من جديد بدأت تتدفق آفاق الأمل في حركة الدورة المالية للبنوك الايرانية، فقد مر عقد وأكثر من السنوات، على هذه البنوك وهي تعيش في حالة اقرب الى الخمول والسبات منها الى الحركة والتعامل البنكي، بسبب العقوبات الامريكية على ايران وما يتعلق بملفها النووي، وبعد أن تم تجاوز هذا الملف الشائك باتفاق تاريخي بين ايران والولايات المتحدة، عادت التعاملات البنكية الى الحضور والنشاط، وباتت بنوك ايران محط انظار البنوك العالمية.
ولكن لا تزال دورة المال في المصارف الايرانية تعاني من أثقال الماضي، فليس سهلا أن تتم محاصرة هذه البنوك لاكثر من عشر سنوات دون أن تصاب بشيء من التراجع والانكماش، لاسيما أن تعاملاتها خلال تلك السنوات العجاف، قد انحصرت في التعاملات المالية الداخلية فقط، بعد ان كانت البنوك الايرانية قبل الحصار والعقوبات الامريكية تعد من اهم البنوك في العالم من حيث حجم التبادلات والتداول المالي والكميات الكبيرة للمال العالمي والمحلي الذي تتعامل به البنوك الايرانية استقبالا وارسالا.
واليوم بعد أن تجاوزت ايران عقبة هذا الملف النووي المعقد، بدأ البنوك الايرانية تتنفس حرية الحركة والتعامل مع الاموال القادمة من شتى بنوك العالم، ولكن ما تجدر الاشارة له، أن هذه العودة أخذت شكل التدرج خطوة خطوة في قضية عود التعاملات والنشاطات المالية لدورة المال في البنوك الايرانية، ومما يؤكد سلامة هذه العودة أن هناك بنوك عالمية مهمة بدأت تنظر في مسألة عودتها القوية للتعامل مع البنوك الايرانية.
لاسيما أن الاصول المالية للبنوك الايرانية تعد من الاصول القوية على مستوى بنوك كبيرة ودول غنية، كما تشير الى ذلك أرقام موثقة بصورة دقيقة، حيث يتكون القطاع المصرفي الإيراني من ثمانية بنوك مملوكة للدولة و19 بنكا خاصا بلغت أصولها الإجمالية 582 مليار دولار في نهاية 2014 وفقا لبيانات البنك المركزي. وبالمقارنة تتجاوز أصول القطاع المصرفي لجنوب أفريقيا 400 مليار دولار ولتركيا نحو 800 مليار دولار.
وقد استبشرت البنوك الاوربية والدولية عموما بعودة ايران الى سابق عهدها فيما يتعلق بالتعاملات المالية، رغم انها لا تزال حذرة من عواقب العقوبات التي فرضتها امريكا على البنوك التي تعاملت مع البنوك الايرانية ابان العقوبات التي باتت اليوم بحكم المرفوعة، حيث بدأت الشركات الغربية تتدافع للعودة الى ايران بعد رفع العقوبات عنها والحصول على حصة من فرص الأعمال، إلا ان البنوك الاوروبية التي لا تزال تعاني من وطأة الغرامات التي فرضتها واشنطن بسبب ما اعتبرته خرقا للعقوبات، تتريث في انتظار تطمينات بأن تعاملاتها ستكون في امان. وذكر مصدر في بنك فرنسي بارز طلب عدم الكشف عن هويته لوكالة فرانس برس "رغم رفع العقوبات إلا ان الامور لا تزال غير واضحة".
وهذا الوضع سيدفع بالبنوك الايرانية لمراعاة القواعد المالية التي تخص التعاملات المالية واصولها، وهي قواعد قد تبدو صارمة نوعا ما، ولكن ليس امام البنوك الايرانية سوى عبوز وتجاوز هذه المصاعب، حتى تتمكن من التأقلم مع الاوضاع والتعاملات المالية الجديد.
البنوك الإيرانية مقبلة على الازدهار؟
في هذا المجال يتعين على البنوك الإيرانية أن تتأقلم مع قواعد دولية أشد صرامة وقد تحتاج إلى نقل ملكية القروض المتعثرة إلى بنك متخصص في تجميعها لكي تستأنف المسير من حيث توقفت عندما فرضت العقوبات المشددة قبل نحو أربع سنوات. ولا غنى عن البنوك لإبرام الصفقات وتدفق السيولة في ظل سعي إيران للفوز بمشاريع من الشركات الأجنبية وجذب الاستثمارات لتطوير البنية التحتية بعد أن تم رفع العقوبات عن قطاعات البنوك والتأمين والشحن البحري والنفط.
ومن المتوقع أن يكون بمقدورها العمل مع البنوك الأجنبية لتسوية المعاملات في غضون أسابيع بعد تطبيق الاتفاق المبرم مع القوى العالمية في وقت سابق هذا الشهر لكبح برنامج إيران النووي.
لكن القيود التي تمنع البنوك الأمريكية من التعامل مع البلد ستظل قائمة وسيكون على البنوك الإيرانية أن تشق طريقها في عالم مالي شديد الاختلاف عما عرفته قبل فرض العزلة عليها في 2012.
وقال علي سانجينيان الرئيس التنفيذي لبنك أمين للاستثمار المملوك ملكية خاصة "عزل سوق النقد الإيرانية عن الأسواق العالمية أدى إلى عجز البنوك الإيرانية عن مجاراة التطورات الدولية."
وقال سانجينيان الذي تعد شركته أكبر بنك استثمار في إيران يدير أصولا تتجاوز قيمتها المليار دولار "أدى هذا إلى افتقار البنوك في مجالات مثل جودة الاستثمار وكفاية رأس المال والرقابة الداخلية وسائر اللوائح الوقائية بالمقارنة مع المعايير الدولية."
وعانت بنوك إيرانية كثيرة من جراء الديون الرديئة خلال حقبة العقوبات. وتفاقم الوضع بفعل انكشاف عدة بنوك على السوق العقارية المحلية التي تدهورت في 2012 بما أبقى على قروض تكتنفها المشاكل داخل النظام. وأظهرت البيانات الرسمية أن نسبة القروض المتعثرة لإجمالي القروض بلغت 13.4 بالمئة في الشهر الفارسي المنتهي في 21 يونيو حزيران 2015. وتشير تقديرات السوق إلى نحو مثلي ذلك الرقم وبما يعادل 40 مليار دولار عند أعلى التقديرات للقروض المتعثرة بحسب رويترز.
وقال كونستانتينوس كيبريوس كبير المحللين بمجموعة المؤسسات المالية في وكالة موديز للتصنيفات الائتمانية "أكبر المشاكل التي تواجهها البنوك الإيرانية هي المستوى المرتفع للقروض المتعثرة وتدني الاحتياطيات الرأسمالية." وقال كيبريوس إن القطاع المصرفي الإيراني ما زال يعاني من نقص التمويل حيث بلغت نسبة كفاية رأس المال 6.8 بالمئة في 2014 مقارنة مع متوسط إقليمي بين 13 و14 بالمئة. وأضاف أنه في ظل "المخاوف من عدم الإفصاح الكامل عن القروض التي تكتنفها المشاكل فإن القطاع بحاجة إلى رأسمال جديد وكبير." ومنذ الأزمة المالية لعام 2008 أصبح لزاما على معظم البنوك الامتثال إلى معايير رأس المال الدولية الجديدة المعروفة باسم بازل 3 التي تفرض عليها تعزيز ميزانياتها.
ويتوقع بعض المصرفيين الإيرانيين أن يفرض البنك المركزي الإيراني تلك المعايير عليهم في مرحلة ما. وأحجم مسؤول كبير بالبنك المركزي عن التعليق عندما سئل عن ذلك الأسبوع الماضي. ومن المتوقع أيضا أن تقوم البنوك بعمليات خفض مؤلمة لقيمة الكثير من استثماراتها المباشرة المسجلة على ميزانياتها. وقال برويز أغيلي الرئيس التنفيذي لبنك الشرق الأوسط المملوك ملكية خاصة ومقره طهران "القيمة السوقية الحالية لهذه الاستثمارات أقل كثيرا من المسجل على دفاتر البنوك. "إذا خصمنا ‘القروض المشكوك في تحصيلها‘ و‘الاستثمارات المباشرة‘ للبنوك من رؤوس أموالها (وهو أمر إلزامي وفقا لقواعد بازل 3) فإن رؤوس أموال بنوك إيرانية كثيرة ستكون سلبية." لكن علي أميري من إيه.سي.إل وهي شركة لإدارة الاستثمار تركز على إيران ولها أنشطة في طهران قال إن الجهات التنظيمية قد تكون قادرة على مساعدة البنوك في هذا الصدد. وأضاف "إنشاء بنك لتجميع الأصول الرديئة... هو شيء قيد الدراسة والبحث من جانب الهيئات التنظيمية في إيران ويبدو أنه خيار قائم.
ويتكون القطاع المصرفي الإيراني من ثمانية بنوك مملوكة للدولة و19 بنكا خاصا بلغت أصولها الإجمالية 582 مليار دولار في نهاية 2014 وفقا لبيانات البنك المركزي. وبالمقارنة تتجاوز أصول القطاع المصرفي لجنوب أفريقيا 400 مليار دولار ولتركيا نحو 800 مليار دولار. ولم ترد على طلبات للتعليق لهذا المقال بنك البريد الإيراني وبنك سبه وبنك تنمية الصادرات وبنك الصناعة والتعدين وبنك ملي إيران وجميعها مملوكة للدولة.
وقال أغيلي من بنك الشرق الأوسط إنه سيكون على القطاع المصرفي الإيراني السعي لجذب تدفقات رأسمالية من أي مصدر في الوقت الحالي لكن الفوز باستثمارات من البنوك الأجنبية سيكون صعبا نظرا للقواعد العالمية الحالية التي ترفع تكلفة شراء حصص أقلية في البنوك الأخرى. وقال "البنوك - سواء الصينية أو الغربية - لا تستطيع حقيقة القيام بعمليات استحواذ في أنحاء العالم لأن تكلفة إدارة وتشغيل هذه البنوك أصبحت باهظة للغاية."
وجرى إلغاء عدة عقوبات دولية ترتبط بالبرنامج النووي الإيراني لكن معظم الإجراءات الأمريكية ما زالت قائمة. وتستطيع البنوك غير الأمريكية التعامل مع إيران دون خوف داخل الولايات المتحدة لكن البنوك الأمريكية لا تستطيع ذلك سواء بشكل مباشر أو غير مباشر. لكن البنوك الأوروبية ما زالت تتوخى الحذر.
وقال مدير كبير بمؤسسة مالية ضخمة في ألمانيا "لا نريد أن نكون الرواد. العمل مع إيران ما زال بالغ التعقيد بالنسبة لنا لأن الكثير من العقوبات الأمريكية ما زال قائما." وقال سانجينيان من بنك أمين للاستثمار إنه ما زال هناك "بعض عدم الثقة" بين البنوك لأسباب منها الغرامات السابقة التي فرضتها الجهات التنظيمية الأمريكية." وأضاف "نتوقع حتى أن ترفض بعض البنوك الدولية العملاقة.... التعاون مع المؤسسات المالية الإيرانية. "لتخفيف تلك المشاكل يجب اتخاذ بعض الخطوات الأولية مثل وضع قواعد تنظيمية ترتكز على المعايير والشروط الدولية وباختصار يجب أن نتحرك صوب إطار العمل التنظيمي الدولي لبازل 3."
البنوك الاوروبية تخشى عقوبات اميركية
من جهتها تتدافع الشركات الغربية للعودة الى ايران بعد رفع العقوبات عنها والحصول على حصة من فرص الأعمال، الا ان البنوك الاوروبية التي لا تزال تعاني من وطأة الغرامات التي فرضتها واشنطن بسبب ما اعتبرته خرقا للعقوبات، تتريث في انتظار تطمينات بان تعاملاتها ستكون في امان. وذكر مصدر في بنك فرنسي بارز طلب عدم الكشف عن هويته لوكالة فرانس برس "رغم رفع العقوبات الا ان الامور لا تزال غير واضحة". وقال ان التفسيرات الاميركية والفرنسية للوضع الحالي "ليست متناسقة (...) لن نقوم باي مبادرة في هذا الشان". وخرجت ايران من الجمود الدبلوماسي العميق بعد التوصل الى الاتفاق النووي مع القوى العالمية ما فتح الابواب امام مجموعة من الشراكات الجديدة الواعدة.
ورحبت فرنسا بهذا العهد الجديد واستقبلت الرئيس الايراني حسن روحاني الذي ابرم عددا من الاتفاقيات الاسبوع الماضي اثناء زيارة الى باريس ابرزها اتفاق لشراء 118 طائرة من طراز ايرباص. ولكن عندما يتعلق الامر بالقطاع المالي الذي لا يمكن لعجلة الأعمال ان تبدأ بالدوران من دونه، تسود حالة من التردد على الاقل لدى البنوك الاوروبية.
وقال فرهاد علوي المحامي المتخصص في الشؤون التجارية ومن بينها العقوبات لوكالة فرانس برس من واشنطن ان "الغرامات الكبيرة التي فرضت على هذه المؤسسات المالية خلال فترة العقوبات، جعلتها قلقة بشكل خاص". واضاف ان "البنوك الاوروبية تواجه ليس فقط خطر فرض عقوبات عليها، ولكن كذلك التعرض لملاحقات بموجب القوانين والممارسات المصرفية العالمية".
والحذر هو السائد بين المصرفيين الذي لم ينسوا بعد العقوبات الضخمة التي فرضتها عليهم واشنطن. وتقول الرئاسة الفرنسية ان فرنسا وافقت على اتفاقيات مع الجمهورية الاسلامية تزيد قيمتها عن 15 مليار دولار. الا ان تفاصيل هذه الاستثمارات وكيفية تمويلها يتطلب تدخلا مباشرا من البنوك.
وفي الماضي عندما تصرفت البنوك في صفقات متعلقة بطهران، فرضت عليها واشنطن عقوبات باهظة لانتهاكها نظام العقوبات القديم. ومن ابرز الامثلة الغرامة الباهظة وقدرها 8,9 مليارات دولار التي فرضت على بنك "بي ان بي باريبا" في العام 2014. وتقلق هذه القضية كذلك المصرفيين في دول اوروبية اخرى من بينها المانيا، حيث دفع بنك دويتشه العملاق غرامة قدرها 258 مليون دولار في تشرين الثاني/نوفمبر لاتمامه عمليات مالية مع كيانات كانت خاضعة لعقوبات اميركية ومن بينها ايران وسوريا. وقال المتحدث باسم البنك "لقد لاحظ بنك دويتشه تخفيف العقوبات الاميركية والاوروبية المفروضة على ايران (..) الا ان المجموعة ستبقى على قرارها ولن تقوم باية اعمال مرتبطة بايران حتى اشعار اخر" بحسب فرانس برس.
في السياق ذاته قال ايف تييو دو نائب رئيس مجلس ادارة "ميديف انترناشونال" التي تقوم بعمليات الاتصال بين القطاع الخاص لحساب كيانات مثل البنك الدولي وغيره من بنوك التنمية والمنظمات الدولية، "تسود حالة من عدم اليقين" في القطاع المصرفي. وصرح دو سيلغي لاذاعة "فرانس انفو" الاسبوع الماضي انه رغم ان واشنطن رفعت العقوبات المتعلقة بالملف النووي الا ان اجراءات اميركية اخرى -- خاصة المتعلقة بالقضاء على تمويل الارهاب -- لا تزال قائمة.
وقال وزير الدولة الفرنسي لشؤون التجارة الخارجية ماتياس فيكل الخميس انه طلب "توضيحا" من واشنطن حول رفع شروط العقوبات والجدول الزمني لذلك. ويتعين على مكتب ضبط الاصول الخارجية الذي يشرف على تطبيق العقوبات والتابع لوزارة الخزينة الاميركية، توفير المعلومات.
ويعتقد تيري كوفيل من مركز الابحاث الفرنسي للدراسات الدولية والاستراتيجية ان واشنطن سعيدة باستمرار حالة عدم اليقين. واوضح "ربما تكون سياسة اميركية مقصودة القول +كونوا حذرين، الوضع معقد+ حتى لا يفهم الناس ما يجري ويعتقدون ان العقوبات لا تزال مفروضة".
واضاف "من الناحية القانونية يمكن للبنوك ان تقوم ببعض الامور" الا انها لا تزال تحتاج الى "جميع التطمينات الممكنة قبل ان تعود الى ايران". واوضح "ان ما فعله بنك بي ان بي باريبا ليس امرا غير قانوني في الحقيقة" الا ان واشنطن "لا تزال لديها سبل للضغط على البنوك". وحتى لو كان البعض مستعدا للعودة الى السوق الايرانية، فان البنوك لم تكشف عن نواياها بعد. وقال كوفيل "لا افهم كيف يمكن لمجموعات كبيرة ان تبرم عقودا دون وجود الدعم المالي".
ويعتقد باسكال دي ليما كبير الاقتصاديين في مجموعة "سيل" الاقتصادية انه تتوفر في ايران العديد من الفرص الا انها لا تزال "بلدا عالي المخاطر" بسبب "الوضع الجيوسياسي مع اسرائيل". واضاف ان "ثقة البنوك ضعفت بسبب العقوبات على بي ان بي باريبا". وفي مسعى للطمأنة كشفت باريس الثلاثاء الماضي عن اتفاق يقدم ضمانات حكومية لدعم الاستثمارات الفرنسية في ايران من خلال شركة "كوفيس" لإدارة الائتمانات، لتغطية اية مخاطر بعدم تسديد المبالغ.
واكد فيكل كذلك على ان فرنسا شكلت فرقا من الخبراء في العقوبات تعمل في وزارتي الخزينة والخارجية لمعالجة الاسئلة التي ربما تكون لدى الشركات فيما يتعلق بقانونية عملياتها في ايران وما اذا كانت تتوافق مع القانون الاميركي. ورغم ذلك الا ان كوفيل اعرب عن اسفه للخطأ الاستراتيجي "الذي يتم دفع ثمنه الان" وهو السماح لمكتب ضبط الاصول الخارجية الاميركي بممارسة "ضغوط مباشرة على البنوك الاوروبية" فيما يتعلق بالعودة الى ايران. واضاف "من الناحية السياسية هذا امر مؤسف بالنسبة للاوروبيين. هذا سلاح مالي وجيوسياسي لن تتوانى واشنطن عن استخدامه مجددا في ظروف اخرى".
خلال أسابيع إيران تعود للبنوك العالمية
في سياق مقارب قال رئيس مصرف الشرق الأوسط الإيراني لرويترز إن البنوك العالمية تستعد لإعادة العلاقات مع نظيراتها الإيرانية باستخدام نظام جمعية الاتصالات المالية العالمية بين البنوك (سويفت) للتعاملات النقدية. لكن من المرجح أن يحتاج الربط مع البنوك العالمية إلى أسبوعين على الأقل. وسوف تسمح هذه الخطوة للبنوك الإيرانية بالتعامل مع النظام المصرفي العالمي للمرة الأولى منذ فرض قيود مالية دولية عليها في 2012. وأدى اتفاق نووي بين القوى العالمية وإيران إلى إلغاء القيود التي كانت مفروضة على النظام المصرفي وقطاعي التأمين والشحن في مطلع هذا الأسبوع بالإضافة إلى إلغاء القيود التي كانت مفروضة على تصدير النفط.
وقال برويز عقيلي الرئيس التنفيذي والعضو المنتدب لمصرف الشرق الأوسط الذي يتخذ من العاصمة الإيرانية طهران مقرا له "أرسلنا حوالي 40 رمز سويفت لمختلف البنوك حول العالم وقلنا .. بما أنه قد تم رفع العقوبات.. فنحن نرغب في تبادل الوثائق و(سألنا عما) إذا كانوا سيبحثون إقامة علاقة مراسلة مصرفية ... البعض منهم رد بعدة أسئلة .. طلبوا وثائق يحتاجونها." وأضاف في مقابلة "أشعر أن الأمر سيستغرق أسبوعين أو ما إلى ذلك قبل أن تبدأ إعادة الارتباط بشكل سليم. سيسير الأمر رويدا رويدا."
وقال عقيلي إن بنوكا إيرانية أخرى في نفس الموقف فيما يتعلق بسويفت مثل بنكه الخاص الذي يمتلكه مستثمرون بينهم شركات إيرانية صغيرة ومتوسطة الحجم. ولم ترد سويفت على طلب للتعليق على حالة الاتصالات بين البنوك الإيرانية والعالمية بشأن نظامها بحسب رويترز.
ايران تحث البنوك الفرنسية للعودة إليها
من جهته حث وزير التجارة والصناعة الإيراني البنوك الفرنسية على التغلب على مخاوفها من العمل مع بلاده وذلك في مسعى لجذب استثمارات اجنبية تحتاجها بلاده بشدة. وتبدي البنوك الفرنسية ترددا في إبرام الصفقات مع إيران بعد أن غرمت الولايات المتحدة بن بي.ان.بي باريبا تسعة مليارات دولار في 2014 بسبب انتهاكات للعقوبات حتى مع احتفاء حكومتي البلدين بعودة العلاقات. ويزور الرئيس الإيراني حسن روحاني ووفد من الوزراء ورجال الأعمال باريس حيث حظيت صفقات لشراء طائرات ايرباص واستئناف مشروع مشترك لصناعة السيارات بإشادة كعلامات رمزية على ذوبان الجليد في العلاقات بين البلدين. لكن جدول الأعمال الرسمي للوفد الإيراني لا يشمل اجتماعات مع بنوك فرنسية كبرى مثل بي.إن.بي باريبا وسوسيتيه جنرال.
وقال وزير الصناعة الإيراني محمد رضا نعمت زاده متحدثا في منتدى أعمال فرنسي إيراني إنه لم تعد هناك عقبات تحول دون عمل البنوك الفرنسية مع إيران. وحذر قائلا "إذا لم ينشطوا فلن تكون هناك زيادة في الاعمال." وقال إن على البنوك الأجنبية أن تراعي فقط ثلاثة شروط لتفادي انتهاك العقوبات الأمريكية وهي عدم العمل من خلال فرع أمريكي وتفادي العمل مع الأشخاص والكيانات المدرجة في قائمة العقوبات وعدم تسوية المعاملات عبر الولايات المتحدة.
ومضى قائلا "هذه الشروط الثلاثة واضحة جدا. رجاء خذوا الأمر بجدية. من جانبنا بدأت الامور تتحرك .. إذا لم تبدأ البنوك فنحن نضيع وقتنا لا أكثر." وأحجم بي.إن.بي باريبا عن التعقيب ولم يتسن على الفور الاتصال بسوسيتيه جنرال. وقال مصرفيون فرنسيون كبار إن غرامة بي.إن.بي باريبا مازالت عالقة بالأذهان وإن إطار العقوبات الحالي لا يشجع على العمل.
وقال سايروس مباشر الاستشاري المقيم في إيران لرويترز "البنوك الكبيرة تلقت ضربات عنيفة لذا لن يعودوا ما لم يروا كيف ستسير الأمور لبعض الوقت." لكنه أضاف أن بنوكا صغيرة مثل ناتكسيس قد تكون أكثر استعدادا للعمل مع طهران بحسب رويترز.
ويأمل رجال الأعمال أن تكون شركة كوفاس الفرنسية للتأمين على ائتمانات التصدير قادرة على المساعدة في تحريك الأمور. ووقعت كوفاس اتفاقا مع إيران يوم الخميس حسبما أعلن مكتب الرئيس الفرنسي. وقال نعمت زاده إنها خطوة مهمة لكن لم تتكشف تفاصيل على الفور. في غضون ذلك قال وزير الاقتصاد الفرنسي إيمانويل ماكرون إن البنكين المركزيين في فرنسا وإيران أعادا العلاقات رسميا للسماح للبنوك الإيرانية لمباشرة الأعمال مع فرنسا.
بريطانيا تدرس السماح للبنوك الإيرانية بالعمل في لندن
في السياق نفسه قال مصدران مطلعان إن الجهات الرقابية البريطانية تدرس السماح لبنكين إيرانيين في لندن باستئناف النشاط بعد سنوات العقوبات. وأبلغ المصدران رويترز أنه لن يسمح لبنكي ملي وفارس الدولي بالعمل في بريطانيا إلا بعد استيفاء معايير الشركات المالية لبنك انجلترا المركزي. وأدى الاتفاق النووي المبرم مع إيران إلى رفع العقوبات التي كان الاتحاد الأوروبي يفرضها على البنوك الإيرانية في وقت سابق هذا الشهر. وقد يسمح هذا بخروج البنوك الإيرانية في بريطانيا التي كانت تباهي قبل عشر سنوات بتنامي أرباحها وعلاقاتها الأوروبية من عزلتها. وقال المصدران إن ملي وفارس الدولي يجريان محادثات مع الجهة التنظيمية والخزانة بخصوص استئناف الأنشطة في بريطانيا منذ شهور. ولم يرد بنك ملي ولا بنك فارس الدولي على طلبات للتعليق. وأحجم بنك انجلترا عن التعقيب.
ايران تتوسع في طرح الصكوك المالية
من جهتها تخطط الحكومة الايرانية لزيادة إصداراتها من الصكوك الاسلامية قصيرة الأجل هذا العام بهدف تنشيط سوق أدوات الدين المحلية والمساعدة في تقليل اعتماد الشركات المحلية على القروض من القطاع المصرفي المثقل بالديون. وفي أعقاب رفع العقوبات المرتبطة بالبرنامج النووي الايراني بدأت السلطات في طهران طرح عدة مبادرات لتطوير أسواق المال المحلية ومن ذلك إصدار قواعد جديدة تغطي الأوراق المالية بضمان الرهون العقارية.
ولأسباب منها أن انخفاض أسعار النفط والآثار الاقتصادية للعقوبات جعلت المستثمرين الأجانب يخشون إقراض الشركات الايرانية فسيتعين على أغلب الشركات في البداية الاعتماد على المستثمرين المحليين في تلبية احتياجاتها التمويلية. ولذلك أصدرت الحكومة أذون خزانة اسلامية لأجل خمسة أشهر ونصف الشهر قيمتها عشرة تريليونات ريال (278 مليون دولار بسعر الصرف في السرق الحرة) منذ سبتمبر ايلول الماضي وكانت تلك هي المرة الأولى التي تطرح فيها أوراقا مالية خارج السوق الرسمية.
وقال مجيد زماني الرئيس التنفيذي لبنك كادران للاستثمار الايراني إن ايران أعلنت خططا لإصدار أذون خزانة اسلامية قيمتها 60 تريليون ريال إضافية وإن هذا يحفز الاقبال على أوراق الدخل الثابت. ولا تستهدف إصدارات الأوراق قصيرة الأجل في الأساس سداد فواتير الحكومة فقد انتهجت حكومة الرئيس حسن روحاني نهجا متحفظا في سياسة الإنفاق وذلك من أجل تثبيت سعر صرف الريال والحد من التضخم.
وبدلا من ذلك تأمل السلطات أن تعمل الإصدارات الحكومية على إقرار وسيلة قياسية لتسعير سندات الشركات ودعم جهود هيئة الأوراق المالية والبورصات وهي الهيئة التنظيمية للقطاع المالي في ايران في التوسع في أنواع أدوات التمويل المتاحة للشركات. وقال زماني الذي شارك في وفد ضم 120 عضوا رافق الرئيس روحاني إلى أوروبا الاسبوع الماضي "نعتقد أن السندات ستخلق سوقا نشطة هذا العام مع رفع قيود التحويلات المالية."
وقد بدأ أصحاب المحافظ الاستثمارية الأجنبية يرسلون المال إلى ايران حتى قبل رفع العقوبات رسميا في يناير كانون الثاني ومن المتوقع أن تشهد الشهور المقبلة تدفقات مالية أكبر. وربما يتجه بعض هذه الاستثمارات إلى أذون الخزانة الايرانية في انتظار فرصة الاستثمار في سوق الأسهم أو في مشروعات مشتركة محلية. وقال زماني إن لكاردان أصولا تديرها قيمتها 650 مليون دولار ارتفاعا من 300 مليون دولار قبل عام وإن الجانب الأكبر من التدفقات الاضافية خصص لأدوات الدخل الثابت.
ويقول البنك إنه يعمل على ثلاث صفقات لأدوات الدين لشركات قيمتها الإجمالية تعادل 90 مليون دولار وذلك في صناعة السيارات ومعالجة المدفوعات وقطاع التصنيع النفطي. وقال مجيد بيره خبير التمويل الاسلامي في قسم الابحاث والتطوير والدراسة الاسلامية في هيئة الأوراق المالية والبورصات إن أغلب الاصدارات الاسلامية في ايران تستخدم صيغة المشاركة في حين أن صيغا أخرى واجهت صعوبات في جذب الصفقات. وقال بيره "قبل ست سنوات فتحنا الباب أمام الإجارة والمرابحة لكن حجم السوق مازال صغيرا."
وبالاضافة إلى عدم وجود وسائل قياسية للتسعير حد من اصدار سندات الشركات عدم وجود وكالات للتصنيف في الجمهورية الاسلامية. وشهدت ايران في يناير كانون الثاني رفع تصنيفها الائتماني السيادي إلى BB- من B+ من خلال شركة كابيتال انتليجنس للتصنيفات التي تتخذ من قبرص مقرا لها. لكن لا تصنيف لايران من أي وكالات التصنيف الثلاث الكبرى ستاندرد اند بورز وموديز وفيتش بحسب رويترز.
في السياق نفسه قال مسؤول رفيع في بنك باساركاد ثاني أكبر بنوك ايران المدرجة في البورصة لرويترز إن البنك يتطلع لزيادة رأسماله والتوسع في الخارج بعد أن تحررت البلاد من ربقة العقوبات. وبعد أن كان القطاع المصرفي الايراني معزولا عن النظام المالي العالمي على مدى سنوات سيصبح الآن عنصرا مهما في مساعي طهران للفوز بتعاقدات مع الشركات الأجنبية وجذب الاستثمارات لتحديث البنية التحتية.
وقال مصطفى بهشتي روي عضو مجلس إدارة البنك إن بنك باساركاد يهدف لزيادة رأسماله بجذب مستثمرين ايرانيين وأجانب والتوسع داخليا بما في ذلك مجال العمليات المصرفية الاستثمارية وإدارة الأصول وكذلك التوسع في الخارج. وقال لرويترز هاتفيا إن البنك يبحث إمكانية بدء نشاط في دول من بينها ألمانيا وأسبانيا وتركيا والصين وإن هذا الوجود قد يأخذ شكل فروع مملوكة له بالكامل أو مشروعات مشتركة مع شركاء محليين في تلك الأسواق أو عمليات استحواذ مباشرة فيها. ويخطط البنك في نهاية الأمر للسعي لإدراج أسهمه في بورصة أجنبية.
وعرض البنك الإطار العام لخططه بعد الاتفاق النووي الذي توصلت إليه ايران مع القوى العالمية وأدى إلى رفع القيود المفروضة على بنوك طهران ليخرج القطاع المصرفي الايراني الكبير من عزلته.
ويتألف القطاع المصرفي في ايران من ثمانية بنوك مملوكة للدولة و19 بنكا خاصا بلغ مجموع أصولها 582 مليار دولار في نهاية عام 2014 وفقا لبيانات البنك المركزي. وللمقارنة تزيد أصول القطاع المصرفي في جنوب أفريقيا على 400 مليار دولار وفي تركيا تبلغ نحو 800 مليار دولار. وايران نفسها هي ثاني أكبر اقتصاد في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بعد السعودية وذلك وفقا لبيانات البنك الدولي وبها ثاني أكبر عدد من السكان في دول المنطقة بعد مصر إذ يبلغ سكانها حوالي 78 مليون نسمة.
ومنذ إطلاق بنك باساركاد عام 2005 ظلت ايران تحت شكل ما من أشكال العقوبات الاقتصادية حتى الشهر الحالي رغم أن البنك يقول إنه لم يكن قط بصفة فردية على أي قائمة غربية للبنوك الخاضعة للعقوبات. ونما نشاط البنك في السوق المحلية وأصبح الآن يحتل المكانة الحادية عشرة بين الشركات المدرجة في بورصة طهران من حيث القيمة المحلية كما أنه ثاني أكبر البنوك المدرجة بعد بنك ملت.
ويقول بهشتي روي إن أصول البنك تبلغ نحو 19 مليار دولار رغم أنه يضيف أن هذا الرقم كان من الممكن أن يصبح 70 مليار دولار لولا انخفاض قيمة الريال مقابل الدولار في السنوات الأخيرة بسبب العقوبات. ويضيف أنه منذ رفع العقوبات هذا الشهر زاد البنك عدد اتفاقات المراسلة مع البنوك الأجنبية إلى مثليه. وتعمل بنوك المراسلة كوكلاء للبنك لتنفيذ معاملات في الخارج. وقال بهشتي روي مشيرا إلى اليوم الذي أكدت فيه الأمم المتحدة هذا الشهر أن ايران وفت بالتزاماتها بموجب الاتفاق النووي "لدينا حوالي 50 (بنك مراسلة) بالفعل. كنا قد تبادلنا الوثائق قبل التنفيذ."
ومع ذلك قال بهشتي روي تظل عقبات قائمة مثل الحصول على الموافقات من بنوك التسوية التي ستساعد في تسوية المعاملات المقومة بالعملات الصعبة. وأضاف "استئناف علاقات المراسلة شيء واستئناف العمل شيء آخر." وتابع أن من المتوقع أن يتحاشي الكثير من البنوك الغربية الكبرى إبرام معاملات في ايران لفترة من الوقت بسبب مخاوفها من العقوبات الأمريكية التي لاتزال سارية على ايران مرددا بذلك تصريحات أدلى بها رئيس بنك الشرق الأوسط المدرج في بورصة طهران لرويترز.
وتمنع العقوبات الأمريكية السارية المواطنين الأمريكيين والبنوك وشركات التأمين الأمريكية من إبرام تعاملات مع ايران كما أنها تمنع إبرام أي تعاملات مع ايران بالدولار الأمريكي من خلال النظام المالي الأمريكي. وقال بهشتي روي إن بنك باساركاد تعامل قبل تشديد العقوبات في السنوات الأخيرة مع عدد من أكبر بنوك أوروبا لكن أيا منها لم يستأنف روابطه مع البنك حتى الآن. وأضاف أن البنك يعتزم مضاعفة رأسمال حملة الاسهم إلى 100.1 تريليون ريال (2.8 مليار دولار بسعر السوق الحرة) في غضون السنوات الثلاث المقبلة من 50.4 تريليون ريال في الوقت الحالي. لكنه لم يحدد الكيفية التي ستتم بها زيادة رأس المال.
وتمت الزيادة السابقة في رأس المال في أغسطس اب من العام الماضي وكان مقدار الزيادة 12 تريليون ريال. وقال بهشتي روي إن من المحتمل أن يكون بنك باساركاد مغريا للمستثمرين الأجانب بسبب تراجع قيمة الريال الذي جعل الأصول الايرانية أرخص بالنسبة لهم. وكان مسؤولون ايرانيون قالوا إنهم سيسمحون بالاستثمار الأجنبي في القطاع المصرفي المحلي. وأظهرت أحدث بيانات مالية على موقع بنك باساركاد على الانترنت إن أصوله بلغت 515 تريليون ريال وخصومه 427 تريليونا في 20 مارس اذار 2015 وأنه حقق أرباحا صافية قدرها نحو 16 تريليون ريال في السنة المنتهية في ذلك التاريخ.
مصرف البحرين المركزي وبنك المستقبل الإيراني
من ناحية اخرى قالت مسؤولة بارزة في مصرف البحرين المركزي لرويترز إن بلادها لم تتخذ قرارا بعد بشأن مصير بنك تملكه إيران ويتخذ من البحرين مقرا له. ووضع مصرف البحرين المركزي بنك المستقبل وشركة التأمين الإيرانية -فرع الشركة في البحرين- تحت إدارته في مايو أيار لحماية حقوق المودعين والمساهمين بحسب قوله لكنه لم يسهب في الحديث عن الأسباب.
وأظهر الإجراء ضعف المصالح التجارية الإيرانية في منطقة الخليج في الأوقات التي تزيد فيها التوترات السياسية. وردا على سؤال حول ما إذا كان المصرف اتخذ قرارا بشأن مستقبل البنك قالت ابتسام العريض رئيس قسم السياسات الرقابية بمصرف البحرين المركزي إن بنك المستقبل ما زال تحت إدارة المصرف المركزي. وقالت العريض على هامش مؤتمر "لم يتخذ قرارا بعد" مضيفة أنه لا يوجد اطار زمني لأي قرار.
اضف تعليق