الازمة المالية الكبيرة التي يعاني منها العراق بسبب انخفاض اسعار النفط ومحاربة تنظيم داعش، لاتزال محط اهتمام واسع خصوصا وان البعض يرى ان هناك تحديات كبيرة تنتظر هذا البلد، الذي يعاني اصلا من مشاكل وازمات كبيرة بسبب غياب التوافقات واستمرار الخلافات السياسية بين الاحزاب والكتل الحاكمة التي تسعى الى تحقيق اهدافها الخاصة فقط، هو ما اسهم بتفشي الفساد وتعطيل القوانين والاجراءات الحكومية.
ويرى بعض الخبراء ان الحكومة العراقية وعلى الرغم من الإجراءات وخطط التقشف التي اعلنت عنها، ربما ستواجه صعوبات وتحديات مالية وسياسية واقتصادية خطيرة، ستؤثر سلبا على ميزانية العامة والخطط الحكومية المعلنة، خصوصا وان العراق يعتمد بشكل أساسي على القطاع النفطي، وهو ما سيجبر حكومة العبادي الى اتخاذ اجراءات وخطط اضافية تتمثل بزيادة تقليص النفقات والاقتراض الخارجي الذي قد يدخل العراق بمديونية ثقيلة ومشكلات اضافية.
وقد رجحت اللجنة المالية النيابية وكما تنقل بعض المصادر مرور العراق بأزمة اقتصادية خانقة خلال العام المقبل. بسبب ارتفاع تكاليف الحرب ضد عصابات داعش فضلاً عن رواتب الموظفين وجولات التراخيص والخدمات, بالإضافة الى احتساب اسعار النفط في الموازنة العامة بقيمة فيها مبالغة، كما اكد رئيس الوزراء حيدر العبادي الذي يزور الصين حاليا، ان انخفاض اسعار النفط سيؤثر على محاربة تنظيم "داعش"، مشيرا الى ان الحكومة قلصت الانفاق الحكومي الى اقصى الدرجات.
وقال العبادي في مقابلة خاصة مع وكالة انباء شينخوا الصينية، اننا نخوض حربا ضد داعش، وموازنتنا انخفضت بنسبة 30% عما كانت عليه قبل الحرب، مبينا اننا نامل ان لا يؤثر انخفاض اسعار النفط على محاربة داعش، لكن بالتأكيد سيؤثر، واضاف العبادي ان "هناك صعوبة كبيرة في الحفاظ على الانفاق، ووضعنا حلولا كثيرة في هذا الاطار وقلصنا الانفاق الحكومي الى اقصى الدرجات، ولكن هناك انفاقا واجبا، جزء من الانفاق الواجب هو الحرب، مشيرا الى اننا علينا ان نديم الحرب مع داعش لكي ننتصر عليه.
ما الجديد في موازنة العراق لعام 2016؟
في هذا الشأن اقر مجلس النواب العراقي موازنة البلاد العامة والبالغة 88,2 مليار دولار على اساس معدل سعر برميل النفط 45 دولارا، وتتضمن الموازنة واردات انتاج نفط اقليم كردستان وكركوك الذي لا يخضع لسيطرة الحكومة المركزية، اضافة الى الوضع في الحسبان امكانية ارتفاع اسعار النفط، الامر الذي قد يؤدي الى قلة الايرادات في حالة عدم تحقق هذا التوقع.
واعلن رئيس البرلمان سليم الجبوري اقرار الموازنة الاتحادية وقال ان "البرلمان ولاول مرة منذ عام 2003 ينجز موازنة متفق قبل حلول العام ومتفق عليها وطنيا". واعتبر الجبوري ما تحقق انجازا صنعه ممثلو الشعب. وتبلغ الموازنة بحسب القانون الذي اقر 105,8 ترليون دينار (88,2 مليار دولار). ويبلغ اجمالي العجز المخطط للموازنة 20,1 مليار دولار، لكن هناك عاملين مهمين قد يقوضان هذا العجز المحتمل.
العامل الاول، هو التكهنات في ارتفاع معدل تصدير النفط ليصل الى 3,6 ويشمل 550 الف برميل يوميا من حقول اقليم كردستان ومحافظة كركوك التي اصبحت بعد هجوم تنظيم داعش تحت ادارة اقليم كردستان. وشرع الاقليم بتصدير النفط بصورة مستقلة عن الحكومة الاتحادية الامر الذي تحتج عليه بغداد باستمرار. اما العامل الثاني هو ارتفاع اسعار النفط في المرحلة المقبلة. بحسب فرانس برس.
واعتمدت الموازنة كذلك على سعر 45 دولارا للبرميل، وهو رقم اعلى من السعر البالغ 36 دولار الذي سجل في تشرين الثاني/نوفمبر. ومع قرار الكونغرس الاميركي الذي ينص على رفع الحظر عن تصدير النفط الذي وضع قبل اربعة عقود، واتخاذ اوبك قرارا ضد خفض الانتاج فانه من المرجح جدا ان تبقى اسعار النفط منخفضة. وتضرر العراق بشكل كبير من انخفاض اسعار النفط، والذي جاء في الوقت الذي يخوض حربا شرسة ضد تنظيم داعش التي سيطرت على مساحات شاسعة من اراضيه في شمال وغرب البلاد.
قروض على وقع الازمات
في السياق ذاته قال البنك الدولي إنه سيقرض العراق 1.2 مليار دولار دعما طارئا لمساعدة البلاد على مواجهة التداعيات الاقتصادية الناجمة عن محاربتها مسلحي تنظيم داعش وهبوط أسعار النفط. وقال فريد بلحاج المسؤول الإقليمي الكبير بالبنك الدولي المعني بالعراق إن القرض المخصص لدعم الموازنة سيصرف على دفعة واحدة وقد تحصل عليه بغداد قبل نهاية العام. واضاف "هاتان الصدمتان -في هذه المرحلة بالذات- تشكلان خطرا على استقرار البلاد" قائلا إن من الضروري الحيلولة دون سقوط العراق في براثن أزمة أكثر عمقا.
وقال بلحاج مدير منطقة الشرق الأوسط في البنك الدولي والتي تضم العراق ولبنان والأردن وسوريا وإيران "سقوط العراق في براثن الفوضى يعني تصاعد الفوضى في الشرق الأوسط. وفي هذه المرحلة بالذات ما من أحد يريد ذلك. فلدينا من الفوضى ما يكفي." وتعتمد المالية العامة للعراق اعتمادا شديدا على إيرادات النفط التي هبطت مع نزول أسعار النفط. في الوقت نفسه زادت بغداد من الإنفاق العسكري في معركتها مع تنظيم داعش الذي قتل وشرد الآلاف ودمر الكثير من المرافق والبنية التحتية.
وقال بلحاج إن العراق تعهد بإجراء إصلاحات اقتصادية لمعالجة الاختلالات الهيكلية التي أصابت اقتصاده حتى من قبل الأزمة الحالية. وأضاف "أحيانا تتيح الأزمات فرصا ونعتقد أن هذه فرصة." ومن بين تلك الإصلاحات بذل جهود لرفع كفاءة الشركات المملوكة للدولة وتحسين الإدارة في قطاع الطاقة وتقليص هيمنة المصرفين التجاريين الحكوميين الرشيد والرافدين لإفساح المجال أمام البنوك الخاصة. وقال بلحاج "للمرة الأولى بدأنا توفير فرص متكافئة في القطاع المالي... هذه انطلاقة كبيرة حقا بعد سنوات من الاحتكار."
وأشار أيضا إلى ضرورة حفاظ العراق على وتيرة هذه الإصلاحات واستمراره في ضبط المالية العامة حتى وإن استقر الوضع الاقتصادي. وأضاف "عندما يعود سعر النفط في المستقبل إلى مستويات مقبولة لدى العراقيين فعليهم ألا يفقدوا الحافز للاستمرار في تلك الإصلاحات." ويرفع القرض الجديد إجمالي قروض البنك الدولي للعراق إلى نحو ملياري دولار بما في ذلك 355 مليون دولار لتحسين سلامة الطرق والمواصلات و350 مليون دولار جرى الاتفاق عليها في يوليو تموز لدعم إعادة إعمار المناطق المتضررة من أعمال عنف تنظيم داعش.
وقال بلحاج "ذهبنا إلى الميدان ورأينا الوضع.. إنه (وضع) مريع. مناطق قد احتلت ودمرت وسكان يفرون من بيوتهم." والهدف من القرض الطارئ هو المساعدة في إعادة البناء واستعادة الخدمات الأساسية للمواطنين. وقال بلحاج "حتى الآن يلبي المشروع بالفعل أهدافنا الأولية بل ويتجاوزها بعضها."
الى جانب ذلك قال صندوق النقد الدولي في بيان انه اتفق مع السلطات العراقية على ان يراقب الصندوق سياسات بغداد الاقتصادية كأساس لبرنامج تمويل محتمل في 2016 . وقال كريستيان جوتش رئيس بعثة الصندوق إلى العراق أن الجانبين اتفقا على برنامج مراقبة لخبراء الصندوق يهدف إلى كبح الانفاق وخفض العجز في ميزانية العراق الذي من المتوقع أن يقترب من 12 بالمئة من النشاط الاقتصادي العام القادم.
وأضاف جوتش أن هذه الخطوة "ستسمح للسلطات العراقية ببناء سجل مسار من أجل اتفاق محتمل للتمويل مع الصندوق." وأبلغ مسؤول بارز بصندوق النقد ان القرض الجديد سيكون أكبر "عدة مرات" من التمويل الطاريء البالغ 1.24 مليار دولار الذي وافق الصندوق على تقديمه في يوليو تموز. وأي قرض كبير من صندوق النقد للعراق سيأتي بشروط مثل خطوات من بغداد لخفض دعم اسعار الطاقة وإصلاح المشاريع المملوكة للدولة وهى خطوات قد تكون صعبة على الصعيد السياسي. بحسب رويترز.
ويجد رئيس الوزراء حيدر العبادي صعوبة بالفعل في الحفاظ على الدعم لاصلاحات سياسية أعلنها في اغسطس اب تهدف الي تقليل الفساد والهدر. وقال جوتش ان صندوق النقد يتوقع ان يسجل الناتج المحلي الاجمالي للعراق نموا 1.5 بالمئة هذا العام بفعل زيادات في انتاج النفط وان يرتفع العجز في ميزان المعاملات الجارية الى 7 بالمئة من الناتج المحلي الاجمالي. وتوقع ان احتياطيات العراق من النقد الاجنبي التي بلغت 59 مليار دولار ستنخفض لكنها ستبقى عند مستوى يكفي لتغطية تسعة اشهر من الواردات.
سندات دولية
على صعيد متصل قال محافظ البنك المركزي العراقي إن العراق ينوي إصدار سندات دولية بملياري دولار في 2016 بضمان من البنك الدولي لما يصل إلى نصف ذلك المبلغ. وتأتي الخطوة بعد أن أجبرت العائدات المرتفعة الحكومة على وقف إصدار سندات في وقت سابق هذا العام. وتوقع المحافظ علي العلاق أن يكون عائد السندات الجديدة "أقل كثيرا" من العائد البالغ 11.5 بالمئة الذي طلبه المستثمرون خلال جولة ترويجية بأوروبا والولايات المتحدة في سبتمبر أيلول لكنه لم يتكهن بالمزيد.
وقال العلاق "ستبلغ القيمة ملياري دولار لكن (البنك الدولي) سيضمن ولنقل 40 أو 50 بالمئة.. سيفتح ذلك السوق أكثر - سيجعلها أوسع - لجذب مزيد من المستثمرين." وقال إن بغداد وضعت السندات في حساباتها لميزانية العام القادم لتمويل عجز يقدر بنحو 21 مليار دولار. وكانت العائدات بالغة الارتفاع التي طلبها المستثمرون لإصدار سندات بملياري دولار في وقت سابق هذا العام ستفرض عبئا ماليا ثقيلا على العراق عضو منظمة أوبك.
وقالت بغداد التي تقاتل تنظيم داعش وتعاني من انكماش إيرادات النفط بسبب تراجع أسعار الخام إنها بحاجة إلى حصيلة السندات لدفع الأجور وتمويل مشاريع البنية التحتية في قطاعات النفط والغاز والكهرباء والنقل. وعين العراق ثلاثة بنوك عالمية كبرى لترتيب الإصدار هي سيتي جروب ودويتشه بنك وجيه.بي مورجان تشيس لكن مستثمرين كثيرين من المؤسسات أحجموا بسبب المخاطر.
وقال مصدر قريب من العملية إن الحكومة طلبت من البنوك نفسها ترتيب جولة ترويجية لإصدار العام القادم. وقال مضر صالح المستشار الاقتصادي الكبير لرئيس الوزراء حيدر العبادي إن العائد سيتوقف على مدى مشاركة البنك الدولي. وأوضح أن ضمان 75 بالمئة على سبيل المثال سينزل بالعائد إلى خمسة أو ستة بالمئة. ولم يذكر تقديرا لضمان 40 إلى 50 بالمئة. بحسب رويترز.
وتعطي ستاندرد اند بورز العراق تصنيفا ائتمانيا يبلغ B- أي ست درجات تحت مستوى الاستثمار بسبب ما تقول إنه المخاطر الأمنية والمؤسسية التي تعد من بين الأعلى لأي من تصنيفاتها الائتمانية ليتساوى بذلك مع مصر ويعلو فوق اليونان.
معركة أوبك
من جانب اخر تحتدم معركة الدفاع عن الحصة السوقية بين روسيا وأعضاء منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك) في أوروبا حيث حل العراق محل السعودية كثاني أكبر مصدر للنفط إلى أوروبا واستعدت إيران بقائمة من مشتري خامها تأهبا لرفع العقوبات عنها. ونقلت وكالة الطاقة الدولية عن مصادر في السوق قولها إن طهران ستستطيع بيع ما لا يقل عن 400 ألف برميل إضافي يوميا لمشترين في آسيا وأوروبا حالما ترفع عنها العقوبات. وقالت الوكالة "لهذا السبب من المرجح أن يستمر احتدام التنافس على السعر بين المنتجين."
وانتزعت روسيا حصصا سوقية من أوبك في كثير من أسواق آسيا بفضل خط أنابيب يمتد إلى المحيط الهادئ والصين. وخلق هذا التحول فرصا للمنافسين في الأسواق الأوروبية التي كانت تهيمن عليها روسيا وباعت السعودية هذا العام خاما لشركات تكرير بولندية وسويدية. وقالت الوكالة "بينما تركز العناوين على التنافس بين روسيا والسعودية على المكانة في القارة سحب العراق البساط من تحت أقدام منافسيه الإقليميين."
وتستورد أوروبا أكثر من تسعة ملايين برميل يوميا من الخام من خارج المنطقة وتشكل الخامات التي تحتوي على نسبة عالية من الكبريت أكثر من ستة ملايين برميل من تلك الكمية. وعلى الرغم من أن خام الأورال الروسي ما زال يهيمن بحصة تبلغ نحو 55 بالمئة إلا أن العراق فاز بحصة سوقية كبيرة منذ عام 2012 بعد تشديد العقوبات على إيران بحسب وكالة الطاقة. وقبل أن يحظر على إيران بيع النفط لأوروبا في 2012 كانت طهران تبيع نحو مليون برميل يوميا من الخام العالي الكبريت.
ومنذ منتصف 2014 ارتفع إجمالي حجم صادرات العراق نحو 40 بالمئة إلى أكثر من ثلاثة ملايين برميل يوميا وبلغ حجم مبيعاته لأوروبا مليون برميل يوميا في شهري يوليو تموز وأغسطس آب لترتفع حصته السوقية إلى 17 بالمئة وهو ما سمح له بالتفوق على السعودية وفقا لما ذكرته وكالة الطاقة. ونتيجة للمعارك الدائرة على الحصة السوقية ازدادت تخمة المعروض من النفط في أوروبا.
وقالت وكالة الطاقة الدولية "أسواق الخام العالي الكبريت على وجه الخصوص تبدو متخمة بالمعروض مع اتساع الفوارق السعرية مع الخامات المنخفضة الكبريت. فأوروبا تشهد وفرة في الخامات العالية الكبريت المتنافسة من (دول) الاتحاد السوفيتي السابق والشرق الأوسط بينما ظل الخام الأمريكي العالي الكبريت مكبوحا بسبب صيانة المصافي."
على صعيد متصل قالت وزارة البترول المصرية إن وزير البترول طارق الملا وقع مذكرة تفاهم مع العراق والأردن تزود بغداد بموجبها الأردن ومصر بالمواد البترولية والغاز. وقال الملا في البيان إنه جرى الاتفاق على "تزويد الأردن ومصر بفائض الزيت الخام والغاز الطبيعي العراقي فضلا عن تصدير الغاز العراقي عبر الأردن ومصر من خلال خط الغاز العربي. هناك توافر طاقات انتاجية فائضة من الزيت الخام والغاز العراقي." بحسب رويترز.
ولم يحدد البيان الكميات المستهدف الحصول عليها من العراق. وتعتمد مصر بكثافة على الغاز في تشغيل محطات توليد الكهرباء التي تستخدمها المنازل والمصانع. وقال الملا إنه جرى الاتفاق أيضا على "دراسة الآلية المناسبة لتصدير الزيت الخام العراقي لكل من مصر والأردن من خلال تنفيذ مشروع خط أنابيب من الحديثة إلى العقبة." وتعاني مصر من ارتفاع فواتير الطاقة بسبب الدعم الكبير للوقود الذي حول البلد البالغ الذي يقترب عدد سكانه من 90 مليون نسمة من مصدر صاف للطاقة إلى مستورد صاف لها خلال السنوات القليلة الماضية.
اضف تعليق