أعلنت إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب معارضتها لمشروع البنك الدولي الرامي إلى زيادة رأسماله لتعزيز قدراته على الإقراض وحضت صندوق النقد الدولي على تشديد رقابته على "الاختلالات" الاقتصادية، ويدعو البنك الدولي منذ عدة أشهر إلى زيادة موارده من أجل تقديم مساعدة أفضل للدول الفقيرة وتمويل النمو الاقتصادي لدول مثل العملاقين الصيني والهندي، وذكر رئيس البنك الدولي جيم يونغ كيم لدى افتتاح الجمعيتين العامتين الربيعيتين لمؤسسته ولصندوق النقد الدولي "أعتقد أن زيادة الرأسمال ضرورية إن أردنا الاستجابة لتطلعات العديد من الدول عبر العالم".
غير أن الولايات المتحدة، الممول الأول للبنك الدولي، رفضت هذه الدعوة وأعلن وزير الخزانة الأميركي ستيف منوتشين في بيان صدر في ختام الاجتماعين أن هذا النقاش "غير ضروري وغير واقعي"، وتابع "نعتقد أن بوسعنا القيام بالمزيد لتحقيق حصيلة مالية مثلى للبنك الدولي وتفادي تراجع سريع في قروضها"، ويتبع البنك الدولي منذ سنوات خطة ادخار أثارت استياء بين موظفيه، وتسعى إدارة ترامب لتقليص العجز في الميزان التجاري وفي الحسابات الجارية الذي تراكم على الولايات المتحدة تجاه دول مثل الصين وألمانيا.
مقاومة الحمائية
تعهدت الدول الأعضاء في صندوق النقد الدولي بالعمل على تخفيض الخلل العالمي ولكنها أخفقت في تكرار التعهد الذي أعلنته في الماضي بمقاومة كل أشكال الحماية التجارية.وكررت أيضا اللجنة المالية بالصندوق، وهي الهيئة المختصة بتوجيه سياسات الصندوق، التزامات أعلنتها سابقا بشأن أسعار صرف العملات، وتبنى البيان إلى حد كبير لهجة بيان صدر عن مجموعة العشرين في بادن بألمانيا حيث صرح وزير الخزانة الأمريكي ستيفن منوتشين إن التعهد بمكافحة الحماية التجارية لم يعد أمرا صائبا.
ويرى أوجستين كارستنز محافظ البنك المركزي المكسيكي الذي يرأس لجنة التوجيه بصندوق النقد الدولي إن الحمائية "مصطلح نسبي" و"غامض"، وأضاف "لا يوجد بلد ليس لديه نصوص بشأن التجارة، "وبدلا من التحدث طويلا بشأن ما يعنيه هذا المفهوم تمكنا من وضعه في إطار إيجابي وبناء بشكل أكبر."وكارستنز أحد مسؤولين ماليين عالمين يحضرون اجتماعات الربيع لصندوق النقد الدولي والبنك الدولي، وإن الهدف هو الاستفادة من التجارة وإن كل الأعضاء "منحازون" لضرورة وجود تجارة حرة وعادلة، وذكر بيان اللجنة المالية بصندوق النقد إنه على الرغم من أن الانتعاش الاقتصادي العالمي يكتسب زخما فإن النمو "ما زال متواضعا" وحذر من تزايد الغموض السياسي.
يلتقي كبار المسؤولين الماليين في العالم بالعاصمة الأمريكية في مسعى لدفع سياسات رئيس البلد المضيف التي ما زالت تحت التطوير بعيدا عن الحماية التجارية وكي يظهروا دعما واسعا للتجارة المفتوحة والتكامل، وتضع اجتماعات الربيع لصندوق النقد الدولي والبنك الدولي أعضاء المؤسستين البالغ عددهم 189 عضوا في مواجهة مع جدول أعمال الرئيس دونالد ترامب الذي يتصدره شعار "أمريكا أولا" حيث يعقدون لقاءاتهم على بعد مبنيين فحسب من البيت الأبيض.
وبين دومينيكو لومباردي المسؤول السابق لدي صندوق النقد الذي يعمل حاليا مع مركز الابتكار في مجال الحكم الدولي وهي مؤسسة بحثية كندية "هذه الاجتماعات ستكون كلها عن ترامب وآثار سياساته على جدول الأعمال الدولي."
وأضاف أن مديرة صندوق النقد كريستيين لاجارد تهدف إلى إشراك الإدارة الجديدة في جدول أعمال الصندوق والتأثير على خيارات الإدارة في شتى السياسات، وأصدر صندوق النقد تحذيرات من خطط ترامب لتقليص العجز التجاري الأمريكي من خلال إجراءات محتملة لتقييد الواردات مبيناً في أحدث توقعاته الاقتصادية إن سياسات الحماية التجارية ستؤثر سلبا على النمو العالمي الذي بدأ يكتسب قوة دفع، ويهاجم مسؤولو إدارة ترامب في الوقت الحالي تلك التحذيرات موضحين إن هناك دولا أخرى أكثر تبنيا للحماية التجارية من الولايات المتحدة.
تقليص دور أمريكا في البنك يتصادم مع سياسة ترامب
ذكر ثاني أعلى مسؤولة تنفيذية في البنك الدولي إن إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ستعمل في غير صالح أجندتها التي ترفع شعار "أمريكا أولا" إذا قامت بتقليص دور الولايات المتحدة القيادي في المؤسسات المتعددة الأطراف ومن بينها البنك الدولي، وبينت كريستالينا جورجيفا، المديرة الإدارية العامة للبنك الدولي إن اجتماعاتها مع مسؤولي إدارة ترامب لم تكشف حتى الآن عن أي رغبة في الانسحاب من المؤسسات المتعددة الأطراف.
ويهدف اقتراح إدارة ترامب الذي يعرف باسم "الميزانية الهزيلة" إلى خفض تمويل بنوك التنمية المتعددة الأطراف بما فيها البنك الدولي بواقع 650 مليون دولار على مدى ثلاثة أعوام مقارنة مع الالتزامات التي تعهدت بها إدارة الرئيس السابق باراك أوباما، غير أن الكونجرس الأمريكي هو من سيتخذ القرار النهائي بشأن مستويات الإنفاق في السنة المالية المنتهية في الأول من أكتوبر تشرين الأول 2018، وليس البيت الأبيض، وأوضحت جورجيفا إن الميزانية تظهر أن الإدارة الأمريكية تقدر مكانتها في المؤسسات. والولايات المتحدة هي أكبر مساهم في البنك الدولي حتى الآن وتحوز نحو 17 بالمئة من القوة التصويتية فيه.
وأضافت أن تمويل البنك الدولي على الأرجح "ليس على رأس" الأولويات الكثيرة لدى الإدارة الجديدة مؤكدة أن البنك يعتمد على التمويل الذاتي في كثير من النواحي، وأشارت إلى أن أحد الأسباب التي ترى أنها ستدفع إدارة ترامب للحفاظ على دورها في البنك الدولي هو عمل البنك على تحقيق الاستقرار في مناطق تمزقها الحروب وللولايات المتحدة مصالح فيها، فضلاً عن أنه نحن في العراق وأفغانستان، ونأمل أن نكون في سوريا يوم ما، وهذه أماكن تحتاج إلى استثمارات من أجل إحلال الاستقرار، لا أعرف كيف يمكن أن يتضرر أي من مساهمينا بأن يكون العالم أكثر استقرارا."
صندوق النقد الدولي يحذر من تزايد المخاطر على الانتعاش في العالم
اعلن صندوق النقد الدولي أن الانتعاش الاقتصادي العالمي في تحسن مستمر لكنه لا يزال يواجه مجموعة من التهديدات التي يمكن أن تقضي على هذا التحسن خصوصا مع تزايد المطالبة بالحمائية، ورفع الصندوق في تقريره النصف سنوي حول الاوضاع الاقتصادية العالمية توقعاته للنمو العالمي إلى 3,5% لهذا العام، أي بارتفاع بمقدار العُشر مقارنة مع توقعات كانون الثاني/يناير الماضي.
ويعد هذا التوقع بارتفاع النمو نادرا، كونه الأول منذ عامين، بعد أن كانت توقعات النمو مخيبة للامال. وبالنسبة لعام 2018 يتوقع أن يرتفع النمو إلى 3,6% كما يتوقع ارتفاعه إلى 3,8% بحلول 2022. وصرح موريس اوبستفيلد كبير الاقتصاديين في الصندوق "يبدو أن الاقتصاد العالمي يكتسب زخما، وقد نكون عند منعطف. لكن ورغم التوقعات المتفائلة، فإن نظام العلاقات الاقتصادية الدولية بعد الحرب العالمية الثانية يرزح تحت ضغوط كبيرة".
وحذر التقرير من "مخاطر جسيمة" تتهدد هذه التوقعات منذ كانون الثاني/يناير، وبينها "التحول إلى الحمائية التي يمكن أن تقود إلى حرب تجارية"، وأن العديد من المخاوف تنبع من برنامج الرئيس الاميركي دونالد ترامب الذي يهدد بإزالة الضوابط المالية والانسحاب من الاتفاقيات التجارية المتعددة الاطراف والحد من الهجرة، كما تنبع من قضايا تتعلق بالحملة المريرة في الانتخابات الفرنسية وخروج بريطانيا من الاتحاد الاوروبي.
وأضاف أن التوجه المناهض للتجارة والهجرة في الاقتصادات المتقدمة يمكن فهمه إلى حد ما نظراً لأن "مكاسب النمو في الاقتصادات الغنية لم تصل إلى الدرجات الادنى في سلم توزيع الدخل في العقود الماضية"، إلا أن اوبستفيلد حذر من أن "الاذعان لهذه الضغوط سيؤدي إلى الحاق هذه الاقتصاديات ضررا بنفسها" وهو ما سيؤذي بعض الدول من خلال ارتفاع الاسعار وتقليص دخل الأسر وسيؤدي إلى أفعال انتقامية وإلى تدهور الاقتصاد العالمي".
واعتبر الصندوق، ومقره واشنطن، أن "مئات ملايين الاشخاص" خرجوا من دائرة الفقر بفضل التكامل الاقتصادي والتقدم التكنولوجي "ما أسهم في زيادة المساواة في المداخيل على المستوى العالمي"، غير أن اوبتسفيلد ذكر أن فوائد النمو وعبء التعديلات الاقتصادية لم يتم تشاطره بشكل متساوٍ في أغلب الأحيان، ولذلك فإن على الحكومات "معالجة هذه التفاوتات بشكل مباشر لضمان استقرار نظام التجارة التعاونية المفتوح الذي سيفيد الجميع"، وأوصى صندوق النقد الدولي في تقريره بإطلاق "مبادرات مصممة بشكل مستهدف" لمساعدة العمال الذين تأثروا سلباً بالتجارة الحرة وغيرها من التغيرات الاقتصادية "في العثور على وظائف في القطاعات الاخذة في الاتساع"، ووضع "شبكات آمان اجتماعية لتخفيف تأثير تراجع المداخيل" وتحسين التعليم والتدريب على المدى الأطول.
وأضاف "بالمثل، فإن الحد من تدفق المهاجرين سيعيق الفرص أمام أصحاب المهارات في اختصاصات معينة في الاقتصادات المتقدمة ما سيحد من الحصول على قوة إيجابية تسهم في الانتاج ونمو الدخل على المدى الطويل"، وأكد التقرير أن المخاطر على التوقعات "لا تزال تميل نحو الانخفاض"، ما يعني أن احتمالات سلبية أكبر تلوح في الأفق رغم أن النمو قد يكون أسرع من المتوقع خصوصا في حال وجود برنامج أنفاق كبير للحكومة الأميركية.
كما افاد التقرير أن أكثر التهديدات إثارة للقلق هو الحمائية، إضافة الى تهديدات بينها السياسات الأميركية غير الواضحة حتى الآن وتأثيراتها على الاقتصاد العالمي خصوصا احتمال ارتفاع العجز والغاء نظم وقواعد مالية وضعت في أعقاب الازمة المالية العالمية العام 2008، وحذر التقرير من أن "القيام بعمليات تراجع كبيرة عن خطوات مهمة تم اتخاذها منذ الأزمة المالية لتعزيز قدرة النظام المالي على الصمود ستثير احتمال ظهور أزمات مالية مكلفة في المستقبل".
وأكد أن "اعتماد الصين الخطير على الائتمان المتسع بسرعة" هو مصدر قلق آخر، إضافة إلى الطلب الضعيف في أوروبا، وسلسلة من العوامل غير الاقتصادية بينها المخاطر الجيوسياسية والفساد، وتوقع الصندوق أن تحقق الصين نمواً هذا العام بنسبة 6,6% بارتفاع بمقدار العُشر. كما توقع ان تحقق نمواً بنسبة 6,2% عام 2018، أي بارتفاع بمقدار عُشرين، وأن "النشاط الاقتصادي العالمي يتسارع، إلا أن احتمال حدوث خيبات أمل لا يزال مرتفعا، ومن غير المرجح الحفاظ على الزخم في حال عدم بذل اصحاب القرار جهودا لتطبيق مجموعة صحيحة من السياسات وتجنب اتخاذ خطوات خاطئة".
مفترق طرق بين الصندوق وادارة ترامب
ذكرت كريستين لاجارد، مديرة صندوق النقد الدولى، إن سياسات الحمائية التجارية المزمع اتباعها فى الولايات المتحدة ستمثل "جرحًا" للاقتصاد العالمي، وهذا فى خطاب لها فى بروكسل، وأكدت كريستين لاجارد أن التعاون الدولى كان مهمًا فى منع ركود اقتصادى حاد عامى 2008 و2009، وإذ عين الرئيس الأمريكى دونالد ترامب ناقدين للصندوق الدولى فى وزارة الخزانة، ودافعت لاجارد على المؤسسة بأنها ساهمت فى "ارتفاع هائل فى الدخول ومستويات المعيشة فى جميع أنحاء العالم"، موضحة إن الحد من التجارة العالمية سيؤدى إلى زيادة أسعار مواد الإنتاج والبضائع الاستهلاكية، مما سيضر بمحدودى الدخل لأنهم ينفقون معظم دخولهم، ونوهت إلى أن الحوار والتعاون هو ما سيؤدى للمساواة فى ملعب التجارة الدولية، إذ أن ألمانيا والصين لديهما فوائض تجارية بينما تعانى الولايات المتحدة من عجزا تجاريا، بدلا من الحمائية، وأشارت كريستين لاجارد إلى أنه بعد 6 سنوات من عدم الوصول لنمو مرضى، تحمل 2017 قوة دفع للمزيد من الوظائف والدخول الأكثر ارتفاعا، ولكنها أضافت كذلك أنه "هناك مخاطر سلبية واضحة، منها عدم اليقين السياسى، بما فى ذلك فى أوروبا، وسيف الحمائية المعلق على رقبة التجارة العالمية، وظروف مالية عالمية عسيرة قد تؤدى إلى تدفق مدمر لرأس المال من خارج الاقتصادات الناشئة والنامية".
اضف تعليق