يبدو إن السياسة الجديدة التي انتهجتها الولايات المتحدة الاميركية وشنها لحرب هوجاء من التعريفات الكمركية التجارية على الاقتصادات العالمية وفي مقدمتها الصين، قد جعلت مسار الاقتصاد يدخل في ظل مسار متقلب ومتزعزع، مما جعل منظمات دولية كصندوق النقد الدولي ومنظمة التجارة العالمية تعيد النظر ...

يبدو إن السياسة الجديدة التي انتهجتها الولايات المتحدة الاميركية وشنها لحرب هوجاء من التعريفات الكمركية التجارية على الاقتصادات العالمية وفي مقدمتها الصين، قد جعلت مسار الاقتصاد يدخل في ظل مسار متقلب ومتزعزع، مما جعل منظمات دولية كصندوق النقد الدولي ومنظمة التجارة العالمية تعيد النظر في توقعاتها لنمو الاقتصاد العالمي في المستقبل، وهذا ما قد يخلف أثاراً سلبية على الاقتصاد العالمي والاسواق العالمية، لاسيما الناشئة منها، وفي ظل هذا التزعزع وعدم وجود بوادر انفراج أزمة التجارة بين الدول فأن التشاؤم سيبقى هو المسيطر على سنة 2019 وربما يمتد لسنة 2020.

فقد دعت مديرة صندوق النقد الدولي كريستين لاغارد قادة العالم إلى إصلاح الأنظمة التجارية العالمية بدلاً من السعي إلى تقويضها، في تصريح هو بمثابة توبيخ للسياسيين الذين يعززون الرسوم الجمركية والحمائية، ويأتي تصريحها في وقت يهدد الخلاف التجاري بين الصين والولايات المتحدة النمو الاقتصادي العالمي حيث حذر خبراء صندوق النقد الدولي من "نقاط ضعف جديدة" في النظام العالمي، واضافت لاغارد خلال اجتماع صندوق النقد الدولي والبنك الدولي في بالي في اندونيسيا، "نحتاج إلى العمل معا من أجل تخفيف التوتر وحل النزاعات التجارية الراهنة، نحتاج إلى أن نتكاتف لإصلاح النظام التجاري الحالي وليس تدميره".

وحضر حوالي 32 ألفاً من النخبة المالية العالمية إلى هذا المنتجع الإندونيسي للمشاركة في أسبوع من المناقشات التي خيمت عليها سياسة "أميركا أولاً التي ينتهجها الرئيس الأميركي دونالد ترامب الذي فرض أو هدد بفرض تعرفات جمركية أعلى على السلع المستوردة لا سيما الصين وكذلك من حلفاء تقليديين مثل الاتحاد الأوروبي، وأدى كذلك رفع أسعار الفائدة الأميركية إلى خلق حالة من البلبلة في عملات الأسواق الناشئة حيث تجهد الدول التي اقترضت بكثافة بالدولار لتسديد ديونها بسرعة.

وأفاد التقرير الصادر عن صندوق النقد الدولي حول الاستقرار المالي العالمي أن النمو العالمي قد يكون في خطر إذا شهدت الأسواق الناشئة مزيداً من التدهور أو تصاعدت حدة التوترات التجارية، وبين الصندوق في تقريره نصف السنوي، "ظهرت نقاط ضعف جديدة ولم يتم بعد اختبار مرونة النظام المالي العالمي"، ويبدو المشاركون في السوق "مرتاحين" إزاء المخاطر المحتملة التي قد تنجم عن "زيادة مفاجئة في حدة الظروف" - مثل ارتفاع أسعار الفائدة أو انخفاض إمكانية الحصول على الرساميل، كما حذر الصندوق من أن فرض مزيد من التعرفات الجمركية والتدابير المضادة لها يمكن أن تؤدي إلى تشديد أكبر للظروف المالية مع ما يترتب على ذلك من آثار سلبية على الاقتصاد العالمي والاستقرار المالي، اذ ذكرت لاغارد خلال الاجتماع إن الظروف العالمية لا تبعث على الشعور التام بالاكتئاب. وأضافت "يدفع الوضع للشعور ببعض الاحباط لكنني في الواقع متفائلة لأن هناك رغبة فعلية في تحسين وتطوير العلاقات التجارية" العالمية.

وأشار صندوق النقد إلى أنه رغم تدعيم الجهات التنظيمية للنظام المصرفي في العشر سنوات الأخيرة منذ اندلاع الأزمة المالية العالمية في 2008 فإن أوضاع التيسير المالي ساهمت في تراكم عوامل الضعف مثل مستويات الدين المرتفعة و“زيادة مفرطة“ في تقييمات الأصول.

وأشار الصندوق في تقريره نصف السنوي للاستقرار المالي العالمي إن اللوائح المصرفية الجديدة التي تهدف لتفادي خطط الإنقاذ المالي مستقبلا لم تخضع للاختبار بدرجة كافية. وأضاف”زادت مخاطر المدى القريب التي تهدد الاستقرار المالي العالمي قليلا.. وبشكل عام تبدو أطراف السوق متساهلة إزاء خطر حدوث تشديد حاد في الأوضاع المالية“. في حين صرح توبياس أدريان مدير أسواق المال في صندوق النقد الدولي إن الصدمات المحتملة للنظام قد تأتي في العديد من الأشكال مثل زيادة أعلى من المتوقع في التضخم تؤدي لقفزة حادة في أسعار الفائدة أو خروج ”فوضوي“ لبريطانيا من الاتحاد الأوروبي.

لكن حدة تأثير مثل هذه الصدمات ستتحدد وفقا لنقاط الضعف التي تشمل نمو مستويات الدين غير المالي الذي تجاوز الآن 250 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي وانخفاض في معايير تغطية القروض خارج القطاع المصرفي التقليدي وأسعار الأصول المرتفعة التي قد تشهد تدهورا حادا، كما أفاد التقرير إن النمو الاقتصادي تسارع على ما يبدو في بعض الاقتصادات الكبيرة لكن الفجوة بين الدول المتقدمة والأسواق الناشئة تتسع. وخفض صندوق النقد توقعاته للنمو العالمي بسبب تصاعد الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين ونمو الاضطرابات المالية في الأسواق الناشئة، وذكر صندوق النقد عددا من مخاطر المدى القريب المهددة للاستقرار المالي مثل احتمال انفصال بريطانيا عن الاتحاد الأوروبي ”دون اتفاق“ أو تجدد المخاوف بشأن السياسة المالية في بعض اقتصادات منطقة اليورو المثقلة بالديون، كما حث الصندوق الجهات التنظيمية العالمية على الإبقاء على الإجراءات المتخذة منذ الأزمة المالية وتشديد الرقابة على السيولة في الأسواق وزيادة حجم رؤوس الأموال التي يتعين على البنوك تجنيبها لمواجهة أي انتكاسة.

ويرجع هذا الخفض إلى مجموعة من العوامل من بينها تبادل الولايات المتحدة والصين فرض رسوم جمركية على الواردات وتراجع أداء دول منطقة اليورو واليابان وبريطانيا وزيادة أسعار الفائدة التي تضغط على بعض الأسواق الناشئة مع نزوح رؤوس الأموال ولا سيما في الأرجنتين والبرازيل وتركيا وجنوب أفريقيا وإندونيسيا والمكسيك، ومع بدء ظهور معظم عواقب حرب الرسوم بين الصين والولايات المتحدة العام المقبل، خفض صندوق النقد توقعاته للنمو في الولايات المتحدة في 2019 من 2.7 بالمئة إلى 2.5 بالمئة في الوقت الذي خفض فيه توقعاته للنمو في الصين في 2019 من 6.4 بالمئة إلى 6.2 بالمئة. وأبقى الصندوق على توقعاته للنمو في 2018 للدولتين دون تغيير عند 2.9 بالمئة للولايات المتحدة و6.6 بالمئة للصين.

تهديد الحرب التجارية

حث بنك التسويات الدولية البنوك المركزية الكبرى على مواصلة رفع أسعار الفائدة لكنه حذر من ان تصاعد التوترات التجارية بين الولايات المتحدة والصين قد يقود لدورة تراجع اقتصادي خطيرة، وتحدث المدير الجديد للبنك أوجستين كارستنز، وهو محافظ البنك المركزي المكسيكي السابق، لرويترز بالتزامن مع نشر البنك، وهو مظلة للبنوك المركزية في العالم، أول تقرير سنوي تحت رئاسته، ويأتي ذك إثر حالة من الاضطراب اعترت الأسواق العالمية التي شهدت توقف الاتجاه الصعودي الذي سجلته الأسواق المالية في العام الماضي بينما تسبب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في حالة من الاستياء الواسعة بسبب فرضه رسوما على تجارة بمئات المليارات من الدولارات.

وصرح كارستنز ان ندخل مرحلة خطيرة حيث سيبدأ ظهور الآثار السلبية لهذا النوع من قضايا (الحماية التجارية) على أسواق العملة والتدفقات المالية، وتابع قد تبدأ دورة هبوط خطيرة للغاية يمكن أن تؤثر حقا على نمو الاقتصاد العالمي والاستقرار المالي، لكن الخط الأساسي للبنك في الوقت الحالي يشير إلى أن الاقتصاد العالمي سيواصل التحسن إذا لم يشهد تصعيدا كبيرا للتوترات التجارية وتكلفة الاقتراض، ولذا فإنه يدعم استمرار مجلس الاحتياطي الاتحادي (البنك المركزي الأمريكي) في رفع أسعار الفائدة في حين تخفف بنوك مركزية كبيرة أخرى من بينها البنك المركزي الأوروبي برامج التحفيز الضخمة القائمة منذ سنوات، كما أفاد أعتقد أن من المهم أن تعود الأمور لطبيعتها تدريجيا.وأضاف التقرير أن الاقتصاد العالمي لا يزال متألقا رغم أنه ”من غير المعتاد إلى حد ما“ أن نظل نرى هذا النمو القوي بعد سنوات عديدة من التوسع في حين نرى تضخما ضعيفا فحسب.

من جهة أخرى صرح المدير العام لمنظمة التجارة العالمية من أن الاقتصاد العالمي قد يتأثر سلبا إذا تصاعد الصراع التجاري بين الولايات المتحدة ودول أخرى مشيرا إلى أن هناك مؤشرات بالفعل على حدوث هذا الأمر، اذ أوضح المدير العام لمنظمة التجارة العالمية روبرتو أزيفيدو لصحيفة هاندلسبلات اليومية الاقتصادية ”بالتأكيد. إذا تصاعد النزاع التجاري، فهناك تهديد بتراجع عالمي ونحن نرى بالفعل مؤشرات على أن هذا المسار النزولي بدأ بالفعل“.

تكلفة الاقتراض والأسواق الناشئة

هبطت مبيعات سندات الشركات والأسواق الناشئة في الربع الثالث من العام بسبب ارتفاع تكلفة الاقتراض والتوترات التجارية، بينما قلصت التقلبات شهية مديري صناديق الاستثمار لشراء ديون الأسواق الناشئة، وتراجعت إصدارات الدين من الشركات على مدى العام مع الزيادة المطردة في أسعار الفائدة الأمريكية، بينما أغلقت التقلبات في فصل الصيف أبواب السوق فعليا أمام الإصدارات السيادية من أسواق ناشئة مثل تركيا وروسيا، على النقيض تماما من الإصدارات الغزيرة التي شهدها عام 2017.

وأظهرت بيانات أن مبيعات شركات الأسواق المتقدمة من سندات العملة الصعبة بلغت 572.8 مليار دولار في الربع الثالث، انخفاضا من 676.2 مليار دولار في الربع الثاني و712.1 مليار دولار في الربع الأول، كما انخفضت أحجام الإصدارات بنحو 11 في المئة عن الربع الثالث من 2017، رغم صفقات كبيرة مثل إصدار إيه.تي آند تي الأمريكية للاتصالات البالغة قيمته 3.75 مليار دولار بسعر فائدة متحرك.

وأظهرت بيانات من معهد التمويل الدولي أن إجمالي مبيعات السندات ذات الدرجة الاستثمارية بلغت 490.8 مليار دولار في الربع الثالث، ارتفاعا من 482.2 مليار دولار في الفترة المماثلة من العام الماضي، لكن مبيعات السندات من الدرجة العالية المخاطر تراجعت إلى 62.8 مليار دولار من 81.7 مليار دولار في الربع الثاني، ومقارنة مع 105.4 مليار دولار في الربع الثالث من 2017، بحسب بيانات معهد التمويل.

وتشير البيانات إلى أن إجمالي مبيعات سندات الأسواق الناشئة بلغ 12 مليار دولار، مقارنة مع 53.2 مليار دولار في الربع الثاني، وبانخفاض 72 في المئة على أساس سنوي، رغم أن إصدارات الشرق الأوسط وآسيا كانت نشطة إلى حد كبير، وبين رانكو ميليك خبير أسواق الدين في وسط وشرق أوروبا والشرق الأوسط وأفريقيا لدى بنك يو.بي.إس إن بعض الاقتصادات الناشئة لديها مشكلات محددة، مضيفا ”السوق كانت مغلقة تماما أمام روسيا وتركيا، وهما من بين الأسواق الكبيرة في منطقة وسط وشرق أوروبا والشرق الأوسط وأفريقيا“.

وامتدت موجة البيع في الليرة التركية والبيزو الأرجنتيني إلى أسواق ناشئة أخرى في أغسطس آب، وهو ما دفع هوامش السندات للصعود إلى أعلى مستوياتها في عامين، وبلغت أوامر الاكتتاب ستة أمثال المعروض في أول إصدار لسندات بقيمة 500 مليون دولار لأجل عشر سنوات من السوق المبتدئة بابوا غينيا الجديدة، رغم أنه كان يٌنظر إلى الصفقة على أنها بيع صعب في سوق أكثر حذرا، ومن بين الإصدارات الكبيرة الأخرى صكوك بقيمة ملياري دولار من السعودية وسندات ساموراي من الفلبين بقيمة 154.2 مليار ين، وهو مستوى قياسي في آسيا.

وفي علامة على أن مديري الأصول يريدون شراء أصول عالية الجودة لتفادي الاضطراب، كان هناك أيضا طلب قوي على سندات كورية جنوبية بقيمة مليار دولار، وقد أظهرت البيانات ايضا أن إصدارات شركات الأسواق الناشئة بلغت 17 مليار دولار، انخفاضا من 27.4 مليار دولار في الربع الثاني، ودون نصف مستواها البالغ 39.1 مليار دولار في الربع الثالث من 2017، وجاءت المبيعات بشكل رئيسي من البنوك وشركات العقارات والمرافق في الشرق الأوسط وآسيا، مثل السعودية للكهرباء. وجمعت أيضا ساسول للكيماويات والطاقة في جنوب أفريقيا 2.25 مليار دولار.

وبهذا فأن توقعات تسارع نمو الاقتصاد العالمي ستستمر بالتراجع؛ حيث توقع 1% فقط من المستثمرين ازدياد قوة الاقتصاد العالمي خلال الشهور ال12 المقبلة، وتمثل هذه النسبة أدنى مستوى انخفاض منذ 2016، ولاتزال معدلات التضخم العالية من وجهة نظر إجماعية؛ اذ توقع 79% من مديري صناديق الاستثمار ارتفاع المؤشر العالمي لأسعار السلع الاستهلاكية (CPI) في الشهور ال12 المقبلة، وتوقع 2% فقط من المستثمرين حدوث ركود اقتصادي عالمي هذا العام، بينما أشار إجمال الرأي إلى حدوث ذلك في الربع الأول من عام 2020 على الرغم من انقسام آراء المستثمرين؛ حيث توقع 41% منهم حدوث ركود اقتصادي عالمي عام 2019 بينما توقع 43% منهم حدوث ذلك عام 2020.

اضف تعليق


التعليقات

فائق جمعه حمزه العبيدي
العراق/ الاقامة عمان
اود ان اشير الى ان كل الارقام والاحصاءات التي نشرت من قبل كافة المؤسسات الاقتصادية الد ولية تؤكد على ان نسبة نموالاقتصاد العالمي للعام 2019 لاتبشر بخير للاسباب التي ذكرت في المقال اعلاه واود ان اضيف الى تلك الاسباب الى زيادة عمق مشكلة عدم التوزيع العادل للثروات سواء على مستوى الاقتصادات المتقدمة وكذلك الناشئة وكذلك زيادة نسبة البطالة على المستوى الوطني لكل دولة والمستوى العالمي بالاضافة الى ارتباك السياسات التجارية على المستوى الاقليمي والدولي بسبب السياسات المنفردة التي تتبعها الادارة الامريكية والخارجة عن الاتفاقات الدولية والعالمية وسياسات العقوبات الاقتصادية التي تتبعها ضد دول العالم بشكل انتقائي (مما جعل السياسة هي التي تقود عجلة الاقتصاد ومن هنا تتعاظم المشاكل والازمات الدولية كون الولايات المتحدة تمتلك اكبر اقتصاد في العالم وان اي اضطراب فيه يؤدي الى وصول موجات اضطرابه وعدم استقراره الى اقتصاديات دول العالم المختلفة) وكذلك الاوضاع الاقتصادية الرديئة والمتدنية المستوى في دول الشرق الاوسط ولا سيما ماحصل ويحصل للدول العربية التي تشهد تخبطا سياسيا واقتصاديا ووضعا غي مستقر منذ عقد من الزمن واكثر وكل الاسباب التي مر ذك ها ادت الى توسيع الفجوة بين الاقتصادات المتقدمة اقتصادات الدول النامية وهذه تؤدي بطبيعة الحال الى انحسار الكثير من الاستثمارات لا سيما في الدول النامية وهذا ما يؤدي الى انخفاض في الطلب الكلي لهذه البلدان مما قديساهم في خلق ازمة مالية جديدة تدفع باتجاه الركود الاقتصادي العالمي ولعل عام 2020 سيكون شهدا على مانقول،،،،،،2019-04-14