العمل على بيئة اعمال بسيطة وخفيفة وسريعة يعني تنشيط القطاع الخاص وتحسين اداءه في الاقتصاد. زيادة دور الدولة في الاقتصاد يمثل أحد العوائق المهمة لأنه يمثل مزاحمة للقطاع الخاص، مما يتطلب العمل على اعادة النظر بهذا الدور بما لا يؤثر على اداء القطاع الخاص إلا في حالات استثنائية...

سار الاقتصاد العراقي وفق نظام السوق المشوّه في خمسينيات القرن الماضي، ثم اتجه نحو نظام الدولة وبشكل سريع مع ظهور النفط حتى عام 2003.

ثم عاد ليتجّه مرة أخرى نحو اقتصاد السوق بعد 2003 إلا إنه لازال متعثراً، لأسباب عديدة تم تناولها في مقالات سابقة؛ وبحكم هذا التعثر أصبح البعض يُطالب بالعودة لدور الدولة في الاقتصاد، وهذه المُطالبة ما هي إلا ردة فعل لا أكثر تخلو من البعد الاستراتيجي.

ان اقتصاد السوق والقطاع الخاص ليست مسألة خيار بقدر ما هي ضرورة ملحة، وذلك لأسباب عديدة دستورية وسياسية واقتصادية واجتماعية ودولية.

الاسباب الدستورية

ان الشعب العراقي صوت على الدستور-دستور عام 2005- الذي يحث على التحول الاقتصادي من الدولة الى السوق في العديد من مواده التي يمكن الاشارة لبعضها أدناه.

1- المادة 23 " الملكية الخاصة مصونة، ويحق للمالك الانتفاع بها واستغلالها والتصرف بها، في حدود القانون".

2- المادة 24 " تكفل الدولة حرية الانتقال للأيدي العاملة والبضائع ورؤوس الاموال العراقية بين الاقاليم والمحافظات، وينظم ذلك بقانون" 

3- المادة 25 “تكفل الدولة اصلاح الاقتصاد العراقي وفق اسسٍ اقتصادية حديثة، وبما يضمن استثمار كامل موارده، وتنويع مصادره، وتشجيع القطاع الخاص وتنميته"

4- المادة 26 " تكفل الدولة تشجيع الاستثمارات في القطاعات المختلفة، ويُنظم ذلك بقانون"

5- المادة 34 " التعليم الخاص والاهلي مكفول، ويُنظم بقانون"

6- المادة 111 " النفط والغاز هو ملك كل الشعب العراقي في كل الاقاليم والمحافظات"

7- المادة 112 ثانياً " تقوم الحكومة الاتحادية وحكومات الاقاليم والمحافظات المنتجة معاً برسم السياسات الاستراتيجية اللازمة لتطوير ثروة النفط والغاز، بما يحقق أعلى منفعة للشعب العراقي، معتمدةً أحدث تقنيات مبادئ السوق وتشجيع الاستثمار".

الاسباب الاقتصادية

ان العقل والمنطق يفرضان اتباع الطريقة التي تكون أكثر كفاءة في ادارة الموارد والاقتصاد، اي الدولة والقطاع العام أم السوق والقطاع الخاص؟

في هذه الحالة سنذكر ما طرحه الاقتصادي الامريكي ميلتون فريدمان بخوص طرق إنفاق المال من حيث الملكية والانتفاع.

1- اذا كانت الاموال أموالك وتنفقها على نفسك، ستكون حريص جداً على ضغط الانفاق أكبر ما يمكن وتحقيق أعلى منفعة كما هو حال القطاع الخاص.

2- اذا كانت الاموال اموالك لكن تنفقها على غيرك، ستكون حريص جداً على ضغط الانفاق دون الاهتمام بمدى حجم المنفعة التي ستنفق عليه.

3- اذا كانت الاموال ليست اموالك لكن تنفقها على نفسك، ستكون حريص جداً على تحقيق أعلى منفعة دون الاهتمام بحجم الانفاق.

4- اذا كانت الاموال ليست أموالك ولا تنفقها على نفسك، في هذه الحالة لن تهتم بحجم الانفاق ولا بحجم المنفعة كما هو حال الدولة.

واذا ما نظرنا للتجارب الدولية سنجد ان اغلب الدول كانت تسير وفق نظام السوق والقطاع الخاص، هي أما دول متقدمة أو في طريقها للتقدم.

والعكس صحيح، حيث ان اغلب الدول التي كانت تسير وفق نظام التخطيط والقطاع العام، هي دولة متخلفة أو في طريقها للتخلف.

بمعنى ان نظام السوق والقطاع الخاص أكثر كفاءة من الدولة والقطاع العام في ادارة الموارد والاقتصاد، مما يستلزم اعتماد الاول والتخلي عن الثاني إلا في حالات محدودة.

الاسباب الاجتماعية

معروف ان العراق من بين الدول الاكثر زيادة في التعداد السكاني، وان الدولة والقطاع العام غير قادرة على الاستمرار في توليد فرص العمل، بل اصبحت تعاني من تخمة التوظيف والبطالة المقنعة دون ان تنعكس على الانتاجية والخدمات.

ان زيادة التعداد السكاني من ناحية وعدم توفير فرص العمل من ناحية ثانية، يعني ان العراق سيواجه، آجلاً أم عاجلاً؛ مشكلة حقيقية في مسألة تفاقم البطالة واثارها السلبية على المجتمع.

وفي المقابل ان اقتصاد السوق والقطاع الخاص بطبيعته أكثر قدرة على المواكبة وخلق فرص العمل وهو غير مُفعّل في العراق.

ولأجل تحقيق التوازن بين فرص العمل والزيادة السكانية وتجنب المشاكل التي ستواجه العراق مستقبلاً، أصبح من الضروري العمل على ترسيخ نظام السوق والقطاع الخاص لأجل خلق الفرصة واستيعاب البطالة.

الاسباب السياسية

ان عدم خلق نظام اقتصادي كفوء قادر على توليد الفرص واستيعاب البطالة، يعني مزيد من الاحتجاجات واستمرارها وتفاقمها الى الحد الذي يؤدي لغياب الاستقرار السياسي وربما الرجوع لحقبة الاستبداد، فتبني نظام سوق كفوء وقطاع خاص انتاجي يعني الحفاظ على الديمقراطية وتحقيق الاستقرار السياسي.

الاسباب الدولية

بعد سقوط الاتحاد السوفيتي 1991، اتجهت اغلب دول العالم نحو تبني اقتصاد السوق والانفتاح الاقتصادي والانخراط في الاقتصاد العالمي، فتبني اقتصاد السوق والقطاع الخاص سيجعل الاقتصاد العراقي أكثر قدرة على التناغم والتواصل مع الاقتصادات الدولية وتحقيق المزيد من المكاسب الاقتصادية.

بعد عرض الاسباب أعلاه، يتضح ان تبني اقتصاد السوق ليس خياراً بل هو ضرورة ملحة ولابد من اعتماده كآلية استراتيجية لا آنية لتسيير الاقتصاد وتفعيله.

المعوقات والمعالجة

مما يتطلب العمل على تشخيص كل ما من شأنه ان يعيق تطبيق اقتصاد السوق وعمل القطاع الخاص، ثم العمل على ايجاد الحلول المناسبة لمعالجة تلك العوائق لينطلق بسهولة وسلاسة نحو تحقيق الاهداف المطلوبة.

يمكن القول، هناك مجموعة معوقات يمكن العمل عليها منها:

الثقافة الاقتصادية، أي ان المجتمع لازال يُفضل الدولة والقطاع العام على السوق والقطاع الخاص لإدارة الاقتصاد، فالعمل على تغيير ثقافة المجتمع، من خلال الاعلام والتربية والتعليم والمجتمع المدني؛ تجاه السوق والقطاع الخاص والعمل يعني إعطاء اقتصاد السوق والقطاع الخاص دفعة قوية نحو الامام. 

البنية التحتية، ان عدم وجود بنية تحتية متطورة يعني ارتفاع تكاليف الانتاج وانخفاض الارباح وهذا ما يُثبط القطاع الخاص من ممارسة نشاطه الاقتصادي، فالاهتمام بالبنية التحتية يعني تحفيز القطاع الخاص المحلي وجذب القطاع الخاص الاجنبي لممارسة نشاطه الاقتصادي وتحسين اداء الاقتصاد برمته.

بيئة الاعمال، حيث لا تختلف بيئة الاعمال عن البنية التحتية، أي كلما تكون بيئة معقدة وصعبة كلما يعني ارتفاع تكاليف الانتاج وانخفاض الارباح مما يقلل من عزيمة القطاع الخاص من الاستثمار، فالعمل على بيئة اعمال بسيطة وخفيفة وسريعة يعني تنشيط القطاع الخاص وتحسين اداءه في الاقتصاد.

دور الدولة، ان زيادة دور الدولة في الاقتصاد يمثل أحد العوائق المهمة لأنه يمثل مزاحمة للقطاع الخاص، مما يتطلب العمل على اعادة النظر بهذا الدور بما لا يؤثر على اداء القطاع الخاص إلا في حالات استثنائية لضمان عدم انفلات الاخيرة. 

خلاصة القول، ان نظام السوق والقطاع الخاص ليست خياراً بل هو ضرورة ملحة للأسباب أعلاه، ولأجل تطبيقه بسهولة يتطلب تشخيص المعوقات ومعالجتها كما تم الاشارة لبعضها أعلاه ايضاً. 

* باحث في مركز الفرات للتنمية والدراسات الإستراتيجية/2004-Ⓒ2025

www.fcdrs.com

اضف تعليق