q
يثير ملف شحة المياه في العراق التساؤل مجددا حول انجازات الحكومات العراقية المتعاقبة منذ العام 2003، فعلى الرغم من الموارد المالية الاستثنائية التي تدفقت على البلد طيلة السنوات الماضية، الى ان الجهود الحكومية في تحقيق الامن والسلام والرفاه، وتأمين الامن الاقتصادي والغذائي والمائي، بُددت في...

اشارت العديد من الدراسات والبحوث المختصة بمستقبل الشرق الاوسط، منذ بداية القرن الواحد والعشرين ولغاية الان، الى ان الازمة الحقيقية التي سوف تواجه شعوب المنطقة قريبا هي ازمة المياه، ومن الطبيعي جداً أن يكون العراق أحد أبرز الاطراف المتأثرة بالأزمة نظرا لان منابع نهري دجلة والفرات تقع خارج أراضيه ويمتدان لمسافات غير قليلة في الاراضي التركية.

يثير ملف شحة المياه في العراق التساؤل مجددا حول انجازات الحكومات العراقية المتعاقبة منذ العام 2003، فعلى الرغم من الموارد المالية الاستثنائية التي تدفقت على البلد طيلة السنوات الماضية، الى ان الجهود الحكومية في تحقيق الامن والسلام والرفاه، وتأمين الامن الاقتصادي والغذائي والمائي، بُددت في إطار التجاذبات السياسية والصراع المقيت على المال والسلطة على حساب السيادة والامن والاقتصاد.

وما يثير الاستغراب، والغضب ايضا، التعذر بقلة التخصيصات اللازمة لتعزيز البنية التحتية وتطوير شبكة المياه في عموم المحافظات، وكري وتبطين الانهر لخفض الفاقد؟ اين كانت تلك المشاريع حين كانت الوفرة المالية تفيض عن حاجة الموازنة سنويا، حتى وصل الفائض المالي المتراكم عام 2012 الى قرابة 18 مليار دولار.

من جانب اخر، يتصدر فشل الدبلوماسية العراقية الموقف بامتياز، نظرا لضعف اداء وزارة الخارجية في ممارسة الدور الفعال في تعزيز مصالح العراق، على الاقل مع دول الجوار العراقي، خصوصا وان العراق سوق لسلع تلك الدول ومصدر لتدفق العملة الاجنبية اليها، اضافة الى كونه مصدرا رئيسا للطاقة (خصوصا بالنسبة الى تركيا).

وكما اعتاد البلد في ملف الامن والاقتصاد، فان ملف المياه ايضا سيخضع لسياسات ردود الفعل بدلاً من اعتماد الاستراتيجيات الوقائية (متوسطة وطويلة الاجل)، المعتمدة في الدول التي لها حكومات وطنية وطواقم فنية موزعة على المؤسسات الحكومية طبقا للتخصص والخبرة والممارسة.

اسباب الشحة المائية

تلازمت عدة تحديات في تفاقم ازمة المياه في العراق، لعل أبرزها:

1- انخفاض مناسيب المياه المتدفقة من دول الجوار، حيث وصلت لقرابة 50% مقارنة بالسنوات القليلة السابقة، خصوصا من الجارة تركيا، وقد أسهم ذلك في انخفاض الخزين المائي في نهري دجلة والفرات.

2- التغير المناخي الذي تشهده معظم بلدان العالم، وتعاني منه المنطقة بشكل خاص، وما تبعه من هبوط حاد في الامطار خلال الاعوام الاخيرة.

3- التجاوزات المتزايدة على الحصة المائية سواء في المحافظات او داخل المحافظة الواحدة كانت ومازالت سببا آخر في شحة المياه.

4- ضعف التنسيق مع الدول المجاورة التي انشأت مشاريع مائية ضخمة وعدم وجود اتفاقيات مناسبة تضمن المصالح العراقية، وزيادة الطلب على المياه فيها لأغراض الزراعة والصناعة زاد من حدة الهبوط الحاصل في المناسيب المتدفقة الى العراق.

5- التحديات الفنية التي تواجه وزارة الموارد المائية نتيجة انخفاض التخصيصات المالية اللازمة، كالترسبات الطينية الكامنة في نهري دجلة والفرات. على سبيل المثال، يوجد في بغداد وحدها أكثر من 20 مليون طن من الترسبات الطينية في قاع نهر دجلة، يتطلب كريها ونقلها خارج حوض النهر شمالا وجنوبا قرابة 217 مليار دينار.

6- انعدام الوعي بين الجمهور بأهمية الماء وضرورة الحفاظ عليه وترشيد استخدامه، فقد أدّى ضعف الوعي المجتمعي إلى عدم القدرة على تنظيم الاستهلاك المائي بطريقة جيدة، وتفاقم ظاهرة الهدر والاسراف في استخدام المياه، خصوصا مع وجود تجاوزات خطيرة على شبكة المياه لكافة محافظات العراق.

7- ضعف الاجراءات الحكومية الرادعة بحق المتجاوزين على شبكات المياه والحصص المائية المقررة وضعف انظمة الجباية والغرامات، مما زاد من حجم التجاوز والهدر في المياه.

8- تخلف وسائل الري واستخدام الطرق البدائية في ارواء المحاصيل الزراعية أسهم ايضا في تفاقم ازمة شحة المياه في العراق.

9- إحدى الأسباب الرئيسة لتفاقم أزمة المياه وعدم التوصل لحلول عقلانية خلال العقود الاربع الماضية مع الدول المتشاطئة للعراق كان ربطها بملفات لا تمت بصلة للمياه وانما ارتبطت بملفات سياسية وأمنية.

الحلول المقترحة

تتركز معظم الحلول الخاصة بأزمة المياه على ايجاد خطة وإطار زمني وموارد مالية وجهود دبلوماسية استثنائية، وفيما يلي استعراض لأبرز الحلول المقترحة:

1- الشروع الفوري والمباشر بإزالة كافة التجاوزات على الحصص المائية، سواء كانت للأغراض الزراعية أو الاستخدامات الأخرى، المنزلية، الصناعية، الخدمية وغيرها، ومحاسبة المتسببين بالتجاوزات.

2- إلزام وزارة الموارد المائية بإعداد خطة لتوزيع الإيرادات المائية على المحافظات، بالتنسيق مع الجهات ذات العلاقة، بحسب الكثافة السكانية ونشاط كل محافظة.

3- منع إصدار الموافقات من قبل وزارة الموارد المائية، لإنشاء بحيرات أسماك ترابية جديدة، وإعادة النظر بالإجازات الممنوحة لبحيرات الأسماك القديمة، وتقنين الاستخدام المنزلي للمياه، باعتماد تقنية التحسس الضوئي للمياه أو الحنفيات الذكية.

4- تطبيق القوانين والتعليمات الملزمة لجميع الجهات الحكومية والقطاع الخاص والمختلط، بمنع تلويث مصادر المياه بأي نوع من الملوثات.

5- التوسع بنشر استخدام تقنيات الري الحديثة، كالري بالتنقيط وحسب طبيعة المحصول الزراعي، كونها الوسيلة الفاعلة لتقنين استخدام المياه للأغراض الزراعية، إضافة إلى مساهمتها في الحد من تغدق وتملح التربة.

6- تخصيص مبالغ اضافية، من الوفرة النفطية المتحققة، في دعم وزارة الموارد المائية في جهودها لكري الانهر والقضاء على نبات زهرة الشمبلان فضلاً على البدء التدريجي في تغليف الانهار الرئيسة والفرعية لأجل تقليل نسب الفاقد.

7- ممارسة الضغوط الدبلوماسية والاستعانة بقوانين البلدان المتشاطئة لأجل التوصل الى اتفاقات جديدة مع تركيا تؤمن الحصة المستقبلية من المياه المتدفقة الى العراق وضمن توقيتات زمنية يتم الاتفاق عليها.

* باحث في مركز الفرات للتنمية والدراسات الإستراتيجية/2004-Ⓒ2018
www.fcdrs.com

اضف تعليق