اقتصاد منطقة اليورو الذي تضرر بشكل كبير جراء تفشي فيروس كورونا، وعلى الرغم من استخدام اللقاحات الجديدة في العديد من الدول ومنها الدول الاوروبية، التي بشرت بتطعيم مواطنيها، ما يزال يعاني الكثير من الازمات والمشكلات التي ستستمر وبحسب بعض الخبراء لفترة اطول من المتوقع...
اقتصاد منطقة اليورو الذي تضرر بشكل كبير جراء تفشي فيروس كورونا، وعلى الرغم من استخدام اللقاحات الجديدة في العديد من الدول ومنها الدول الاوروبية، التي بشرت بتطعيم مواطنيها، ما يزال يعاني الكثير من الازمات والمشكلات التي ستستمر وبحسب بعض الخبراء لفترة اطول من المتوقع، خصوصا مع ظهور السلالة الجديدة من هذا الفيروس القاتل في بريطانيا، وقد حذر فيليب لين، كبير الخبراء الاقتصاديين بالبنك المركزي الأوروبي، من أن اقتصاد منطقة اليورو، لن يعود لمستويات ما قبل الجائحة حتى العام المقبل.
وقال المسؤول في مقابلة صحفية: "من منظور اليوم، يبدو مستبعدا في جميع الأحوال أن يعود النشاط الاقتصادي لمستوى ما قبل الأزمة قبل 2021، إذ لم يكن بعد ذلك". وأضاف أن المركزي يراقب الوضع بشكل مستمر ومستعد لتعديل جميع أدواته إذ اقتضت الضرورة، بما في ذلك برنامج شراء السندات، الذي أطلقه البنك المركزي لمواجهة تداعيات الجائحة. وفي وقت سابق رسمت المفوضية الأوروبية صورة مقلقة عن الوضع الاقتصادي في منطقة اليورو التي تعاني كثيرا من جائحة كوفيد-19، مستبعدة عودة سريعة إلى الانتعاش. وترقبت المفوضية في توقعات اقتصادية تراجع إجمالي الناتج الداخلي لمنطقة اليورو بنسبة 7,8 % العام 2020 وهو أمر غير مسبوق منذ اعتماد العملة الواحدة في العام 1999.
وهذا الانكماش أدنى من نسبة 8,7% التي كانت متوقعة هذا الصيف، لكن الانتعاش المرتقب العام المقبل (+4,2%) سيكون أيضا أدنى بكثير من نسبة 6,1% المتوقعة بالأساس. ويعزى هذا الوضع إلى الموجة الثانية من وباء كوفيد-19 في أوروبا راهنا والتي أرغمت دولا عدة على فرض إجراءات إغلاق جديدة. وقال نائب رئيس المفوضية فالديس دومبروفسكيس إن الموجة الثانية "تزيد من عدم اليقين وتقضي على آمالنا بانتعاش سريع". وأكد المفوض الأوروبي للشؤون الاقتصادية باولو جنتيلوني "لم نعول أبدا على انتعاش سريع جدا. وتأكد لنا الآن أن ذلك لن يحصل".
وترى المفوضية أن الاقتصاد "بالكاد سيعود إلى مستوى ما قبل الوباء العام 2022"، لكنها تشير إلى أن "نسبة عدم اليقين المرتفعة" التي لا تزال تحيط بالاقتصاد تدفع إلى الظن أن عودة الوضع إلى طبيعته لن تحصل قبل العام 2023. وبين عوامل الغموض هذه، احتمال تدهور جديد للأزمة الصحية مما يقلص النشاط بعد أكثر ويؤدي إلى ارتفاع معدلات البطالة. وتشير المفوضية الأوروبية كذلك إلى وضع العلاقات التجارية المقبلة بين الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة، ورأى دومبروفسكيس أن ذلك "ينعكس بوضوح" على آفاق اقتصاد الاتحاد الأوروبي.
ركود حتمي
وفي هذا الشأن أظهر مسح أن النشاط الاقتصادي في منطقة اليورو وكما نقلت بعض المصادر، سجل انكماشاً ملحوظاً في يناير (كانون الثاني) مع تضرر قطاع الخدمات المهيمن على التكتل بشدة، بفعل قيود العزل العام المفروضة لاحتواء فيروس «كورونا». وسلط المسح الضوء على انكماش حاد في قطاع الخدمات، مع اضطرار شركات الضيافة وأماكن الترفيه للبقاء مغلقة في أغلب أنحاء القارة الأوروبية؛ لكن المسح أظهر أيضاً أن قطاع التصنيع ظل قوياً مع استمرار أغلب المصانع في العمل.
وانخفضت القراءة الأولية لمؤشر «آي إتش إس ماركت» المجمع لمديري المشتريات الذي يعد مؤشراً جيداً لمتانة الاقتصاد، أكثر عن مستوى الخمسين الفاصل بين النمو والانكماش إلى 47.5 في يناير، من 49.1 في ديسمبر (كانون الأول). وتوقع استطلاع لـ«رويترز» هبوطاً إلى 47.6 نقطة. وقال كريس ويليامسون كبير الاقتصاديين في «آي إتش إس ماركت»: «يبدو بصورة متزايدة أن تجنب ركود في اقتصاد منطقة اليورو غير ممكن، إذ أثرت قيود أشد لمكافحة (كوفيد- 19) بشكل سلبي أكثر على الأعمال في يناير».
ونزل مؤشر مديري المشتريات بقطاع الخدمات إلى 45 في يناير من 46.4 في ديسمبر، بما يفوق التوقعات بأن يسجل انخفاضاً أكبر إلى 44.5، كما أن القراءة لا تزال أعلى كثيراً من مستويات منخفضة تاريخية سجلتها في بداية الجائحة. وظلت أنشطة المصانع قوية، وتماسك مؤشر مديري المشتريات لقطاع الصناعات التحويلية فوق مستوى الخمسين مسجلاً 54.7 نقطة؛ لكنه أقل من الشهر الماضي الذي سجل فيه 55.2 نقطة، وأعلى من توقع استطلاع رويترز الذي تنبأ بأن تكون القراءة 54.5 نقطة. وتراجع مؤشر يقيس الإنتاج ويغذي مؤشر مديري المشتريات المجمع إلى 54.5 من 56.3 نقطة.
وتأتي البيانات بعد ساعات من تحذير رئيسة البنك المركزي الأوروبي كريستين لاغارد ، من أن تفشي وباء «كوفيد- 19» يطرح «خطراً» على مسار العودة إلى النمو في منطقة اليورو. وقالت لاغارد خلال مؤتمر صحافي عقدته بعد اجتماع قرر فيه مجلس حكام المؤسسة المالية الإبقاء على برنامج الدعم المالي للاقتصاد المتضرر جراء الأزمة الصحية، إن «اشتداد الوباء يطرح مخاطر على الآفاق الاقتصادية على المدى القريب». وأشارت إلى «مخاطر جدية» و«مخاطر تدهور» الاقتصاد في منطقة اليورو؛ لكنها شددت على أن التوقعات الأخيرة للمؤسسة المالية التي ترقبت نمواً بنسبة 3.9 في المائة لإجمالي الناتج الداخلي عام 2021، تبقى «صالحة بصورة عامة».
وقالت لاغارد إن «بدء حملات التلقيح في منطقة اليورو محطة مهمة في إيجاد حل للأزمة الصحية الراهنة؛ لكن الوباء يواصل طرح مخاطر كبرى على الصحة العامة وعلى اقتصادات منطقة اليورو والعالم بأسره». وإذ تحدثت عن «تطورات متباينة»، ذكرت من بين الخطوات الإيجابية صمود النشاط في قطاع التصنيع خلافاً لما حصل في الربيع، ولو أن إعادة فرض القيود في عديد من دول منطقة اليورو منذ الخريف «يبلبل» النشاط الاقتصادي، ولا سيما في قطاع الخدمات.
وأضافت: «من المحتمل أن يكون حصل انكماش في الإنتاج في الفصل الرابع من عام 2020»، بعد الانتعاش القوي في الصيف في أعقاب رفع تدابير الحجر في أوروبا؛ غير أنها أكدت ثقتها بالنسبة للنصف الثاني من السنة، معتبرة أن الخطر على الاقتصاد على المدى القريب «أقل حدة». واعتبرت لاغارد أنه في ظل الوضع «الغامض» المخيم: «تبقى تدابير التحفيز المالي القوية أمراً أساسياً للحفاظ على ظروف تمويل مواتية»، مبررة بذلك قرار مجلس حكام البنك المركزي الأوروبي الإبقاء على مستوى التدابير المتخذة منذ مارس (آذار) لمكافحة مفاعيل الأزمة. وتطرقت لاغارد إلى ارتفاع سعر اليورو مقابل الدولار، ما يهدد بالانعكاس على النشاط والأسعار، فقالت: «نراقب عن كثب أسعار الصرف... وما يمكننا القيام به بواسطة سياستنا النقدية».
أسعار الفائدة
قالت كريستين لاجارد رئيس البنك المركزي الأوروبي، إنه رغم بدء عمليات التطعيم ضد فيروس كورونا المستجد في أوروبا باعتبارها مرحلة مهمة في طريق القضاء على الأزمة الصحية التي سببها الفيروس، فإن الجائحة مازالت تمثل خطرا على الاقتصادات. وأضافت لاجارد في المؤتمر الصحفي الذي عقدته بعد اجتماع مجلس محافظي البنك المركزي الأوروبي، أن عودة أعداد المصابين بفيروس كورونا المستجد، وإعادة فرض القيود والإجراءات المشددة الرامية إلى الحد من انتشار الفيروس أدى إلى تجدد اضطراب نشاط الاقتصاد في منطقة اليورو.
وأبقى البنك المركزي الأوروبي على سياساته النقدية دون تغيير، وذلك بعد مراجعة التداعيات الاقتصادية لجائحة كورونا. وأوضح مجلس محافظي البنك، والذي يتألف من 25 عضوا، في أول اجتماع له في عام 2021،أنه سيبقي على فائدة إعادة التمويل الرئيسية عند 0%، وهو أدنى مستوى على الإطلاق، كما سيبقي على برنامج شراء السندات عند 85ر1 تريليون يورو (25ر2 تريليون دولار). وذكر أنه من المقرر أن يستمر البرنامج حتى نهاية آذار/مارس من عام 2022 على أقل تقدير.
وقال أندرو كينينجهام، كبير اقتصاديي أوروبا لدى مجموعة "كابيتال إيكونوميكس" البحثية، :"نشك في أن يتخذ البنك أي تغييرات كبيرة في السياسة (النقدية) حتى النصف الثاني من هذا العام". كما أبقى البنك، ومقره فرانكفورت، الفائدة على الودائع عند سالب 5ر0% وفائدة الإقراض الهامشي عند موجب 25ر0%.
ويأتي الاجتماع في ظل تباطؤ توزيع لقاحات كورونا، وهو الأمر الذي اعتبرته رئيسة البنك المركزي الأوروبي كريستين لاجارد رئيسيا لإعادة بناء الثقة الاقتصادية بعد انتشار الفيروس خلال العام الماضي. ويتوقع البنك المركزي أن يسجل اقتصاد منطقة اليورو، التي تضم 19 دولة، نموا بنسبة 9ر3% هذا العام مع التعافي من الجائحة العالمية. إلا أن مخاوف تلوح في الأفق من أن الركود الاقتصادي الذي تسببت فيه الجائحة قد يمتد لهذا العام.
كما أن انخفاض معدلات التضخم في منطقة اليورو لما دون الصفر يثير قلق البنك المركزي. وأعلن مكتب إحصاءات الاتحاد الأوروبي (يوروستات) أن التضخم ظل في ديسمبر للشهر الرابع على التوالي في منطقة السالب على أساس سنوي، مسجلا سالب 3ر0%. ويزيد هذا من فرص إجبار البنك المركزي الأوروبي مرة أخرى على توسيع نطاق إجراءاته التحفيزية في محاولة للمساعدة في رفع أسعار المستهلكين. وقال المركزي إن "مجلس المحافظين مستعد لتعديل جميع أدواته، وفق الحاجة، لضمان تحرك التضخم نحو هدفه بطريقة مستدامة".
ألمانيا وكورونا
من جانب اخر ومع التطور المأساوي لجائحة كورونا اتجه الموظفون في ألمانيا للعمل من المنزل. وتقدم الحكومة الألمانية نموذجا يُحتذى به فيما يتعلق بالعمل من المنزل خلال جائحة كورونا، حيث أجرت وكالة الأنباء الألمانية مسحا أظهر أن نحو 85% من موظفي الوزارات الاتحادية يعملون من المنزل، في إطار الإجراءات التي تحث عليها الحكومة من أجل احتواء الجائحة.
وقال متحدث باسم وزارة البيئة إن الوزارة تطبق حاليا الحد الأقصى من خفض التواجد داخل مقرها، موضحا أن أكثر من 80% من موظفي الوزارة، البالغ اجمالي عددهم 1187 موظفا، يعملون حاليا من المنزل. كما أشار المتحدث إلى أن 15% فقط من الموظفين كانت تُتاح لهم بالفعل هذه الإمكانية قبل الجائحة. وأظهر مسح أوضاعا مماثلة في وزارات أخرى، مثل وزارة الأسرة التي يعمل بمقرها أقل من 15% من موظفيها البالغ عددهم 911 موظفا.
وفي وزارة الاقتصاد يعمل حاليا في مقر الوزارة أقل من 20% من إجمالي موظفيها البالغ عددهم 1880 موظفا. وقال متحدث باسم الوزارة: "بالنسبة للموظفين الفنيين ذوي الصلة بنظام العمل، تم وضع لوائح تنظيمية خاصة مثل العمل في دوريات أو في نماذج الفريق المتناوب من أجل تقليل الاختلاط في الوزارة قدر الإمكان". ولا يختلف الوضع كثيرا في ديوان الرئاسة الألمانية، حيث قالت متحدثة باسم مكتب الرئيس إن كافة الموظفين - وعددهم نحو مئتي موظف - مجهزون تقنيا للعمل من المنزل.
وأوضحت المتحدثة باسم مكتب الرئيس الألماني أن الإعداد لهذا التحول تم قبل أكثر من عام؛ أي قبل بدء الجائحة، وقالت: "ديوان الرئاسة يعتبر بذلك رائدا بين السلطات الاتحادية العليا". وأضافت أنه يتم تشجيع الموظفين على استغلال هذه الإمكانية وهو ما يفعله الجميع أيضا بصورة أساسية حاليا، على حد تعبيرها. وتسير على نفس الخطى إدارة البرلمان الاتحادي البوندستاغ مع موظفيها البالغ عددهم نحو 3 آلاف موظف، حيث قال متحدث باسم البرلمان إن نحو 1870 موظفا منهم متاح لهم إمكانية العمل من المنزل بصورة مبدئية. ولكن المتحدث أشار أيضا إلى أن المعدات التقنية حاليا لا تكفي سوى لنحو 75% منهم. ومن المنتظر أن تتوفر قريبا المزيد من الحواسب المحمولة، لترتفع النسبة إلى نحو 86%.
اضف تعليق