مع استمرار تفشي وباء كورونا، الذي اصاب ما يقرب من 14 مليون انسان وقتل أكثر من 590000 شخص في العالم خلال سبعة أشهر، أصبح الاقتصاد العالمي يعاني من ازمات ومشكلات كبيرة بسبب والاجراءات الوقائية التي اتخذتها الحكومات للحد من انتشار هذا الفيروس القاتل...
مع استمرار تفشي وباء كورونا (كوفيد19)، الذي اصاب ما يقرب من 14 مليون انسان وقتل أكثر من 590000 شخص في العالم خلال سبعة أشهر، اصبح الاقتصاد العالمي يعاني من ازمات ومشكلات كبيرة بسبب والاجراءات الوقائية التي اتخذتها الحكومات للحد من انتشار هذا الفيروس القاتل. وبحسب دراسة خاصة أعدها باحثون من جامعة سيدني الأسترالية في وقت سابق، فان تفشي الوباء وتدابير الحد من انتشاره كلف الاقتصاد العالمي 3.8 تريليون دولار (3 تريليون جنيه استرليني)، وتسبب في فقد 147 مليون شخص لوظيفته، وفقا لصحيفة "ديلي ميل" البريطانية.
وأشارت الدراسة إلى أن قطاع صناعة السفر هو الأكثر تضررا، بسبب إلغاء الرحلات الجوية وإغلاق البلدان حدودها للزوار، خاصة في آسيا وأوروبا والولايات المتحدة. وأضافت: "فقدان الاتصال العالمي أثار عدوى اقتصادية، أدت إلى اضطرابات كبيرة في قطاعات التجارة والسياحة والطاقة والمالية". وتوقعت الدراسة تزايد معدلات الخسائر العالمية مع استمرار إجراءات الإغلاق، لكنها حذرت في الوقت ذاته من التسرع في إعادة فتح الاقتصادات قائلة إن الفتح المبكر جدا قد يؤدي إلى آثار اقتصادية أكثر شدة وطويلة المدى.
كما توقعت الدراسة تزايد الصدمات الكبيرة التي تلقاها سوق العمل مع استمرار الوباء، مضيفة: "من المرجح أن تؤثر الصدمات الاقتصادية اللاحقة على كمية وجودة الوظائف، كما ستؤثر على الفئات الضعيفة، مثل العمال المهاجرين والعمال غير المهرة الذين قد لا يتكيفوا مع ترتيبات العمل الافتراضي". وتابعت: "من المحتمل أيضًا توسيع فجوات الثروة والدخل العالمية الموجودة بالفعل والتي قد تؤدي إلى تدمير أنظمة الرعاية الصحية في البلدان ذات الدخل المنخفض".
توقعات جديدة
وفي هذا الشأن توقعت فيتش أن ينجم عن موجة خفض التصنيفات الائتمانية السيادية غير المسبوقة التي تسبب فيها فيروس كورونا ارتفاع عدد الدول ذات التصنيف ”عالي المخاطر“ ليتجاوز الدرجة الجديرة بالاستثمار، وهي سابقة لم تحدث من قبل. ودفعت الأزمة فيتش بالفعل إلى اتخاذ 32 إجراء تصنيفيا سلبيا أثرت على 26 دولة هذا العام، لكن من المتوقع قفزات أخرى في الوقت الذي مازال فيه أكثر من ثلث تصنيفاتها السيادية البالغ عددها 118 ينطوي على تحذيرات بالخفض مع ”نظرة مستقبلية سلبية“.
ومن المتوقع أن يؤثر ذلك على التوازن بين الدول الأقوى ماليا التي تضمها ”الدرجة الجديرة بالاستثمار“، والتي تدور تصنيفاتها بين A وBBB، وتلك ذات الأوضاع المالية الأضعف التي في الفئة ”عالية المخاطر“ أو ما تعرف ”بدرجة المضاربة“. وقال كبيرا محللي فيتش لشؤون التصنيفات السيادية جيمس مكورماك وتوني سترينجر في تقرير ”هناك خمس دول تصنيفها السيادي -BBB، النظرة المستقبلية لها سلبية، مما يشير إلى أن عدد تصنيفات درجة المضاربة سيفوق قريبا وللمرة الأولى تلك التي في الدرجة الجديرة بالاستثمار.“ ويمكن أن يُحدث سقوط دول من الدرجة الجديرة بالاستثمار إلى الدرجة عالية المخاطر موجة من المشاكل.
إذ يُقصي ذلك سندات البلد بشكل تلقائي من مؤشرات استثمارية رفيعة المستوى، مما يعني أنه لن يظل بمقدور الصناديق المتحفظة - والتي تشمل المستثمرين النشطين والمتابعين الخاملين - شراؤها أو بيعها. ويمكن أيضا أن ترفع تكاليف الاقتراض وتقلص من قيم السندات كضمان في أنشطة البنوك المركزية للتمويل. وفي نظر فيتش، فإن الدول المعرضة للخطر هي كولومبيا والهند والمغرب ورومانيا وأوروجواي. وإلى جانب ذلك فإن إيطاليا والمكسيك، اللتين لديهما اثنتان من أكبر أسواق السندات في العالم، مصنفتان عند - BBBأيضا وإن كانت النظرة المستقبلية للتصنيفين ”مستقرة“. بحسب رويترز.
ولا تخلو منطقة في العالم من خمسة تصنيفات سيادية على الأقل ذات نظرة مستقبلية سلبية. والأرقام في أمريكا اللاتينية والشرق الأوسط وإفريقيا في خانة العشرات. وتشير تقديراتها إلى أن الفيروس سيخلف وراءه عجزا ماليا عالميا قدره 9.7 تريليون دولار هذا العام، وهو ما يعادل 12 بالمئة من الناتج الإجمالي العالمي. ومن المتوقع أن يبلغ إجمالي الديون 76 تريليون دولار، بما يوازي 95 بالمئة من الناتج العالمي، وبما يتجاوز ضعفي مستوى 34 تريليون دولار الذي كان عليه قبل الأزمة المالية في 2007 و2008.
نزاعات تجارية جديدة
في بداية العام تراجع التوتر بين الولايات المتحدة والصين بعد اتفاق التجارة للمرحلة الأولى في الوقت الذي اتفقت فيه واشنطن وبروكسل وطوكيو على قواعد تجارية عالمية جديدة لتقليص الدعم. وأفادت مجموعة المراقبة السويسرية (جلوبال تريد أليرت) بأن البلدان في جميع أنحاء العالم فرضت 222 قيدا على المستلزمات الطبية والأدوية وفي بعض الحالات على الغذاء. وفيما يتعلق بالمنتجات الطبية، تجاوزت القيود المستوى المعتاد بما يزيد على 20 مثلا. ويجري رفع تلك القيود الآن، لكن الوباء عزز الحجج الحمائية من خلال تسليط الضوء على الكيفية التي يمكن بها لسلاسل التوريد العالمية أن تحرم الناس من الحماية الطبية الأساسية وتعطل الإمدادات الغذائية، فضلا عن تهديد الوظائف.
وقال الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إنه يريد قطع العلاقات مع الصين، في حين يخطط الاتحاد الأوروبي لوضع حواجز أمام الاستثمار المدعوم من الحكومة من الصين وأماكن أخرى، وتطالب الصين بإعلانات بأن واردات المواد الغذائية خالية من الفيروسات. وقالت مفوضة الاتحاد الأوروبي السابقة لشؤون التجارة سيسيليا مالمستروم إن هناك اتجاها ”مقلقا“ نحو الحمائية في العالم وعودة ظهور صراعات تجارية أوقفتها الأزمة الصحية لفترة وجيزة. وأضافت ”على صعيد التجارة يجب أن نقلق“.
وقالت منظمة التجارة العالمية إن من المتوقع أن تسجل التجارة العالمية في السلع تراجعا قياسيا هذا العام وإن القيود الأوسع قد تحول دون حدوث التعافي في عام 2021. وانسحبت الولايات المتحدة من مفاوضات مع الدول الأوروبية بشأن ضريبة على الشركات الرقمية وتعهدت ”بإعادة ضبط واسعة“ لمجموعة الرسوم الجمركية المتفق عليها مع شركائها في منظمة التجارة العالمية. كما هددت الولايات المتحدة بفرض رسوم جمركية على مجموعة جديدة من المنتجات الأوروبية، بما في ذلك الزيتون الطازج ومنتجات المخابز ومشروبات كحولية، لمواصلة الضغط في نزاع قائم منذ 16 عاما بشأن دعم صناعة الطائرات.
ويسبق الخطاب السياسي الواقع إلى حد ما. فقد نما حجم تجارة الصين مع الولايات المتحدة في أبريل نيسان بعد تقلصات ارتبطت بتفشي كوفيد-19، وقال مسؤولون أمريكيون إن الصين ملتزمة بشراء المزيد من السلع الأمريكية بما يتماشى مع اتفاق المرحلة الأولى. واجتمع زعماء صينيون مع قادة بالاتحاد الأوروبي عبر الإنترنت على الرغم من أن بروكسل طلبت من الصين أن تفي بوعدها السماح بدرجة أكبر للشركات الأوروبية بدخول السوق الصيني وانتقدت إجراءاتها فيما يتعلق بفيروس كورونا وهونج كونج.
وعرضت الصين تعاونا أعمق بشأن كوفيد-19 وحثت الاتحاد الأوروبي على تخفيف ضوابط التصدير. وقالت بكين إنها ستفتح سبعة قطاعات أخرى أمام المستثمرين الأجانب. وتواصل بكين وبروكسل الاتصالات مع واشنطن، وتحقق بعض التقدم في محادثات محدودة بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة حول معايير الغذاء والتعاون التكنولوجي. ويقول مسؤولون إن كبار مسؤولي التجارة بالاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة يعقدون محادثات كل ثلاثة أسابيع. كما التقى كبير الدبلوماسيين الصينيين يانغ جي تشي مع وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو في هاواي ومع ذلك فقد كرر ترامب تهديده بقطع العلاقات مع بكين في اليوم التالي.
وقال روهينتون ميدورا رئيس مركز الفكر والابتكار في الحوكمة، ومقره كندا، إن التجارة تمثل ركيزة للتعاون والثقة اللازمين لمساعدة الاقتصادات على التعافي، وخصوصا اقتصادات الدول الأصغر. وتتأهب الصين وأوروبا لعلاقات متوترة في الفترة التي تسبق الانتخابات الرئاسية الأمريكية، لكن يحدوهما بعض الأمل في فوز منافس ترامب الديمقراطي جو بايدن. وقال تشو فنغ عميد معهد الدراسات الدولية بجامعة فودان بشنغهاى ”بايدن كرئيس هو الفرصة الوحيدة لاستعادة العلاقات الصينية الأمريكية العقلانية“. لكنه لم يتوقع أن تتغير العلاقات بشكل كبير في الأجل القصير. بحسب رويترز.
وقال راينهارد بويتيكوفر، وهو خبير تجاري للخضر في البرلمان الأوروبي، إنه لا يتصور في حالة فوز بايدن ، أن تكون هناك عودة إلى ”السنوات الذهبية“ لإدارتي الرئيسين الأمريكيين السابقين بل كلينتون وباراك أوباما. وأضاف قائلا ”لا أتوقع أن يكون بايدن ليّنا تجاه أوروبا... لقد تغير المزاج إلى درجة كبيرة، ليس فقط في واشنطن بل أيضا في باقي الولايات الأمريكية“. وأظهرت أرقام أمريكية عجزا تجاريا مع الاتحاد الأوروبي في السلع والخدمات بقيمة 109 مليارات دولار في عام 2018.
ركود عالمي أعمق
في السياق ذاته قال صندوق النقد الدولي إن الضرر الذي تلحقه جائحة فيروس كورونا بالنشاط الاقتصادي أوسع وأعمق من التكهنات السابقة، مما حدا المؤسسة إلى تقليص توقعاتها للناتج العالمي في 2020 مجددا. وقال صندوق النقد إنه أصبح يتوقع انكماش الناتج العالمي 4.9 بالمئة، مقارنة مع ثلاثة بالمئة في توقعات ابريل نيسان، عندما استخدم البيانات المتاحة في وقت كانت الإغلاقات واسعة النطاق للأنشطة الاقتصادية مازالت في بدايتها.
وسيكون التعافي المتوقع في 2021 أضعف هو الآخر، حيث من المنتظر أن يبلغ النمو العالمي في ذلك العام 5.4 بالمئة وليس 5.8 بالمئة كما في تقديرات ابريل نيسان. لكن الصندوق أضاف أن تفشيا كبيرا جديدا في 2021 قد يقلص النمو إلى ما لا يزيد على 0.5 بالمئة. ورغم أن اقتصادات عديدة شرعت في استئناف النشاط، قال الصندوق إن السمات الفريدة للإغلاقات والتباعد الاجتماعي تضافرت للنيل من الاستثمار والاستهلاك على حد سواء.
وقالت جيتا جوبيناث كبيرة اقتصاديي الصندوق في مؤتمر صحفي ”لا ريب أننا لم نتجاوز الأزمة بعد. لم نفلت من الإغلاق العظيم.. في ظل هذه الضبابية الكثيفة، حري بصناع السياسات أن يلزموا جانب الحذر.“ ويقول صندوق النقد إن الركود الحالي هو الأسوأ منذ الكساد العظيم في ثلاثينيات القرن الماضي، عندما انكمش الناتج العالمي عشرة بالمئة، لكن جوبيناث قالت إن الدعم المالي البالغ عشرة تريليونات دولار والتيسير النقدي الهائل المقدم من البنوك المركزية حال حتى الآن دون إفلاسات واسعة النطاق. وأضافت أن هناك حاجة لمزيد من الدعم.
وتلقت الاقتصادات المتقدمة ضربات عنيفة على نحو خاص، حيث بات من المتوقع أن ينكمش الناتج الأمريكي ثمانية بالمئة وناتج منطقة اليورو 10.2 بالمئة في 2021، وهي تكهنات أسوأ بما يزيد على نقطتين مئويتين مقارنة مع توقعات ابريل نيسان، حسبما ذكر صندوق النقد.
وشهدت أمريكا اللاتينية، حيث مازالت الإصابات في ازدياد، بعض أضخم التقليصات، إذ أصبح من المتوقع أن ينكمش اقتصاد البرازيل 9.1 بالمئة والمكسيك 10.5 بالمئة والأرجنتين 9.9 بالمئة في 2020. أما الصين، حيث بدأت الشركات استئناف النشاط في ابريل نيسان وحيث الإصابات الجديدة محدودة، فهي الاقتصاد الرئيسي الوحيد المتوقع أن يحقق نموا في 2020، وذلك عند واحد بالمئة مقارنة مع 1.2 بالمئة في توقعات ابريل نيسان.
كما قال صندوق النقد الدولي إن من المتوقع أن ينكمش الناتج المحلي الإجمالي لمنطقة إفريقيا جنوبي الصحراء 3.2 بالمئة هذا العام بسبب تداعيات جائحة كوفيد-19، وهو ما يتجاوز تقدير سابق كان لانكماش نسبته 1.6 بالمئة. وتوقع الصندوق في تحديث لتقرير آفاق الاقتصاد العالمي أن ينكمش الناتج الإجمالي لجنوب إفريقيا، أكثر اقتصادات القارة تقدما، ثمانية بالمئة في 2020، وليس 5.8 بالمئة كما في توقعات ابريل نيسان.
اضف تعليق