خطورة متلازمة الاقتصاد الريعي تكمن في ارتهان الاجيال الحالية ضمن اقتصاد مهزوز ومعرّض الى مفاجآت تكون في اغلب الاحيان غير سارة وتكون الاجيال اللاحقة عرضة الى نضوب تلك الموارد فلكل مورد عمر افتراضي ومحدد فيتحتّم تشكيل صندوق سيادي نفطي في العراق ليحفظ حقوق الاجيال القادمة وهو...

لماذا وكيف يتأثر الاقتصاد العراقي بالتهديدات الاقليمية والازمات العالمية؟ وما السبل اللازمة لتجنب أو التخفيف من آثار التهديدات الاقليمية والازمات العالمية؟

ان التحديات التي تؤثر على الاقتصاد العراقي هي داخلية وذاتية أكثر منها خارجية وموضوعية رغم خطورة الخارجية منها، سواء اكانت اقليمية او عالمية لكن الداخلية أخطر بكثير من الخارجية كونها بنيوية وتتعلق بهيكلة الاقتصاد العراقي، اذ مازال هذا الاقتصاد يعاني من متلازمة الاقتصاد الريعي: فلم تعدْ مفرحة تلك الانباء التي تتحدث عن وتائر تصدير النفط وعن اسعاره في السوق العالمية صعودا لتمويل موازنات الدول التي تعتمد الريع في اقتصادها كالعراق.

 ويبقى القلق مزمنا لمن يراقب الخط البياني لمناسيب تلك الاسعار في حالة هبوطها المستمر وعدم استقرارها، فقد تلازم الريع فلسفةً واجراء بالاقتصاد العراقي منذ اكتشاف النفط فيه وتصديره لأغراض تجارية مطلعَ خمسينيات القرن الماضي لرفد موازناته المالية منذ ذلك التاريخ وحتى الان، فارتبط الاقتصاد العراقي الموجّه توجيها مركزيا والبعيد عن اقتصاد السوق بسعر البرميل الذي كان ولايزال محتكما الى عوامل عدة منها خضوعه الى مناسيب العرض والطلب والظروف المناخية والتقلبات السياسية الحادة بين الدول.

 ونتيجة لتلك المعطيات والتي تفيد بان حوالي 98% من الموازنات المالية يتم تسديد فواتيرها من تصدير النفط فيكون الاقتصاد العراقي بمجمله تحت رحمة سعر برميل النفط وهو ما عانى منه هذا الاقتصاد ومنذ عام 2014 وبالتزامن مع هجمة داعش، وإن كانت تحدث “طفرات” مفاجئة في اسعاره صعودا الا انها سرعان ماتتهاوى نزولا لذات الاسباب المتعلقة بمناسيب العرض والطلب والازمات السياسية الدولية والتقلبات المناخية، فلا شيء ثابت في اسعار النفط مايعنى انه لا اقتصاد ثابت مادام يعتمد اعتمادا شبه كلي على تصدير النفط، فيكون هذا الاقتصاد عرضة للهزائز والتقلبات وبشكل مستمر الى ازمات واختناقات مالية تجعل مهندسي الموازنات العامة ومبرمجي ميزانياتها في موقف محرج.

 اذ يُعدّ تذبذب أسعار النفط أحد تحديات التنويع الاقتصادي في العراق لأنه مالياً واقتصادياً يعتمد على الريع النفطي بشكل كبير جداً، فأي تذبذب في أسعار النفط، لأي سبب كان سينعكس بشكل مباشر على الريع النفطي الذي يمثّل ركيزة المالية العامة إيراداً وانفاقاً، فالموارد المالية شحيحة وغير مستقرة وسط متطلبات كثيفة ومتزايدة، ناهيك عن اشتراطات صندوق النقد الدولي في حال اقراضه بعضَ الدول التي تضطر الى الاقتراض منه كما فعل العراق تخطّيا لازمته المالية التي كانت اكثر من خانقة خاصة إبان الحرب الضروس ضد داعش التي استمرت لما يقرب من ثلاث سنين، وهي حرب استنفدت اموالا طائلة ستلحقها اموال باهظة تتطلبها إعادة إعمار المناطق التي استولى عليها داعش فضلا عن إعادة توطين النازحين الذين نزحوا من تلك المناطق لذات الأسباب.

 ونستشفّ ممّا تقدّم ان خطورة متلازمة الاقتصاد الريعي تكمن في ارتهان الاجيال الحالية ضمن اقتصاد مهزوز ومعرّض الى مفاجآت تكون في اغلب الاحيان غير سارة وتكون الاجيال اللاحقة عرضة الى نضوب تلك الموارد فلكل مورد عمر افتراضي ومحدد فيتحتّم تشكيل صندوق سيادي نفطي في العراق ليحفظ حقوق الاجيال القادمة وهو ما غفلت عنه الطبقة السياسية منذ تأسيس الدولة العراقية الحديثة.

 فلا يجوز الاعتماد كليا على الاقتصاد الريعي حاليا او مستقبلا كونه اقتصادا متذبذبا فلا تتمكن الحكومات من تحديد أسعاره وتثبيتها لان أسعاره تتحدد في الاسواق الدولية، ولتفادي خطورة متلازمة الاقتصاد الريعي الكامنة في عدم الاستقرار الحالي والنضوب المستقبلي؛ يجب تحويل الاقتصاد الريعي العراقي الاستهلاكي إلى اقتصاد انتاجي استثماري، وذلك من خلال توفير المناخ المشجّع للمستثمرين على الاستثمار في القطاعات الإنتاجية، وتفعيل القطاع الخاص (اقتصاد السوق).

وبهذا واقع الحال يكون التهديد داخليا اكثر منه خارجيا، ويجب تصحيح هيكلة الاقتصاد العراقي أولا، ومواجهة التحديات الخارجية كالحروب كحرب غزة والحرب الروسية الاوكرانية وامزجة بعض الدول الاقليمية والدولية تجاه الاحداث، ولتجنب التأثير السلبي لتلك التهديدات يجب إجراء اعادة هيكلة الاقتصاد العراقي بتحريره من الريعية أولا، وتعظيم بقية القطاعات الاقتصادية وتنويعها وتفعيلها ثانيا، والاهم من كل ذلك الابتعاد عن الانزلاق في سياسة المحاور بجميع اشكلها الاقتصادية او السياسية.

* مداخلة مقدمة الى الجلسة الحوارية التي عقدها مركز الفرات للتنمية والدراسات الاستراتيجية تحت عنوان: (الاقتصاد العراقي بين التهديدات الاقليمية والازمات العالمية)

اضف تعليق