انسجاما مع ما تشهده الساحة العراقية من اعتلالات اقتصادية تكاد تكون قائمة على طول الخط، وهي الى الان في حالة تطور مستمر مع احتمالية ان تنذر بكارثة اقتصادية وانسانية، تتوعد الانسان العراقي من جهة، وهي من جهة اخرى تؤسس لانهيار وشيك يتهدد الدولة العراقية في حال استمر الوضع على ما هو عليه. ففي ظل تلك الاولويات والحقائق قدم مركز الفرات للتنمية والدراسات الاستراتيجية، ورقة في ملتقى النبأ الاسبوعي تحت عنوان (العمل أصل المنافع)، بحضور مجموعة من الباحثين والأكاديميين والإعلاميين.
تطرق الدكتور خالد العرداوي مدير مركز الفرات في مقدمته الى حقيقة ان الازمة الاقتصادية التي يمر فيها البلد، هي نتاج سلوكيات غير مدروسة سيما وأنها استطاعت ان تحتل مساحة لا باس بها في جدول اعمال هذا المركز بالتحديد وفي أكثر من مناسبة. وللاهتمام أكثر ارتأينا في هذا ملتقى الفكري ان نخوض في قراءة تحليلية نقدية تستهدف تداعيات الاوضاع الاقتصادية ومحاولة ربطها باستراتيجية الامام علي(ع) وكيفية معالجته للفقر.
في هذا السياق عرض الاستاذ احمد المسعودي/ استاذ الفكر المعاصر وباحث في مركز الفرات: الى مقولة "العمل رأس المنافع" أصغر مقولة او خطبة او حكمة ان صح التعبير، منصوص عليها في كتاب نهج البلاغة كـحكمة من حكم امير المؤمنين علي بن ابي طالب "عليه السلام"، بالأصل هي جملةٌ تحمل عبر ثلاث كلمات فقط، برنامج اصلاحي استراتيجي شامل، حيث تمثل كلمة " العمل " مسارٌ ديناميكي لابد منه لتحريك عجلة الحياة، وتعتبر كلمة " رأس واحيانا أصل " شهادةٌ لنيل الاولوية القصوى لهذا العنصر الفاعل ونقصد به العمل، وتعتبر بمثابة رسالة تأكيد لضرورة اعتمادها كأساس وأصل لابد منه لدعم أي شعب من الشعوب، أو أي دولة من الدول، ومهما كان الوضع الذي تمر به، في حين تمثل كلمة " منافع " او منفعة طبيعة المجتمع المزدهر الذي ينبغي ان يعيش حالة الرفاهية، والذي طالما كان يراود مخيلة الانبياء والائمة والعلماء اثناء مسيرتهم النضالية، وهم يحاولون كبح جماح الظلم، والتمييز، وتغيير حال المجتمع نحو الافضل. ويُبرمج العمل قوانين الحياة، ويقوم بإعادة تصحيح تشققات الواقع، ومهما كان الـلانظام منتشر ومسيطر على الحياة الواقعية، يُعتبر العمل من اهم وأكثر العناصر قدرة على اعادة التنظيم، واعادة التصحيح لانه ببساطة "العمل" يقوم على مدلولاته نظام التحريك الابتدائي لكل المتغيرات المحيطة بأي ظاهرة من الظواهر.
وأضاف المسعودي: في المجال الديني يبقى العمل معيارا لمبدأي الثواب والعقاب، وعلى مستوى السياسة يوصل العمل صاحبه الى المقبولية السياسية تحت مسمى سلامة تنظيم العمل السياسي المنتج والهادف، وعلى مستوى علم الاجتماع يضع العمل الحسن صاحبه موضع احترام ومقبولية اجتماعية، وعلى المستوى الاقتصادي يضع العمل الشعوب التي تنتج او تعمل في قمة الرفاهية ويساهم في ايصالها الى مرحلة السلم الاهلي، والامن الاجتماعي، كما ويساهم في رفع المستوى المعاشي للفرد، ويهشم آفة البطالة، ويضع حدا للفساد الاخلاقي والاداري والمالي، ويساهم في تثبيت وتكريس العزة والكرامة والسيادة، لأي شعب من الشعوب، والمعنى الاستدلالي الذي يمكن التوصل اليه من خلال كلمة "رأس - المنافع" هو تلك الحالة الايجابية التي من الممكن أن يمنحنا اياها العمل، لانه يساهم في اقتلاع السلبيات التي من شأنها ان تعرقل المسيرة الاجتماعية او الاقتصادية او حتى السياسية والثقافية والمعرفية والفكرية.
اذا ما أردنا ان نطبق قاعدة "العمل رأس المنافع" علينا إخضاعه لمراحل علمية دقيقة: اهمها استنتاج واستدراج واستحضار الفوائد التي من شأنها ان تصيب المجتمع جراء هذه القاعدة، ولنأخذ على سبيل المثال الاوضاع الاقتصادية التي يمر بها العراق وما نتج عنها من تقشف ضرب صميم حياة المواطن العراقي فأحالها دمارا وخرابا، وربما سوف يبقى الشعب يئن من جرائها سنوات عجاف طوال، وببساطة لان هنالك ابتعاد كبير عن عباقرة الكون ونقصد بهم الأئمة "عليهم السلام" الذين لا تنطق أفواههم الا نوراً ومناهجا وخططا استراتيجية عظيمة لبناء مجتمع مزدهر متطور مرفه بكل ما لهذه الكلمة من معاني.
تحيلنا عملية البحث في هذا الموضوع الى اخضاع النظرية اعلاه ونقصد بـهـا نظرية "العمل أصل المنافع" لحالتين: الاولى/ فكرة، والثانية/ نقيض، ولنجعل النقيض -العمل ليس رأس المنافع – بغية رصد حركة المجتمع في كل حالة من هذه الحالات:
الاولى: العمل ليس أصلا او رأسا للمنفعة
هكذا ارتأى كل من الدولة والمجتمع ان تكون استراتيجيتهما منذ العام 1921م الى يومنا هذا، فـأهملت الدولة برامج العمل والزراعة والانتاج، واخذت من جراء ذلك البطالة تزداد كردة فعل على هذا العبث الـلامبرر، واستمرت تداعيات الفقر تتمدد رويدا رويدا، ويمتد سرطانه مستهدفا واقع وقلوب وضمائر الشعوب الاسلامية جاعلا منها فريسة لا تقاوم، كما وأخذت حدة وشدة الفساد بمختلف معانيه تزداد من سنة الى اخرى، وتتراجع الاوضاع العامة يوما بعد آخر تراجعا كبيرا، ويستمر نزيف الاموال وتدفق العملة الصعبة الى خارج العراق، واعلنت بعض دول الجوار حملة هدفها الاساس إفراغ جيوب العراقيين من الاموال.
ان المدخل الاستراتيجي المتضمن في حكمة الامام علي بن ابي طالب (ع) يكمن جزء كبير منه في ضرورة مواجهة تراجع العمل، وانخفاض مستويات الانتاج،لان ذلك يعني انتفاء الزراعة، واختفاء المواد الغذائية من الاسواق، وتدهور الصناعات، وتوقف التجارة الى اشعار آخر، وهذا الامر سوف يؤدي الى افراغ خزينة البلد من الاموال التي يتم انفاقها على عمليات استيرادية ضخمة، وحينها سوف تضطرب الاوضاع العامة، وربما الوصول الى حالة التقشف التي تعيشها البلاد كان امرا ناتجا عن سياسة اقتصادية فوضوية وغير مخطط لها، فظهرت حالة التقشف لتعلن عن توقف كل شيء في البلاد، وكشفت عن حجم الدمار الهائل المتمثل بارتفاع مستوى خط الفقر الى 68%، فظلا عن تفشي البطالة بنسبة 63% من الفئة الشابة، وارتفاع مستوى الجريمة بمختلف انواعها لتصل الى معدل 30% بعدما كانت قبيل سنوات 2% يضاف الى ذلك ارتفاع في مستوى واعداد الامراض والمشاكل الاجتماعية، ابتداءا بضعف مستوى دخل الفرد العراقي، مرورا بالفساد وتنازل الضمير عن اداء مهامه، وغيرها من تشعبات تخلي الانسان او الاسرة او المجتمع او الدولة عن العمل بمختلف أشكاله، ويمكن تحديد شكل الاوضاع العامة، اذا ما تم اهمال العمل كأصل من اصول المنفعة بانخفاض مستوى العمل والانتاج الى توسع وانتعاش الامراض والآفات الاجتماعية كالفقر والفساد والبطالة وارتفاع مستوى الجريمة، وغيرها من المشاكل الاجتماعية والاقتصادية والسياسية
الثانية: العمل رأس او أصل المنافع
البناء الاستراتيجي الذي كان مقصودا في نهج البلاغة من قاعدة او مبدأ "العمل أصل المنافع " او رأس المنافع يهدف لبناء قاعدة عنوانها العمل أصل وأس في أي بناء اجتماعي او سياسي او اقتصادي او حتى ديني او ثقافي مفادها كلما ارتفع خط بيانات العمل وتحولت الدولة والمجتمع الى الانتاج انخفضت مستويات الظواهر السلبية في المجتمع، ويتم معالجة البطالة، وتنخفض حدة الفقر، وتتراجع أشكال الفساد، وتنخفض مستويات الجريمة وتبدأ عملية الرفاه الاجتماعي.
على سبيل المثال اذا ما تحول كل من الدولة والمجتمع العراقي اليوم الى مجتمع منتج سوف يقوم بتوفير او تعزيز حالة الاكتفاء الذاتي وربما التصدير وهذا الامر نحلم بصيرورته، لانه يعني تدفق العملة الصعبة، او ايصال المجتمع لحالة الادخار الجماعي، التي تعني احتفاظ العراقيين بأموالهم في جيوبهم، والحيلولة دون تدفقها خارج العراق بفعل عمليات الاستيراد، وهذا يعني ايجاد حالة من الرفاه والازدهار الاقتصادي الداخلي الذي سوف ينتج عنه معالجة دقيقة للأمراض الاجتماعية التي يئن منها الشعب، كالبطالة والفقر والفساد والجريمة المنظمة وغير المنظمة، وغيرها من الامراض التي تقض مضاجع العراقيين، وتسعى الى جعل الحياة جحيما يُصَب فوق رؤوسهم، فوقف عملية الاستيراد حدث بسبب توقف العمل والانتاج، والعمل والانتاج يقضي على البطالة، ومعالجة البطالة يعني تفعيل الزواج لدى الشباب، والسعي للزواج يخفف من حدة انتشار الفساد في مجتمعاتنا، والعمل والانتاج يفتح مرحلة جديدة من مراحل التصدير، والتصدير يوقف عملية الاستيراد، ووقف الاستيراد يعني تحقيق الاكتفاء الذاتي، وتحقيق الاكتفاء الذاتي يعني انخفاض في حدة الاسعار، وانخفاض حدة الاسعار يعني استقرار نفسي ورفاه اجتماعي، والرفاه الاجتماعي يعني تخفيف حدة الجهل، ووقف عمالة الاطفال وهكذا تُحل المشاكل والامراض التي يعاني منها الواحدة تلو الاخرى، وهذا هو البعد الاستراتيجي الذي اراده لنا أميرنا علي بن ابي طالب " عليه السلام". كان (ع) يحلم لنا بحياة حرة كريمة خالية تماما من المشاكل والهموم والآفات والامراض الاجتماعية المدمرة.
وهنا تكمن رؤيته الستراتيجية عليه الف الصلاة والسلام، فالحياة بمنظوره (ع) سلسلة ديناميكيتها ومحوريتها الاساسية العمل المعنوي والمادي، فالمعنوي المتمثل بالعبادة والعمل الصالح والسعي لفعل الخير ووقف التهام الشر له، يحقق الاتزان المعرفي المعنوي ويمهد الطريق امام السلم الاجتماعي الذي طالما حلمت به الشعوب التي تدعي التمدن اليوم، اما العمل المادي والانتاج والتحرك بقوة لإثبات وجودنا على الارض فانه يمهد الطريق امامنا للسيطرة على الواقع، والسيطرة على الواقع تجنبنا الحاجة لغيرنا في سد احتياجاتنا او توفير الرفاه لنا، وعدم الاحتياج لغيرنا يعني اننا الوحيدين نتحكم بمستقبلنا، ونحن من يرسم سياسة شعوبنا نحو التقدم والارتقاء، فكيف تكون السيادة اذا، وكيف يكون الرفاه، وكيف يكون الاستقلال، وكيف تكون المنفعة، وكيف تكون الكرامة اذا لم تكن متأتية من العمل، فالعمل رأس المنافع واستبعاده عن أي رؤية استراتيجية، يعني تدمير وتخريب منظومات المجتمع والسياسة والاقتصاد والثقافة والفكر ويُحال كل شيء في البلاد ركاماً كما هو الآن بسبب ابتعادنا عن مناهج وتحليلات واستراتيجيات امير المؤمنين علي بن ابي طالب (عليه السلام).
بعد الانتهاء من ورقة الدكتور المسعودي تم طرح السؤالين التاليين للإجابة عليهما:
السؤال الاول: ما هي اسباب عدم تبني نظرية اقتصادية اسلامية في ظل وجود احزاب سياسية اسلامية؟
السؤال الثاني: هل بالإمكان استنباط نظرية تنموية اسلامية من خلال نهج البلاغة؟
المداخلات:
الشيخ علي الرميثي قال في مداخلته: بعض الاحزاب الدينية السياسية هي ليست اسلامية في الجوهر، وهي ايضا لا تمتلك رؤية اقتصادية كي تدعو اليها، بالإضافة الى ذلك ان النظم الاقتصادية لها انعكاسات عالمية ودولية، وان بعض الدول ليس لها السلطة على تغيير سياستها الاقتصادية وفق برنامجها الاقتصادي، في مرحلة سابقة وعندما فازت الاحزاب الاسلامية في الجزائر بزعامة عباس مدني عمدت امريكا الى افشال تلك التجربة، بعض الشخصيات الفكرية الامريكية انتقدت هذا التصرف، وقالت يجب ان تعطى تلك التجارب فرصة كي تفشل من تلقاء نفسها وكان التعويل على النشاط الاقتصادي. اضف الى ذلك: بعض الامور لا تأتي الا تدريجيا وبشكل متسلسل، الجمهورية الاسلامية في ايران على سبيل المثال ورغم مرور كل تلك الفترة الطويلة الا ان العمل المصرفي في ايران الى الان هو ربوي وباعتراف الجمهورية الاسلامية نفسها. اما فيما يخص الاجابة عن السؤال الثاني فان المعيار الاساسي للعمل في الاقتصاد الاسلامي هو رضى الله سبحانه وتعالى وعدم الضرر للناس، هناك قضية معروفة مفادها ان الامام علي(ع) واثناء زيارته لابي الاسود الدؤلي، حثه على ضرورة العمل وعدم الاتكال على اولاده، لان الاسلام دائما ما يحث على العمل ويرفض فكرة التقاعد، حديث عن الامام امير المؤمنين (ع) (من سعى في قضاء حاجة اخيه المسلم كأنما عبد الله دهرا) الدهر يعني هنا سبعين عاما، نستدل ان العمل أفضل من العبادة.
الاستاذ عدنان الصالحي مدير مركز المستقبل للدراسات الاستراتيجية: القضية قضية مقدمات وهي لا تأتي اعتباطا، الاحزاب الدينية هي ليست اسلامية بالجوهر وهي لم تعمد الى تنظيم امورها بطريقة مؤسساتية، الاقتصاد يخضع لنفس المنظومة الامنية السياسية الاقتصادية وهو يحتاج الى استراتيجيات يرتكز عليها، بالنتيجة تلك الاحزاب لا تمتلك فكر تحدد من خلاله كيف تدار الدولة وكيف تدار الازمات، وأنها تقوم على الصراعات والمنافع والمصالح ولا وجود لروح الايثار. اما النسبة لموضوعة نهج البلاغة فهو ليس وصفة سحرية تطبق من تلقاء نفسها، نهج البلاغة هي منهجية عمل ونظام حياتي يومي، فهل نحن فعلا لا نغش بالبضاعة لا نبخس الميزان هذه كلها مقدمات اقتصاد، بالنتيجة المجتمع الذي يسير بهذا الاتجاه، فنهج البلاغة هو ليس قانون يطبق ويعاقب من لا يطبقه، هو منهاج حياتي يومي، وان الازمة الاقتصادية التي يمر بها العراق اليوم، حتما ستفجر الطاقات وتخلق ردة فعل مقابله لإذكاء الموارد الاقتصادية والطاقات البشرية.
الاعلامي عدي الحاج اشاد بتلك التجمعات الحوارية كونها تروم الى معالجة السلبيات والمعوقات التي تشوب الية الحكم، الى جانب ذلك هناك ثمة صراعات دولية واقليمية على هذا البلد، وما يزيد الطين بله كل من اتى ليقود دفت الحكم وليمسك بزمام الامور هم ليسوا من ذوي الخبرة والكفاءة العالية، كي يضعوا نظرية اقتصادي تنهض بهذا البلد، بل على النقيض من ذلك كانت الدعائم الحقيقية للأحزاب السياسية الاسلامي المصالح الشخصية وان موارد الدولة ذات اصول ريعية والمصدر الوحيد هو النفط دون باقي القطاعات الصناعية والزراعية والسياحية. حقيقة الاقتصاد أصبح معضلة ولقد قالوا ما من معضلة الا ولها ابو الحسن(ع)، وهذا ما نستطيع فهمه من نهج البلاغة كنظريات قائمة لكنها تحتاج الى الاليات لتطبيقها.
الاعلامي عصام حاكم اسقاط هذه النظرية وهذا المفهوم الاسلامي العلوي على الواقع العراقي، يحمل بين طياته تساؤلات مشروعة ترتبط بأصل تشكيل تلك المكونات السياسية الحزبية، وهي ذات صبغة اسلامية ظاهرية حيث تسعى للتحشيد ليس الا، الى جانب ذلك فان الارادة السياسية العراقية وحتى الخليجية، لا تستسيغ فكرة الاذعان للقطاعات البحثية والاكاديمية والاستفادة منها. وهذا ما لمسناه من خلال الازمة التي يعيشها قطاع البترول. ويضيف: ذكر لي احد العاملين في المنظمات غير الحكومية واثناء زيارته الى اليابان، التقينا بمرأة كبيرة في السن وتسكن اعلى قمة الجبل، وهي تبرر سر تأخرنا كعالم ثالث خصوصا في العراق، باننا دائما ما نركز على حقائق ثلاثة، الاولى باننا مسلمين وسوف نذهب الى الجنة، والثاني باننا نمتلك حضارة ضاربة في القدم، ثالثا اننا نمتلك ثروة نفطية لا تنفذ واخر برميل سوف يخرج من ارضنا، عندها ينشأ الطفل على وهم الاتكال على تلك العناصر ومن دون ان يكلف نفسه عناء البحث والانشغال.
الدكتور قحطان حسين قال، اعتقد هذا الامر صعب جدا النظريات الاسلامية رائعة وفيها انقاذ للبشرية من حالات اقتصادية سيئة وسلبية، لكن في التطبيق تحتاج الى مجتمع ملائكي نزيه مستقيم مؤمن يخاف الله سبحانه وتعالى، وهذا الامر غير موجود في مجتمعاتنا، النقطة الاخرى الافتراض بان الاحزاب الاسلامية الحاكمة هي احزاب اسلامية اعتقد تحتاج الى اعادة نظر، الاحزاب التي تدعي بانها اسلامية اذا اطلعت على طريقة ادارتها للحكم وطريقة تنظيمها للشؤون العامة بشكل عام تراها انها ترفع الاسلام شعار، لا غير وفي اعمالها وفي نظرياتها وفي ادارتها للأمور بعيدة جدا عن الاسلام.
امكانية تطبيق القواعد الاسلامية
الدكتور خالد العرداوي مدير مركز الفرات تساءل قائلا: هل الاسلام أطار ام هو جوهر ينعكس على اساس العمل، فعندما نتكلم عن الجمهورية الايرانية الاسلامية، والجمهورية العراقية الاسلامية، والدستور الاسلامي، والحاكم الاسلامي، اليوم انا اعتقد بعض الاحزاب الاسلامية ترتكب جرما كبيرا، حينما تطلق على نفسها احزاب اسلامية والحال انها تعيش وسط عالم اسلامي، فهي ماذا تريد ان تقول وما الرسالة التي تريد ان توصلها، هل تريد ان تقول لهؤلاء الناس انكم سيئون ونريد ان نطبق الاسلام عليكم، اعتقد انها محاولة للتلاعب بالأفكار واعادة انتاج للنموذج القومي ايام زمان، وهي حقيقة جوفاء من الداخل وعندما نتكلم عن التجربة العراقية وما اوجدته من احزاب سياسية دينية. صراحة كانت أحزابا سطحية في نظرياتها سطحية في عملها سطحية في معالجاتها، تكلم بعض الاخوان عن ان الاسلام لم ينجح في تطبيق نظرياته، لا الاسلام نجح في حدود والدليل على هذا قدم نموذجا في وقته في العدالة، وفي الحكم، وتنظيم العسكر، وفي ادارة موارد الدولة، نموذجا يختلف عن ما كان موجودا في تلك الفترة، الخلل صار ان هذه المنطلقات الابتدائية لم تطبق تطبيقا كاملا ولم تتمتع بالاستمرارية في انضاجها وتطويرها، وتم الانحراف عنها بمرور الزمن، العالم الاخر غير الاسلامي تقدم بنظرياته وافكاره على العالم الاسلامي واستطاع ان ينجح. المواطن الاسلامي يصلي ويصوم ويزور العتبات ويحج، لكن عندما يتكلم عن النموذج المتقدم يأتي تلقائيا على ذكر امريكا وسنغافورة وغيرها، اليوم المواطن لا يعاني من ازمة اسلمة، المواطن يعاني من ازمة نجاح، ازمة نموذج لا يوجد لديه نموذج على ارض الواقع، انا اسميها فشل الاحزاب الاسلامية في ان تكون لديها نظريات قابلة للتطبيق، وايضا فشل الاحزاب الاسلامية في ان تمتلك منظومة اخلاقية تكون متفوقة عما يحيط بها في العالم، اذ يوجد خلل في المنظومة الاخلاقية بالنسبة للإسلام السياسي، والدليل على ذلك لاحظ المواطن العراقي البسيط اشرف وانقى اخلاقيا من المسؤول السياسي الموجود على دكة السلطة. وهذا المسؤول جاء ليقول لنا انه عازم على تطوير منظومتنا الاخلاقية والسلوكية حتى تكون قريبة من المنظومة السماوية المتقدمة، فالمشكلة هنا انه فشل في تطبيق ما يقوله بامتياز سواء على مستوى علاقته بالذات ام على مستوى علاقته مع الاخر، فاليوم نحن لدينا مشكلة مع هذه الاحزاب طبعا ان جزء من هذه المشكلة اننا لا نستحضر موروث امتنا، بل نستورد افكارا اجنبية من الخارج ونحاول ان نطبقها ونطلق عليها اسماء ومسميات مختلفة، فكر سياسي: ليبرالي، علماني، وجودي، قومي، ديمقراطي.. باختصار نحن لدينا ازمة فكر وان احزابنا الاسلامية لا تختلف عن الاحزاب غير الإسلامية الا بالاسم فقط.
وأضاف العرداوي: اما ما يخص موضوعة الاستنباط من نهج البلاغة فقبل فترة تحدثت انا وسماحة الشيخ مرتضى، حول سنغافورة التي يبلغ عدد نفوس شعبها خمسة مليون وثلاثمائة الف نسمة تقريبا، ومساحة تلك الدولة يصل الى 48 كيلو متر من الشرق الى الغرب، و 23 كيلو متر من الشمال الى الجنوب وهي جزيرة في البحر، مجموعة مساحة سنغافورة بالكامل 711 كليو متر مربع، وهي لا تمتلك معادن ولا تمتلك مصادر ثروة لكنها بالأداء الاقتصادي الاولى على مستوى اسيا، وترتيبها على مستوى العالم 11 وتمتلك خامس ميناء بحري بالعالم، وتمتلك تاسع احتياطي مالي بالعالم، ودخلها السنوي حسب احصائيات عام 2014 يصل الى 314مليار دولار سنويا، وهو يتجاوز الناتج الاجمالي لكل الدول العربية باستثناء الواردات من النفط والغاز بثلاث اضعاف، سنغافورة تمتلك قوة مشاة وقوة جوية وقوة بحرية بتقنيات عالية، لا توجد لديها اراضي تضع فيها قواعدها الجوية، وهي مستأجرة لقواعد في ماليزيا واستراليا وفرنسا وليس لديها تاريخ طويل، واصل تسميتها جزيرة الاسد. وفحوى الكلام نحن لدينا 350 مليون عربي، ومساحة العراق وحده 437 ألف كيلو متر مربع. والمنطقة التي نعيش فيها هي القلب الجيواسترتيجي للعالم، وهناك اربعة ممرات دولية مهمة فيها، وتوجد عندنا مصادر الثروة العالمية المهمة، وتوجد لدينا خاتمة الرسالات السماوية، وايضا نمتلك مصادر سياحية وارث تاريخي طويل، ولكن عندما نضع هؤلاء الخمسة ملايين وثلاثمائة بكفة (شعب سنغافورة) ونضع جميع العرب بكفة بتاريخهم وقيمهم وجغرافيتهم نجد ان الكفة تميل لمصلحة الشعب السنغافوري المحترم.
أيها الاخوة: يعرف السيد الطبطبائي الدين بانه مجموعة قواعد واحكام لجعل الحياة الدنيا على مثال الحياة الاخرة والمدينة السماوية، وفي سياق هذا المعنى ربما افهم ان المدينة السماوية هي عبارة عن الجنة التي طرد منها ابونا ادم، فبالتالي الله سبحانه وتعالى يريد ان يجعل حياتنا تلامس حياة الجنة، وهناك في سياق هذا المعنى تتصارع في مخيلة الانسان مدينتان: مدينة الجحيم التي يقصدها كل الناس البعيدين عن الله سبحانه وتعالى، ومدينة الجنة التي هي حلم العباد المطيعين لله. والله سبحانه وتعالى يريد ان يجعل حياتنا قريبة من حياة الجنة من حيث الرفاهية. والانسان بطبيعته يبحث عن الرفاهية والكرامة والعبودية الصحيحة والحرية فنحن جميعا مطلوب منا أن نبحث عن انسانيتنا لنعيش حالة الانسجام بين الجنة الأرضية والجنة السماوية (مدينة الأرض ومدينة السماء)، ولكن عندما نجول في مدننا الإسلامية في العراق، وفي معظم الدول الإسلامية، صراحة لا تظهر لنا الا مدن الجحيم، فحين تنظر الى الناس كيف تحيا تتشكل لديك قناعات انهم يعيشون في جزء من مدن الجحيم، في سلوكياتهم، وفي طريقة تفكيرهم، وفي نظمهم الحاكمة. وصفوة القول: اذا اردنا التساؤل حول لماذا لم يطبق الاسلام لدينا؟ علينا ان نبحث عن امكانية تطبيق القواعد الاسلامية التي تجعل حياتنا قريبة الى الجنة لا الى الجحيم.
الاستاذ حيدر الجراح مدير مركز الامام الشيرازي للدراسات والبحوث حاول ان يعيد صياغة السؤال بالشكل التالي، هل الحاق صفة الاسلامي باي شيء تجعل منه اسلاميا، مثلا الاقتصاد الاسلامي، الاجتماع الاسلامي، الاخلاق الاسلامية، دولة اسلامية، حكومة اسلامية، احزاب اسلامية، الثقافة الاسلامية، هل يتحول فعلا الى اسلامي بالجوهر، سؤال اخر هل من الممكن أن يقود ارتفاع مستوى العمل والانتاج الى توسع وانتعاش امراض وافات اجتماعية معينة، فعلى سبيل المثال ما يحدث في التجربة الخليجية ومع وجود موارد اقتصادية جبارة، هي بالتأكيد تعاني من ازمات مختلفة. كان من المفترض ان يتم التركيز على ماهية العمل تحديدا وعلاقته بالإنتاج.
الاستاذ باسم عبد عون فاضل تحدث عن ان الورقة لم توضح هل العمل في الاسلام وسيلة ام غاية؟ شيء اخر هل نحن فعلا نحتاج الى نظرية اقتصادية سيما وان القران الكريم لم يترك شيء الا احصاه؟، اما بخصوص سؤالك فواقع حال الاحزاب الموجودة في العراق لا تنطبق عليها صفة الاسلام، قضية تطبيق النظرية الاقتصادية الاسلامية هل يراد تطبيق ما اتى به الاسلام، ام ما جاءت به بعض المرجعيات الدينية اثناء مناقشتها للفكر الاقتصادي الاسلامي، العمل مرتبط بالأيمان والعمل حاجة ملحة في النظام الاسلامي. اما ما يتعلق بموضوعة العمل بنهج البلاغة هناك مشكلة، نعاني منها نحن كمجتمع ونحن شركاء بهذه المشكلة، خاصة وان هذا المجتمع لا يستطيع التمييز، هل يتقبل النظرية الاسلامية ام يتقبل النظرية غير الاسلامية، فهناك فوضى كبيرة مجتمعية.
المنفعة الحقيقة قائمة على العمل
الدكتور حيدر ال طعمة حاول التركيز على حقيقة ان الاقتصاد العراقي اليوم، يمر بوضع حرج وهو بعيد عن تطبيق هذه الافكار وغيرها، حاليا الاقتصاد العراقي اقتصاد هجين، فبغض النظر وسواء كان هذا الحزب اسلامي ام غير اسلامي، فهل الاقتصاد العراقي يتحمل تطبيق نظرية اقتصادية اسلامية، الجواب لا يتحمل والسبب انه يعاني من مجموعة من الاختلالات، وحتى يستطيع الانتقال لاقتصاد اسلامي، لابد ان تتوفر له مجموعة من التمهيدات لذلك الانتقال أولا. وثانيا الاقتصاد الاسلامي لا يعمل بشكل منفرد على مستوى دولة، وهذا ما اشار اليه السيد الشهيد الصدر الاول، في احد كتبه حيث كانت هناك مراسلات بين بعض الاخوة، عن امكانية تطبيق الاقتصاد الاسلامي في ايران واحدة من الاشارات ان الاقتصاد الاسلامي حتى يعمل بكفاءة وفاعلية على مستوى كوكب او على مستوى اقليمي على اقل تقدير اما على مستوى دولة لا يمكن. اما بالنسبة للسؤال التالي عن امكانية الاستفادة من نهج البلاغة، هناك بهذا الخصوص كتاب للدكتور محسن الموسوي اسمه الفكر الاقتصادي في نهج البلاغة، الرجل وضح ما هي الخطوط التي نستمدها من نهج البلاغة ونطبقها على اقتصاداتنا الحالية.
الشيخ مرتضى معاش صنف الاجابة عن هذا السؤال الى شقين: الشق الأول بعض الاحزاب بشكل عام هي احزاب سلطوية، وتتبع ثقافة اجتماعية بدائية، وهي ليست احزابا متقدمة، وهي لا تمتلك ايضا نظريات متقدمة، بل تعتاش على ثقافة المغانم وهذا الثقافة قائمة على تدمير الذات والاخر وتدمير البيئة، هذه الاحزاب دمرت بيئتها في معادلة صفرية. الشيء الثاني: هناك اختلاف في الوسائل وفي النتائج، اليوم نحن امام نظام رأسمالي عالمي، الاشتراكية فشلت وخرجت من اللعبة، لم يتبق سوى النظام الرأسمالي وهو عبارة عن مذاهب متعددة، الصراع بين هذه المذاهب قائم على شيء اساسي وهو سعر الفائدة، بعض الدول تعتقد بان الفائدة كلما ارتفعت الدولة تستطيع ان تسيطر، دول اخرى تعتقد بان خفض سعر الفائدة تجعل الاقتصاد اكثر فاعلية وانتاجا وكما معمول في اليابان حيث وضعت ناقص واحد على اسعار الفائدة، فالامة اليابانية تعاني من مرض الادخار.
ويضيف الشيخ معاش: الاسلام كان دائما يعمل على اسقاط الفائدة ويسعى الى محاربة الربا، وان الازمة المالية والاقتصادية العالمية سبب من اسبابها الرئيسية هو الربا، ووجود تداخل بين الربا والقمار وهذا ما نسميه الرأسمالية المنفلتة والمتوحشة. اليوم العالم يعيش بين ثقافتين مختلفتين: الاولى تعتقد بضرورة زيادة مستوى الضرائب، والاخرى تدعي بان انخفاض مستوى الضرائب يحقق النمو للاقتصاد. المنفعة الحقيقة قائمة على العمل وليس على شيء اخر العمل اصل المنافع، اتصور ان للعمل قدسية، الاسلام يقدس العمل وروح العمل، وما قوله سبحانه وتعالى (قل اعملوا فسيرى الله عملكم) الا دليل واضح وملموس، فاي منفعة خارج اطار العمل فهي لا قيمة لها مثل المنفعة الربوية.
الاستاذ حمد جاسم محمد الباحث في مركز الفرات تحدث قائلا: رغم وجود احزاب اسلامية الا انها لم تأخذ دورها في تطبيق الاقتصاد الاسلامي، سيما وان غالبية الاحزاب الاسلامية هي داخلة في الاقتصاد الرأسمالي، ونحن بطبيعة الحال لا توجد لدينا احزاب اسلامية حقيقية، بل الاحزاب التي طرحت نفسها كانت تسعى للسلطة، الى جانب ذلك كل الاحزاب الاسلامية تعتقد بانها على صواب وغيرها على خطأ وهذا مشكلة كبيرة. الاحزاب الاسلامية القائمة في العراق هل اتت بمشروع اقتصادي الجواب لا، بالإضافة الى ذلك ان النظام الاقتصادي العراقي غير واضح الملامح.
اضف تعليق