الاتفاق النووي الذي أبرم مؤخراً بين إيران والدول الست الكبرى، لايزال محط اهتمام واسع خصوصا وان هذا الاتفاق المهم والتاريخي كما يقول بعض الخبراء، ستكون له الكثير من نتائج المهمة التي تخص الجانب الاقتصادي، خصوصا وان إيران التي عانت من عقوبات اقتصادية على مدى سنوات، قد أصبحت اليوم محط اهتمام متزايد لدى الكثير من دول العالم التي تسعى الاستفادة من هذه الفرصة القيمة، لأجل تحقيق مصالحها الخاصة في هذا البلد الذي يعد بيئة مغرية اقتصاديا للعديد من الشركات التي سارعت الى رسم خططها المستقبلية والعمل على حجز موقع يؤمن لها الحصول على فرص استثمارية في الأسواق الإيرانية.
ويرى بعض المراقبين ان كل المؤشرات الحالية تشير الى ان ايران ستكون شريك فاعل مؤثر علی المستوی الاقتصادي العالمي وستشهد نسبة نمو کبيرة جدًا، ومع رفع العقوبات ستتمكن ايران من استعادة أصولها المجمدة في البنوك الأجنبية والتي تقدر بحوالي 100 مليار دولار كما أن القيود المفروضة سترفع في جميع المجالات بما في ذلك الاستثمار في النفط والغاز وتنشط التجارة الإيرانية .
من جانب اخر قلل بعض الخبراء من هذا التفاؤل المبكر، مؤكدين في الوقت ذاته على ان الاقتصاد الإيراني الذي تأثر كثيرا بسبب العقوبات الدولية، ربما يحتاج الى فترة طويلة لتعافي، يضاف الى لك المشكلات الأخرى التي قد تترتب مستقبلا، خصوصا مع عدم وجود خطط وآراء موحدة بهذا الشأن من جانب إيران، حيث يؤكد البعض على ضرورة ان تتخذ الحكومة الإيرانية خطوات أساسية أخرى لتحويل اتجاه الاقتصاد وإجراء اصطلاحات مهمة لدفع عجلة الإنتاج ، في سبيل تلافي هذه المشكلات وهو ما قد يعارضه البعض.
الاستفادة من الاتفاق
وفي هذا الشأن فقد تسابق عدد من المستثمرين لتأسيس صناديق للاستثمار في ايران في أعقاب الاتفاق النووي وبدأ كثيرون غيرهم السعي لتحقيق مكاسب عن طريق شركات متعددة الجنسيات لها وجود بالفعل في الاقتصاد الايراني الذي يبلغ حجمه 400 مليار دولار. ودفع الاتفاق النووي البعض للسعي لايجاد موطيء قدم في بورصة طهران التي تبلغ قيمة الأسهم المتداولة فيها 100 مليار دولار حتى قبل رفع العقوبات المفروضة عليها رغم أن آخرين يتوخون قدرا أكبر من الحذر.
وايران مصنفة على أنها دولة ذات دخل أعلى من المتوسط ويزيد ناتجها المحلي السنوي عن ناتج تايلاند أو الإمارات. وستصبح ايران أكبر اقتصاد يعود إلى النظام التجاري والمالي العالمي منذ تفكك الاتحاد السوفيتي قبل أكثر من 20 عاما. وتتنبأ شركة رينيسانس كابيتال للوساطة المالية بأن مليار دولار أمريكي ستتدفق على ايران في السنة الأولى بعد وقف العمل بالعقوبات رغم أنه ليس من المرجح أن يحدث ذلك قبل شهور وربما لا يحدث دفعة واحدة.
وبدأت شركة فرست فرانتير كابيتال ليمتد إجراءات تأسيس صندوق استثماري يعمل بما يتفق مع العقوبات السارية ومكرس للاستثمار في ايران على أمل أن تتيح للمستثمرين تكوين مراكز مالية في بورصة طهران قبل رفع العقوبات. وقال ريتشارد أدلي الرئيس التنفيذي المشارك للشركة "هذه سوق استثمارات الكل فيها أقل من المطلوب ومن الواضح أن أموالا كثيرة ستتدفق عليها -- أموال ساخنة (باحثة عن الربح السريع) في البداية ثم تأتي غيرها أيضا."
ويعتزم أدلي إطلاق الصندوق خلال الشهرين المقبلين ويأمل باستثمار 100 مليون يورو فيه بنهاية العام. وقال أدلي الذي يقدر أن قيمة الاسهم رخيصة تعادل خمسة أو ستة أمثال الأرباح "ثم إن هناك فجوة كبيرة في التقييمات هناك. وهناك الكثير الذي يتعين على ايران بذله للحاق بالآخرين عندما تنظر إلى الأسواق المبتدئة أو الناشئة الأخرى." وشركة فرست كابيتال ليست وحدها في ذلك المسعى. ففي ابريل نيسان أعلنت شركة شارلمان التي تعمل انطلاقا من بريطانيا أنها تعاونت مع شركة تركواز بارتنرز الايرانية التي تتخذ من طهران مقرا لها لتأسيس صناديق للاستثمار في الأوراق المالية الايرانية.
ويستعد آخرون مثل خالد عبد المجيد من شركة مينا كابيتال للاستثمار لكنهم يخشون أن يكون تكريس صندوق لدولة بمفردها محفوفا بمخاطر أكثر مما يجب في المرحلة الحالية. ويهدف عبد المجيد بدلا من ذلك لاستثمار جزء من الأموال التي تديرها شركته في الأسهم الايرانية بمجرد رفع العقوبات. وقال "في الوقت الحالي قد تكون سهلة التسويق لكنها ستصبح في وقت ما باهظة التكلفة." وأضاف أن الشركة بدأت البحث عن شركاء محليين مناسبين في طهران. وقال "كذلك ثمة مخاطرة كبيرة في الصفقة التي تم الاتفاق عليها والنظام نفسه ليس مستقرا بما يكفي للبقاء 50 عاما أخرى."
وتحدثت شركتا رينيسانس كابيتال واكسترات للاستشارات الاستثمارية عن زيادة حادة في الطلب على الأبحاث المرتبطة بايران من جانب مديري الأصول الذين يستعدون لهذه القفزة. وبلغ عدد الأسهم المتداولة في بورصة طهران في 12 يوليو تموز وفق أحدث البيانات المتاحة على موقعها على الانترنت نحو 780 مليون سهم قيمتها نحو 64.2 مليون دولار. وقال أشا مهتا مدير المحافظ بشركة أكاديان لإدارة الأصول في بوسطن إن ايران تتطابق مع السعودية في أن سوقيهما تتسمان بالتنوع ولهما أهمية جيوسياسية إلى جانب خصائص سكانية مغرية وشعوب مستقرة. وتدير شركته أصولا قيمتها 500 مليون دولار في أسواق مبتدئة لحساب مؤسسات استثمارية.
وقالت جوانا آرثر مديرة منتجات الاستثمار في الأسهم بشركة آشمور في لندن إنه رغم عدم استكمال ترتيبات التداول وغيرها بالنسبة للاستثمارات المباشرة فمن المحتمل أن تستفيد الشركات العالمية التي لها نشاط بالفعل في ايران على الأقل في الأجل القصير حتى تسقط القيود السارية. وللشركة استثمارات تقدر بنحو 1.2 مليار دولار في استراتيجيات الأسواق المبتدئة. وقال لاري سيروما مدير المحافظ بصندوق نايل جلوبال فرانتير الذي تبلغ قيمة استثماراته 434 مليون دولار إنه يتوقع أن تصبح ايران في نهاية المطاف "وجهة" لهذا الصندوق.
وفي الوقت نفسه فهو يتمسك بشركات مثل إم.تي.إن لشبكات الهواتف المحمولة في جنوب افريقيا التي تملك 49 في المئة من شركة ايران سل ثاني أكبر شركات تشغيل الهواتف المحمولة في ايران. وفي ابريل نيسان الماضي قالت مجموعة إم.تي.إن لمستثمريها إنها تتوقع إعادة نحو مليار دولار من التوزيعات المتراكمة وكذلك رد قرض من وحدتها الايرانية التي تجمد نشاطها بفعل العقوبات الدولية وذلك بمجرد استكمال اجراءات الاتفاق النووي.
وتعتبر شركات الهاتف المحمول متعددة الجنسيات وشركات تصنيع السيارات وشركات الضيافة في أفضل وضع للاستفادة من رفع العقوبات. وقال بنك أوف أمريكا ميريل لينش إنه يرى في تركيا والامارات العربية المتحدة دولتين يرجح استفادتهما من التجارة الخارجية لايران التي قد يزيد حجمها إلى 200 مليار دولار بحلول عام 2020 من 80 مليار دولار في الوقت الحالي.
وقال بنك أوف أمريكا ميريل لينش إن من المرجح أن تأتي الزيادة في الواردات من قطاعات الآلات والسيارات والحديد والصلب والمواد الغذائية والسلع الاستهلاكية. كذلك من المحتمل أن يشهد قطاع العقار والضيافة تدفقا من الأموال والزائرين من ايران. والشركات التي يحتمل أن تستفيد في الأجلين القصير والمتوسط وفقا لما قاله البنك هي شركة إعمار العقارية وتوبراش التركية لتكرير النفط وشركة سايبم الايطالية للخدمات النفطية وشركة سافولا السعودية.
ومن بين شركات السيارات شركة توفاش تورك اوتوموبيل فابريكاسي وشركة دوجوس اوتوموتيف التركيتان إلى جانب شركتي رينو وبيجو الفرنسيتين. وربما يصبح احتياج ايران لتطوير أسطولها من الطائرات فاتحة خير على شركة امبراير البرازيلية وشركة ايرباص الاوروبية وشركة بوينج الأمريكية. بحسب رويترز.
ومن الشركات التي يرجح أن تتحرك بسرعة لدخول السوق الايرانية شركات الاستثمار المباشر وذلك بتملك حصص مباشرة في شركات عاملة أو بتوفير تمويل لشركات تتطلع للتوسع وذلك من أجل الاستفادة من ارتفاع نسبة الشباب والمتعلمين بين السكان. وقال محللون إن من المرجح أن يؤدي ذلك إلى المزيد من عمليات طرح الأسهم من جانب الشركات بمجرد أن تصبح ايران مفتوحة بالكامل أمام المستثمرين الدوليين. وقال ايه.جيه مديراتا الرئيس المشارك في شركة جريلوك كابيتال مانجمنت المتخصصة في سندات الأسواق الناشئة في نيويورك "شركات مثل شركتنا بدأت الآن تبحث في دفاترها القديمة. توجد أصول كثيرة ستحتاج لإعادة هيكلتها."
تعزيز الاستثمار
في السياق ذاته عرضت إيران بيع موجودات وحصص مملوكة للدولة إلى الأجانب وقالت إنها ستقلص دور الحكومة في الاقتصاد ووعدت باتباع سياسة نقدية صارمة في إطار سعيها إلى اجتذاب مليارات الدولارات من الاستثمارات من الخارج بعد أكثر من عشر سنوات من العزلة. وفي مؤتمر أعمال في فيينا وهو الأول من نوعه منذ الاتفاق التاريخي الذي أبرم بين طهران والقوى العالمية بشأن برنامجها النووي شرح مسؤولون إيرانيون كبار حزمة السياسات الاقتصادية التي ترمي إلى اجتذاب الاستثمار الأجنبي.
وتبدو هذه السياسات مؤيدة لحرية السوق على نحو يثير الدهشة. وإذا تم تنفيذها فإنها قد تساعد الاقتصاد الإيراني على تجاوز القيود الصارمة والتدخل الواسع للدولة في الاقتصاد الذي أعقب الثورة الإسلامية عام 1979. وقال وزير الصناعة والمناجم والتجارة الإيراني محمد رضا نعمت زادة "الحكومة والبرلمان يحاولان إزالة كل المعوقات في طريق حرية الاستثمار ومن أجل تقليص تدخل الحكومة في الاستثمار الخاص."
وقال مسؤولون في المؤتر ان طهران حددت نحو 50 مشروعا في قطاعات النفط والغاز قيمتها 185 مليار دولار تأمل التعاقد عليها بحلول عام 2020. وقال نعمت زادة إن بلاده تتوقع الانضمام مجددا إلى نظام جمعية الاتصالات المالية العالمية بين البنوك (سويفت) للمدفوعات الإلكترونية بعد ثلاثة أشهر من رفع العقوبات المفروضة عليها نتيجة لاتفاقها النووي مع القوى الكبرى. وقال نعمت زاده في مؤتمر صحفي في فيينا إن رفع العقوبات عن طهران سيسهل على الشركات الأجنبية المشاركة في عمليات الخصخصة المقررة لشركات إيرانية مملوكة للدولة.
وقال إن الأجانب الآن سيكون مرحبا بهم لدخول الاقتصاد الإيراني من خلال المشروعات المشتركة ومنها القطاع المصرفي والاستثمار المباشر مثل المشاركة في مزايدات لشراء حصص في شركات حكومية. وأضاف أن شركة النفط الوطنية الإيرانية لن تباع ولكن شركات البتروكيماويات والتكرير قد يتم خصخصتها جزئيا وأذن البرلمان ببيع موجودات أو مشروعات مثل المستشفيات والمدارس والطرق البرية.
وكانت الحكومة باعت خلال العشرة أعوام الماضية حصصا في شركات حكومية مقابل عشرات المليارات من الدولارات لكن برنامجها للخصخصة لم يكن فعالا بشكل كامل لأن معظم الحصص التي بيعت انتقلت إلى أيدي هيئات مرتبطة بالدولة مثل صناديق معاشات التقاعد والمؤسسات. ويعتقد مصرفيون إيرانيون أنه إذا سُمح للمستثمرين الأجانب بدخول الجمهورية الإسلامية فإن الأمر سينتهي بشرائهم موجودات وحصصا من صناديق ومؤسسات تعاني شح السيولة لاستكمال عملية الخصخصة.
وخلال سنوات العقوبات كانت الحكومة في أغلب الأحيان تفضل الشركات الحكومية على الشركات الخاصة في عملية الخصخصة. وقال نعمت زادة إن هذا الأمر سينتهي وإن البرلمان وافق على أن تعامل كل الشركات معاملة ضريبية متساوية. وحتى تحقق الشركات التي يتم خصخصتها النجاح قد يتعين عليها تقليص الأيدي العاملة. وقد يضعها هذا في طريق تضارب مع القواعد العمالية الصارمة في إيران وهي من ميراث الثورة ويزيد نظام قضائي معقد لا يمكن التنبؤ به من المخاطر التي تواجهها الشركات الأجنبية.
ولم يصف مسؤولون إيرانيون في المؤتمر تفاصيل أي خطط لإصلاحات عمالية أو قانونية وهي مسألة تنطوي على حساسيات سياسية وقد تؤدي إلى خسارة الرئيس حسن روحاني بعض التأييد الشعبي الذي لقيه مع إبرام الاتفاق النووي. غير أن المسؤولين شرحوا خططا لاتباع سياسات مالية ونقدية متحفظة قد تطمئن المستثمرين. وأحد المخاطر الاقتصادية الكبيرة التي ستواجهها إيران بعد رفع العقوبات هو كيفية الحفاظ على استقرار الاقتصاد مع عودة تدفقات مالية كبيرة إلى البلاد وتسارع خطى النمو.
ويطالب البعض في أوساط الأعمال في إيران بتخفيضات لأسعار الفائدة لمساعدتهم على المنافسة في الأسواق الأجنبية وخفض قيمة العملة لمساعدة المُصدِّرين. ولكن مثل هذه الخطوات قد تذكي معدل التضخم التي استطاعت السلطات أخيرا خفضه إلى نحو 16 في المائة من أكثر من 40 في المائة قبل عامين. وقال نائب محافظ البنك المركزي أكبر كوميجاني إن السلطات ستواصل العمل لخفض معدل التضخم حتى يصل إلى خانة الآحاد بنهاية السنة الفارسية القادمة التي تبدأ في 21 من مارس آذار.
وقال أيضا إنه يجب على إيران النزول بمعدل التضخم إلى خانة الآحاد قبل ان يمكن خفض أسعار الفائدة دون 20 في المائة وهو تلميح إلى أنه من غير المتوقع اتخاذ خطوة في اي وقت قريبا للتيسير النقدي. وأثار المسؤولون الإيرانيون إعجاب رجال الأعمال الأجانب في المؤتمر بحديثهم عن الاقتصاد بشفافية وصراحة أكبر مما عهدوه منهم في سنوات العقوبات حينما كان المسؤولون يشعرون أن الكشف عن المعلومات سيضعف قدرة إيران على حماية نفسها من العقوبات.
وذكر نعمت الله زادة أرقاما محددة نسبيا عن احتياطات النقد الأجنبي لإيران قائلا إن البنك المركزي يملك ما بين 115 مليار دولار و125 مليار دولار وصندوق الثروة السيادية ما بين 20 مليار دولار و25 مليارا والشركات والمؤسسات الحكومية ما بين خمسة مليارات و10 مليارات دولار. وكانت العقوبات الغربية تسببت في تجميد جزء كبير من هذه الأموال في حسابات خارجية وقال كوميجاني إن الأموال المجمدة تبلغ إجمالا 29 مليار دولار. بحسب رويترز.
واستدرك بقوله انه بدلا من إعادة هذه الأموال على الفور إلى إيران حينما ترفع العقوبات فإن البنك المركزي سيبقي بعضها في حسابات في الخارج حتى تظهر حاجة اليها لتمويل مشروعات استثمار محلية. وخطوة كهذه قد تعزز ثقة المستثمرين بكشفها أن طهران على يقين بأن الاتفاق النووي سيصمد ويتم الالتزام به.
الـ100 مليار دولار
الى جانب ذلك ربما تبدو مهمة إنفاق 100 مليار دولار مشكلة مستحبة غير أنها في واقع الأمر واحدة من مشاكل السياسة الاقتصادية العديدة التي تلوح في أفق الرئيس الايراني حسن روحاني بعد الاتفاق النووي الذي أبرمه وما جلبه من وعود برفع العقوبات المكبلة للاقتصاد. فسيضطر روحاني وحكومة الخبراء التي عينها لإدارة طفرة في التجارة والاستثمار دون زعزعة استقرار الاقتصاد وكذلك إقرار إصلاحات لجذب رؤوس الأموال الأجنبية دون التسبب في رد فعل سياسي معاكس في الداخل.
وقد بدأ قادة قطاع الأعمال بالفعل يطلقون التحذيرات من المخاطر ويشير الأداء الضعيف لأسواق المال منذ تم التوصل إلى الاتفاق إلى أنهم يرون المخاطر المحدقة إذ لم يكد الريال الايراني يتحرك كما أن سوق الأسهم المحلية شهدت تراجعا. وقال يحيى آل اسحاق رئيس غرفة طهران للتجارة والصناعة والمناجم والزراعة "ما بين 15 و 30 في المئة فقط من مشاكلنا الاقتصادية ترجع إلى العقوبات. أما نسبة السبعين في المئة الباقية فسببها سوء الإدارة. ولذلك فإن رفع العقوبات لن يكون نهاية لمشاكلنا." وقال "ايران لن تصبح جنة عدن بعد العقوبات."
وربما تكون إدارة التدفقات المالية العائدة إلى البلاد من الخارج أول التحديات التي ستواجه فريق روحاني. ويقول مسؤولون أمريكيون إن ايران سيتاح لها التصرف في أكثر من 100 مليار دولار من الأرصدة المجمدة في الخارج أي ما يعادل ربع ناتجها السنوي. وقد يبدأ تدفق الأموال قرب نهاية العام الجاري بعد أن يؤكد المفتشون الدوليون التزام ايران بالاتفاق. والحكومة في أمس الحاجة لهذه الأموال لسداد التزاماتها وإقامة مشروعات للبنية التحتية لكن ضخ هذه الأموال في الاقتصاد سيكون مهمة صعبة.
وسيتعرض المسؤولون لضغوط سياسية هائلة لتسريع معدلات النمو ورفع مستويات المعيشة. وفي الوقت نفسه من المحتمل أن يتسبب إنفاق الاحتياطيات بسرعة في اختناقات في الاقتصاد الايراني المتعثر وينذر بارتفاع آخر في التضخم الذي لم تستطع السلطات خفضه إلا في الآونة الأخيرة فتراجع إلى نحو 16 في المئة من أكثر من 40 في المئة قبل عامين. وقال آل اسحاق "الإفراج عن أرصدتنا فرصة كبيرة لكن إذا أسيء إدارة هذه الأموال فقد يكون الضرر الناجم أسوأ من العقوبات نفسها."
وربما يستجيب الايرانيون العاديون لجو التفاؤل الجديد بإعادة مدخراتهم إلى الريال بعد أن حولوها بمليارات الدولارات للعملات الأجنبية والذهب عندما كان الريال ينهار خلال سنوات العقوبات. وسيفرض ذلك ضغوطا صعوديه على العملة الايرانية التي تبلغ الآن 32700 ريال مقابل الدولار في السوق الحرة ويجبر السلطات على اتخاذ قرار صعب لتحديد المدى الذي يريدونه لقوة العملة.
ومن شأن ارتفاع الريال الحد من التضخم وربما يسعد الطبقات المتوسطة في ايران من خلال تسهيل شراء السلع الاستهلاكية الأجنبية والسفر للخارج. أما ضعف العملة فسيعمل على تنشيط الصادرات خاصة في القطاع الزراعي ويؤدي لخلق فرص عمل. ولكل من الخيارين مناصرون أقوياء في ايران.
وقال مدير تنفيذي في شركة بقطاع التكنولوجيا في طهران رفض نشر اسمه بسبب حساسيات سياسية معلقا على سياسة النقد الايرانية "السؤال المطروح هو ما إذا كان روحاني يريد استراتيجية قصيرة الأجل للفوز في الانتخابات المقبلة من خلال تخفيض معدل التضخم أو ما إذا كان يريد التفكير في الأجل الطويل وتحقيق إنجاز ما فيما يتعلق بالكساد." ولحرص المصدرين الايرانيين على العودة إلى الأسواق الخارجية بعد رفع العقوبات فهم يريدون من البنك المركزي مساعدتهم على المنافسة بخفض أسعار الفائدة في البنوك التي مازالت أعلى من 20 في المئة.
ومع ذلك يرفض البنك المركزي تقديم تيسيرات سريعة وربما يظل على هذا الحال حتى بعد رفع العقوبات. فمع تدفق الأموال على ايران وتسارع معدلات النمو من الممكن أن يؤدي الخفض السريع في أسعار الفائدة إلى تكون فقاعات في أسواق الأصول. وسيواجه فريق روحاني مواقف مماثلة وهو يحاول جذب رأس المال الأجنبي والتكنولوجيا من الخارج إلى ايران وهو ما يمثل جانبا رئيسيا في الاستراتيجية الاقتصادية للحكومة فيما بعد العقوبات.
وتضع الخطة الخمسية للفترة 2016-2021 تصورا لاستثمارات قدرها 361 مليار دولار لتحقيق معدل نمو سنوي يبلغ ثمانية في المئة على أن يتحقق أكثر من 40 في المئة من هذا المبلغ من مصادر خارجية. غير أن ايران غير مستعدة لا لإغراء الاستثمارات الأجنبية بالقدوم ولا للاستفادة منها إذا جاءت. فقوانين العمل الصارمة التي كانت من نتائج الثورة الاسلامية لعام 1979 تجعل من الصعب الاستغناء عن العاملين كما أن النظام القانوني المتقلب يزيد المخاطر التي تواجه الشركات الأجنبية. بحسب رويترز.
ويتحدث المسؤولون عن إصلاح اللوائح التي تنظم سوق العمل وقطاع الأعمال لزيادة جاذبيتها للمستثمرين لكن هذه المهمة ستكون لها حساسيتها السياسية خاصة إذا ظهر أن الحكومة تساعد الشركات الأجنبية التي تتمتع بسيولة عالية على الفوز بحصة من السوق من الشركات الايرانية التي أضعفتها العقوبات. وقال آل اسحاق إن الاجانب "عطشى للسوق الايرانية. ومن الممكن أن تفلس مصانعنا المحلية في هذه الموجة." وللتصدي لهذا الإحساس من المتوقع أن تشترط الحكومة على كبار المستثمرين الأجانب نقل التكنولوجيا إلى الشركات الايرانية والحصول على قدر كبير مما تحتاج إليه من مواد من السوق المحلية. لكن هذا قد يحد من جاذبية ايران في عيون الأجانب.
وأشار محافظ البنك المركزي الايراني الي ان طهران حريصة على كبح أي زيادة في سعر صرف عملتها الريال نتيجة التفاؤل بشأن رفع العقوبات الاقتصادية بعد اتفاقها النووي مع القوى الست الكبرى. وذكرت وكالة الانباء العمالية الايرانية (ايلانا) ان محافظ البنك المركزي ولي الله سيف أبلغ الصحفيين بعد اجتماع لمجلس الوزراء "شهدنا انخفاضا طفيفا في سعر الدولار بعد الاتفاق النووي لكن هذا لن يستمر في الاجل الطويل."
وفي ايران حاليا سعران للصرف الاجنبي هما سعر السوق الحرة وسعر رسمي يستخدم لبعض صفقات الدولة ويبلغ الان 29499 ريالا مقابل الدولار. وفي الاشهر القليلة الماضية عمد البنك المركزي الي زيادة السعر الرسمي لتقليص الفجوة بين الاثنين. وقال إنه يريد القضاء على الفارق كلية لجعل الاقتصاد اكثر كفاءة بوضع شركات القطاع الخاص على قدم المساواة مع مؤسسات الدولة.
وقال سيف إن البنك المركزي سيحتاج خمسة الى ستة اشهر بعد تنفيذ الاتفاق النووي لتوحيد سعر الصرف. واضاف قائلا "الاستعدادات بدأت بالفعل." وسيجري تنفيذ الاتفاق النووي عندما تتحقق الوكالة الدولية للطاقة الذرية من ان ايران تفي بالشروط المطلوبة منها في الاتفاق. وقال محمد باقر نوبخت المتحدث باسم الحكومة "تنفيذ سعر صرف موحد أسهل على الحكومة عندما يكون لديها احتياطيات كافية من النقد الاجنبي حتى لا تتسبب صدمة للسوق في تعطيل السياسة."
النفوذ الاقتصادي
على صعيد متصل يبدو أن الأموال التي ستتدفق نتيجة تخفيف العقوبات بعد إبرام الاتفاق النووي بين إيران والقوى العالمية ستوجه بالأساس الى إنعاش اقتصادها وليس لتعزيز وضعها بالمنطقة. ويقول منتقدو الاتفاق ومنهم معظم دول الخليج العربية وإسرائيل إن إيران لا تخفي إصرارها على توسيع نطاق نفوذها بالشرق الأوسط.
لكن إيران اكتوت بنار تراجع اقتصادها كما أن الرئيس حسن روحاني وعد بنمو الاقتصاد وتوفير فرص العمل حين انتخب عام 2013 ببرنامج اشتمل على إنهاء عزلة إيران. ويقول والتر بوش خبير الشؤون الإيرانية في المعهد الألماني للشؤون الدولية والأمنية "من المؤكد أن الأولويات بالنسبة لإيران تتعلق بالجانب الاقتصادي... هناك الكثير الذي يحتاج للإصلاح والحل في إيران."
وفي الفترة الأخيرة قال وزير الخزانة الأمريكي جاكوب ليو إن الناتج المحلي الإجمالي الإيراني انخفض بنسبة تصل الى 20 بالمئة نتيجة العقوبات. وأضاف أن طهران خسرت ما يزيد على 160 مليار دولار من عوائد النفط منذ 2012. ورغم أن قطاع النفط والغاز هو الأكثر تحقيقا للأرباح في إيران فإنه وصل الآن الى حالة سيئة لدرجة لا تسمح حتى بأن تكرر طهران ما يكفي من البنزين لتغطية احتياجات البلاد.
وقال وليام أ. بيمان خبير الشؤون الإيرانية بجامعة مينسوتا والذي عاد حديثا من زيارة لإيران "سيكون هناك الكثير من الشركات الأجنبية... لا يمكن أن تذهب الى أي مكان بالبلاد إلا وتصادف مجموعة من المستثمرين الأجانب المحتملين. إنهم في كل مكان." واذا نجح كل هذا النشاط الاقتصادي في توفير فرص العمل وتحقيق استقرار الأسعار فإن هذا سيساعد روحاني على إثبات أن مسعاه لإنهاء عزلة إيران الدولية قرار سليم.
وقالت شركة رويال داتش شل الشهر الماضي إنها عقدت اجتماعات مع مسؤولين إيرانيين في طهران وتبلغ قيمة ديونها لإيران نحو ملياري دولار من جملة 150 مليار دولار أو أكثر يقدر أنها مجمدة أو يحظر التصرف فيها في الخارج بموجب العقوبات. وأجرت شركات للسيارات والطيران اتصالات بشركات إيرانية بشأن صفقات محتملة تتصدرها مؤسسات فرنسية وألمانية.
لكن السلطة في إيران ليست بيد الرئيس وحده. فللحرس الثوري وهو القوة العسكرية الأقوى بالبلاد دور اقتصادي كبير ولا شك أنه سيحقق مكاسب كبيرة من تدفق الاستثمارات. وكان الحرس الثوري بالأساس منذ قيام الثورة الإيرانية عام 1979 هو الجهة التي سعت الى استعراض نفوذ إيران في أجزاء مختلفة من الشرق الأوسط مما وضع طهران في خلافات مع كتلة القوى السنية المنافسة المتحالفة مع السعودية.
وفي الأعوام الأربعة الأخيرة أرسلت إيران مستشارين عسكريين ومقاتلين وأموالا وأسلحة لدعم حكومة الرئيس السوري بشار الأسد. وتلقت جماعة حزب الله اللبنانية أقدم وكلاء إيران بالمنطقة مزيدا من التمويل والأسلحة من طهران حين اضطلعت بدور بارز في مساندة قوات الأسد في الحرب بسوريا. وفي العراق المجاور اضطلع المستشارون العسكريون الإيرانيون بدور رئيسي في مساعدة الحكومة في صد زحف تنظيم داعش واستعادة كثير من الأراضي التي سيطر عليها بالبلاد.
وتقدم ايران دعما سياسيا لجماعة الحوثي التي سيطرت على معظم اليمن وللشيعة في البحرين التي يحكمها السنة وإن كانت تنفي تسليح الحوثيين أو تشجيع الشيعة على الاحتجاج في البحرين. وفي رسالة الى روحاني تحدد الأهداف السياسية لخطة الحكومة للتنمية قال الزعيم الإيراني آية الله خامنئي إنه يجب تخصيص خمسة بالمئة على الأقل من ميزانية البلاد للدفاع "لزيادة القدرات الدفاعية على مستوى القوة الإقليمية من أجل تحقيق المصالح والأمن القومي." وتنفق معظم دول حلف شمال الأطلسي أقل من ثلاثة بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي على الدفاع.
لكن المحللين يقولون إن من الصعب تصور أن توسع إيران هذه الأنشطة أكثر وإن كان احتمال توفر مزيد من الأموال لدفع تكاليف العمليات الكبيرة في العراق وسوريا سيكون محل ترحيب. وقال بيمان "أعرف النظرية الأمريكية التي تقول إذا أبرمنا اتفاقا مع إيران فإنها ستمارس هيمنتها في أنحاء المنطقة." وأضاف "لا أرى هذا. لإيران حضور بالفعل في كل مكان بالمنطقة ولا أدري كيف سيتغير ذلك."
ويستشهد محللون بحزب الله باعتباره مثالا لسيطرة إيران المحكمة على حلفائها وممارستها للنفوذ بصورة عملية. فمنذ انتهاء الحرب العنيفة التي استمرت 34 يوما عام 2006 لم تجر مواجهة خطيرة بين حزب الله وإسرائيل. وعلى الرغم من مقتل جنرال بالحرس الثوري الإيراني وابن قائد بارز بحزب الله في ضربة جوية إسرائيلية داخل سوريا في يناير كانون الثاني فإن حزب الله لم يجازف بإشعال حرب جديدة عبر إطلاق الصواريخ على المدن الإسرائيلية ربما تخوفا من خوض حربين في نفس الوقت.
وقال هلال خشان أستاذ العلوم السياسية في الجامعة الأمريكية في بيروت وهو صاحب اطلاع واسع على شؤون حزب الله "الإيرانيون ساسة دهاة وهم لاعبون سياسيون عقلانيون بالمنطقة. وكذلك حزب الله." وأضاف "حزب الله لا يخوض معارك خاسرة. إنه يقاتل حين يكلفه الإيرانيون بذلك بناء على قرارات إيرانية منطقية." من جانبهم يعتبر الإيرانيون أنفسهم قوة تساعد على تحقيق الاستقرار. في الشهر الماضي شرح وزير الخارجية محمد جواد ظريف من خلال موقع هارفارد انترناشونال ريفيو على الإنترنت رؤيته لكيفية مواجهة الدول لتنظيم داعش فأشار الى أنها معركة ستجد واشنطن وطهران نفسيهما تقاتلان فيها عدوا مشتركا على الرغم من غرابة هذا الموقف.
وقال منصور حقيقت بور نائب رئيس لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية بالبرلمان الإيراني في مقابلة إن الاتفاق النووي الإيراني لن يغير مساهمة إيران في استقرار المنطقة وإن تحسين العلاقات الاقتصادية سيساعد في هذا. وأضاف "نتمتع بالفعل بتعاون جيد في الأمور الاقتصادية ومجالات أخرى مع الدول الأخرى... اذا أزيلت العقبات (العقوبات) فحينئذ يمكن أن تنمو هذه العلاقات." بحسب رويترز.
وقال خشان إن صناع القرار في إيران خلصوا إلى وجهة نظر منطقية بأن التوتر الدائم مع الغرب بما في ذلك الولايات المتحدة لا يصب في مصلحة إيران بمفهومها الأوسع. وأضاف "يريدون إقامة البنية الأساسية للتحديث ويريدون دورا قياديا في السياسة بالمنطقة... هذه أمور شديدة الأهمية لإيران. يريدون وضع نهاية للتوترات."
اضف تعليق