عدم التوصل إلى تشكيل حكومة تقود البلاد، بعد مرور ستة أشهر على الانتخابات البرلمانية؛ وهذا ما يعني تأخر الموازنة التي تمثل المرتكز الرئيس للاقتصاد العراقي. عدم وجود اتفاق بين القوى السياسية وتأخر تشكيل الحكومة مؤشر سلبي على بيئة الاستثمار لان عدم وجود حكومة يخلق توقعات متشائمة...
تسعى غالبية الدول إلى جعل بيئاتها جاذبة للاستثمار وذلك لما لها من أهمية كبيرة في تنشيط الاقتصاد وتقويته وتعزيز رفاهية المواطن أخيراً.
وهنا ينبثق السؤال، هل يسعى العراق لجعل بيئته جاذبة للاستثمار من أجل التخلص من المشاكل الاقتصادية التي يعانيها وتنشط اقتصاده وتقويته وتحقيق رفاهية المواطن؟
يبدو من خلال الملاحظة للوضع السياسي العراقي، إن الصراع على السلطة وتحقيق الاهداف السياسية على حساب الاهداف الاقتصادية أثّر بشكل كبير على بيئة الاستثمار وجعلها بيئة غير مؤاتيه للاستثمار.
وإن استمرار الصراع على السلطة يعني استمرار تراجع جاذبية الاستثمار واستمرار المشاكل الاقتصادية واستمرار ضعف الاقتصاد واستمرار تراجع رفاهية المواطن.
من أبرز نتائج الصراع على السلطة، هو عدم التوصل إلى تشكيل حكومة تقود البلاد، بعد مرور ستة أشهر على الانتخابات البرلمانية؛ وهذا ما يعني تأخر الموازنة التي تمثل المرتكز الرئيس للاقتصاد العراقي.
عدم وجود اتفاق بين القوى السياسية وتأخر تشكيل الحكومة مؤشر سلبي على بيئة الاستثمار لان عدم وجود حكومة يخلق توقعات متشائمة بان البلاد قد تنزلق نحو الفوضى في ظل هشاشة الاستقرار المحلي وتصاعد التوترات العالمية.
يمكن ملاحظة مدى جاذبية الاستثمار في العراق بشكل أدق من خلال ثلاثة مؤشرات تتمثل في مؤشر المؤسسات، مؤشر البنية التحتية ومؤشر بيئة الاعمال.
أولاً: مؤشر المؤسسات
تلعب المؤسسات دوراً كبيراً في بيئة الاستثمار، كلما يكون اداء هذه المؤسسات جيداً ستنعكس بشكل إيجابي على بيئة الاستثمار والعكس صحيح.
تشمل المؤسسات ثلاثة مؤشرات هي فاعلية الحكومة، سيادة القانون، ومكافحة الفساد الاداري، وكلما يكون اداء هذه المؤشرات جيداً سيكون اداء المؤسسات جيداً.
وفقاً لتقرير تنافسية الاقتصادات العربية الصادر عن صندوق النقد العربي عام 2022، يحتل العراق في المتوسط للمدة 2017-2020 المرتبة 24 من بين 26 دولة (17 دول عربية و 9 دول مقارنة) في مؤشر المؤسسات[i].
بمعنى إنه يقع في نهاية المربع الأخير من بين الدول المشمولة في التقرير مما يعني إنه يعاني من ضعف فاعلية الحكومة وعدم سيادة القانون وانتشار الفساد، المكونة لمؤشر المؤسسات.
وعلى مستوى العالم يحتل العراق المرتبة 174 من أصل 192 دولة في مؤشر فاعلية الحكومة والمرتبة 185 من أصل 192 دولة في مؤشر سيادة القانون عام 2020 [ii] والمرتبة 157 من بين 180 دولة في مؤشر مدركات الفساد العالمي عام 2020 الصادر عن منظمة الشفافية الدولية[iii].
ثانياً: مؤشر البنية التحتية
تعد البنية التحتية احدى المؤشرات على جاذبية الاستثمار، وذلك لما لها من علاقة وثيقة مع تكاليف الانتاج والارباح.
فكلما تتوفر البنية التحتية كمياً ونوعياً، كلما يعني ذلك انخفاض تكاليف الانتاج وزيادة الارباح والعكس صحيح، وعلى هذا الاساس تكون بيئة الاستثمار جاذبة والعكس صحيح.
يشمل هذا المؤشر خمسة مؤشرات فرعية وهي الافراد الذين يستخدمون الانترنيت، وقت الامتثال الحدودي للتصدير السلعي، النقل الجوي والشحن، اشتراكات الهاتف الخلوي، الوقت للحصول على الطاقة الكهربائية.
يحتل العراق مرتبة جيدة في هذا المؤشر عند مقارنته بالدول التي شملها تقرير صندوق النقد العربي، حيث يحتل المرتبة 7 من بين 26 دولة، بمعنى إن أفضل من 19 دولة[iv]، وهذا مؤشر ايجابي يخدم بيئة الاستثمار.
يمكن القول، إن تحسن مرتبة العراق في هذا المؤشر تعود لمسألتين الاولى في تزايد اشتراكات الهاتف الخلوي، وهذه نقطة ايجابية بلا شك والثانية عدم شمول عناصر مهمة في البنية التحتية كمياً ونوعياً كالطرق والسكك الحديدية والموانئ والماء وغيرها، وإذا ما تم شمولها ستتراجع مرتبة العراق في هذا المؤشر.
ثالثاً: مؤشر بيئة الأعمال
هناك علاقة وثيقة بين بيئة الاعمال وجاذبية الاستثمار، أي كلما تكون بيئة الأعمال بسيطة غير معقدة من حيث عدد الاجراءات والوقت والتكلفة والحد الأدنى لرأس المال لفتح مشروع تجاري جديد، ستكون غير مكلفة وزيادة الارباح أخيراً، وهذا ما يشجع رجال الاعمال على الاستثمار.
يحتل العراق في المتوسط للمدة 2017-2020 المرتبة 21 من بين 26 دولة لتي تناولها صندوق النقد العربي في تقريره المذكور آنفاً[v].
جدير بالذكر، ان تقرير صندوق النقد العربي لم يشمل جميع المؤشرات الخاصة بسهولة بيئة الاعمال بل اقتصر على 5 مؤشرات وهي بدء النشاط التجاري، تسجيل الملكية، الحصول على الكهرباء، حماية المستثمرين، دفع الضرائب، رُبما يرى ان هذه المؤشرات أكثر أهمية من المؤشرات الاخرى المتمثلة بـ(استخراج تراخيص البناء، الحصول على الائتمان، التجارة عبر الحدود، انفاذ العقود، تسوية حالات الاعسار).
كما ويحتل العراق المرتبة 172 من أصل 190 دولة ضمها مؤشر سهولة ممارسة الاعمال الصادر عن البنك دولي عام 2020[vi].
بمعنى إنه يقع في الربع الاخير من بين الدول التي يضمها هذا المؤشر، وهذا ما يعني إن أكثر من ثلاثة أرباع الدول هي أفضل من العراق في سهولة ممارسة الاعمال، لأنه أكثر تعقيداً وأكثر تكلفةً وأقل أرباحاً، وهذا ما لا يشجع بل يُنفر رجال الاعمال من الاستثمار فيه.
خلاصة القول
بناءً على ما سبق، إن بيئة الاستثمار في العراق بيئة غير جاذبة بل طاردة للاستثمار وذلك بسبب غياب الاستقرار السياسي المتمثل في تأخر تشكيل حكومة وطنية جانب وسوء مؤشرات مناخ الاستثمار من كما اتضح من خلال ضعف مؤشر المؤسسات وبيئة الاعمال بشكل خاص جانب آخر.
ومن أجل العمل على جعل بيئة الاستثمار جاذبة لابُد من العمل أولاً على تحقيق الاستقرار السياسي من خلال تشكيل حكومة وطنية قادرة على إدارة البلد نحو الأمام، ثم العمل على تحسين مؤشرات مناخ الاستثمار، أي رفع كفاءة اداء المؤسسات والبنية التحتية وبيئة الاعمال.
اضف تعليق