب.
ويقول مراقبون للاوضاع الاقصادية والمالية في مصر، أن هناك مشكلات كبيرة تتعلق بانتشار هذه الظاهرة الخطير، وثمة عجز حكومي لمعالجتها، مع أن القضاء على السوق السوداء ضروري لاستعادة ثقة المستثمرين حيث سيقلص مخاطر أن تقوض تقلبات العملة المحلية أرباحهم. وقال متعامل في السوق الموازية "العقوبات موجودة من زمان ولن تقلقنا كثيرا. لا يمكن للحكومة أن تفتش جميع المواطنين في الشوارع لمنع بيع الدولار."
من جهة اخرى فقدت مصر الكثير من احتياطي العملات الصعبة، خاصة بعد أن تراجعت السياحة وامتناع السياح عن الزيارات الموسمية لشرم الشيخ والاهرامات وسواها، وباتت مصر
تعاني نقصا في النقد الأجنبي منذ أدت الانتفاضة إلى نزوح السياح والمستثمرين الأجانب وقامت بخفض قيمة عملتها إلى 8.78 جنيه مقابل الدولار في مارس آذار ثم رفعت أسعار الفائدة 150 نقطة أساس بعد أيام قليلة للسيطرة على التضخم. ويواجه الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ضغوطا متزايدة لإحياء الاقتصاد والسيطرة على الأسعار لتفادي أي احتجاجات عامة.
ارتفاع الأسعار يقلل فرص تعافي اقتصاد مصر
في هذا السياق تدفع جهود مصر لتخفيف أزمة نقص الدولار التي تشل حركتها صوب مزيج من ارتفاع الأسعار وتدني النمو مما يقوض الآمال في إنعاش الاقتصاد بعد سنوات من القلاقل السياسية. وقفزت الأسعار منذ خفضت مصر قيمة عملتها 13 بالمئة في منتصف مارس آذار لتضع حدا للمضاربة ضد الجنيه ومعالجة نقص الدولار الذي يعطل التجارة في بلد يعتمد على الواردات في توفير شتى متطلباته من الغذاء إلى الوقود.
لكن السوق السوداء للدولار انتعشت مجددا بعد ذلك لتعود مصر إلى المربع رقم واحد حيث ترزح تحت ضغط لخفض قيمة العملة وإيقاد شرارة جولة جديدة من ارتفاعات الأسعار في وقت يتباطأ فيه النمو الاقتصادي. وتوفير الغذاء بأسعار في المتناول قضية سياسية قابلة للانفجار في مصر التي يعيش عشرات الملايين من سكانها على حد الكفاف وحيث ساهم السخط على الأوضاع الاقتصادية في الإطاحة برئيسين خلال خمس سنوات.
ويصف محمود عبد الله الذي يعيش بمنطقة فقيرة أقيمت في موقع كان مكبا للنفايات في القاهرة كفاحه اليومي لكي يفي دخل الأسرة بما يزيد على الفول والبطاطا بينما يسجل التضخم الأساسي أعلى مستوياته في سبع سنوات متجاوزا 12 بالمئة في مايو أيار. ويتساءل عبد الله الذي له ستة من الأبناء وهو يضحك بمرارة "الفاكهة؟ أي فاكهة؟ كفاية علينا أن نرى الفاكهة في الشارع."
ويقول المستوردون إن خفض العملة زاد تكلفة جلب الشحنات في حين يجبر نقص العملة الصعبة البعض على دفع سعر أعلى في السوق السوداء حيث يباع الدولار بنحو 11 جنيها. يبلغ السعر الرسمي 8.8 جنيه لكن البنوك عاجزة عن الوفاء بالطلب. وفي مسعى لتقليص الواردات التي تلقي باللوم عليها في الطلب الزائد على الدولار رفعت مصر الرسوم الجمركية هذا العام. تهدف الخطوة إلى تشجيع المستهلكين على استخدام البدائل محلية الصنع مما سيعزز الشركات المصرية ويشجع الصادرات.
لكن الصادرات انخفضت 13.9 بالمئة في النصف الأول من 2015-2016 في حين يقول المصنعون إن نقص الدولار يزيد من صعوبة استيراد المواد الخام. كما أن خفض قيمة العملة يجعلهم يدفعون المزيد لشراء مستلزمات الإنتاج تلك مما يرفع سعر المنتج المحلي بحسب رويترز. ويقول تيموثي قلدس الزميل غير المقيم بمعهد التحرير لسياسات الشرق الأوسط "يريدون أن يجعلوا الاستيراد أكثر صعوبة لكن ما يقومون به أيضا هو مخاطرة قد تخلق ركودا اقتصاديا... لا أحسد أي أحد يحاول التعامل مع هذا الوضع لأنه لا توجد حلول جيدة."
في غضون ذلك يكابد عبد الله الأمرين للعثور على عمل منتظم منذ انتفاضة 2011 التي أنهت 30 عاما من حكم حسني مبارك وكانت مدفوعة جزئيا بالغضب من سياسات اقتصادية بدا أنها تصب في صالح الأغنياء فقط دون من سواهم. وقال لرويترز "الوضع تحت الصفر... كل مرة الأسعار تزيد تكون النتيجة وقوعنا نحن ووقوع غيرنا... الفقراء ضائعون."
ولا تخفى مخاطر ذلك على الرئيس عبد الفتاح السيسي الذي تعهد بإنعاش الاقتصاد بعد تسلمه السلطة في 2013 وقد استدعى الجيش للمساعدة في كبح جماح الأسعار. وعلى مدى العام المنصرم بدأت شاحنات الجيش تجوب أنحاء البلاد لتبيع البقالة بأسعار زهيدة بينما انتشرت منافذ البيع التابعة للقوات المسلحة. وتقول اللافتة المعلقة فوق أحد تلك المتاجر في القاهرة "منفذ بيع الدفاع الجوي. لا لارتفاع الأسعار. لا لجشع التجار."
ومن نافذة تغطيها القضبان الحديدية ينادي الزبائن على طلباتهم. يقول الضابط الذي يدير المتجر إن السلع من إنتاج شركات الجيش لتموين القوات لكنها تباع إلى المستهلكين لمحاربة ارتفاع الأسعار الذي عزاه إلى التجار. لكن رجال الأعمال يقولون إنهم لا يستطيعون البيع بأسعار الجيش المعفي من الضرائب والذي يستخدم المجندين كعمالة مجانية في مصانعه ومزارعه. ويتوفر سلع مدعمة أسعارها خارج المنافسة يقول الاقتصاديون إن الدولة تقوض القطاع الخاص وتزيد الاعتماد على الدعم الذي لا تستطيع تحمله بل وينبغي تقليصه.
وقال محمد عبد الرحمن الذي يملك مخبزا "انظر إلى ارتفاع سعر الزيت والسمن والخضراوات لتعرف لماذا رفعنا الأسعار." أمام عربة تبيع قطع اللحم الرخيصة بسوق للمواد الغذائية في القاهرة تشتري امرأة كيسا من أمعاء البقر. تسأل أخرى عن سعر عظم الساق ثم ترحل عندما تسمع الرد. عند كشك آخر تنتقي امرأة من كومة طماطم فاسدة تباع بسعر منخفض. وبجانبها كومة طازجة بمثلي السعر لا يقربها أحد. غالبا ما يكون شهر رمضان مزدحما لباعة الأغذية لكن النشاط أقل من المعتاد هذا العام.
وقال جزار (قصاب) طلب عدم نشر اسمه "كنا ننتظر هذا الموسم... كان موسم شراء الكميات والأصناف المتنوعة. الآن يكتفي الناس بالفرجة." يقول الاقتصاديون إن التباطؤ الاقتصادي قد يتفاقم مع قيام الناس بخفض الإنفاق مما قد يثير المشاكل للحكومة التي تحتاج إلى تسريع النمو لتوفير فرص العمل في ظل الزيادة السكانية.
وتباطأ النمو إلى 4.5 بالمئة في النصف الأول من 2015-2016 مقارنة مع 5.5 بالمئة قبل عام وهو معدل قوي بالمعايير الغربية لكن الخبراء يقولون إنه بالغ البطء بالنسبة لسكان زاد عددهم مليون نسمة إلى 91 مليونا في الأشهر الستة الأخيرة. غير أن ارتفاع التضخم أجبر مصر على رفع أسعار الفائدة نقطة مئوية واحدة الأسبوع الماضي إلى أعلى مستوياتها في سنوات.
يزيد ذلك تكلفة الاقتراض والتوسع بالنسبة لشركات القطاع الخاص في بلد تفضل فيه البنوك بالفعل الاستثمار في الدين الحكومي مرتفع العائد منخفض المخاطر. وثمة خطة لسن ضريبة القيمة المضافة لكنها تأخرت بسبب تخوف صناع السياسات من التداعيات السياسية لجولة تضخم جديدة. وشهد العامان الأخيران بالفعل قيام الحكومة بخفض دعم الكهرباء والبنزين لكن إجراء المزيد من التخفيضات تأجل نظرا لانخفاض أسعار النفط. وفي الأسابيع الأخيرة رفعت مصر سقف السعر للشريحة الأرخص من العقاقير النوعية.
استفحال السوق السوداء للجنيه المصري
في سياق مقارب بدا المتعاملون في السوق السوداء للعملة في مصر غير مكترثين بمشروع القانون الذي أقرته الحكومة ويقضي بفرض عقوبات بالسجن على من يبيعون العملة الصعبة خارج القنوات الرسمية بجانب غرامات بملايين الجنيهات. وقال أربعة متعاملين في السوق السوداء لرويترز إن عمليات تداول جرت بسعر 10.90 و10.92 جنيه للدولار دون تغيير، بينما قال متعامل خامس إنه باع الدولار مقابل 10.95 جنيه.
وأوضح المتعاملون أن التعاملات مستمرة في السوق السوداء بشكل طبيعي دون أي تأثير للعقوبات التي تتوعدهم بها الحكومة. ويبلغ السعر الرسمي للجنيه في تعاملات ما بين البنوك 8.78 جنيه للدولار بينما يبلغ السعر في البنوك 8.88 جنيه.
وتتضمن التعديلات تغليظ العقوبات على من يخالف القانون الخاص بتنظيم عمليات النقد الأجنبي من شركات الصرافة والجهات المرخص لها لتشمل الحبس مدة لا تقل عن ستة أشهر ولا تزيد عن ثلاث سنوات وغرامة تتراوح بين مليون وخمسة ملايين جنيه (115ألفا-و565 ألف دولار). وكانت المادة القديمة في قانون البنك المركزي تنص على أن تكون العقوبة بالحبس مدة لا تتجاوز ثلاثة أشهر وبغرامة لا تقل عن خمسة آلاف جنيه ولا تجاوز عشرين ألف جنيه أو بإحدى العقوبتين.
والتعديلات بحاجة الآن لموافقة البرلمان عليها قبل أن يوقعها الرئيس عبد الفتاح السيسي لتصبح نافذة. واستبعد مسؤول بقطاع الخزانة في أحد البنوك الخاصة أن يكون لتشديد العقوبات تأثير يذكر على السوق السوداء. وقال لرويترز إن تجار العملة لا يحتاجون إلى قوانين "لأنهم أسسوا بالفعل قاعدة عريضة من العملاء ولا يحتاجون إلى العمل من خلال شركات أو مكاتب على الأرض. التعديلات لن ترهبهم كثيرا."
ويقول متعاملون إنهم يعرضون الأسعار الرسمية في مكاتب الصرافة التي تخضع لرقابة صارمة دون إبرام أي صفقات ثم يعقدون الصفقات في المقاهي أو أي مكان آخر بأسعار السوق السوداء. ولم يتسن لرويترز على الفور الاتصال بالبنك المركزى للحصول على تعقيب. وأغلق المركزي نحو 14 شركة صرافة منذ فبراير شباط وحتى الآن لتلاعبها في أسعار العملات.
ومن بين التعديلات الأخرى التي وافقت عليها الحكومة منح سلطة تعليق ترخيص أي شركة صرافة لمدة عام علاوة على فرض غرامة مماثلة في حالة مخالفة قواعد البنك المركزي. وكانت المادة القديمة في قانون البنك المركزي تنص على الإغلاق فقط دون الغرامة. ويسمح البنك رسميا لمكاتب الصرافة ببيع الدولار بفارق 15 قرشا فوق أو دون سعر البيع الرسمي لكن من المعروف أن مكاتب الصرافة تطلب سعرا أعلى للدولار عندما يكون شحيحا.
وقال متعامل في السوق الموازية "إذا كانت الحكومة تريد القضاء على السوق السوداء فعليها إلزام أي مودع للدولار في البنوك بإثبات مصدر الدولار قبل إيداعه. هذا هو الحل الوحيد للقضاء على السوق ولكن عليهم (الحكومة) أولا أن يقوموا بتوفير الدولار في البنوك لمن يحتاجه." وأضافت الحكومة مادة جديدة للقانون تقضي بالسجن مدة لا تقل عن ثلاث سنوات ولا تزيد عن عشر سنوات وبغرامة تساوي المبلغ المضبوط على من يتعامل في النقد الأجنبي خارج البنوك المعتمدة أو الجهات المرخص لها بذلك كما تنص على مصادرة الأموال المضبوطة.
والقضاء على السوق السوداء ضروري لاستعادة ثقة المستثمرين حيث سيقلص مخاطر أن تقوض تقلبات العملة المحلية أرباحهم. وقال متعامل في السوق الموازية "العقوبات موجودة من زمان ولن تقلقنا كثيرا. لا يمكن للحكومة أن تفتش جميع المواطنين في الشوارع لمنع بيع الدولار."
نشاط النقد الأجنبي في السوق السوداء
من جهتها أقرت الحكومة المصرية مشروع قانون ينص على "تغليظ العقوبات" السجنية في مواجهة التعامل بالعملات الأجنبية في السوق السوداء، في وقت تعاني فيه البلاد من نقص في احتياطي الدولار. وسيطرح النص على البرلمان لمناقشته قبل التصويت عليه. وقد أدى نقص تدفق الدولار إلى ارتفاع في الأسعار أو نقص في بعض المنتجات، خصوصا الأدوية، ومكافحة المستوردين للحصول على عملات أجنبية حيوية لأنشطتهم.
وينص مشروع القانون على "تغليظ العقوبة على نشاط العملات الأجنبية خارج القنوات الشرعية"، بحيث يعاقب "بالسجن مدة لا تقل عن ثلاث سنوات ولا تزيد على عشر سنوات (...) كل من يتعامل في النقد الأجنبي خارج البنوك المعتمدة أو الجهات المرخص لها بذلك". وفي منتصف آذار/مارس الماضي، خفض البنك المركزي المصري قيمة الجنيه بنسبة 14,3 في المئة ليصبح السعر الرسمي لبيع الدولار في المصارف 8,95 جنيها بدلا من 7,83 للدولار الواحد.
وتصاعدت الضغوط على الدولار في الشهرين الاخيرين وكان يتم التداول به في السوق السوداء بسعر يفوق السعر الرسمي وصل في بعض الاحيان الى اكثر من 10 جنيهات. وبحسب بيان الحكومة "يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن ستة أشهر ولا تجاوز ثلاث سنوات، وبغرامة لا تقل عن مليون جنيه (نحو مئة ألف يورو) ولا تجاوز خمسة ملايين جنيه" كل من خالف أيا من أحكام القانون الخاص بتنظيم عمليات النقد الأجنبي بحسب فرانس برس.
وأوضح البيان أن الترتيبات الجديدة تأتي "في ضوء ما يشهده سوق الصرف الأجنبي من ممارسات لدى بعض شركات الصرافة، والتي يترتب عليها آثار سلبية على الإقتصاد الوطني والإستقرار المصرفي". وبسبب عدم الاستقرار الامني والسياسي الذي تشهده مصر منذ اسقاط حسني مبارك في العام 2011، انخفضت احتياطياتها من النقد الاجنبي من اكثر من 36 مليار دولار نهاية العام 2010 الى قرابة 16 مليار دولار حاليا رغم المساعدات الخارجية التي حصلت عليها الحكومة المصرية من دول الخليج خلال العامين الماضيين والتي تقارب 20 مليار دولار.
وتعتمد مصر في مواردها من النقد الاجنبي اساسا على عائدات قناة السويس التي تراجعت بسبب التباطؤ العالمي وتراجع حركة الملاحة الدولية، وعائدات السياحة، في ظل أزمة ناتجة عن انعدام الاستقرار والعنف الذي يهز البلاد منذ العام 2011.
عقوبة السجن لتجّار العملة المصرية
وقد وافقت الحكومة المصرية على مشروع قانون يفرض عقوبات بالسجن على من يبيعون العملة الأجنبية خارج القنوات الرسمية في تصعيد لحملة البنك المركزي على السوق السوداء التي يقول إنها تزعزع استقرار العملة المحلية. وقال مجلس الوزراء في بيان إنه أقر مسودة تعديلات على قانون ينظم سوق عمليات النقد الأجنبي.
ويشن البنك المركزي حملة على مكاتب الصرافة التي تتاجر بالدولار بسعر يتجاوز بكثير النطاق الذي يحدده لكن الفجوة بين السعر الرسمي والسعر في السوق الموازية يواصل الاتساع ولم يخفف خفض سعر العملة المحلية في مارس آذار من النقص الحاد في الدولار. وأبقى البنك المركزي سعر الجنيه مستقرا عند 8.78 جنيه مقابل الدولار في عطاء رسمي لبيع لدولار يوم الثلاثاء في حين ارتفعت العملة في السوق السوداء إلى 10.9 جنيه للدولار مقارنة مع 11 جنيها في الأسبوع الماضي. وتكافح مصر لاستعادة النمو منذ انتفاضة 2011 التي أطاحت بالرئيس السابق حسني مبارك وتسببت في عزوف المستثمرين الأجانب والسياح وهما موردان رئيسيان للعملة الصعبة التي تحتاجها الدولة لاستيراد كل شيء من الوقود إلى الطعام.
والقضاء على السوق السوداء ضروري لاستعادة ثقة المستثمرين حيث سيقلص مخاطر أن تقوض تقلبات العملة المحلية أرباحهم. وتتضمن التعديلات تغليظ العقوبات على من يخالفون القانون الخاص بتنظيم عمليات النقد الأجنبي لتشمل الحبس مدة لا تقل عن ستة أشهر ولا تزيد عن ثلاث سنوات وغرامة تتراوح بين مليون وخمسة ملايين جنيه (115ألفا-و565 ألف دولار).
وتمنح التعديلات لمحافظ البنك المركزي سلطة تعليق ترخيص أي شركة صرافة لمدة عام علاوة على فرض غرامة مماثلة في حالة مخالفة القواعد. ويكون للبنك في حالة تكرار المخالفة الحق في إلغاء ترخيص الشركة. ومن بين التعديلات التي أقرها مجلس الوزراء أيضا عقوبة بالسجن لفترة تتراوح بين ثلاث وعشر سنوات لكل من يتعامل في النقد الأجنبي خارج ىالبنوك أو الجهات المرخص لها بذلك. والتعديلات بحاجة لموافقة البرلمان عليها قبل أن يوقعها الرئيس عبد الفتاح السيسي لتصبح نافذة بحسب رويترز.
ويقول متعاملون في العملة إن حملة البنك المركزي فاقمت الأزمة. ويحجم من يمتلكون الدولار عن وضعه في النظام المالي الرسمي وهو ما يحرمه من العملة الصعبة. ويضغط هذا على الجنيه فيما يهدد بعواقب وخيمة تتعلق بالتضخم والثقة والنمو الاقتصادي. ويواجه المستثمرون الأجانب صعوبة في تحويل أرباجهم للخارج بعد انخفاض الاحتياطيات النقدية للبلاد بنحو النصف منذ 2011 إلى حوالي 17.52 مليار دولار في مايو أيار الماضي. ويصعب هذا عليهم تحويل أرباحهم بالجنيه إلى عملة صعبة من خلال النظام المصرفي.
البنك المركزي المصري يرفع الفائدة
من ناحية اخرى انقسم خبراء اقتصاديون بالتساوى تقريبا حول ما إذا كان البنك المركزي المصري سيرفع أسعار الفائدة في اجتماع لجنته للسياسة النقدية في 16 يونيو حزيران بعدما قفز التضخم في مايو أيار. وتوقع ستة من 11 خبيرا اقتصاديا في استطلاع لرويترز أن يبقي البنك المركزي أسعار الفائدة بدون تغيير بينما توقع خمسة خبراء أن يرفعها من 25 نقطة أساس إلى نقطة مئوية كاملة.
وقال أنجوس بلير رئيس مركز سيجنت للبحوث بالقاهرة "في حين أن رفع الفائدة ربما يكون في أحوال أخرى استجابة فعالة.. إلا أنه في الوقت الحاضر وبالنظر إلى العبء المتزايد على الميزانية من ارتفاع مدفوعات الدين فإننا لا نتوقع رفع أسعار الفائدة هذا الشهر." وقفز تضخم أسعار المستهلكين في المدن المصرية نقطتين مئويتين إلى 12.3 في المئة في مايو أيار بينما زاد التضخم الأساسي -الذي يستثني أسعار السلع المتقلبة مثل الفاكهة والخضروات- إلى 12.23 في المئة على أساس سنوي الشهر الماضي من 9.51 في المئة في أبريل نيسان.
وأبقى البنك المركزي سعر الفائدة على الودائع لليلة واحدة عند 10.75 في المئة في اجتماعه الأخير في 28 أبريل نيسان كما أبقى على سعر الفائدة على الإقراض لليلة واحدة عند 11.75 في المئة. وتوقع خبير اقتصادي أن يرفع المركزي المصري الفائدة 25 نقطة أساس في اجتماعه المقبل بينما توقع ثلاثة خبراء آخرون أن يرفعها 50 نقطة أساس في حين توقع خبير آخر زيادة قدرها 100 نقطة أساس.
وقال آلان كاميرون الخبير لدى إكسوتكس "نظرا للزيادة السريعة في التضخم الأساسي منذ الاجتماع الأخير للجنة السياسة النقدية نعتقد أنه سيكون من الصعب على المركزي كبح توقعات التضخم بدون تفعيل زيادة ولو رمزية في أسعار الفائدة." وأدى عدم الاستقرار الاقتصادي والسياسي منذ انتفاضة 2011 التي أطاحت بحسني مبارك إلى تباطؤ النمو إلى حوالي 4.2 بالمئة في السنة المالية السابقة. وتتوقع الحكومة نموا بنحو خمسة بالمئة في السنة المالية الحالية التي تنتهي في الثلاثين من يونيو حزيران بحسب رويترز.
وتعاني مصر نقصا في النقد الأجنبي منذ أدت الانتفاضة إلى نزوح السياح والمستثمرين الأجانب وقامت بخفض قيمة عملتها إلى 8.78 جنيه مقابل الدولار في مارس آذار ثم رفعت أسعار الفائدة 150 نقطة أساس بعد أيام قليلة للسيطرة على التضخم. ويواجه الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ضغوطا متزايدة لإحياء الاقتصاد والسيطرة على الأسعار لتفادي أي احتجاجات عامة. وقال محمد أبو باشا الخبير الاقتصادي لدى المجموعة المالية-هيرميس "أظهرت الأرقام في مايو صعود التضخم إلى أعلى مستوياته في عام والشيء الأكثر أهمية هو أن التضخم الأساسي عند أعلى مستوى في سبع سنوات ولذا نرى أن الموقف يستدعي قيام البنك المركزي برفع الفائدة." وتوقع أبو باشا زيادة للفائدة قدرها 25 نقطة أساس.
مصر تدرس إصدار سندات دولية
من جهته قال وزير المالية المصري عمرو الجارحي إن بلاده تدرس إصدار سندات دولية بقيمة ثلاثة مليارات دولار بين سبتمبر أيلول وأكتوبر تشرين الأول من العام الجاري. وتتفاوض مصر من أجل الحصول على مساعدات وقروض بمليارات الدولارات لإنعاش اقتصادها الذي تضرر جراء الاضطرابات السياسية التي تشهدها البلاد منذ ثورة 2011 وللحد من أزمة نقص الدولار الذي أثر بشدة على الاستيراد وأعاق الانتعاش.
وقال الجارحي للصحفيين خلال سحور رمضاني نظمته مصلحة الضرائب "ندرس طرح سندات في الأسواق الدولية بين سبتمبر وأكتوبر هذا العام بقيمة 3 مليارات دولار لسد جزء من الفجوة التمويلية في موازنة السنة المالية والمتوقع أن تبلغ 10 مليارات دولار." وأرجأت مصر مرارا العودة إلى أسواق الدين الدولية بعد بيع أول سندات دولية لها منذ خمسة أعوام في يونيو حزيران الماضي بحسب رويترز. وعزت مصر تأجيل العودة إلى سوق الدين إلى الاضطرابات العالمية الناجمة عن التباطؤ الاقتصادي في الصين والذي تسبب في نضوب السيولة المتاحة لديون الأسواق الناشئة.
مصر تسدد سندات بمليار دولار لقطر
من جهته قال محافظ البنك المركزي المصري طارق عامر إن بلاده سددت سندات بقيمة مليار دولار لقطر. وتدهورت علاقات القاهرة مع قطر بعد أن أطاح الجيش المصري بالرئيس السابق محمد مرسي في الثالث من يوليو تموز 2013 بعد احتجاجات شعبية حاشدة على حكمه. وقطر داعم قوي لجماعة الإخوان المسلمين التي ينتمي لها مرسي وقدمت لمصر نحو 7.5 مليار دولار في صورة منح وودائع خلال العام الذي قضاه في السلطة.
وقال عامر في رسالة نصية إلى رويترز ردا على سؤال حول ما إذا كانت مصر قد سددت بالفعل مليار دولار لقطر "نعم بالتاكيد". ولم يذكر تفاصيل. وعقب الإطاحة بمرسي قدمت السعودية والإمارات العربية المتحدة والكويت لمصر مساعدات بمليارات الدولارات. وذكرت وكالة أنباء الشرق الأوسط الرسمية في وقت سابق أن مبلغ المليار دولار الذي تسلمته قطر هو "آخر ديون لها على مصر" بحسب رويترز. وهوى احتياطي النقد الأجنبي لدى مصر من نحو 36 مليار دولار قبل انتفاضة يناير كانون الثاني 2011 إلى 17.521 مليار دولار في نهاية مايو أيار الماضي.
اختلاس وتزوير في توريد القمح
وقال النائب العام في مصر إن التحقيقات كشفت عن "جرائم اعتداء على المال العام واختلاس وتربح وتزوير" في منظومة توريد القمح المحلي. وقال بيان أصدره مكتب النائب العام يوم الخميس إن التحقيقات كشفت عن "قيام بعض أصحاب الصوامع وبعض أصحاب الشون بالاشتراك مع بعض أعضاء اللجان المشرفة على استلام الأقماح بالتلاعب في كميات الأقماح المحلية بإثبات توريد كميات من الأقماح بالدفاتر أزيد من تلك التي تم توريدها فعلا."
وأضاف البيان أن التحقيقات كشفت أيضا عن "الاستيلاء على الأقماح المحلية المدعومة من الدولة واستبدالها بالأقماح المستوردة الاقل جودة وسعرا للاستيلاء على فروق الاسعار بينهما مما يشكل جنايات الاعتداء على المال العام من إختلاس وتربح وتزوير." وقال البيان "النائب العام أصدر القرارات التالية:
- حبس كل من ثبت ارتكابه لهذه الجرائم من أصحاب الصوامع وأصحاب الشون وأعضاء اللجان المشرفة على استلام الأقماح
- ضبط وإحضار الهاربين من الأشخاص سالفي الذكر.
- إدراج أسماء المتهمين على قوائم الممنوعين من السفر وترقب الوصول.
- منع المتهمين وزوجاتهم وأولادهم القصر مؤقتا من التصرف في أموالهم وإدارتها.
- وقف صرف أي مستحقات لأصحاب الصوامع مرتكبي هذه الجرائم وتكليف الجهات المسؤولة عن صرف قيمة تلك الأقماح تنفيذه.
وكان البرلمان المصري شكل لجنة لتقصي الحقائق الشهر الماضي للنظر في مزاعم فساد في عمليات شراء القمح المحلي. وفي الشهر الماضي أعلنت مصر -أكبر مستورد للقمح في العالم- عن تفتيش حكومي على شون القمح بعد رقم أعلى من المعتاد للكميات الموردة أثار مزاعم من مسؤولين كبار في القطاع وتجار وأعضاء بالبرلمان عن احتيال محتمل.
اضف تعليق