من المرجح ان يفوق رأس المال الفكري في العالم بقيمته رأسي المال المادي والمالي، وبعبارة اخرى، فأن قيمة ما نعرفه، اي القيمة الغير محسوسة لما ابدعناه، قد تتجاوز قيمة الموجودات المالية التي تحيط بنا ونحن لانعلم ذلك على وجه اليقين لآن اعقد النظم المحاسبية تعاني...
جمعت جميع الافكار حول رأس البشري ورأس مال البنية التحتية معا في مفهوم واحد هو راس المال الفكري، وذلك في العام 1990 من قبل ليف ادفينسون من شركة سكانديا المالية السويدية، ليردد صدى عبارته في العالم كله، ومن بين التكريمات الكثيرة التي نالها، من قبل برنامج ثقافة الادمغة من هيئة الاذاعة البريطانية التي اختارته كدماغ العام 1998 متقدما على بيل غايتس وباول ماك كارتني اللذين يتمتعان كلاهما برأس مال فكري كبير.
في ذلك الوقت، كانت سكانديا والكثير من شركات المالية الاخرى تسعى الى التوسع عبر الاندماج في الشركات الاخرى او اكتسابها، وفي اثناء تحليل الاهداف المحتملة، اكتشف ادفينسون ان المستثمرين يولون عادةً قيمة لنوع محدد من الشركات اعلى من القيمة التي تستحقها وفقاً لحساباتها السنوية فيما يعرف بقيمة الدفتر.
واوصلته حساباته الى ان شركات كثيرة في اسواق الاسهم الاوربية، كانت تقيم بثلاثة الى ثمانية اضعاف قيمتها الدفترية، بل ان هذه المضاعفة كانت تصل الى عشرة او عشرين مرة في فرانكفورت ولندن ونيويورك، واكثر، فكثيراً ماتصل شركات الانترنت الى اضعاف ذلك.
وعرف ان طرائق المحاسبة التقليدية لاتصرح سوى عن الاصول المالية والمادية للشركة وتتجهال الموارد الفكرية لكوادرها، وهي تقيس ما لدى الشركة ولاتفلح في تناول ماتعرفه الشركة في حسابها، فأخذ يشير الى الاخيرة على انها الاصول الخفية للشركة، وكان يعتقد بالضبط ان معظم الشركات كانت تقرر مستقبلها بناءاً على اصولها الخفية وليس على اصولها المادية.
كما يصف ادفينسون بدقة فأن: الحسابات التقليدية تستطيع التعاقد على قيمة سيارة شركة قابعة في مرآب السيارات، الى انها لاتستطيع تحديد معرفة صاحبها للمكان الذي يجب ان يقصده، وهي تتعرف على معدات مخبر ابحاث وليس على المعارف التقنية للباحثين، وكان هذا السلوك من قبل الشركات بمثابة المفاجئة لمن هم خارج عالم الاعمال، وسرعان مافقد المبدعون الذين يرون في معارفهم وافكارهم اهم الاصول التي يمتلكونها، ثقتهم بالمحاسبين الذين ماكانوا يولونها اي قيمة، وتعرف مجموعة ادارة رأس المال الفكري رأس المال هذا بأنه "المعارف التي يمكن تحويلها الى ارباح"، وكما يقول ادفينسون فأن "معظم مافي هذه الفكرة متعارف عليه الا ان التحدي يتمثل في تحويلها الى ممارسة متعارف عليها".
رأس المال البشري
عمله البحث الخالد الذي اجراه فريتز ماخلوب والمنشور في مجلة انتاج المعرفة والتي توزع في الولايات المتحدة، على جمع ادلة تثبت ان انتاج ونقل المعلومات كانا على وشك مظاهات التصنيع في منظور حجم المساهمة في الناتج القومي، وصاغ ماخلوب عبارة الاستثمار الفكري في اشارة الى الاستثمارات في تلك الاصول الرأسمالية التي تدعم هذا النمو، كما بينت ابحاث اي. اف. دينيسون وجاي. دبليو، كيندريك ان الاستثمارات في مجالي التربية والتدريب قد زادت من قيمة القوى العاملة، وان النتيجة كانت زيادة في الانتاجية، وان كلاً من الاستثمار وناتجه يمكن قياسهما كماً، وعلى وجه الاجمال يمكن اعتبار قوة العمل بمثابة رأس مال فالاستثمارات في المهارات والمعارف التقنية تولد منعطفاً في التعليم ومن شأن هذا المنعطف ان يكون مفيداً، كان التربويون يستخدمون هذه الحسابات للضغط على الحكومة لكي تنفق المزيد في مجال التعليم دافعين بحجة ان ذلك سيقود الى المزيد من الانتاجية وبالتالي المزيد من القدرة التنافسية للاقتصاد، وقد تم تبني هذه الحجة التي تساعد الاقتصاد الذي يعاني من النقص في التمويل على نطاق واسع، وبحلول سبعينيات القرن العشرين بدأت بلدان عديدة، وليس فقط تلك الغربية الغنية، بتعديل انفاقها على التعليم مثبتة ان ذلك يساعد صناعتها على منافسة افضل في الاقتصاد العالمي.
الا ان اقتصادي الماركو والتربويين والصناعيين الذين كانوا من انصار رأس المال البشري تبنوا وجهة النظر هذه بحذر لانها تمثل شرطاً لمعظم اشكال رأس المال التي يمتلكونها، والتي يمتلكها بالفعل الرأسماليون غير المحبين، ولم يرغبوا في ان يشيروا ضمناً الا ان العامل يمكن امتلاكه، والعكس هو في الحقيقة ما كان، فقد كانوا مقودين بالاندفاع اليوتوبي الذي يقول ان العمالة الماهرة عامل من عوامل الانتاج تجب معاملته بأحترام وهذا اقل ما تستحقه.
ورأس المال البشري هو نوع غير اعتيادي الى حد صادم من رأس المال، وهو اول نوع يتم تعريفه على انه شخصي ويبقى معنا، بينما نجد رأسي المال المالي والمادي غير شخصيين.
ان المهمة التي امام الفرد هي مراكمة رأس المال الداخلي وزيادة جودته ومداه وفائدته، وتتمثل مهمة المنظمة في التفاوض حول استخدام رأس المال هذا على اسس عادلة ومعقولة ومن ثم استخدامه بأكبر قدر ممكن.
رأس المال البنيوي
يعرف برأس مال البنية التحتية، وهو الوصلية التي تصل بها المنظمة الى رأس المال البشري وتنظمه، ففي صناعات الدعاية والتصميم التي نشأت فيها هذه العبارة، يوصف رأس المال البنيوي احياناً بأنه "كل ما تخلفه الكوادر بعد مغادرتها العمل"، ويغطي رأس مال البنية التحتية سياسات المؤسسة المتعلقة بالتوظيف والتعويض والتدريب، ونظام معلومات الادارة ونظام ادارة المعرفة فيها، والطريقة التي يعمل بها الناس معاً في المنظمة وموقفهم من مشتقات العمل ومن العمل حتى وقت متأخر.
كما انه يغطي ادارة الملكية الفكرية، بما فيها اسماء المجالات وحماية العلامات التجارية والتنقيب عن البراءات وحماية التراخيص وحقوق النشر، وهو يهدف الى تكريس المنظمة بصفتها وسطاً من العلاقات يحول فيه الناس الافكار الى ملكية ومنتجات.
نظراً لطبيعة المعلومات، فأن هذه البنى يجب ان تكون مفتوحة وشاملة وحصرية، فقد بينت دراسات كثيرة ان اكثر عمليات البحث والتطوير والابتكارات هي عمليات مستمرة ومتزايدة وتراكمية بطبيعتها، وتنبع من التبادلات والحركات المحلية غير الرسمية التكتيكية والفطرية، فقلما تأتي لحظات مثل وجدتها في العزلة، والمنظمة تتعلم ليس عبر الانقطاعات المفاجئة الجذرية، وانما عبر عملية تدريجية تبادلية، اشبه بأمتصاص الاسفنجة للماء.
اذا اقتنع الافراد ان عملية النقل عادلة، فأنهم سيساهمون بكل سرور، اما اذا وجودها غير عادلة، فالغيرة ستدفعهم الى حماية رأس مالهم والاحتفاظ به لأنفسهم، وامام المنظمات الخيار نفسه، فأذا هي وثقت بالافراد وعاملتهم بعدل، فأنها ستكافأ بالمقابل، اما اذا تجاهلتهم وتركتهم في الظلام، فأنهم سيصبحون عقيمين وجامدين، وفي الحالة الاخيرة، سيضيق ذرع الابداع، وسيشعر الافراد ان افكارهم ليست موضع ترحيب، وستغلق المنظمات ابوابها امام مصدرها الرئيس للافكار الجديدة، فوفقاً لدراستين بحثيين منفصليين اجرتهما كلية بيركبيك في جامعة لندن على 1000 شخص من العاملين في مجال الاعلام والصناعات الدوائية، فأن عدداً متزايداً من العاملين في غاية الميل الى افشاء معارفهم واصحاب عملهم، ويرى الباحثون ان واحد من كل خمسة اشخاص يعتبر طفيلي معلومات يتشرب المعلومات من المؤسسة ويستخدمها في تحسين وضعه المهني الخاص.
من المرجح ان يفوق رأس المال الفكري في العالم بقيمته رأسي المال المادي والمالي، وبعبارة اخرى، فأن قيمة ما نعرفه، اي القيمة الغير محسوسة لما ابدعناه، قد تتجاوز قيمة الموجودات المالية التي تحيط بنا ونحن لانعلم ذلك على وجه اليقين لآن اعقد النظم المحاسبية تعاني من مشاكل في محاسبة موجودات رأسي المال المالية و والمادية، وهي بالكاد تستطيع تعريف تلك الفكرية، ناهيك عن اجراء محاسبة لها.
فمن الواضح ان رأس المال الفكري يلعب دوراً رئيسياً في جميع الصناعات التي تعتمد على براءات الاختراع وعلى حقوق النشر، بما في ذلك مافي الغرب من صناعات التقانة الحيوية، والدوائيات، والكيميائيات، والالكترونيات، والترفيه والنشر، فأذا لم ستخرج براءات وختراع وماركات للادوية فأن المستهلكين وبعد لحظة البهجة التي ستنتابهم لرؤية الاسعار الزهيدة، سيقعون في حيرة كبيرة وسيصابون بالاحباط، اذا ماصدقت شركات الادوية لبطء ظهور ادوية جديدة في السوق، واذا لم يتم تصميم الصحف غداً فسيجد القراء صعوبة في الاختيار بينهم، وسيشعرون بالغرق في مستنقع الكلمات الهائل.
اضف تعليق