الاقتصاد العراقي يعتمد على النفط بشكل كبير، أكثر من 50% من اجمالي الناتج المحلي، نظراً لامتلاك العراق موارد نفطية كبيرة، تقدر بأكثر من 145 مليار برميل، في حين لم تشكل القاعات الاخرى بمجملها أكثر من 50%. كما تهيمن الايرادات النفطية على الايرادات العامة، حيث تمثل مساهمتها حوالي...

شهد العالم عدّة معطيات اقليمية ودولية، خلال المدة السابقة؛ ستلقي بظلالها، بلا شك؛ على الاقتصاد العراقي بشكل وآخر.

التهديدات الاقليمية 

تعود بداية التهديدات الاقليمية الى احداث 7 اكتوبر 2023، حين فاجئت حركة حماس العالم باقتحام اسرائيل وجعلتها في موقف لا يحسد عليه أمام انظار العالم، مما دفع بإسرائيل الرد بقسوة على قطاع غزة ضاربةً عرض الحائط المبادئ الاخلاقية والانسانية.

ولأجل دعم ومساندة حركة حماس، انضم الايرانيون والحوثيون وحزب الله في هجمات متكررة على اسرائيل ومصالح حلفاؤها وبالخصوص الولايات المتحدة الامريكية.

 وبالمقابل لجأت اسرائيل لسياسة الاغتيالات والاهداف المحددة في فلسطين ولبنان وسوريا والعراق وإيران في محاولة منها لطمئنة الداخل الاسرائيلي بقدرتها على الرد وتثبيط عزيمة محور المقاومة.

أبرز الاغتيالات في المنطقة وقعاً هي اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس (اسماعيل هنية) في طهران نهاية الشهر الماضي، 31 تموز، بعد نصف يوم من عملية اغتيال، فؤاد شاكر مسؤول بارز في حزب الله اللبناني؛ تبنتها اسرائيل.

حيث لم تعرف تفاصيل عملية الاغتيال، كيف ومن المسؤول وهل من الداخل أم من الخارج، في وقت لم تتبنى اسرائيل كما لم تنفي عملية اغتيال هنية، 

مع ذلك توجهت الانظار نحو اسرائيل واصدرت إيران وحلفاؤها وعودها بالرد القاسي على اسرائيل دون الكشف عن توقيت الرد وسياسة الرد، مما دفع لزيادة الاحتقان في المنطقة.

وبموازاة ذلك حشدت الولايات المتحدة الامريكية قواتها لمواجهة أي خطر يعترض اسرائيل وهذا ما زاد من حدة التوتر في المنطقة.

وبالمقابل عملت روسيا على الوقوف لجانب إيران والعمل على تزويدها بالصواريخ المطلوبة للدفاع عن نفسها إذا ما تعرضت لأي هجوم اسرائيلي.

هذه التهديدات الاقليمية بين جبهة إيران وحلفاؤها وأذرعها من جهة واسرائيل وحلفاؤها من جهة أخرى، إذا ما تحولت إلى ارض الواقع وأصبحت حرب اقليمية ستؤثر بشكل مباشر على الاقتصاد العراقي نظراً لاعتماد الاخير على الدول الاقليمية في تلبية متطلباته التجارية كما سيتضح عند تناول واقع الاقتصاد العراقي.

الازمة العالمية

استيقظ العالم على انهيار الاسواق العالمية في امريكا واسيا واوربا، يوم الاثنين الماضي، وتضاربت الانباء بمدى تأثير هذا الانهيار على الاقتصاد العالمي.

حيث يرى البعض انها بداية دخول الاقتصاد العالمي في ركود طويل، في حين يعتقد البعض الاخر انها أزمة عابرة، وهناك من يرى ان الاقتصاد العالمي سيدخل فيما يعرف بالركود التضخمي.

عموماً ان التنبؤ بالتأثيرات أمر ليس بالسهل، ويكون من المبكر تشخيص تلك التأثيرات بشكل دقيق لأنه لم نعرف بعد إذا ما تستمر الأزمة أم هي أزمة عابرة وحسب، ومع ذلك يمكن الاشارة لأهم السباب التي دفعت ليوم الاثنين الاسود.

ماذا حدث؟ 

تقرير الوظائف الامريكية الصادر في 2 تموز 2024 (معدل البطالة)

صدور تقرير الوظائف الامريكي بشكل مخيب للآمال، حيث كان من المتوقع ان يزيد عدد الوظائف 175 ألف وظيفة في شهر تموز لكن التقرير اوضح ان عدد الوظائف المتحقق هو 114 ألف وظيفة، بمعنى ان معدل البطالة ارتفع الى (4.3%) بدلاً عن المعدل المتوقع (4.1%).

ارتفاع معدل البطالة هو مؤشر على مدى قوة الاقتصاد، بمعنى ان الاقتصاد القوي قادر على توليد المزيد من فرص العمل ومن ثم انخفاض البطالة والعكس صحيح، ونظراً لارتفاع معدل البطالة في ضوء تقرير الوظائف الامريكي اعطى رسالة للمستثمرين بان الاقتصاد دخل في مرحلة الركود، لذلك لجأ المستثمرون لبيع اسهمهم في السوق وانخفضت الاسعار بشكل حاد.

رفع سعر الفائدة الياباني (من 0.1 الى 0.25%)

كان البنك المركزي يتبع الفائدة السلبية لأجل الحفاظ على النمو الاقتصادي، وخلال عام 2024 بدأ البنك المركزي الياباني بالتخلي عن الفائدة السلبية والعودة للسياسات التقليدية.

كان سعر الفائدة الياباني سلبي (- 0.1) لغاية شباط من السنة الحالية ثم ارتفعت الى 0.1% و0.25% في اذار وتموز على التوالي من العام الجاري.

كان المستثمرون يقترضون اموالهم بالين الياباني لان الفائدة عليه صفرية، ويقومون استثمار اموالهم في عملات أخرى وعلى راسها الدولار الامريكي والاستفادة من الفائدة عليه، بمعنى انهم يحصلون على الفرق بين الفائدتين.

ان قيام البنك المركزي برفع سعر الفائدة مقابل قيام الفدرالي بتخفيضها يعني عدم جدوى الاقتراض وسحب استثماراتهم وبيع العملات والاسهم والنتيجة انخفاض الاسعار بشكل حاد.

الحرب الروسية الاوكرانية

 لا شك ان الحرب الروسية الاوكرانية له دور سواء بشكل مباشر او غير مباشر على انهيار الاسواق المالية، حيث ان زيادة التصعيد يعني سحب الاموال من الاستثمارات لأجل تمويل الحرب والنتيجة زيادة العروض وانخفاض الاسعار.

كذلك التهديدات الاقليمية، التي أشرنا اليها؛ تدفع بالمستثمرين الى سحب استثماراتهم تحسباً لأي طارئ قد يحصل وذلك لأجل الحفاظ على ثرواتهم من الانخفاض.

ضخامة الاستثمارات في الذكاء الاصطناعي

حصل ارتفاع في حجم الاستثمارات في شركات الذكاء الاصطناعي، هذا ما دفع لارتفاع اسعار الاسهم وبالخصوص في قطاع التكنولوجيا، ونظراً لضعف المردودات على تلك الاستثمارات، انخفضت الاستثمارات في قطاع التكنولوجيا وانخفاض الطلب وانخفاض الاسعار. وان أهم الشركات بهذا الخصوص شركة أبل وانتل.

واقع الاقتصاد العراقي

أزمة بنيوية متمثلة في هيمنة الدولة والنفط على الاقتصاد العراقي:

هيمنة الدولة على الاقتصاد

على الرغم من اتجاه العراق بعد عام 2003 نحو اقتصاد السوق وفسح المجال امام القطاع الخاص لقيادة الاقتصاد إلا ان الدولة لازالت تهيمن على الاقتصاد وتتحكم به وذلك من خلال هيمنتها على عناصر الانتاج واهمها راس المال والارض.

هيمنة النفط على الاقتصاد

حيث ان الاقتصاد العراقي يعتمد على النفط بشكل كبير، أكثر من 50% من اجمالي الناتج المحلي، نظراً لامتلاك العراق موارد نفطية كبيرة، تقدر بأكثر من 145 مليار برميل، في حين لم تشكل القاعات الاخرى بمجملها أكثر من 50%.

كما تهيمن الايرادات النفطية على الايرادات العامة، حيث تمثل مساهمتها حوالي 90% من الايرادات العامة في حين لم تتجاوز مساهمة الايرادات الاخرى أكثر من 10%.

وكذلك الصادرات السلعية، حيث تشكل الصادرات النفطية أكثر من 98% من الصادرات السلعية، في حين لم تتجاوز الصادرات السلعية الاخرى أكثر من 2% من الصادرات السلعية.

مقابل تنوع الاستيرادات السلعية، حيث يستورد العراق أغلب السلع والخدمات من العالم الخارجي، بمعنى انه يعاني من تبعية تجارية للعالم الخارجي.

مؤشرات سلبية

حيث يحتل العراق المرتبة 154 من أصل 180 دولة، والمرتبة 172 في بيئة سهولة الاعمال من أصل 190 دولة؛ وضعف البنية التحتية، هذه المؤشرات تقلل من اقبال المستثمرين على الاستثمار نتيجة لضعف الارباح التي يسعى لها المستثمرين.

كذلك ارتفاع البطالة في العراقي، حيث تُعد البطالة مؤشر على مدى قوة وضعف الاقتصاد، إذ ان الاقتصاد القوي قادر على توليد المزيد من فرص ومن ثم انخفاض البطالة والعكس صحيح، وبحكم ارتفاع البطالة في العراق مما يدلل على ضعف الاقتصاد العراقي، وهذا له صلة وثيقة بالمشاكل البنيوية التي ذكرت آنفاً.

ولأجل مواجهة او التحفيف من حدّة التهديدات الاقليمية والازمات العالمية، التي تم تناولها آنفاً؛ يستلزم العمل على تقوية الاقتصاد الداخلي من خلال حل الازمات البنيوية والمؤشرات السلبية، أي العمل على:

اولاً: اعادة رسم دور الدولة والقطاع الخاص وفق التوجه الجديد بعد 2003، لمنع التضارب بينهما وسرعة مسيرة الاقتصاد.

ثانياً: اعادة النظر بتوظيف النفط بشكل الذي سيهم في تشغيل القطاعات الاقتصادية لأجل مغادرة احادية الاقتصاد وتنويعه.

ثالثاً: محاربة الفساد ومكافحته لأجل جعل بيئة الاعمال جاذبة لا طاردة، مما يسهم في تحفيز النشاط الاقتصادي.

رابعاً: الاهتمام بالبنية التحتية، لان عدم وجود بنية تحتية يعني تكاليف أكبر وارباح أقل؛ وهذا ما يثبط المستثمرين على الاستثمار.

خامساً: الاهتمام بالتنمية البشرية في القطاعات التربوية والتعليمية والصحية والاخلاقية، حيث ان وجود تنمية بشرية نوعية سيجعل الاقتصاد اقوى والبطالة أقل بشكل تلقائي.

خلاصة القول، ان العمل على تقوية الاقتصاد الداخلي بشكل حقيقي، يعني زيادة مناعته تجاه التهديدات الاقليمية والازمات العالمية، وتقليل الاثار التي يمكن أن يتأثر بها سلباً.

* باحث في الشأن الاقتصادي

مركز الفرات للتنمية والدراسات الإستراتيجية/2004-Ⓒ2024

www.fcdrs.com

اضف تعليق