حتى الآن تمكنت قطر من مواجهة التبعات الاقتصادية لحصار أشقائها الخليجيين بفضل النجدة الذي تلقتها من تركيا ودول أخرى، لكن ماذا سيحصل إذا طالت الأزمة وتعطلت صادرات الغاز التي تعد شريان حياة الاقتصاد القطري؟
وتمتلك قطر احتياطات مالية واستثمارات أجنبية قد تصل قيمتها إلى نحو 300 مليار دولار. وطالما بقيت تأثيرات الأزمة مع الأشقاء محدودة على الاقتصاد، فإن بإمكان الإمارة تعويض الخسائر وارتفاع التكاليف بضخ المزيد من الاحتياطات المالية الداعمة في السوق. غير أن الكارثة لا يمكن تجنبها في حال طالت الأزمة بشكل يؤدي إلى استنزف الاحتياطات وقطع إمدادات الغاز ولو بشكل جزئي. فالغاز يهب الحياة لقطر ولاقتصادها. وفي حال تعطل صادراته، فإن ذلك يعني نهاية دعائم الدولة القطرية بالشكل الذي نعرفه حاليا. عندها قد تتوقف "شبكة الجزيرة الإعلامية" وتتراجع أهمية الخطوط الجوية القطرية. أما استكمال مشروع "مونديال قطر 2002 " فسيكون صعبا وكذلك الأمر بالنسبة لمشروع تحويل الدوحة إلى مركز دولي للملاحة الجوية.
وفي الشأن المالي والمصرفي ذكر مصرفيون ببنوك تجارية في قطر إن صندوق الثروة السيادي القطري ضخ إيداعات دولارية في بعض البنوك المحلية كإجراء احترازي بعد أن قطعت السعودية ودول عربية أخرى العلاقات الدبلوماسية وخطوط النقل مع الدوحة، إن من المعتقد أن يكون إجمالي الودائع الجديدة التي ضخها جهاز قطر للاستثمار في النظام المصرفي بنهاية الأسبوع الماضي قد بلغ عدة مليارات من الدولارات. ووصف الودائع بأنها إجراء "احترازي".
وباتت البنوك القطرية تعتمد على التمويل الأجنبي خلال السنوات القليلة الماضية التي شهدت نموا اقتصاديا قويا. وزادت الالتزامات الأجنبية للبنوك إلى 451 مليار ريال (124 مليار دولار) في مارس آذار من 310 مليارات ريال بنهاية 2015، وكان يوسف الجيدة الرئيس التنفيذي لمركز قطر للمال صرح إن مؤسسات من السعودية والإمارات العربية المتحدة والبحرين لديها ودائع بنحو 18 مليار دولار في البنوك القطرية تستحق في غضون شهرين، ولدى المركز بنيته التحتية القانونية والتنظيمية والضريبية والتجارية الخاصة، ويمنح تراخيص للشركات الأجنبية تستثنيها من قوانين الملكية المحلية، ولدى البنك المركزي صافي احتياطيات أجنبية بقيمة نحو 34.5 مليار دولار ويعتقد أن جهاز قطر للاستثمار يملك أصولا سائلة تزيد قيمتها على 200 مليار دولار، ومن ثم فإن قطر تبدو غير معرضة لخطر نفاد المال اللازم لحماية نظامها المصرفي.
ويملك جهاز قطر للاستثمار حصصا في بنوك قطرية من بينها 50 بالمئة في بنك قطر الوطني، أكبر بنوك البلاد، وحصة تبلغ 16.9 في المئة من مصرف قطر الإسلامي، أكبر مصرف متوافق مع الشريعة من حيث حجم الأصول، وتحرك الريال القطري، المربوط عند مستوى 3.64 ريال للدولار الأمريكي، ليبتعد قليلا عن مستوى الربط منذ بدأت الأزمة الدبلوماسية في الخامس من يونيو حزيران، وتسعره البنوك الخارجية حاليا عند نحو 3.67 ريال للدولار، وإن البنك المركزي لم يصدر أي تحذيرات محددة للبنوك بشأن المضاربة على إلغاء الربط لكنه ملتزم بربط العملة وإن المؤسسات الوحيدة التي تضارب في سوق النقد الأجنبي هي صناديق تحوط وبعض المستثمرين الدوليين الآخرين.
قطر قادرة على الدفاع عن اقتصادها وعملتها
صرح وزير المالية القطري علي شريف العمادي إن بإمكان بلاده الدفاع بسهولة عن اقتصادها وعملتها في مواجهة العقوبات التي فرضتها عليها دول عربية أخرى، وأضاف أن الدول التي فرضت عقوبات ستخسر أموالا أيضا بسبب الأضرار التي ستلحق بقطاع الأعمال في المنطقة، وتسببت العقوبات في تعطيل تدفقات الواردات ومواد أخرى إلى قطر وتسببت في تقليص الكثير من البنوك الأجنبية نشاطها مع البلاد، وإن قطاع الطاقة واقتصاد أكبر بلد مصدر للغاز الطبيعي المسال في العالم يعملان في الأساس على نحو طبيعي وإنه لا يوجد أثر بالغ على إمدادات الغذاء أو أي سلع أخرى، وإن قطر بإمكانها استيراد سلع من تركيا والشرق الأقصى أو أوروبا وإنها ستتفاعل مع الأزمة عبر تنويع اقتصادها أكثر، وتعرض الريال القطري لضغوط في السوقين الفورية والآجلة للصرف الأجنبي، لكن العمادي بين إن هذا ليس أمرا مثيرا للقلق وكذلك الانخفاض البالغ عشرة في المئة في سوق الأسهم المحلية، وأن ما لدينا من احتياطيات وصناديق استثمار يمثل أكثر من 250 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، لذا لا اعتقد أن هناك أي سبب يجعل الناس قلقين إزاء ما يحدث أو أي مضاربات على الريال القطري، وسجلت أسعار السندات الدولية القطرية انخفاضا حادا الا أنه لاحاجة لتدخل الحكومة في السوق وشراء تلك السندات لدعم الأسعار.
من جهة أخرى استقرت الأسواق المالية في قطر بعد أسبوع من الخسائر حيث أظهرت الحكومة أن لديها وسائل للحفاظ على دوران عجلة الاقتصاد في مواجهة العقوبات التي فرضتها دول خليجية أخرى، وبدا واضحا أن بإمكان قطر الحيلولة دون تفاقم الضرر الاقتصادي إلى مستويات خطيرة، فبعض مصانعها للأغذية باتت تعمل نوبات إضافية لتصنيع واردات من دول خارج منطقة الخليج مثل البرازيل بينما تعمل شركات الشحن البحري من خلال سلطنة عمان بدلا من دولة الإمارات، وربما تواجه تلك الإجراءات صعوبات إذ قد تتضمن تأخيرات وارتفاع في التكاليف على قطر، ووضعت وكالة فيتش للتصنيف الائتماني تصنيف الدين السيادي لقطر AA قيد المراجعة لخفض محتمل موضحة إن استمرار الأزمة ربما يؤثر سلبا على النظرة المستقبلية للدين. لكن من غير المرجح أن يحول ذلك دون دوران عجلة الاقتصاد بشكل جوهري.
وفي سوق النقد المحلية حيث تعتمد البنوك القطرية غالبا على القروض والودائع من بنوك أجنبية، قال مصرفيون إن المؤسسات المحلية عوضت نقص السيولة من خلال الاقتراض من تسهيل إعادة الشراء (ريبو) للمصرف المركزي.
مؤسسات خليجية عمدت إلى التخلص من الأسهم القطرية
ذكرت البورصة القطرية إنها تعتقد أن بعض المستثمرين من المؤسسات السعودية والإماراتية والبحرينية عمدوا إلى البيع في سوق الأسهم في قطر لدفعها للهبوط في أعقاب النزاع الدبلوماسي بين الدوحة ودول عربية جارة، وهبط المؤشر القطري الرئيسي 11.5 بالمئة منذ أوائل يونيو حزيران عندما قطعت السعودية والإمارات والبحرين ومصر العلاقات وخطوط النقل مع قطر متهمين إياها بتمويل "الإرهاب" وهو ما تنفيه الدوحة بشدة، كما أحدث الحصار هزة في العملة القطرية ودفع عوائد السندات السيادية القطرية المقومة بالدولار إلى الارتفاع قبل أن تتعافى بعض الشيء.
وذكر راشد المنصوري الرئيس التنفيذي لبورصة قطر انه تم ملاحظة مؤسسات بعينها في تلك الدول الثلاث تحاول التخلص من الأسهم، تعمدت تلك المؤسسات الاضرار بالسوق، لقد أرادوا التأثير على السوق". وامتنع عن ذكر اسماء تلك المؤسسات، وإنه نتيجة لذلك تراجعت نسبة المستثمرين من مؤسسات مجلس التعاون الخليجي في السوق القطرية منذ الأزمة، لكنه أضاف أنه لا تغير في نسبة المستثمرين الأفراد من مجلس التعاون الخليجي، ولم يقدم المنصوري بيانا تفصيليا بشأن نسب المستثمرين من الدول الأخرى بمجلس التعاون الخليجي، ويشكل مستثمرو مجلس التعاون الخليجي غير القطريين بشكل عام نسبة بسيطة من المستثمرين في السوق، وعلى سبيل المثال، يشكل المستثمرون الأفراد من مجلس التعاون نحو 0.25 بالمئة من إجمالي ملكيةأسهم بنك قطر الوطني، وهو البنك الأكبر في البلاد، بحسب بيانات البورصة القطرية.
وعلى الرغم من الاضطرابات في السوق ذكر المنصوري إن بورصة قطر قد تشهد المزيد من الإدراجات في الأِشهر القادمة بعد خطط مجموعة استثمار القابضة لطرح 60 بالمئة من أسهمها في البورصة، كما أن البورصة القطرية بصدد تدشين صندوق مؤشرات مرجح بالذهب بينما جرت الموافقة على صندوقي مؤشرات آخرين لبنك الدوحة ومصرف الريان.
أسواق جديدة وتكاليف إضافية
تواجه المؤسسات القطرية حاليا مهمة غير سهلة تتمثل في إيجاد أسواق جديدة لتزويدها بالسلع الغذائية عن طريق ممرات جوية وبحرية بديلة. وفي أحسن الأحوال فإن تكاليف السلع وخدمات الممرات البديلة سترتفع لأن على الطائرات المتوجهة إلى قطر قطع مسافات أطول. كما أن شحن البضائع عبر المرافئ العُمانية والإيرانية أعلى تكلفة بالنسبة لقطر من نظيرتها الإماراتية. يضاف إلى ذلك أن الإمارات كانت تقدم للتجارة مع قطر خدمات مالية ولوجستية يصعب التعويض عنها خلال فترة قصيرة. وفي حال عدم قيام الحكومة القطرية بدعم السلع من احتياطاتها المالية فإن ارتفاع أسعارها سيؤدي إلى التضخم وتراجع مستوى المعيشة. الجدير ذكره أن السنوات الثلاث الماضية شهدت تراجعا بنسبة تزيد على الثلث في المعدل العام لنصيب الفرد القطري من الناتج المحلي الإجمالي الذي بلغ نحو 61 ألف دولار في عام 2016 مقابل حوالي 94 ألف دولار في عام 2014.
خسائر وأضرار محدودة
تعتمد الدولة القطرية على صادرات الغاز والنفط التي تشكل 80 بالمائة من عائداتها. وإذا كانت صادرات النفط القطري محدودة، فإن الإمارة بمساحة حوالي 11.6 ألف كيلو متر مربع وعدد سكان لا يزيد على 2.6 مليون نسمة تتربع قائمة الدول المصدرة للغاز الطبيعي المسال بطاقة تصل إلى 80 مليون طن سنويا. وباستثناء بعض الإعاقة في شحن النفط القطري بالسفن العملاقة التي ترسو في المرافئ الإماراتية، لم تحصل حتى الآن اختناقات في شحن الغاز الطبيعي المسال الذي تتربع قطر على عشر مصدّريه. غير أن المخاوف من عرقله شحنه ما تزال قائمة في حالة اتجهت الأزمة القطرية- الخليجية إلى مزيد من التصعيد، ما يجدر ذكره أنّ المخاوف تتركز حاليا على تكاليف التأمين التي تفرضها هذه التوترات التي تزداد حدة أيضا بسبب استمرار الاحتجاجات في البحرين وتوتر العلاقات بين السعودية وإيران التي يُتوقع أن تشهد المزيد من التصعيد بعد تعيين الأمير محمد بن سلمان وليا للعهد في السعودية. ويعد الأمير من أشد القادة السعوديين تشددا إزاء إيران، وقد وصفه موقع "شبيغل أونلاين" الألماني بأنه "أمير حرب" يعمل على تحقيق هيمنة سعودية في العالم العربي إما عن طريق المال كما هو الحال إزاء مصر أو عن طريق القوة كما هو الحال في اليمن.
اضف تعليق