في ظل التناحر السياسي على المستوى المحلي، سيما بعد الانتخابات الاخيرة وزيادة حالة الاختلاف والفرقة بين صفوف الجسد السياسي اللبناني، يرجح معظم المسؤولين السياسيين خبراء الاقتصاد على ان الوضع الاقتصادي في لبنان باتت محفوفاً بالخطر، ويرون ضرورة اتخاذ اجراءات سريعة تخفف من وتيرة انتشار هذا الخطر...
في ظل التناحر السياسي على المستوى المحلي، سيما بعد الانتخابات الاخيرة وزيادة حالة الاختلاف والفرقة بين صفوف الجسد السياسي اللبناني، يرجح معظم المسؤولين السياسيين خبراء الاقتصاد على ان الوضع الاقتصادي في لبنان باتت محفوفاً بالخطر، ويرون ضرورة اتخاذ اجراءات سريعة تخفف من وتيرة انتشار هذا الخطر قبل الوصول الى مرحلة لن يفيد معها اي حل، وفي وقت تباينت فيه الاراء بين قلق على الليرة اللبنانية وبين مطمئن بان هذه الليرة بخير ولو على المدى القريب على الرغم من الازمة التي تواجه اقتصاد لبنان في بلد تنخره المديونية ومتخم بالفساد وهو ما يستدعي اجراءات سريعة وقاسية للحد من ذلك والا سنكون امام بلد مفلس في الاعوام القادمة.
فقد صرح الرئيس اللبناني ميشال عون إن عملة بلاده ليست في خطر وإن الشائعات بشأن الاقتصاد تلحق ضررا بالبلاد، تأتي تصريحات الرئيس اللبناني في ظل مخاوف من أن الجمود السياسي يعرقل إصلاحات عاجلة ويترك البلاد المثقلة بالديون عرضة للمخاطر، ولبنان بلا حكومة منذ الانتخابات العامة التي أُجريت قبل أربعة أشهر. وأصدر البنك المركزي تطمينات متكررة بشأن متانة ربط الليرة اللبنانية بالدولار الأمريكي وحجم احتياطياته من العملة الأجنبية، ردا على تكهنات بشأن مستقبل العملة.
ولدى لبنان ثالث أعلى نسبة دين إلى الناتج المحلي الإجمالي في العالم، بما يزيد عن 150 بالمئة بنهاية عام 2017. ويريد صندوق النقد الدولي أن يرى ضبطا ماليا فوريا وكبيرا لتحسين القدرة على خدمة الدين العام، وزاد القلق بشأن الاقتصاد بسبب عجز السياسيين عن تشكيل حكومة تحتاجها البلاد لتنفيذ إصلاحات ضرورية بعد الانتخابات البرلمانية في مايو أيار، وذكر زعماء من كافة الأطياف السياسية في الأشهر الأخيرة إن المأزق السياسي يلحق الضرر بالاقتصاد، وإن من الضروري تشكيل حكومة، وفي حين يحجم السياسيون عن القول بأن ربط العملة في خطر، فإن بعض المحللين الاقتصاديين في الخارج يدرسون احتمال خفض قيمة العملة.
اذ اوضح بنك ميتسوبيشي يو.إف.جيه الياباني في تقرير له ”المأزق السياسي اللبناني الجاري جدد مخاوف السوق بشأن الميزانية الضعيفة للبلاد مما قد يدفع الحكومة لخفض قيمة الليرة اللبنانية...بموجب هذا السيناريو، فإن السلطات قد تجد خدمة ديونها الكبيرة بالعملة الأجنبية أمرا يمثل تحديا على نحو متزايد“، اذ أثارت أسوأ صدمة خلال عشر سنوات تواجهها سندات لبنان في سوق السندات مخاوف بشأن ما إذا كانت البنوك المحلية راغبة في مواصلة تمويل الحكومة وقادرة على هذا، مما يزيد الضغوط على بيروت للإسراع في تنفيذ إصلاحات وإلا ستخاطر بحدوث أزمة تزعزع استقرار العملة، وفي سبتمبر أيلول، ارتفعت تكلفة التأمين على الديون السيادية اللبنانية ضد مخاطر التخلف عن السداد إلى أعلى مستوى منذ الأزمة المالية العالمية في عام 2008، مما ينطوي على احتمال تخلف لبنان عن السداد بنسبة تزيد عن 40 بالمئة في السنوات الخمس القادمة. وهبط الكثير من السندات الحكومة اللبنانية المقومة بالدولار إلى مستويات قياسية، فيما ارتفعت فوارق العائد على السندات اللبنانية فوق سندات الخزانة الأمريكية إلى مستويات تاريخية.
ونتجت حالة الذعر هذه عن أسباب من بينها عمليات بيع أوسع نطاقا في سوق ديون الأسواق الناشئة عالميا. وعندما انخفضت سندات لبنان الدولية في السابق، كانت هناك قابلية للاعتماد على البنوك المحلية في شراء تلك الأوراق المالية. لكن الأمر لم يكن على هذا النحو هذه المرة، وقبل ما يزيد قليلا عن عامين، كان بحوزة البنوك المحلية ما يقل قليلا عن 20 مليار دولار من السندات الدولية اللبنانية، الا انها بلغت تلك الحيازات ما يزيد قليلا عن 16 مليار دولار، بعد أن انخفضت إلى 13 مليار دولار في أبريل نيسان، بينما كان إجمالي عبء الديون يرتفع، ويعاني لبنان من عجز مستمر في الميزانية وفي ميزان المعاملات الجارية. وتصنف وكالات التصنيف الائتماني لبنان عند درجة مرتفعة المخاطر على قدم المساواة مع مصر أو أنجولا. وحذرت ستاندرد آند بورز جلوبال من أن الديون ستستمر في الصعود من مستويات مرتفعة بالفعل.
ومع انخفاض النمو وتضرر المصادر التقليدية للنقد الأجنبي كالسياحة والعقارات والاستثمارات الأجنبية جراء التوترات الإقليمية والحرب الدائرة في الجارة سوريا منذ سنوات، يتزايد اعتماد لبنان حاليا على ودائع اللبنانيين المقيمين بالخارج في البنوك المحلية، والتي تعد بمليارات الدولارات.
ويعرض البنك المركزي عوائد مرتفعة للبنوك التجارية التي تودع دولارات لديه، ومنذ منتصف 2016 نفذ البنك سلسلة من العمليات المالية المعقدة شملت مبادلة ديون مع وزارة المالية وعمليات مبادلة مالية مع بنوك، لجمع المزيد من الدولارات بما يساعده في دعم احتياطيات العملة الصعبة لديه، لكن هذا قلص حجم النقد الأجنبي الإضافي الذي تستطيع للبنوك ضخه في السندات الدولية السيادية.
ويعطي لبنان أولوية لتعزيز احتياطيات النقد الأجنبي لديه دفاعا عن ربط العملة المستمر منذ عشرين عاما، والذي تعرض لضغوط في الآونة الأخيرة بعد استقالة رئيس الوزراء سعد الحريري في نوفمبر تشرين الثاني، منذ ذلك الحين، عوضت الأصول الأجنبية للبنك المركزي، باستثناء الذهب، ما خسرته في الدفاع عن الليرة لتبلغ أعلى مستوى على الإطلاق عند 45 مليار دولار بنهاية مايو أيار، قبل أن تتراجع إلى 43 مليار دولار بحلول منتصف سبتمبر أيلول.
ويصف الكثير من خبراء الاقتصاد اللبنانيين ذلك السيناريو بأنه مفرط في التشاؤم، ويذكرون إن المستثمرين الأجانب يحوزون نحو 11 بالمئة فقط من الدين العام اللبناني، لكن فرص التوصل إلى حلول للمشاكل الأساسية تبدو بعيدة. وتعهد رئيس الوزراء سعد الحريري في أبريل نيسان بخفض عجز الميزانية الحكومية، لكن الإصلاح المالي لا يمكن أن يتم إلى حين تشكيل حكومة. وذلك الأمر محل جدل بين السياسيين منذ الانتخابات التي جرت في مايو آيار.
انكماش سريع لأنشطة القطاع الخاص في لبنان
أظهر مسح للشركات أن أنشطة القطاع الخاص في لبنان انكمشت بأسرع وتيرة منذ أكتوبر تشرين الأول 2016، في الوقت الذي لم تحرز فيه جهود تشكيل حكومة جديدة تقدما بعد ثلاثة أشهر من الانتخابات البرلمانية، وانخفض مؤشر بلوم لمديري المشتريات المعدل في ضوء العوامل الموسمية، والذي تجمعه آي.إتش.إس ماركت، إلى 45.4 في يوليو تموز من 46.0 في يونيو حزيران. والمؤشر دون مستوى الخمسين، الذي يشير إلى الانكماش، منذ منتصف 2013 لكنه ينكمش بمعدلات متفاوتة، وفي مذكرة مصاحبة للمسح، افاد مؤلفوه إن النتائج تعني ”أن بمقدورنا افتراض أن النمو المُقدر للناتج المحلي الإجمالي في الربع الثالث من 2018 ربما يقل عن واحد بالمئة“. وصرح البنك المركزي إنه يتوقع ارتفاع الناتج المحلي الإجمالي اثنين بالمئة هذا العام وتوقع صندوق النقد الدولي أن يتراوح النمو في عام 2018 بين واحد و1.5 بالمئة.
وتواجه السياحة العربية والعقارات الفاخرة وهما ركيزتان سابقتان للاقتصاد، متاعب في لبنان. وبلغ الدين العام للبلاد ما يزيد عن 150 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي بنهاية 2017 وهو واحد من أعلى المعدلات في العالم، واشار مؤلفو المسح إن الشركات تحدثت عن الغموض على الساحة السياسية بجانب مشكلات تتعلق بتدفقات النقد كعاملين أثرا بقوة على الطلب في يوليو تموز.
وعلى الرغم من الدعوات الصادرة للأطراف المتنافسة في لبنان للاتفاق على حكومة جديدة سريعا لتهدئة المخاوف بشأن الوضع الاقتصادي والبدء في إصلاحات دعا إليها صندوق النقد، لا يوجد مؤشر على إحراز تقدم، اذ بين مؤشر مديري المشتريات إن الشركات المشاركة في المسح كانت متشائمة بشأن توقعات الإنتاج في المستقبل.
صندوق النقد يريد أن يشكل لبنان حكومة جديدة ويبدأ الإصلاحات
صرح جهاد أزعور مدير إدارة الشرق الأوسط وآسيا الوسط في صندوق النقد الدولي إن الصندوق يأمل بأن يسارع لبنان إلى تشكيل حكومة جديدة في أعقاب الانتخابات التي أُجريت قبل شهرين، وأن يشرع في إصلاحات هيكلية ومالية تشتد الحاجة إليها لكبح العجز في ميزانيته ودعم النمو، وأضاف”نرى أن الثقة والاستقرار سيتحققان عبر تسريع الإصلاحات، والسعي للضبط المالي وإصلاح الهياكل الرئيسية التي تعوق الاقتصاد اللبناني عن النمو وتزيد العبء على المالية العامة“.
ويعاني لبنان من نمو ضعيف منذ 2011 جراء تأثره سلبا بالاضطرابات في المنطقة. ويقدر صندوق النقد نمو اقتصاد لبنان بمعدل يتراوح بين 1 و1.5 بالمئة في 2017 و2018 ويقول إن المحركات التقليدية للاقتصاد، وهما قطاعا التشييد والعقارات، ما زالت راكدة، ودعا صندوق النقد ِأيضا إلى ضبط مالي ”فوري وكبير“ لتحسين القدرة على خدمة الدين العام الذي تجاوز 150 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي في نهاية 2017.
من جهة اخرى افاد مسؤول بارز بالبنك الدولي إن اقتصاد لبنان هش ولا تتوافر له مقومات الاستمرارية ويحتاج إلى إصلاحات تنفذها الدولة بينما لا تزال البلاد بلا حكومة جديدة بعد حوالي ثلاثة أشهر من الانتخابات البرلمانية التي أجريت في مايو أيار، وأبلغ فريد بلحاج نائب رئيس مجموعة البنك الدولي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا الصحفيين في مكتب البنك ببيروت ”لبنان يقاوم السقوط منذ وقت طويل“ وسيأتي يوم ”يتحقق فيه السقوط“. ولدى البنك الدولي محفظة استثمار قيمتها حوالي 2.2 مليار دولار في لبنان، لكن عدم وجود حكومة يعني أن 1.1 مليار دولار من هذا المبلغ لا يزال ينتظر موافقة بيروت قبل استخدامه في الإنفاق على مشروعات في مجالات التوظيف والصحة والنقل.
ويبدو ان الوضع الاقتصادي في لبنان لخصه تقرير نشرته مجلة الايكونومست حول المأزق الاقتصادي في لبنان وتحت عنوان (أزمة تلوح في الأفق) يلخص هذه المعاناة، اذ يشير التقرير إلى أن السياسة النقدية المتبعة منذ تسعينيات القرن الماضي باتت غير قابلة للاستدامة، ويضيف أن سياسيي لبنان حققوا ثروة من الفقاعة المصرفية. فمن ضمن أكبر 20 مصرفاً تجارياً، هناك 18 مصرفاً مملوكاً كلياً أو جزئياً من سياسيين أو من عائلات مرتبطة بشكل وثيق بهم. الآن يبدو أنهم غافلون عن الانهيار الذي يلوح في الأفق، ويقومون بتعويم مخططات خيالية. يأمل البعض بأن يصبح لبنان مركزاً لإعادة إعمار سوريا بعد الحرب. إلا أن هذه الخطة تواجه عوائق عدة، كما أن الأموال التي تعهد المانحون بتقديمها في مؤتمر باريس 4 في نيسان الماضي (نحو 12 مليار دولار)، هي بمعظمها قروض وليست هبات، في حين أن لبنان لم يعد قادراً على تحمل المزيد من الديون، إذ يتوقع خبراء صندوق النقد الدولي أن تصل نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي إلى 180% في غضون خمس سنوات. وبحلول ذلك الوقت، ستستحوذ خدمة الدين على ثلاثة أخماس الإيرادات الحكومية، من دون أن تترك شيئاً للنفقات الرأسمالية (المنخفضة بالأساس).
اضف تعليق