ان استمرار العراق بإقرار موازنات مالية ضخمة دون مراجعة الحسابات الختامية للسنوات السابقة لرصد الانفاق الفعلي عن المخطط والتأكد من دقة تنفيذ قانون الموازنة الاتحادية يزيد من ضعف الوزارات والمؤسسات الحكومية في تخصيص الموارد المالية في العراق ويسهم في تفاقم معدلات الفساد وحماية المفسدين من المسائلة والعقاب...

شرع مجلس النواب العراقي نهاية شهر ايار/مايو من العام الماضي قانون الادارة المالية الاتحادي لسنة 2019 والذي نُشر في جريدة الوقائع العراقية العدد (4450) في آب/اغسطس 2019. ورغم ما تضمنه القانون من ايجابيات، الا ان الملاحظات كانت كثيرة وقد رصدت في مقالنا الموسوم "قانون الادارة المالية الجديد: ما له وما عليه".

ومع دخول العام الجديد وبالنظر لتجاوز المدة القانونية لإقرار الموازنة الاتحادية وفقا لقانون الادارة المالية الجديد (المادة 11)، والتي نصت على تقديم الحكومة لمشروع الموازنة الاتحادية الى مجلس النواب في موعد اقصاه منتصف تشرين الاول من كل عام. هنا يجب التذكير بما تضمنته المادة (13/ثالثا)، والتي تقضي باعتماد البيانات المالية النهائية للسنة السابقة اساسا للبيانات المالية للسنة التي لا تقر بها الموازنة العامة الاتحادية اما لعدم ارسالها الى مجلس النواب او لعدم تصويت المجلس عليها، وهنا تم رصد عدد من الملاحظات (فيما يخص هذه المادة) عند تقييم قانون الادارة المالية لعام 2019، لعل أبرزها:

- ينبغي وضع فقرات لضمان اقرار الموازنة العامة دون تسويف وتأخير لارتباطها بمصالح المواطن، لا فتح ثغرات تتيح للحكومة المماطلة في ارسال الموازنة او تعمد مجلس النواب تأخير المصادقة عليها لمصالح سياسية ضيقة، خصوصا وان الوضع السياسي في البلد قد يؤثر على مزاج البرلمان في رفض او قبول الموازنة الاتحادية لأسباب قد لا تكون موضوعية كما افصحت تجارب السنوات السابقة.

- لا يمكن اعتماد بيانات الموازنة الاتحادية للعام السابق كأساس لموازنة جديدة تحت اي اعتبارات، نظرا لخصوصية النفقات والايرادات العامة في العراق، نظرا لان الموازنة الاتحادية العراقية تنكشف على النفط بشكل كبير وهو سلعة متقلبة ولا يمكن ضمان اتجاهاتها المستقبلية خاصة وان الوضع الاقليمي والعالمي لأسواق الطاقة ينذر بمسارات مقلقة من حيث الاسعار ومنافذ التصدير.

- يشير قانون الادارة المالية الجديد بان المصروفات الفعلية (للسنة السابقة) تعد اساسا لبيانات السنة الجديدة في حال عدم اقرار الموازنة الاتحادية، ويتطلب ذلك تقديم الحسابات الختامية من قبل ديوان الرقابة المالية للعام السابق والمصادقة عليها من قبل مجلس النواب بعد الدراسة والتدقيق، وهذا ما لم يحدث. حيث تمت المصادقة على الحسابات الختامية لموازنة العام 2013 ولم تناقش موازنات السنوات اللاحقة بالمطلق.

تعطيل الحسابات الختامية في العراق لمصلحة من؟

يعد تخلف وزارة المالية الاتحادية في تقديم الحسابات الختامية الى ديوان الرقابة المالية لغرض تدقيقها وعرضها على مجلس النواب ضمن التوقيتات الزمنية المحددة أحد اهم اسباب سوء تخصيص الموارد المالية بين الوزارات والمؤسسات الحكومية ومنفذ خطير للفساد المالي وهدر الامكانية في العراق.

ورغم إلزام الحكومة في برنامجها الحكومي (المحور الرابع/ اولا/ فقرة4) ديوان الرقابة المالية بالبدء بتقديم الحسابات الختامية عام 2019، الا ان اللجنة المالية في مجلس النواب أوضحت، مؤخرا، ان مشكلة الحسابات الختامية لا زالت متوقفة عند موازنة العام 2014، وان ديوان الرقابة المالية لا يملك قانون يُعتمد لاستكمال حساباته الختامية حسب زعمها.

وفي خطاب رسمي مقدم من ديوان الرقابة المالية الى مجلس النواب في 8/12/ 2019 اشار الكتاب (الفقرة 2) بعدم تقديم وزارة المالية الاتحادية لحسابتها الختامية للسنوات (2015-2018) الى ديوان الرقابة المالية لغرض التدقيق، وهذه مخالفة صريحة للقانون النافذ وتقصير واضح من قبل وزارة المالية، وايضا يؤشر ضعف رئيس الوزراء في إلزام الوزارة بتنفيذ التعليمات والقوانين والايفاء بالبرنامج الحكومي الذي أكد في محوره الرابع بتقديم الحسابات الختامية للسنوات الماضية الى مجلس النواب لغرض تدقيقها والمصادقة عليها.

ان استمرار العراق بإقرار موازنات مالية ضخمة دون مراجعة الحسابات الختامية للسنوات السابقة لرصد الانفاق الفعلي عن المخطط والتأكد من دقة تنفيذ قانون الموازنة الاتحادية يزيد من ضعف الوزارات والمؤسسات الحكومية في تخصيص الموارد المالية في العراق ويسهم في تفاقم معدلات الفساد وحماية المفسدين من المسائلة والعقاب.

كما ان استمرار الصراع بين الكتل والاحزاب السياسية وتعطيل اقرار الموازنة الاتحادية في المواعيد المحددة كابح خطير لمشاريع البناء والاعمار ويهدد ايضا افاق النمو والاستقرار الاقتصادي في العراق.

* باحث في مركز الفرات للتنمية والدراسات الإستراتيجية/2004-Ⓒ2020
www.fcdrs.com

اضف تعليق