q

يحمل قرار السعودية والإمارات والبحرين ومصر بقطع العلاقات الدبلوماسية مع قطر أزمات اقتصادية كبيرة للدوحة، على صعيد النقل الجوي والبري، بكل تداعيات ذلك على قطاعات حيوية ومن بينها التجارة وقطاع الأعمال، وسيحتم إغلاق الدول الأربع لكافة المنافذ البحرية والجوية أمام الحركة القادمة والمغادرة إلى قطر، ومنع العبور لوسائل النقل القطرية كافة القادمة والمغادرة، على الخطوط القطرية والتي تعتبر رافدا اقتصاديا أساسيا لقطر، تسيير رحلات أطول خاصة إلى إفريقيا، ما يقوض نموذج عملها المعتمد على مسافري الترانزيت.

أما التجارة البرية، فتشل بالكامل، لاقتصار الحدود البرية على السعودية، وتعتبر السعودية والإمارات من أهم الشركاء التجاريين لقطر، وتبرز أهمية الدولتين بشكل خاص في ملف تجارة الغذاء، فبحسب بيانات العام 2015، تأتي الدولتان في المرتبة الأولى والثانية من حيث الدول المصدرة للمواد الغذائية إلى قطر وبإجمالي 310 ملايين دولار، أما في تجارة المواشي، فتأتي السعودية في المرتبة الأولى للمصدرين والإمارات في الخامسة بإجمالي 416 مليون دولار، وفي تجارة الخضراوات تأتي الإمارات في المرتبة الثانية والسعودية في الرابعة من حيث المصدرين وبإجمالي 178 مليون دولار سنويا.

ومن ناحية تجارة الوقود، تأتي البحرين في المرتبة الأولى من حيث المصدرين، والإمارات في المرتبة الثانية وبإجمالي نحو 200 مليون دولار، أما في المعادن فتأتي الإمارات في صدارة الدول المصدرة لقطر وبإجمالي سنوي يفوق النصف مليار دولار، ومع توقف التجارة البرية، حلم استضافة مونديال 2022 سيصادف عقبة كبيرة مع اعتماد قطر على الحدود البرية السعودية في استيراد غالبية متطلبات البناء الضخمة التي يحتاجها المشروع، فضلاً عن ذلك هبط الريال القطري مقابل الدولار الأمريكي في السوقين الفورية والآجلة اليوم الثلاثاء بسبب المخاوف إزاء الأثر الاقتصادي على قطر في الأمد الطويل بعد أن قطعت السعودية والإمارات العربية المتحدة العلاقات معها.

وبلغ سعر بيع الدولار 3.6470 ريال في السوق الفورية وهو أدنى مستوى منذ يونيو حزيران 2016 وفقا لبيانات تومسون رويترز. يربط البنك المركزي الريال القطري عند 3.64 ريال للدولار ويسمح بتقلبات محدودة حول هذا المستوى، وجرى تداول العقود الآجلة استحقاق عام للدولار مقابل الريال منخفضة 275 نقطة، مقارنة مع إغلاق الاثنين البالغ 250 نقطة ومستويات عند نحو 180 نقطة أساس قبل اندلاع الأزمة الدبلوماسية، والمستويات الجديدة لا تشير حتى الآن إلى ضغوط كبيرة لخفض قيمة الريال عن مستوى الربط مع الدولار. وتنطوي العقود الآجلة استحقاق عام واحد على خفض لقيمة الريال بما يقل عن واحد بالمئة خلال الاثني عشر شهرا القادمة.

ومن جهة أخرى قال أحد كبيري المحللين لدى وكالة موديز انفستورز سيرفيس للتصنيفات الائتمانية في تصريحات لرويترز اليوم الاثنين إن الوكالة قلقة من أن قطع العلاقات بين قطر ودول أخرى في المنطقة قد يؤثر على التصنيف الائتماني للدوحة إذا تعطلت التجارة وتدفقات رؤوس الأموال، وذكر ماتياس أنجونين في دبي "هناك درجة كبيرة من الضبابية. ليس هناك الكثير من الوضوح بشأن ما يمكن أن يحل هذا الخلاف بين قطر ودول أخرى في مجلس التعاون الخليجي، وأردف في ظل إغلاق (الطرق) البرية والجوية والبحرية تظهر تصعيدا سلبيا على الناحية الائتمانية ونحن قلقون من أن يكون لذلك أثر ائتماني إذا عطل التجارة وتدفقات رأس المال، وخفضت موديز الشهر الماضي تصنيف قطر الائتماني إلى Aa3‬‬ من Aa2‬‬ مع نظرة مستقبلية مستقرة مستندة إلى زيادة الدين الخارجي والضبابية بشأن استدامة نموذج النمو في البلاد خلال السنوات القليلة القادمة.‬‬‬‬

شركات عالمية تدرس الانسحاب الفوري من قطر

ذكرت مصادر مطلعة في الحكومة البريطانية، أن مجموعة من كبرى الشركات البريطانية العاملة في قطر، أجرت اتصالات فيما بينها، وكذلك اتصالات مع مسؤولين كبار في حكومة المملكة المتحدة، تطرقت إلى التداعيات الناجمة عن قرار السعودية و7 دول أخرى بقطع العلاقات الدبلوماسية مع الدوحة، وألمحت المصادر إلى تنامي الشكوك بين الشركات البريطانية بشأن قدرة قطر بالالتزام بتعهداتها المالية تجاهها، والإيفاء بسداد ما عليها من مستحقات مالية مقابل ما قامت به تلك الشركات من عملية تطوير للبنية التحتية لاستضافة كأس العالم عام 2022.

ويدرس حاليا رؤساء مجالس بعض هذه الشركات اتخاذ خطوات سريعة للانسحاب الفوري من الأسواق القطرية، أو إيقاف العمل في مشروعات جارٍ تنفيذها، بما يتضمنه ذلك من إنهاء سريع لعقود عمل أعداد كبيرة من العاملين، بهدف خفض حدة الخسائر التي يمكن أن تتعرض لها الشركات البريطانية، ويسعى المسؤولون عن تلك الشركات إلى التنسيق مع الحكومة البريطانية، لضمان إلزام الدوحة بدفع التعويضات المالية التي تنص عليها العقود المبرمة معها، في حالة لم تستطع قطر سداد التزاماتها المالية، وأشارت مصادر في شركتين على الأقل من الشركات المستثمرة في الدوحة، إلى أن المناقشات مع المسؤولين في الحكومة البريطانية تطرقت إلى إمكانية لجوئهم إلى القضاء البريطاني، بهدف حجز الودائع البنكية التابعة للحكومية القطرية في البنوك البريطانية لسداد ما عليها من التزامات مالية، وكان القرار الخليجي والعربي بقطع العلاقات الدبلوماسية مع قطر، قد احتل موقعا بارزا في وسائل الإعلام البريطانية، على الرغم من انشغالها بالحادث الإرهابي الذي وقع قبل أيام في العاصمة البريطانية لندن، وكذلك قرب انعقاد الانتخابات البرلمانية، ولكن وعلى الرغم من ذلك، فان التداعيات الاقتصادية للقرار الخليجي – العربي، وتأثيره على مستقبل قطر الاقتصادي، والتزاماتها وتعهداتها الاستثمارية في المملكة المتحدة والعالم كانت محل نقاش من الإعلام البريطاني.

من جهته، اعتبر روبرت كاي؛ الخبير الاستثماري، أن القرار الخليجي - العربي دق مسمار النهاية في نعش الاقتصاد القطري، وأن الرعونة السياسية التي تحملتها الدول الخليجية والعربية لسنوات من قبل الدوحة، وسعي قطر الدائم للخروج على الإجماع العربي، والإضرار بالمصلحة السياسية والاقتصادية العربية عبر بذر بذور الفتنة بين البلدان العربية، بل ومحاولة ضرب الاستثمارات السعودية والإماراتية والكويتية حول العالم، هي التي قادت إلى الوضع الراهن، لافتا إلى أن الاقتصاد القطري يقف الآن على حافة الهاوية والانهيار.

وأشار كاي إلى أن قطر مهددة حاليا بخسارة محافظ استثمارية حول العالم بـ193 مليار دولار أمريكي، وذلك في ظل تصاعد الشكوك الدولية بشأن قدرة قطر بالوفاء بمجموعة ضخمة من الالتزامات والتعهدات المالية التي ألزمت بها نفسها خلال السنوات الماضية، وأضاف، أن ردود الفعل السلبية التي تجلت في عدد من المؤشرات مثل تراجع أداء بورصة الدوحة، وارتفاع قيمة عقود التأمين على الديون القطرية لمستويات غير مسبوقة، وتراجع السندات القطرية المستحقة بعد عامين لأدنى مستوى لها منذ نحو أربع سنوات، وإعلان وكالة موديز للتصنيف الائتماني بأن القرار الخليجي العربي يهدد بخفض تصنيف قطر الائتماني مجددا، يكشف في أحد جوانبه عن الإدراك الدولي لخطورة القرار الخليجي العربي، وانعكاساته شديدة الخطورة على الاقتصاد القطري، وما يمكن أن تؤدي إليه تلك المقاطعة وما تضمنه من عقوبات من انهيار تام للمنظومة الاقتصادية القطرية.

وأشار إلى أن "ردود فعل المؤشرات الاقتصادية تكشف أيضا عن الهشاشة التي يتصف بها الوضع الاقتصادي للدوحة، الذي لم يصمد لساعات أمام القرار الخليجي العربي".

من ناحيته، قال الدكتور جون روك؛ أستاذ الاقتصادات الناشئة، إن قرار المقاطعة يعني عمليا نهاية عدد من القطاعات الاقتصادية التي استثمرت فيها قطر مليارات الدولارات لسنوات، مؤكدا أن مستوى المعيشة سيشهد انخفاضا ملحوظا خلال الأسابيع المقبلة.

وأضاف، "عملت قطر خلال السنوات الثلاث الأخيرة على إيقاع الأذى بالاستثمارات الإماراتية في مجال الطيران، وبدلا من التنسيق مع طيران الاتحاد أو الإمارات طرحت الخطوط الجوية القطرية نفسها بديلا لهما، وقد استثمرت الدوحة في سبيل ذلك المليارات في حملات دعائية منظمة في وسائل إعلام أوروبية، وكذلك بأن تكون الخطوط الجوية القطرية الراعي الرسمي لبعض أشهر الأندية الرياضية في العالم، لكن الآن ذهبت تلك الاستثمارات أدراج الرياح، فقد سعت الخطوط الجوية القطرية بأن تصور الدوحة كنقطة الوصل (ترانزيت) بين أوروبا وآسيا، الآن بعد القرار الخليجي بعدم السماح للخطوط الجوية القطرية بالتحليق في أجواء المملكة، فإنه من المستبعد أن يكون هناك إقبال من قبل المسافرين على الخطوط الجوية القطرية".

وتابع، "أتوقع أن يرتفع معدل التضخم في قطر الى مستويات غير مسبوقة خلال الأسابيع المقبلة، حيث إنه في الظروف الطبيعة كان عديد من الأسر محدودة الدخل في إمارة قطر تقوم بالتسوق أسبوعيا من أسواق السعودية، نظرا لانخفاض الأسعار مقارنة بالدوحة، كما أن ما يزيد على 40 في المائة من الخضراوات والفاكهة التي تستوردها الدوحة تأتي عبر شاحنات قادمة من السعودية، الآن لم يعد أمام حكومة قطر غير الاستيراد عبر البحر أو بالطائرات، وهذا سيؤدي إلى عدم توفر السلع في الأسواق بشكل كبير، وسيؤدي أيضا وبشكل ملموس إلى ارتفاع في الأسعار يفوق قدرة المواطن القطري على تحمله".

من ناحيته، تعتقد سو بارنيت؛ الباحثة الاقتصادية البريطانية، أن القرار الخليجي العربي بقطع العلاقات الدبلوماسية مع قطر، سيفقد الدوحة مصداقيتها في الأسواق الدولية، وسيضع شكوكا في قدرتها على مواصلة الاستثمار في الخارج، بل تتوقع أن تشهد المرحلة المقبلة تراجعا من قبل الدوحة بشأن التعهدات الاستثمارية التي تعهد بها رئيس الوزراء القطري رسميا للمملكة المتحدة، وسط تزايد الترجيحات بأن تقوم قطر بتصفية بعض استثماراتها الخارجية ليكون لديها القدرة على تمويل الأزمة الاقتصادية المقبلة.

وأضافت بارنيت لـ"الاقتصادية" أن "الخسائر المالية الضخمة التي سيتعرض لها الاقتصاد القطري نتيجة قرار المقاطعة ستوجد دورة اقتصادية شديدة السلبية للاقتصاد المحلي، فمعدلات التضخم سترتفع بشكل غير مسبوق، وستشهد العملة القطرية انخفاضا ملحوظا، والإبقاء على سعر صرفها الراهن أمام العملات الأخرى سيتطلب من البنك المركزي القطري السحب من الاحتياطات المالية وضخها في الأسواق"

وبينت أنه "مع توقع أن تقوم عديد من الشركات الدولية بإيقاف نشاطها الاقتصادي في قطر، وإنهاء الآلاف من الوظائف، فإن معدل البطالة سيرتفع وسيدخل الاقتصاد الكلي في حالة من الركود طويل الأمد، وحتى إذا سعت الدوحة لإقناع بعض تلك الشركات الدولية، بمواصلة العمل في قطر مقابل زيادة ضخمة في القيمة المالية للعقود الموقعة معها، فإن ذلك سيرفع بشدة من التكلفة التي سيتحملها الاقتصاد القطري ككل".

وأوضحت، أنه "مع ترافق ذلك مع زيادة معدل الفائدة الدولية على القروض التي ستسعى قطر إلى الحصول عليها من الأسواق الدولية، فإن قطر لن يكون أمامها من خيار في الأجل القصير والمتوسط غير تصفية عديد من استثماراتها الخارجية وفي مقدمتها استثماراتها في المملكة المتحدة التي تبلغ نحو 30 مليار جنيه إسترليني".

ولفتت إلى أن "عملية تصفية الاستثمارات القطرية، سترسل إشارة واضحة إلى الحكومة البريطانية المقبلة، بأن الدوحة لن يكون لديها القدرة على الالتزام بتعهدها باستثمار نحو خمسة مليارات جنيه إسترليني في الاقتصاد البريطاني، وهو ما سيضعف قيمة قطر ضمن منظومة الدول التي تحظى باهتمام بريطاني ملحوظ". بدوره، اعتبر سيمون كوكس؛ الخبير المالي، أن تأثير المقاطعة الخليجية – العربية للدوحة على الأمد الطويل ستكون شديدة الخطورة للغاية، وستترك بصمات واضحة على قدرة قطر الاقتصادية مستقبلا.

وأضاف لـ"الاقتصادية"، أن "أحد أبرز التداعيات الراهنة للمقاطعة هو تأثيرها على التدفقات الرأسمالية والاستثمارات الأجنبية إلى قطر، حيث إن رؤوس الأموال الخليجية تمثل نحو 10 في المائة من إجمالي استثمارات البورصة القطرية، ومن المتوقع أن تتراجع رؤوس الأموال الدولية عن الاستثمار في الدوحة مستقبلا.

ولفت إلى أن "قرار المقاطعة يكشف العزلة التي تعيشها قطر في محيطها الإقليمي، والمؤسسات الاستثمارية الدولية، والأشخاص المسؤولين عنها يرغبون دائما في توفر محيط استثماري يتصف بالاستقرار السياسي والاقتصادي، وهو ما يغيب عن قطر في الوقت الحالي".

واستدرك، "لهذا يستبعد أن تقوم الشركات الدولية بالاستثمار في قطاع الغاز القطري مستقبلا، لعدم توفر ضمانات حقيقية بأن تحقق الاستثمارات فيه، عوائد مربحة في ظل عدم الاستقرار الراهن في الدوحة، وارتفاع تكلفة الاستثمار فيه أيضا في ظل ارتفاع معدلات التضخم والأجور في الدوحة جراء الوضع الاقتصادي المضطرب، وقطاع الغاز هو القطاع المحوري للاقتصاد القطري، ويعتمد على الاستثمارات الأجنبية وخاصة ذات الطابع التكنولوجي المتطور، وعدم تدفق تلك الاستثمارات التكنولوجية على قطر، كما كان الوضع قبل المقاطعة الخليجية - العربية، سيجعل قدرة الدوحة في مجال إنتاج الغاز تتراجع، حتى إذا لجأت الحكومة القطرية إلى إقناع المستثمرين الدوليين بالاستثمار في هذا القطاع الاستراتيجي، مقابل أن تمنحهم مدفوعات مالية أعلى من القيمة السوقية، فان هذا يعني عمليا ارتفاع تكلفة إنتاج الغاز القطري، وتراجع العوائد المالية المحققة من هذا القطاع".

اضف تعليق