يهتم العالم منذ فترة ليست بالطويلة بقضايا يرى فيها أنها الأن تمثل أحد أهم مشاكل ومعوقات تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية سيما المستدامة التي تمثل الهدف الأسمى لكل بلد ومجتمع، ومنها قضايا التفاوت بين الدخول لاعلى أساس نفس الجنس بل بين الرجل والمرأة على وجه الخصوص...
يهتم العالم منذ فترة ليست بالطويلة بقضايا يرى فيها أنها الأن تمثل أحد أهم مشاكل ومعوقات تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية سيما المستدامة التي تمثل الهدف الأسمى لكل بلد ومجتمع، ومنها قضايا التفاوت بين الدخول لاعلى أساس نفس الجنس بل بين الرجل والمرأة على وجه الخصوص، هذه القضية التي يرى فيها الاخرين على إنها احدى مقوضات مسار التنمية ومعرقلاته وهي لحد الان لم تُعالج كما يجب في الدول المتقدمة على الرغم من تذليل الكثير من التفاوتات بين الرجل والمرأة فيما يتعلق بالمشاركة واتخاذ القرار، الا إن مسألة تقليل حجم التفاوت ما بين الأجور لا زالت تعاني دون حل يُسهم في القضاء على هذا التفاوت، وخير دليل ما شهده العالم من ظهور النساء مرتديات الزي الاسود في أكثر من مناسبة للتعبير عن امتعاضهن عن هذا التفاوت على الرغم من أنهن يقدمن ذات الخدمة والعمل وربما بشكل أفضل من الرجل.
اذ بين البنك الدولي في دراسة له إن بلدان العالم تخسر 160 تريليون دولار من ثرواتها بسبب التفاوت بين النساء والرجال في مستويات الدخل التي يحققونها خلال حياتهم، أو ما يعادل في المتوسط 23620 دولاراً لكل فرد، وأشار إلى أن النساء اليوم يواجهن، في كل بلد تقريباً، حواجز أمام المشاركة الكاملة في القوى العاملة، وكسْب قدْر ما يكسبه الرجال من الدخل. ولهذا السبب، فإن النساء لا يساهمن سوى بنسبة 38% فحسب من ثروة بلادهن من رأس المال البشري التي تُعرَّف بأنها قيمة دخول مواطنيها البالغين في المستقبل- بالمقارنة مع 62% للرجال. وفي البلدان منخفضة الدخل وتلك التي تندرج في الفئة الدنيا من البلدان متوسطة الدخل، تبلغ مساهمة النساء الثلث فحسب أو أقل في ثروة رأس المال البشري.ويضيف التقرير أن من شأن اعتماد برامج وسياسات تُيسِّر على النساء الوصول إلى أماكن العمل ومرافق البنية التحتية الأساسية، والحصول على الخدمات المالية، وتملُّك الأراضي أن يُساعِد على تحقيق المساواة بين الجنسين في مستويات الدخل.
وتتباين الخسائر في ثروة رأس المال البشري بسبب التفاوت في مستويات الدخل بين الرجال والنساء من منطقة إلى أخرى. وتبين أن أكبر الخسائر –التي يتراوح كل منها بين 40 تريليون دولار و50 تريليون دولار- في مناطق شرق آسيا والمحيط الهادئ، وأمريكا الشمالية، وأوروبا وآسيا الوسطى. ويرجع ذلك إلى أن هذه المناطق تمتلك معظم ثروة العالم من رأس المال البشري. والخسائر في المناطق الأخرى أيضاً كبيرة. ففي منطقة جنوب آسيا، تُقدَّر الخسائر الناجمة عن التفاوت في مستويات الدخل بين الجنسين بنحو 9.1 تريليون دولار، في حين تُقدَّر بنحو 6.7 تريليون دولار في منطقة أمريكا اللاتينية والبحر الكاريبي و 3.1 تريليون دولار في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. وفي منطقة أفريقيا جنوب الصحراء، تُقدَّر الخسائر بنحو 2.5 تريليون دولار. ومع أنَّ الخسائر في البلدان منخفضة الدخل أقل بالقيمة المطلقة مما هي في المناطق الأخرى، فإن الخسائر كنسبة من ثروة رأس المال البشري الأولية أكبر من المتوسط على مستوى العالم(1).
وذكرت صحيفة الشرق الاوسط في مقال لها بأن في مطلع هذا العام، كشفت أكثر من 500 شركة بريطانية في مجالات عدة، من بينها شركة المراهنات لادبروكس وشركة الطيران إيزيجيت وشركة الاستثمار فيرجن موني، عن فرق في الرواتب بين موظفيها من النساء والرجال يصل إلى أكثر من 15% لصالح الرجال لما يحصلون عليه من أجر في الساعة، ويقل أجر النساء في الساعة في إيزيجيت بنسبة 52% عن أجر الرجال، وفي المتوسط، يقل دخل النساء 15% في لادبروكس عن الرجال ويقل أجرهن 33% عن الرجال في فيرجن موني، اذ يتعين على الشركات التي يزيد عدد موظفيها عن 250 شخصا في بريطانيا أن تنشر أجور موظفيها، وقامت 527 شركة بنشر الفارق في الأجر بين موظفيها من الرجال والنساء، وأفادت مجموعة لادبروك كورال إن الفرق بين الرجال والنساء في الأجر يرجع إلى التمثيل الضعيف في المستويات العليا(2).
وعلى الرغم من كل ما تقدم تحاول العديد من الجهات التي من ضمنها البنك الدولي تقديم ستراتيجيات وحلول لهذا التفاوت وبشكل مستمر، ومايؤخذ ويؤسف عليه إن هكذا قضايا لايتم الاشارة اليها في الدول العربية لا من قريب ولامن بعيد، وهذا قد يعود الى أساساً إن الفجوة مازالت عميقة على مستوى المشاركة واتخاذ القرار فيما يتعلق مابين الرجل والمرأة فكيف يتم نقاش مسألة الأجر أصلاً، هذا يدفعنا الى أن نعرف عمق المسافة بين ماحققته الدول الاخرى في هذا المجال وبين مانحن عليه من إهمال لقضايا المرأة والعنف والمشاركة، فضلاً عن إهمال المرأة نفسها في المجتمعات الشرقية، اذ نلاحظ إن المرأة في الدول الأخرى دائماً ما تكون مبادرة في قضاياها التي تخصها وتسعى الى أخذ حقوقها بنفسها عبر الاحتجاج والتظاهر وعبر وسائل التواصل الاجتماعي والمنظمات الانسانية وبالتالي نجدها هي من تساوي نفسها بالرجل لا أن تنتظر أن يساويها الرجل بنفسه اذا ما قبل بذلك من الأساس.
إن مسالة تساوي وعدالة الاجور بين الرجل والمرأة لاتمثل مجرد ضمان لحقوق جنس أو شريحة معينة وحسب، وإنما هي أحد متطلبات تحقيق التنمية بصورتها الايجابية والعادلة، ويمثل حافزاً لمرأة في تطوير قدراتها ومهاراتها بالشكل الذي يجعل التنافس بين الرجل والمرأة عادل ويسير بصورة صحيحة وبالتالي ضمان أن يحظى الجميع بذات الفرص وذات الامتيازات وهو الهدف الذي تنشده التنمية في أن يكون الجميع متساوي في الحقوق والواجبات والأجر والكرامة أيضاً.
اضف تعليق