تواجه دول الخليج التي تعتمد بشكل كبير على صادرات النفط، ازمات ومشكلات اقتصادية كبيرة بسبب استمرار تفشي فيروس كورونا المستجد وتراجع أسعار النفط في الأسواق العالمية، وهو ما دفع الحكومات الخليجية وكما نقلت بعض المصادر، إلى اتخاذ تدابير قاسية واجراءات التقشفية غير المسبوقة...
تواجه دول الخليج التي تعتمد بشكل كبير على صادرات النفط، ازمات ومشكلات اقتصادية كبيرة بسبب استمرار تفشي فيروس كورونا المستجد وتراجع أسعار النفط في الأسواق العالمية، وهو ما دفع الحكومات الخليجية وكما نقلت بعض المصادر، إلى اتخاذ تدابير قاسية واجراءات التقشفية غير المسبوقة. وقد رسم مسؤول في صندوق النقد الدولي صورة قاتمة لاقتصادات دول مجلس التعاون الخليجي هذا العام، وفي وقت سابق قال "معهد التمويل الدولي" إنّ دول مجلس التعاون الخليجي تواجه "أسوأ" أزمة اقتصادية في تاريخها، في ظل صدمة مزدوجة لانخفاض أسعار النفط، وجائحة كورونا.
وذكر المعهد، أن الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي سينكمش بصفة عامة 4.4% في العام الجاري، رغم بعض المؤشرات على النجاح في احتواء تفشي الفيروس، وتخفيف بعض القيود. وتابع أن إجراءات خفض الإنفاق العام التي تبنتها السلطات في المنطقة لاحتواء اتساع العجز "يمكن أن تعوض الخسائر الناجمة عن انخفاض صادرات النفط وأكثر من ذلك"، ولكن يظل من المتوقع أن يتسع العجز الكلي إلى 10.3% من الناتج المحلي الإجمالي، مقارنة مع 2.5% في 2019.
من جانب اخر قالت "ستاندرد آند بورز" في تقرير لها، إنّ الكويت وقطر والإمارات والسعودية، تملك احتياطيات قوية لاجتياز الصدمات، بينما تحتفظ البحرين وسلطنة عُمان بمستويات أقل من الأصول الخارجية السائلة. لكن وكالة التصنيفات تعتقد أن جيران البحرين وعُمان الأكثر ثراء، سيقدمون الدعم المالي في أوقات الأزمات إذا كانت ثمة حاجة لذلك، على غرار حزمة بعشرة مليارات دولار قدمتها الكويت والسعودية والإمارات للبحرين في 2018.
وأضافت الوكالة "نعتقد أنه في حالة تعرض عملتي البحرين وعُمان، ذواتي التصنيف الأضعف، لضغوط كبيرة، فإن الدول ذات التصنيف الأعلى ستقدم دعماً مالياً لمنع امتداد العدوى لأسواقهم المالية". وتتجه دول الخليج إلى التعايش الإجباري مع فيروس كورونا "كوفيد 19" رغم استمرار الإصابات والوفيات، إذ أعلنت حكومات خليجية عن بدء العودة التدريجية للحياة الطبيعية واستئناف الأعمال وفتح الاقتصاد مجدداً، فيما اختلفت الإجراءات بين دولة وأخرى.
انكماش حاد
وفي هذا الشأن أظهر استطلاع رأي فصلي أن النشاط الاقتصادي في منطقة الخليج سيسجل انكماشا حادا في العام الحالي قبل أن يتعافى في 2021، إذ يتضرر من الصدمة المزدوجة المتمثلة في جائحة فيروس كورونا وانهيار أسعار النفط. وتوقع محللون في الاستطلاع الذي أُجري في الفترة من السابع حتى 20 يوليو تموز انكماشا اقتصاديا شديدا بالمنطقة المنتجة للهيدروكربون إذ تضررت أسعار النفط على جانبي الإمداد والطلب في آن واحد.
ومن المتوقع أن ينكمش الناتج المحلي الإجمالي السعودي بنسبة 5.2 بالمئة في 2020 ثم يتعافى إلى نمو 3.1 بالمئة في العام المقبل. وكان استطلاع مماثل قبل ثلاثة أشهر توقع أن تسجل المملكة، أكبر اقتصاد في المنطقة وأكبر دولة مصدرة للنفط في العالم، نموا بنسبة واحد بالمئة في عام 2020 واثنين بالمئة في 2021. وأدت حرب أسعار بين السعودية وروسيا في مارس آذار لتهاوي أسعار النفط وتلي ذلك تطبيق منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك) وحلفائها تخفيضات إنتاج.
وقالت مايا سنوسي الاقتصادية في مؤسسة أوكسفورد إيكونوميكس ”قبل ثلاثة أشهر، لم تضع معظم التوقعات في الاعتبار تخفيضات إنتاج النفط أو الأثر الكامل لتداعيات كوفيد-19“ مضيفة أن تقليص أعداد الحجاج وهو مصدر مهم لإيرادات قطاع السياحة أثر على التوقعات الخاصة بالسعودية. كما يتوقع أن يسجل اقتصاد الكويت أكبر انكماش بين دول مجلس التعاون الخليج الست بنسبة 6.1 بالمئة في 2020 ثم يسجل نموا بنسبة 2.5 المئة في العام المقبل. وقبل ثلاثة أشهر، كانت التوقعات لانكماش 2.9 بالمئة في 2020 ونمو اثنين بالمئة في العام المقبل.
ويشير متوسط التوقعات لانكماش اقتصاد دولة الإمارات 5.1 بالمئة في 2020 ونموه 2.6 بالمئة في 2021. وكانت التوقعات قبل ثلاثة أشهر لانكماش 0.4 بالمئة في العام الجاري. وتضررت السياحة، وهي مصدر رئيسي للإيرادات في إمارة دبي، كثيرا من إجراءات الإغلاق وقيود السفر. وقالت ستاندرد اند بورز في مذكرة بحثية ”نتوقع أن تتعرض إيرادات قطاعي السياحة والضيافة لضغوط بشكل خاص في ظل الانخفاض الحاد المتوقع لأعداد الزائرين“ وتابعت أنها لا زالت تلحظ ”ضغوطا واسعة النطاق في القطاعات المختلفة“ في دول مجلس التعاون الخليجي. بحسب رويترز.
وساءت التوقعات لقطر وسلطنة عمان والبحرين للعام الحالي، ويتوقع محللون انكماش اقتصادات الدول الثلاث أربعة و4.7 و4.4 بالمئة على التوالي. وتحسنت توقعات النمو لاقتصاداتهم للعام المقبل عنها قبل ثلاثة أشهر. وقالت أوكسفورد إيكونوميكس في مذكرة بحثية ”في حين يتحسن النشاط في معظم المنطقة بعد تخفيف إجراءات العزل، فان وتيرة التعافي في النصف الثاني وما بعده قد تكون مخيبة للآمال لاسيما مع استمرار الفيروس“.
ديون كبيرة
الى جانب ذلك قالت ستاندرد آند بورز جلوبال للتصنيفات الائتمانية إنها تتوقع أن يرتفع دين حكومات دول الخليج بمقدار قياسي يبلغ حوالي 100 مليار دولار هذا العام، في ظل تنامي متطلبات التمويل بسبب أزمة فيروس كورونا وانخفاض أسعار النفط. وتقدر الوكالة أن الحكومات المركزية لدول مجلس التعاون ستسجل عجزا مجمعا بنحو 180 مليار دولار، سيجري تمويل 100 مليار منها بالاقتراض وتوفير نحو 80 مليار دولار عن طريق السحب من أصول حكومية.
وقالت في بيان ”استنادا لافتراضاتنا الخاصة بالاقتصاد الكلي، نتوقع أن تشهد ميزانيات حكومات مجلس التعاون الخليجي تدهورا حتى العام 2023“. ويستند ذلك لتوقعات بأن يبلغ سعر خام برنت 30 دولارا للبرميل فيما تبقى من العام الجاري و50 دولارا في 2021 و55 دولارا في 2022. وتضررت دول الخليج بشدة جراء الجائحة وتفاقم ذلك بسبب انخفاض أسعار النفط لتتوقع معظم الدول عجزا في خانة العشرات. واقترضت السعودية وقطر والبحرين وأبوظبي والشارقة عشرات المليارات من الدولارات العام الجاري لدعم خزائنها.
وتتوقع وكالة التصنيفات أن يبلغ عجز حكومات دول الخليج حوالي 490 مليار دولار بين 2020 و2023، وأن يشكل دين السعودية، أكبر اقتصاد في الخليج، 55 بالمئة من ذلك الإجمالي. ومنذ انهيار أسعار النفط في 2014-2015، اعتمدت دول الخليج بشكل كبير على الاستدانة وجمعت أكثر من 80 مليار دولار من ديون محلية وخارجية في 2016 و2017. وبعد تسجيل مستوى قياسي عند حوالي 100 مليار هذا العام، تتوقع ستاندرد اند بورز أن تتراجع إصدارات الدين إلى حوالي 70 مليار دولار. بحسب رويترز.
ولم تقترض سلطنة عمان، وهي من أضعف دول الخليج من الناحية المالية، أي مبالغ هذا العام لكن الوكالة تتوقع أن تفعل خلال الأشهر المقبلة. وتعتزم الكويت جمع 16 مليار دولار بنهاية السنة المالية الحالية التي تنتهي في مارس آذار 2021، لكن إمكانية الاقتراض رهن بموافقة البرلمان على قانون جديد للدين تجري مناقشته منذ فترة طويلة. وتواجه دول مجلس التعاون الخليجي الست بدرجات متفاوتة تراجعا اقتصاديا حادا إذ يُفاقم انخفاض أسعار النفط والغاز، التي تعد مصدر إيراداتها الرئيسي، تباطؤ النشاط التجاري.
الشركات الخليجية
في السياق ذاته قالت وكالة ستاندرد اند بورز للتصنيف الائتماني إن الشركات في منطقة الخليج، التي تضررت بسبب تراجع أسعار النفط وأزمة فيروس كورونا، سترجئ على الأرجح الاستثمارات هذا العام حيث تولي اهتمامها للتكاليف والسيولة. وأصدرت ستاندرد اند بورز تقييمات سلبية لستة عشر كيانا في دول مجلس التعاون الخليجي الست وتتوقع انكماشا اقتصاديا في نطاق بين منتصف وأقصى خانة الآحاد لمعظم دول المجلس هذا العام.
وقالت الوكالة في تقرير ”نتوقع ضغطا شاملا في معظم القطاعات والأسواق في المنطقة لكن البعض سيشعرون به أكثر من غيرهم مع تباطؤ النشاط الاقتصادي وتراجع الدخل المتاح للإنفاق وضعف اتجاهات التوظيف“. وذكر التقرير أن الطيران والسياحة هما الأكثر تضررا، لا سيما في دبي حيث للنقل والسياحة أهمية كبيرة للاقتصاد. وقالت الوكالة إن قطاع العقارات في دبي، الذي تباطأ طيلة معظم العقد الماضي، سيواجه المزيد من الضغط. وخفضت هذا الشهر التصنيف الائتماني لاثنتين من أكبر شركات العقارات في الإمارات إلى ”عالي المخاطر“.
وتتوقع ستاندرد اند بورز ضعفا واضحا في معدلات الائتمان في ظل تعافي محدود في النصف الثاني من العام الحالي وكذلك استمرار تخمة المعروض وضعف الطلب خاصة من المشترين الدوليين. وكشفت بيانات رفينيتيف أن السندات الدولية التي أصدرتها إعمار العقارية، أكبر شركة عقارات في دبي، انخفضت ثمانية بالمئة منذ بداية العام. وقالت الوكالة ”نظرا لتحديات نمو الإيرادات وغياب الرؤية الواضحة بشأن توقيت التعافي فإن التركيز الرئيسي لمعظم الشركات التي نصنفها هو إدارة التدفقات النقدية والحفاظ على السيولة“. بحسب رويترز.
وتراجع الشركات تكاليف التشغيل وتعيد التفاوض بشأن العقود ولجأت إلى خفض الأجور وتسريح العمالة. كما تخفض شركات النفط التكاليف، وتستفيد تلك الشركات من ميزة تتعلق بالتكلفة مقارنة مع الشركات العالمية المناظرة، حيث من المتوقع أن ترجئ أبوظبي والكويت وقطر وعمان استثمارات كبيرة مرتقبة في تطوير أنشطة المصب. وتحظى شركات الاتصالات والمرافق بوضع أكثر أمانا لكنها قد تتأثر برحيل العمال الأجانب الذين يشكلون نسبة كبيرة من تعداد سكان المنطقة.
كما يؤجل مشغلو مراكز التسوق في منطقة الخليج مشروعات عملاقة جديدة، وقالت مجموعة ماجد الفطيم، أكبر شركة لإدارة مراكز التسوق في الشرق الأوسط، إنها أرجأت إطلاق خامس مراكزها وأكبرها في سلطنة عمان، وهو مول عمان الذي تبلغ مساحته 145 ألف متر مربع، لأن تجار التجزئة ليست لديهم السيولة لتجهيز المتاجر. وفي دبي، أفاد مصدران مطلعان أن إعمار مولز علقت أعمال التشييد في مشروعين. وقالا إن المشروعين هما مركز قرب موقع معرض إكسبو 2020 العالمي، الذي تأجل لمدة عام إلى أكتوبر تشرين الأول 2021، وآخر على مساحة 185 ألف متر مربع في منطقة دبي هيلز السكنية.
وقال آلان بجاني الرئيس التنفيذي لمجموعة ماجد الفطيم ”فيما يتعلق بمراكز التسوق تحت الإنشاء، تجري مراجعة الجداول الزمنية. هذا وضع مائع.“ وأضاف ”سنرى كيف تمضي الأمور ونتأقلم.. هكذا سيكون الأمر في الاثني عشر شهرا المقبلة.“ وصارت مراكز التسوق الفارهة، التي تضم علامات تجارية عالمية وأماكن ترفيه مثل النوافير الراقصة ومنحدرات التزلج الداخلية، حجر الزاوية لقطاع التجزئة بالمنطقة المنتجة للنفط، وبخاصة خلال أشهر الصيف الشديدة الحرارة.
وفي ظل تنامي عدد السكان والتدفق المطرد للسائحين، جرى التخطيط لمزيد من المشروعات في السنوات الأخيرة، حتى مع اشتداد المنافسة وثبات مستوى الإقبال. وفي العام الماضي، توقعت ألبن كابيتال نمو قطاع التجزئة بالخليج من 253 مليار دولار في 2018 إلى 308 مليارات في 2023. لكن الجائحة بدلت الوضع في غضون شهور.
اضف تعليق