يرتبط الاستقرار الاقتصادي بهيكل الاقتصاد الكلي وهذا مرتبط بشكل مباشر بالسياسة المالية للدولة التي تنشطه عبر عناصر الطلب الكلي الممول من الموازنة العامة لتحقيق الاستخدام الامثل في الاقتصاد، وهنا يتبين أن السياسة المالية تؤثر اكثر في الاستقرار الاقتصادي عبر ادواتها المالية في الموازنة الجارية والاستثمارية...
تسعى جميع البلدان المتقدمة والنامية الى تحقيق العديد من الاهداف، ودائماً ما يكون في مقدمة بعضها الهدف الامني على المستوى القومي، ومن ثم تتفرع باقي الاهداف السياسية والاقتصادية والاجتماعية إيماناً بأن تحقيق المناخ الاقتصادي الملائم مرتبط تماماً بتحقيق الاستقرار الامني، ولعل التأريخ يمدنا بتقديم هذا الاستقرار ويرسم ملامح وفلسفة الدولة معه، ففي الدول المتقدمة ومع ظهور المدرسة الكلاسيكية في الاقتصاد على يد "أدم سميث" رُسمت وظائف الدولة لتحقيق: الأمن، والدفاع من أي عدوان خارجي، وتحقيق قضاء عادل، هذا مثال على تحقيق الاستقرار بشكل عام يبين مدى تأثير الاستقرار الامني على الاستقرار الاقتصادي.
يرتبط الاستقرار الاقتصادي بهيكل الاقتصاد الكلي وهذا مرتبط بشكل مباشر بالسياسة المالية للدولة التي تنشطه عبر عناصر الطلب الكلي الممول من الموازنة العامة لتحقيق الاستخدام الامثل في الاقتصاد، وهنا يتبين أن السياسة المالية تؤثر أكثر في الاستقرار الاقتصادي عبر ادواتها المالية في الموازنة الجارية والاستثمارية، وهناك تأثير آخر يتم عبر ادوات السياسة النقدية بتحقيق الاستقرار النقدي وبالتالي سيتكامل عمل السياستين المالية والنقدية لتحقيق هدف الاستقرار على مستوى الاقتصاد الكلي.
تعمدت في هذا المقال أن لا اندرج نحو لغة الارقام والنسب (وأجعل المتابع في حالة دوران) لأن النتيجة ستكون سلبية، وحكمت عليها من خلال العديد من البحوث والدراسات الاقتصادية والقياسية التي تم بحثها مسبقاً.
غالباً ما تتدخل السياسة المالية وخصوصاً في البلدان النامية في الاقتصاد عند حدوث الازمات، وفي بعض الاحيان يكون تأثير تدخلها سلبي على المستوى الكلي، ففي حالة وجود عجز في الموازنة نتيجة انخفاض مورد معتمدة عليه كلياً، ستقوم مباشرةً بإصدار سندات الخزانة قصيرة الاجل (وهو أقرب طريق للتخلص من مشكلة مالية)، أي ستتوجه الى الدين العام من أجل حل مشكلة آنية، لكنها في نفس الوقت ستقوم بخلق مشكلة مستقبلية متمثلة بعبء الدين العام وفوائده على الاجيال القادمة، وهذا ما تحذر منه أدبيات التنمية المستدامة بعدم تحمل الجيل المستقبلي أعباء الجيل الحالي.
وفي ظل هذا الوضع مع افتراض بقاء المتغيرات الأخرى ثابتة، ستقوم السياسة النقدية بعملية تسويق سندات المالية العامة، أو سيقوم البنك المركزي بتقديم القروض العامة بفائدة معينة، وفي نفس الوقت يتطلب من البنك المركزي أن يفعل أدواته النقدية من أجل السيطرة على مستويات التضخم التي ستتركها كميات عرض النقود الجديدة المضافة الى الكتلة النقدية، وهنا ستعمل السلطة النقدية على تحقيق هدف الاستقرار النقدي، وهذا صلب عمله وفق قانون البنك المركزي رقم ٥٦ لسنة ٢٠٠٤ في العراق.
وفي جانب آخر وقد يكون استخدامه في الوقت الحالي بشكل ضيق إلا أنه في الآونة الاخيرة تم تفعيله، وهو أداة الضرائب العامة، وهذا ما يضيق على المجتمع والقطاع الخاص أعمالهم، لأنه من غير المنطقي أن يكون هناك تفاوت كبير بالدخول أو انخفاض في مستوى دخل الفرد، ويتم فرض ضريبة عليه سواء كانت مباشرة (على الدخل) او غير مباشرة (على السلع والخدمات)، فقد فرضت العديد من الضرائب على السلع المستوردة وبشكل عشوائي وربما هناك من يدفع ضرائب مرتين، واستقطاعات من الموظفين بشكل متتالي.
هذا بالضبط ما يحصل في الاقتصاد العراقي وكأنه قانون وآلية ثابتة يتم تكرارها منذ ٢٠٠٣، والنتائج دائماً ما تكون سلبية، ففي الدول التي حققت نتائج جيدة في نموها الاقتصادي، عملت على ترك هذا الروتين التقليدي، وذهبت الى تفعيل ادوات أكثر تأثيرا في الاقتصاد واستقراره من خلال تنمية دور الجانب الاستثماري في الموازنة، وتنمية القطاعين الزراعي والصناعي من خلال خطط مدروسة ومحكمة تهدف الى توفير السلع الضرورية التي تحد من الاستيراد، ودعم القطاع الخاص الحقيقي، وربط مخرجات التعليم بالاقتصاد، من أجل تقليص البطالة وخصوصاً القضاء على البطالة المقنعة، وحماية المنتج المحلي من عمليات الاغراق السلعي، فضلاً عن تضييق الخناق على المفسدين، فمن دون معالجة هيكلية في الموازنة سيبقى الوضع على ما هو عليه، وينبغي أن تحل المشكلة من أساسها لا أن يتم ترقيعها، ونقترح الآتي:
١- رفع نسبة الجانب الاستثماري في الموازنة الى ٤٠٪ من أجمالي النفقات، مقابل خفض نسبة الانفاق الترفي غير الضروري.
٢- إنشاء صندوق سيادي خاص بوزارة المالية من أجل استثمار الفوائض النفطية.
٣- تفعيل أدوات السياسة المالية من أجل دعم القطاعين الزراعي والصناعي والحد من الاستيراد المفرط الذي فتح ابوابه على مصراعيه بوجه الاقتصاد العراقي وشل حركته تماماً.
٣- تفعيل ادوات السياسة النقدية وخصوصاً الرقابة المصرفية وتحقيق الاستقرار المصرفي لمواجهة الصدمات المالية.
٤- تنشيط عمل المصارف التجارية وتقديم المساعدة اللازمة للمشاريع المتوسطة عبر ادوات الائتمان المصرفي ورفع نسبة الاخير الى ٥٠٪ من GDP.
٥- إنشاء هيئة يكون أعضائها مستقلين عن تغير الحكومات خاصة بعمل السياسة النقدية والمالية من أجل رفع نسبة التنسيق بين وزارة المالية والبنك المركزي لدعم الاستقرار في مستوى الاسعار، وتنمية جانب عرض السلع والخدمات، وتحقيق معدل نمو اقتصادي عالي لإعادة هيكلة الاقتصاد العراقي بالشكل المطلوب وإنقاذه من اسراف الانفاق الذي لم نحصد منه شيء.
اضف تعليق