تتضارب التكهنات والتوقعات بشأن مستقبل الاقتصاد الاميركي في ظل ادارة ترامب، مابين التفاؤل والتشاؤم، اذ بين بنك أوف أميريكا ميريل لينش أن خسائر أسواق الأسهمِ العالمية وصلت إلى ثمانية ترليونات دولار لهذا الوقت من العام الحالي وأضاف البنك خلال تقرير نشره أن المستثمرين ضخوا أكبر استثمارات منذ عام في صناديق السندات الحكومية، كما أشار التقرير إلى مخاوف المستثمرين من ركود اقتصادي عالمي، فيما توقع خبراء في البنك الأمريكي دخول اقتصاد الولايات المتحدة أكبر اقتصاد في العالم في مرحلة ركود في العام 2017.
فقد انتقدت إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب منظمة التجارة العالمية معتبرة أنها عاجزة عن منع ممارسات تجارية غير نزيهة، وتوعدت باعتماد نهج "أكثر تشددا" للدفاع عن المصالح الأميركية، قد يتضمن إجراءات رد جمركية، وأعلن "مكتب الممثل التجاري الأميركي" المسؤول عن سياسة الولايات المتحدة على صعيد التجارية الدولية، في خطة عمله السنوية التي سلمت إلى الكونغرس أن "الوضع القائم لا يمكن أن يستمر، خسر الأميركيون لفترة طويلة جدا حصصا من السوق لصالح دول أخرى، ومن أسباب ذلك أن شركاتنا وعمالنا لم يحظوا بإمكانات فعلية للتبارز مع المنافسة الخارجية".
وغالبا ما وجه دونالد ترامب الذي انتخب بناء على وعد بإعادة الوظائف إلى الولايات المتحدة، انتقادات شديدة إلى الصين كما حمل على منظمة التجارة العالمية، الهيئة المتعددة الأطراف المكلفة تسوية الخلافات بين الدول، وجاء في خطة عمل مكتب الممثل التجاري الأميركي أن القواعد التي تحكم عمل منظمة التجارة العالمية تقوم على "فكرة ضمنية" بأن الدول تطبق مبادئ اقتصاد السوق، في حين أن "العديد من كبار اللاعبين" يتجاهلونها ويخفون تجاوزاتهم لقواعد التبادل الحر خلف أنظمة لا تلتزم "بما يكفي من الشفافية".
وجاء في الوثيقة أن "عدم قدرة النظام على إلزام هذه الدول بالخضوع للمحاسبة يقود إلى فقدان الثقة في النظام"، مشيرة إلى شروع الإدارة في الابتعاد عن منظمة التجارة العالمية، وتوحي الوثيقة بأن الولايات المتحدة لن تشعر بأنها ملزمة قانونا بقرارات منظمة التجارة العالمية التي تكون لغير مصلحتها، ويؤكد مكتب الممثل التجاري بهذا الصدد أن "الأميركيين غير خاضعين بصورة مباشرة لقرارات منظمة التجارة العالمية"، معطيا الأولوية للدفاع عن "سيادة" الولايات المتحدة.
ورأى الهيئة أن "الوقت حان لتبني نهج أكثر تشددا"، مبدية استعدادها لاستخدام "كل وسائل الضغط" لإرغام الدول على فتح أسواقها، التزاما منها بتهديدات ترامب، وأشارت الوثيقة بصورة خاصة إلى قانون يعود إلى العام 1974، يسمح للرئيس بفرض عقوبات كمركية، وبصورة عامة، يؤكد مكتب الممثل التجاري أن الولايات المتحدة ستعطي الأفضلية للاتفاقات الثنائية على حساب المعاهدات الإقليمية التي لا تكون مؤاتية لها.
وأعلن الرئيس فور وصوله إلى البيت الأبيض سحب بلاده من اتفاقية الشراكة عبر المحيط الهادئ الموقعة مع 11 دولة من منطقة آسيا والمحيط الهادئ، إلا أن تقرير مكتب الممثل التجاري لا يستبعد بصورة كاملة اتفاقية إقليمية أخرى للتجارة الحرة هي اتفاقية الشراكة التجارية والاستثمارية عبر الأطلسي الجاري التفاوض بشأنها منذ 2013 مع الاتحاد الأوروبي والمتعثرة حاليا.
إصلاحات ضريبية واسعة في 2017
يأمل وزير الخزانة الأمريكي تعزيز النمو والوصول إلى 3 بالمئة بعد خفض الضرائب ورفع القيود
تعهد وزير الخزانة الأمريكي ستيفن منوتشين، بإصلاح "هام جدا" لنظام الضرائب الأمريكي قبل إجازة الكونغرس، ولفت إلى أن خفض الضرائب، بجانب رفع القيود قد تساهم في دفع عجلة النمو الاقتصادي إلى 3 بالمئة، بحلول نهاية عام 2018.
وتعهد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بالإعلان عن خطة "هائلة" لإصلاح نظام الضرائب في الولايات المتحدة، وأفاد وزير الخزانة ملتزمون بتمرير الإصلاح الضريبي وسوف يكون كبيرا جدا، وسيركز على خفض ضرائب الدخل المتوسط، وتبسيط ضرائب الأعمال التجارية، وجعلها تنافسية مع بقية العالم، وتقلد منوتشين منصبه الذي يعد أهم منصب اقتصادي في الإدارة الأمريكية، ووعد بزيادة النمو الاقتصادي إلى 3 بالمئة، وهي نسبة أقل قليلا، مما تعهد به الرئيس ترامب قبل انتخابه، حين وعد بتحقيق نمو يصل إلى 4 بالمئة.
من ناحية أخرى، حظيت وعود الإدارة الجديدة بإصلاح الضرائب، وخفض الإجراءات التنظيمية بترحيب واسع من المستثمرين، الذين يتوقعون تعزيز أرباح الشركات في ظل السياسات الجديدة،
وقفزت أسواق الأسهم منذ الانتخابات الرئاسية ، فيما أطلق عليه "مسيرة ترامب"، وأوضح منوتشين، أن فكرة فرض ضريبة إضافية على البضائع الواردة إلى الولايات المتحدة لا تزال قيد الدراسة.
ترامب يتعهد مجددا بإعادة وظائف لأمريكا
صرح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لنحو 20 من الرؤساء التنفيذيين لشركات أمريكية كبرى إنه يخطط لإعادة ملايين الوظائف إلى الولايات المتحدة لكنه لم يعرض خطة محددة بشأن تغيير مسار التقلص المستمر منذ عقود في الوظائف بالمصانع، وفي أول شهر له في الرئاسة ضغط ترامب على عدد من الشركات الأمريكية من أجل التوظيف في الولايات المتحدة لكنه لم يقترح بعد تشريعا يعالج القضايا الاقتصادية الكبرى التي تناولتها حملته الانتخابية في 2016.
وخلال اجتماع مع الرؤساء التنفيذيين بالبيت الأبيض بين ترامب إن الولايات المتحدة خسرت نحو ثلث الوظائف في قطاع الصناعات التحويلية منذ أن انضمت إلى اتفاقية التجارة الحرة لأمريكا الشمالية (نافتا) في 1994 وأكد أن نحو 70 ألف مصنع جرى إغلاقهم منذ إنضمام الصين إلى منظمة التجارة العالمية قبل 16 عاما.
لكن مكتب احصاءات العمل ذكر إن عدد المنشآت الخاصة العاملة في قطاع الصناعات التحويلية في الولايات المتحدة انخفض بأقل من ذلك إذ تراجع من 400 ألف مؤسسة في 2001 إلى 344 ألفا العام الماضي، ويرى خبراء إن انخفاض الأجور والميكنة والمنافسة الخارجية وعوامل أخرى سببت الانخفاض الكبير في الوظائف في قطاع الصناعات التحويلية، وتعهد ترامب بطرح عدد من المقترحات يقول إنها قد تجلب أثرا محببا للشركات ومن بينها خطة لإصلاح قانون الضرائب وحزمة للبنية التحتية كانت جزءا من وعوده خلال حملته الانتخابية في 2016.
رئيسة الاحتياطي الفدرالي الاميركي: خفض الهجرة سيبطىء النمو
حذرت رئيسة الاحتياطي الفدرالي الاميركي (البنك المركزي) الديموقراطية جانيت يلين من ان فرض قيود على الهجرة وهو ما ينوي فعله الرئيس دونالد ترامب على ما يبدو، يمكن أن يبطىء النمو الاقتصادي الاميركي المتباطئ أصلا، وذكرت يلين في اول لقاء لها مع لجنة من الكونغرس منذ تنصيب ترامب انه مع ارتفاع نسبة كبار السكان بين السكان الاميركيين، شكل وصول عمال مهاجرين من الخارج عاملا مهما في الحفاظ على توسع الاقتصاد.
ورفضت يلين التعليق على سياسات ترامب ازاء الهجرة، لكنها بينت مدى تراجع نمو القوة العاملة النشيطة في الولايات المتحدة، هذا أحد الاسباب التي جعلت اقتصادنا يتقدم بوتيرة بطيئة والهجرة كانت مصدرا مهما في نمو القوة العاملة، ووصفت النمو الذي حققه الاقتصاد الاميركي في السنة الماضية وبلغ 1,9% بانه "مخيب للأمال" وشددت على تراجع الانتاجية، اي قدرة العمال على انتاج السلع والخدمات، وأضافت أنه لدينا نسبة كبيرة من المسنين ونمو القوى العاملة بطئ نسبيا، ونمو الانتاجية في السنوات الماضية كان بطيئا جدا، اذ اصدر ترامب تنفيذيا يأمر أولاً بطرد من لا يحملون أوراق اقامة قانونية من مرتكبي الجنح والمشتبه بهم، وهي شريحة أكبر من تلك التي استهدفها باراك اوباما الذي امر بطرد المجرمين وأصحاب السوابق.
من جهة أخرى دعت جانيت يلين امام لجنة في الكونغرس الى توخي الحذر في اجراءات الانعاش الاقتصادي التي قد تتخذها ادارة الرئيس دونالد ترامب، وان تتناسب تعديلات السياسة المالية مع الهدف القاضي بابقاء ميزانية الولايات المتحدة على مسار مستدام، كما اشارت عدة مرات في شهادتها الى "الغموض" و"العواقب المحتملة" للاجراءات المالية الصادرة عن ادارة ترامب مشددة على اهمية "تحسين وتيرة النمو الاقتصادي على المدى الاطول وتحسين مستوى معيشة الاميركيين بسياسات تهدف الى مضاعفة الانتاجية".
فقد وعد الرئيس بتقليص الضرائب خصوصا للشركات وبزيادة ضخمة في الانفاق على البنى التحتية ما يثير تساؤلات بشأن تمويلها وتاثيرها على العجز، محذرة من ان التعديلات في السياسة المالية واجراءات اخرى قد تؤثر على التوقعات الاقتصادية" لافتة من جهة اخرى الى تزايد نمو اقتصاد الولايات المتحدة واقتراب التضخم من هدف 2%، ما قد يؤدي بالاحتياطي المركزي الى زيادة الفوائد قريبا، واوضحت "في لقاءاتنا التالية ستقيم اللجنة النقدية ان كانت تطورات سوق العمل والتضخم ستواصل التقدم بحسب توقعاتنا، ما يبرر إن تحقق تصحيحا جديدا للفوائد"، يذكر أن البنك أعلن زيادة من ربع نقطة مئوية على فوائده متوقعا ثلاث زيادات طفيفة في 2017، علما ان نسب الفوائد تتراوح حاليا بين 0,50% و0,75%، واضافت يلين ان الانتظار مطولا قبل زيادة الفوائد "غير مستحب" مشيرة الى اضطرار الاحتياطي المركزي في تلك الحالة الى زيادة كلفة القروض فجأة تحت طائلة "الاخلال بالاسواق المالية والتسبب بانكماش".
الولايات المتحدة تدرس اصدار سندات خزينة على مئة عام
اعادت الولايات المتحدة طرح فكرة اصدار سندات خزينة بعيدة الاجل على 50 او حتى 100 عام، كوسيلة لزيادة الاقتراض وتخفيض كلفته على ما فعل عدد من الدول الاوروبية، والاستفادة من الفوائد المتدنية، واعلن وزير الخزانة الاميركي ستيفن منوتشين انه طلب من فريقه بحث امكانية اصدار سندات ذات اجل من 50 أو حتى 100 عام، وأعتقد انه خيار جدي علينا استكشافه. فجمع الأموال على 50 او 100 عام بفائدة متدنية امكانية مثيرة للاهتمام".
ويشكل هذا الخيار في حال تحقيقه تغيرا تاريخيا في سوق سندات الخزينة الاميركية التي تبلغ قيمتها حوالى 14 الف مليار دولار ولا تتجاوز آجالها حاليا 30 عاما، وتقترض دول كثيرة على 50 عاما، منها ايطاليا وفرنسا واسبانيا وبريطانيا وكندا. كما اصدرت المكسيك وايرلندا وبلجيكا سندات على 100 عام، لكن هذه الفكرة التي طرحت اثناء رئاسة باراك اوباما لم تنفذ لاعتبارات سياسية ولم تلق حماسة كبرى بحسب بعض الخبراء الاقتصاديين والسياسيين.
اذ ذكر نائب رئيس شركة "اف تي ان فاينانشل" جيم فوغل ان "السياسيين يفضلون عادة الايحاء بانهم سيقلصون الدين" عوضا عن زايدة الاقتراض عبر ادوات جديدة، وبينت ديانا سوونك من "دي اس ايكونوميكس" عبر راديو "ان بي ار" "بالعادة يتم اصدار هذا النوع من السندات عند الحاجة الى الاقتراض بكثافة" مضيفة "هل هذه فعلا الاشارة التي تريد الحكومة ارسالها؟".
وفعليا الاجدى بالدولة الفدرالية الاقتراض على المدى الطويل وبكلفة اقل مستفيدة من الفوائد المتدنية التي يتوقع ان ترتفع قريبا على ما وعد الاحتياطي الفدرالي (البنك المركزي الاميركي)، كما قد تستفيد الدولة والمستثمرون من إضفاء المرونة على ادارة الديون الفدرالية بحسب فوغل، لكن اصدار سندات مماثلة يبدو عملية حساسة. فيجب اصدار ما يكفي منها لضمان السيولة، وتجنب المبالغة في اصدارها لئلا تبقى عبئا بلا جدوى في حال الفشل، بحسب فوغل.
توقعات الاقتصاد الاميركي في 2017
من الصعب في عالم متقلب سياسياً، وغير مستقر اقتصادياً، أن يتنبأ الاقتصاديون والمحللون، بما سيكون عليه العام الجديد. لكن من الواضح أن العام الجديد سيشكل مفترق طرق اقتصادي هام، بعد تراجع الدور الاقتصادي للمصارف المركزية، اذ يرى الدكتور محمد العريان، رئيس مجلس التنمية العالمية، ول اقتصاد الولايات المتحدة، أوضح العريان أن فوز دونالد ترامب بالانتخابات الرئاسية الأخيرة كان له ردود فعل إيجابية في الأسواق، حيث جاء ذلك نتيجة لوعوده بتشجيع النمو وإجراء الإصلاحات وتعديل الضرائب، ما انعكس على ارتفاع أسعار الفائدة كنتيجة مباشرة.
وتوقع أن يكون للولايات المتحدة ميزانية أكثر نشاطاً وأعلى إنفاقاً في العام 2017، ما ينطبق كذلك على المملكة المتحدة، مرجحاً أن يواصل الدولار الأمريكي أداءه القوي، ما قد يعني مناهضة أكبر للتجارة الحرة وميلاً أكبر تجاه الحمائية في الولايات المتحدة.
وذكر العريان إن السوق الأمريكي على موعد مع زيادة في النمو والتضخم وارتفاع في التدفقات النقدية، نتوقع استعادة العديد من الشركات الأمريكية أموالها من الخارج وضخها في الأسواق الأمريكية، فالتحديات التي شهدها الاقنصاد الأمريكي مؤخراً لم تكن نتيجة لنقص رؤوس المال، وإنما كانت انعكاساً لتداعي مستويات الثقة لدى المستثمرين. وفي ضوء هذه السياسات المالية الجديدة، لابد من عودة هذه الأموال إلى السوق الأمريكي.
وفي سؤال حول مدى تأثير قوة الدولار الأمريكي على المنطقة العربية، أكّد العريان أن قوة الدولار سيكون لها تأثير إيجابي مباشر على منطقة الخليج بشكل عام وعلى دولة الإمارات العربية بشكل خاص، بحكم ارتباط العملة المحلية بالدولار الأمريكي، وهذا سيسهم بشكل كبير في دعم مساعي الحكومات الخليجية في تعزيز النمو وتطبيق الإصلاحات التي تم الإعلان عنها.
اضف تعليق