في هذه الزيارة يتجلى الإبداع بأروع صوره ويعكس للعالم بأسره كيف أبدع الموالون في تبديل كثيراً من المفاهيم الخطيرة في حياة البشرية، فمن بين الملايين من الزوّار تجد الكثير ممّن أرخص ذاته وملذّاته وانشغل بالسير إلى الحبيب وهو الإمام الحسين كما أنك تجد في هذه الزيارة...
ماهي إلا أيام قليلة وتقبل علينا زيارة الأربعين تلك الزيارة المليونية التي حيّرت عقول البشرية وجذبت أنظار العالم نحوها.
في هذه الزيارة العظيمة تستوقفنا العديد من الصور الملفتة التي تذكرنا بأنصار الإمام الحسين (عليه السلام) الذين دعاهم سيّد الشهداء (عليه السلام) إلى التخلّي عنه وعدم تعريض أنفسهم للهلاك فقدّموا الغالي والنفيس في نصرته وجسّدوا أعظم نماذج سجّلها التأريخ عن البطولة والتضحية والمعرفة بإمام زمانهم.
المُلفت للنظر أنّ أنصار الحسين (عليه السلام) كانوا من مجتمعات مختلفة وطبقات متعددة، فمنهم الرجال والنساء، ومنهم العبيد والموالي، ومنهم الأحرار والسادة، ومنهم الغُلمان الذين لم يبلغوا الحلم ومنهم الكهول والشيوخ الطاعنين في السن، ومنهم المسلم والنصراني... كل هؤلاء جمعهم حُبّ الحسين (عليه السلام) والتفاني في نصرته.
واليوم وبعد أكثر من ألف عام تجد الملايين ممّن تأسّوا بأنصار الإمام الحسين (عليه السلام) قد زحفوا من مختلف بقاع العالم قائلين: لبّيك داعي الله، إن كان لم يجبك بدني عند استغاثتك ولساني عند استنصارك فقد أجابك قلبي وشعري وبشري (كامل الزيارات: 230).
ولايخفى عليك أنّ أنصار الإمام الحسين (عليه السلام) لا يقاس بهم أحد ولا يدانون بالمكانة التي حازوها لكنّنا في المقام نريد بيان كيف أبدع الموالون خلال زيارة الأربعين فبدّلوا جملة من المفاهيم التي يصعب جداً تغيرها في سائر المواسم الأخرى.
ففي هذه الزيارة يتجلى الإبداع بأروع صوره ويعكس للعالم بأسره كيف أبدع الموالون في تبديل كثيراً من المفاهيم الخطيرة في حياة البشرية، فمن بين الملايين من الزوّار تجد الكثير ممّن أرخص ذاته وملذّاته وانشغل بالسير إلى الحبيب وهو الإمام الحسين (عليه السلام).
كما أنك تجد في هذه الزيارة أنّ كثيراً من الموالين طلّق الحياة بما في ذلك الدور والعيال والأولاد والأموال وانشغل بالخدمة الحسينية التي هي من أبرز معالم النصرة والتلبية لصرخة سيدالشهداء (عليه السلام) لما قال: هل من ناصر ينصرني؟ هل من ذابّ يذبّ عن حرم رسول الله (صلى الله عليه وآله)؟
وفي هذه الزيارة تجد أنّ كثيرا من الموالين أرخصوا أوقاتهم وجهودهم وراحتهم في سبيل راحة زائري الحسين (عليه السلام)، بل إنّ العديد منهم راح يتفنّن ويبدع في اختراع وسائل الخدمة والراحة لذوي المقامات العالية أي زوار الإمام الحسين (عليه السلام).
وفي هذه الزيارة بدّل كثير من الموالين طبائعهم وخالفوا أمزجتهم فتحوّلوا من أُناس عاديين إلى ملائكة علّيين انشغلوا بالروحانيات والمعنويات ووضعوا نصب عينيهم حبيبهم الأعظم سيدالشهداء (عليه السلام) الذي جذب النفوس إليه وشغل القلوب بمصابه.
وفي هذه الزيارة الروحانية تلاحظ كيف تجشّم العديد من الموالين عناء الصعوبات وكيف أنهم ركبوا المخاطر في طريق الزيارة علّهم يواسون بذلك الركب الحسيني المظلوم الذي عاد من الشام إلى كربلاء.
وفي هذه الزيارة المباركة تجد كثيرا من الموالين تخلّوا عن ذواتهم ومحسوبياتهم وجعلوا يتسابقون في نيل شرف خدمة زوار الحسين (عليه السلام)، فركنوا خلف ظهورهم العديد من الألقاب والمحسوبيات والعناوين الرفيعة لهم بما في ذلك المرجع والعالم ورئيس الدولة والوزير والتاجر والأستاذ وشيخ العشيرة وغير ذلك.
وفي هذه الزيارة تتغيّر العناوين رأساً على عقب، فيصبح الغالي العزيز كالأموال والنفوس رخيصاً، ويتبدّل العدو إلى صديق وأخ حميم، ويتساوى الناس في المحبّة والمودّة، وتزول الضغائن من النفوس وتسود المودّة في النفوس العصيّة التي لا تتأثّر بشيء كما تتأثر في هذه الزيارة المليونية.
وفي هذه الزيارة يصبح الفقير غنيّاً، فيبذل الأموال الطائلة رغم فقره وقلّة ما في يديه، ويتحول الإنسان العادي إلى حاتم زمانه، فيقدّم للعالم صوراً من الجود والكرم لا تطرأ على بال حاتم الكريم الذي يُضرب به المثل في الجود والكرم.
وباختصار زيارة الأربعين هي زيارة الإبداع في تغيير المفاهيم وقلب الموازيين من أناس عاديين مشغولين بزخارف الدنيا ومشاغلها إلى رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن نصرة حبيب الله وآل الله الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا، فطوبى لمن ساهم في هذا الإبداع العظيم وسجّل اسمه في قائمة الفائزين بنصرة الإمام الحسين (عليه السلام).
اضف تعليق