ان النموذج الملائم للتنمية الاقتصادية في العراق، ينطلق من أساس ضرورة تحقيق تنمية اجتماعية سابقة للتنمية الاقتصادية، وذلك عن طريق تنمية المعرفة في المجتمع والغاء التبعية وتحقيق نمط من الولاء للداخل (الوطني)، وبناء نموذج اجتماعي مدني متسامح وقادر على منحه ثقته للحكومة وأن يكون عامل مساعد مع الحكومة في التخطيط والتنفيذ والرقابة، مجتمع قادر على تحمل المسؤولية ولديه من الوعي مايكفل تصحيحه للمسارات الخاطئة في قرارات الحكومة وفاعل في القضايا المهمة التي من شأنها تحقيق كافة الاهداف...
عاش مفهوم تدخل الدولة في النشاط الاقتصادي صراع طويل، ما بين الغلبة تارة والخسارة تارة أخرى، وكانت الغلبة لتدخل الدولة تظهر بعد الحاجة لتدخلها والخسارة تظهر بعد انتفاء الحاجة لدورها، وقد ترتب على هذا أن يكون هناك ثمة نظامين اقتصادين احدهما يدافع عن دور الدولة متجسداً بالنظام الاشتراكي والاخر يمنع تدخلها ويرى فيها على انها حارسة وحسب.
وليس هذا وحسب وانما ظهرت مشكلة ما بعد نهاية الحكم الاشتراكي في الاتحاد السوفيتي، متمثلاً بتلك الدول التي تم استقطاعها من الاتحاد، وبقيت وحيدة بدون نظام اقتصادي لتتحول فيما للنموذج الرأسمالي، والتي في بعضها نجح وبعضها بقى يراوح ما بين نظام اشتراكي واخر رأسمالي يتحدده مصيره بحسب طبيعة من يتسنم السلطة فيها، وهكذا الحال لتلك الدول التي عاشت في ظل الاشتراكية وباتت ترى اضمحلال وانهيار الحكم الاشتراكي، وبقيت حائرة في أن تأخذ بالنموذج الغربي وتخسر سطوتها على شعوبها.
إن كلامنا وفق هذا المنطلق يحدد مدى نجاح التنمية من عدمها في ظل تدخل الدوله من عدمه هو الاخر، تلك التنمية التي استحالت الى عصية على بلدان ودول مثل العراق، سيما بعد العام 2003، فعلى الرغم من ان نظام الدولة هو اقتصاد حر بحسب الدستور، الا الاداء التنموي للبلد فشل في تحقيق مساعيه، وهو مادفع العديد في التشكيك في هذا النموذج التنموي المنطلق من حرية السوق، والبعض الاخر عزى ذلك الى عدم جاهزية البلد لهكذا نموذج في ادارة الاقتصاد في الوقت الحالي، مما اعطاهم المبرر في أن يقترحوا نموذجاً وسطاً الا وهو الشراكة ما بين القطاع العام والقطاع الخاص.
الا ان حتى الحل فشل في نجاح وتحقيق التنمية الاقتصادية المطلوبة، وذلك بسبب ان القطاع العام والقطاع الخاص هما في الاصل مشكلة بحاجة لحل وبحاجة الى اصلاح من أجل تحقيق هذه الشراكة، كما يرى البعض ان فكرة الانفتاح التجاري وحرية الاسواق والمشروعات الصغيرة والمتوسطة وان القيادة تكون للقطاع الخاص في تحقيق التنمية غير مناسبة للوضع الاقتصادي العراقي، وذلك لاختلاف الظروف التاريخية والموضوعية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية ما بين العراق وما بين الولايات المتحدة الاميركية وعلى كافة الاصعدة.
من زاوية أخرى يطرح البعض مفهوم الدولة التنموية التي تعرف بأنها دولة تسعى لإحداث تنمية اقتصادية عاجلة مستخدمة في ذلك بيروقراطية ذات كفاءة، وتسعى تلك الدولة لتحقيق معدل نمو مرتفع في سبيل الحفاظ على شرعيتها. ويرون في هذا النموذج قدرته العالية في تحقيق التنمية كما هو الحال في التجربة الكورية الجنوبية، الا ان البعض يشكك في نجاح هذه التجربة في العراق وحتى في دول المنطقة العربية، ويذهب البعض على مشكلة التنمية في هذه الدول والتي بضمنها العراق، انه يتم استيراد التجارب بقوالبها الكاملة وصبها في العراق، وهذا غير ممكن، وما يدفع الى ذلك هو في ظن البعض اختصار للجهد والوقت وضمان لتحقيق النتائج المرغوبة، الا ان الواقع أثبت فشل ذلك، فكوريا الجنوبية والمانيا وغيرها من الدول التي نجحت في تحقيق تنمية اقتصادية خاصة بها وكذلك الصين والهند، انما انطلقت من صياغة نماذج تنموية خاصة بها، وهذا غير معمول به في العراق.
ان النموذج الملائم للتنمية الاقتصادية في العراق، ينطلق من أساس ضرورة تحقيق تنمية اجتماعية سابقة للتنمية الاقتصادية، وذلك عن طريق تنمية المعرفة في المجتمع والغاء التبعية وتحقيق نمط من الولاء للداخل (الوطني)، وبناء نموذج اجتماعي مدني متسامح وقادر على منحه ثقته للحكومة وأن يكون عامل مساعد مع الحكومة في التخطيط والتنفيذ والرقابة، مجتمع قادر على تحمل المسؤولية ولديه من الوعي مايكفل تصحيحه للمسارات الخاطئة في قرارات الحكومة وفاعل في القضايا المهمة التي من شأنها تحقيق كافة الاهداف.
وهذا النموذج او التجربة في التنمية الاجتماعية، تحتاج الى جهد وطني من الباحثين والمختصين في هذا الشأن يأخذون على عاتقهم البحث في جميع الظروف المحيطة بالمجتمع العراقي، وتحليلها ووضع الحلول لها بعيداً عن أي توجه سياسي أو ديني أو قومي أو ماشابه، بل ضمن بحث مهني كفوء ولا بأس بالمساعدة من قبل الخبرات الاجنبية ومن ثم يأتي على العمل على صنع نموذج تنموي اقتصادي وطني يتلائم وطبيعة هذا المجتمع وبعيداً عن الاستنساخ للتجارب الأخرى بل الاستفادة والاسترشاد منها وحسب، من خلال حصر الموارد الاقتصادية وحل المشاكل والخلافات وتحديد الجهات المسؤولة عن وضع خطة تنموية وبمشاركة الجميع من ذوي الاختصاص والكفاءة ومن لديهم القدرة على الابداع والابتعاد عن النهج الكلاسيكي في الاختيار أي تكون الافكار جديدة وجريئة في المعالجة لا كلاسيكية وتقليدية في الطرح، وهذا من شأنه أن يحقق انطلاقه أولى لعملية التنمية الاقتصادية في البلد ولربما نصل الى مستوى دولة الرفاه وهذا ليس بالمستحيل.
اضف تعليق