اقتصاديات بلدان الشرق الأوسط، والعراق منها، رهينة لعوامل كثيرة متباينة بدرجة تأثيرها وميكانيكية عملها، ومن اهم هذه العوامل هو حالة الاستقرار السياسي المحلي والإقليمي والدولي، إضافة إلى المتغيرات البيئية والمناخية والظروف الصحية الاستثنائية والصراعات المختلفة بنوعيها الداخلي والخارجي. فجراء ابتلاء العالم بوباء كوفيد، فقد حصل ركود إقتصادي عالمي...
كيف يمكن للعراق ودول المنطقة توظيف قدراتها الاقتصادية في بناء السلام في الشرق الأوسط؟
وما هي المحددات التي تعرقل استخدام دول الشرق الاوسط إمكانياتها ومواردها الاقتصادية لتعزيز علاقاتها الاقتصادية في إطار التكامل الاقتصادي؟
بين السياسة والاقتصاد علاقة جدلية وارتباط وثيق وتلازم، فكلاهما مؤازر للثاني وداعم له. الاقتصاد الصاعد لابد أن يرتكز على أساس سياسي متين ومستقر والاستقرار السياسي لا يدوم ولا يستمر في منطقة بنيتها الاقتصادية واهية وهشة.
الاقتصاد والسياسة سلاح ذو حدين، ففي الوقت الذي يصنع الإقتصاد القويم سلاما واعدا لدى الشعوب والأمم إن صفت النيات، قد يستخدم البعض نواصي الإقتصاد في خلق النزاعات وزرع العبث لدى الغير حينما تختلط الأهداف وتسوء النوايا!
اقتصاديات بلدان الشرق الأوسط، والعراق جزء منها، رهينة لعوامل كثيرة متباينة بدرجة تأثيرها وميكانيكية عملها، ومن اهم هذه العوامل هو حالة الاستقرار السياسي المحلي والإقليمي والدولي، إضافة إلى المتغيرات البيئية والمناخية والظروف الصحية الاستثنائية والصراعات المختلفة بنوعيها الداخلي والخارجي.
فجراء ابتلاء العالم بوباء "كوفيد 19" ومضاعفاته، فقد حصل ركود إقتصادي عالمي لم يسلم منه أحد وامتد هذا الركود متأثرا بمردودات ومضاعفات الحرب الروسية - الأوكرانية. ارتفع التضخم وازدادت أسعار السلع وتصاعدت أسعار الفائدة على ودائع المال وتضاعفت أسعار الطاقة، فتقهقر النمو وارتبك الأمن الغذائي وارتفع الدين العام ومعدلات البطالة في معظم بلدان المعمورة.
قد تتفاوت تأثيرات هذه العوامل بسلبياتها من حيث الدرجة من بلد لآخر حسب توفر الموارد والثروة المالية والنفطية وغيرها في بلد دون سواه.
من أجل بناء إقتصاد واعد وسليم يصنع سلام سياسي مستقر وطويل الأمد في دول الشرق الأوسط والعراق جزء منها، فلابد من توفر بواعث انطلاق علمية وعملية نذكر منها ما يلي:
أولا/ انتهاج سياسة التصالح بين الدول المعنية وحل الخلافات:
التصالح والتفاهم والتراضي بين الفرقاء والمختلفين في الرؤى والأسباب، يعتبر خطوة هامة وبادىء ذي بدء في خلق جو صالح للانطلاق والشروع في هذه المهمة الصعبة. هذا يستدعي نبذ أساليب العنف المسلح والعنف المقابل والتخلي عن دواعي التصعيد والنزاعات الموروثة والمستجدة بين بلدان المنطقة وحل المشكلات بالطرق الحضارية السلمية سواء أكان هذا على المستوى الداخلي المحلي أو الإقليمي والدولي.
ثانياً/ إنشاء تكامل اقتصادي بين دول المنطقة:
بعد الخلاص من آثار النزاعات والصراعات والخلافات البينية يجب التوجه إلى بناء صرح اقتصادي متكامل بتكاتف وتعاون الدول المعنية من أجل وضع سياسات مشتركة تبحث عن حلول للأزمات والتهديدات المشتركة والتي تتطلب تعاونا دوليا مشتركا كأزمات التصحر والتغيرات المناخية والبيئة وغيرها. وعلى نفس المنوال يتم التعاون بين البلدان المعنية في مجال مكافحة "الاقتصاد الاسود" أي الأنشطة الاقتصادية غير الرسمية المستترة والبعيدة عن أدوات سيطرة الرقابة والدولة.
الهدف من الإقتصاد الأسود هو الالتفاف على القوانين الإدارية المتبعة في الدولة والتهرب من الضريبة، مما يخلق هذا حالة من حالات التباين الاجتماعي والطبقي في المجتمع، حيث تتركز الثروة في مراكز خاصة ويحصل إجحاف عند الفئات المتضررة والمشمولة بالضمان الاجتماعي. في دراسة أصدرها صندوق النقد الدولي تبين أن الاقتصاد الاسود يلتهم تقريباً ثلث الناتج المحلي الإجمالي في الدول العربية!.
ثالثاً/ الاصطفاف مع القوى الإقتصادية الصاعدة والأكثر أمانا:
الإنضمام والتعامل مع مجموعة " بريكس"، على سبيل المثال وليس الحصر، فهو مشروع واعد ومفيد ومهم، حيث هو تحالف إقتصادي صرف يضم دول صاعدة إقتصاديا من أجل خلق نظام مالي عالمي متعدد الأقطاب والخروج من الهيمنة الامريكية على النظام المالي العالمي. النظام المالي الجديد والمزمع الشروع به في المستقبل القريب يدعو إلى إستخدام عملة موحدة بديلة عن الدولار الأمريكي ويعتبر وسيلة جديدة اخرى لسداد المدفوعات التجارية. هذا الاصطفاف الجديد يفتح أبوابا حرة للحركة المالية والاقتصادية لدول المنطقة ويفك عنقها من غلال الضرورة والاجبار التي صنعتها الكلاسيكية المشروطة المتبعة منذ زمن بعيد من قبل القطب الأوحد.
رابعا/ ترميم الواقع الاقتصادي المتعثر للدول ومعالجة السلبيات:
وتتضمن هذه الفقرة العديد من الخطوات الضرورية والهامة في إصلاح الخلل الكائن في طيات اقتصاديات هذه البلدان ومنها: مكافحة الديون المتراكمة، معالجة البنية التحتية وإصلاحها وتنشيطها، خلق نواة لرأس مال واحتياطي مالي ناجز، الإستثمار في الحقول المهملة في الصناعة والزراعة والعمران والسياحة، تحفيز الإستثمار في مشروع "الهيدروجين الأخضر" وإنتاجه وتصديره لدول العالم كمصدر جديد للطاقة النظيفة.
وأخيرا وليس آخرا فعلى الدول النفطية أن تشرع في تنويع وارداتها غير النفطية تأهبا لمستقبل منظور يرفع رايات الطاقة النظيفة ويدعو إلى الاقلاع عن الوقود الاحفوري، وإلا فستبقى هذه الدول بدون حراك حتى فوات الأوان...!
اضف تعليق