في العام 1776 نشر آدم سميث، مُنظِّر المدرسة التقليدية في الفكر الاقتصادي، كتابه "ثروة الأمم" الذي اعتبِر، وما يزال، مرجعا بنيت عليه الكثير من النظريات والفرضيات والأسس التي حكمت عمل هذه المدرسة منذ ذلك التاريخ.
في الكتاب المذكور أشار سميث إلى أن سعي اللاعبين في السوق، من أفراد وشركات، إلى تعظيم العوائد الخاصة بهم يؤدي إلى تحقيق التوزيع الأمثل للموارد في كافة النشاطات، الإنتاجية والاستهلاكية، حتى لو لم يقصد اللاعبون تحقيق هذا الهدف، حيث يتم ذلك من خلال ما أسماه بآلية "اليد الخفية". وعليه فقد رأى سميث أن تدخل الدولة في الاقتصاد غير ضروري، بل قد يؤدي إلى نتائج عكسية، ومن هنا خرجت قاعدة اقتصادية أخرى تقول إن السوق تصحح نفسها.
وبعد أكثر من 230 عاما على نشر الكتاب المذكور، عانت الأسواق العالمية من فشل ذريع لم تستطع تصحيحه. ولم يقتصر الأمر على واحد أو قِلة من الأسواق، بل شملها جميعا، بدءا من سوق العقارات إلى أسواق المال والسيارات والدواء والنفط والغذاء، وبين عشية وضحاها أصبحت الغالبية العظمى من الاقتصاديين، بمن فيهم أنصار المدرسة التقليدية، ينادون إلى تدخل الحكومة لحماية الاقتصاد، وفعلاً فقد لعبت الحكومات، وخاصة في الدول الغربية، دورا رئيسا في إدارة وتوجيه الاقتصاد منذ تفجر الأزمة المالية العالمية في أواخر العام 2008.
إن نظرية اقتصاد السوق تدعو الى عدم تدخل الدولة، وأن المصلحة الفردية هي الأساس، وهي تقوم وفق مبدأ دعه يعمل دعه يمر (Laissez Fair Laissez Passer) وللفائدة دور كبير في التأثير على الادخار بعلاقة ايجابية، والتأثير على الاستثمار بعلاقة سلبية، ويدعو اقتصاد السوق الى إعطاء دور للسياسة النقدية في استعادة توازن العمالة الكاملة لمعالجة جمود الأجور النقدية، كما يتطلب اقتصاد السوق تطبيق المنافسة الكاملة، وأن الأجور والأسعار مرنة، والتشغيل الكامل هو الحالة السائدة والبطالة هي الاستثناء، وهي مؤقتة لا تلبث العوامل الذاتية من استرجاع التشغيل الكامل.
ومن عيوب اقتصاد السوق حدوث اخفاق السوق (Market Failure) وهو قصور في نظام السعر يحول دون التوزيع الكفء للموارد، ومن أهم الأمثلة على اخفاقات السوق المؤثرات الخارجية (Externalities) والمنافسة غير التامة (imperfect Competition) أو الاحتكار، وهو قوة التحكم التي تتمتع بها شركة او مجموعة من الشركات في قرارات التسعير والإنتاج في صناعة معينة، وفي ظل الاحتكار تتمتع الشركة بدرجة عالية من الهيمنة على السوق، وتعتبر نسبة التركز (Concentration Ratio) هو القياس المستخدم لقوة التحكم في السوق لأربع شركات التي تزيد ملكيتها على 70% من سوق السلعة او الخدمة.
ومن إخفاقات اقتصاد السوق ما يعرف بالأزمات المالية العالمية التي ضربت دول العالم في الثلاثينيات من القرن المالي والتي عرفت بالكساد العظيم تبعته أزمات مالية دولية في التسعينيات من القرن الماضي في دول شرق آسيا، ثم الأزمة المالية العالمية والمعروفة بأزمة الرهن العقاري وانفجار فقاعة العقار (Mortgage Bubble) والتي بدأت في العام 2008، واستمرت لغاية الآن، كما يتسم اقتصاد السوق بالمضاربات (Speculation)، وعدم العدالة في توزيع الدخل (Inequitable Distribution of Capital)، والاحتكار (Monopoly) حيث تتركز الثروة (Wealth) في ايدي عدد قليل من الأفراد يتراوح بين 5% و15% من السكان.
وفي غالب الأحيان تعاني الطبقات الفقيرة والمهمشة من قسوة اقتصاد السوق، أو الرأسمالية المتوحشة (Wild Capitalis)حيث يتحكم الرأسماليون في الاقتصاد ويسخرونه لخدمة مصالحهم وهدفهم الرئيس تعطيم الربحية (Maximization of Profit) دون النظر الى مصالح الطبقات العاملة؛ مما دفع عالم الاقتصاد كارل ماركس (Carl Marx) بالدعوة الى المبدأ الاشتراكي في الاقتصاد من خلال نظرية قيمة العمل (Labor Value Theory)، حيث يتم استغلال الطبقات العاملة من قبل الرأسماليين الذين يعيشون على فائض قيمة عمل طبقة البروليتاريا الكادحة.
وقد تنبهت أمريكا زعيمة الرأسمالية العالمية ودول اوروبا الغربية على عيوب وقسوة الرأسمالية على الطبقات العاملة والمهمشة؛ مما دعاها الى ادخال مفهوم دولة الرفاهية (Welfare State) من خلال الضمان والتأمين الاجتماعي ( Social Security)، وتعويضات البطالة والرعاية الصحية المجانية للفقراء ( Health Care)، ليس هذا فحسب، بل إنه مقابل فشل السوق فإن هناك فشلا للحكومة قد ينجم عن تدخلاتها غير المدروسة في الاقتصاد، وأن دورها، مهما كان مبررا، فإنه يجب أن يكون موزونا، فهو كالدواء، كثرته قد تكون أكثر ضررا من عدمه.
فشل السوق والنشاط الحكومي
كتعريف اساسي هناك فشل سوقي لو أن النظام السعري فشل أن يقيم أمثلية باريتو في توزيع الموارد ، وهذا يمكن ان يحدث لأن التوزيع السوقي ليس تنافسي ( مثل وجود الاحتكار الطبيعي) ولأن هناك بعض الملامح التركيبية للاقتصاد والتي تمنع حتى المنافسة الكاملة من اقامة أمثلية باريتو ( حتى مع وجود خارجيات).ولكن لأن توزيع الموارد الذي لا تتحقق به أمثلية باريتو يعنى انه هناك مكاسب غير مستغلة من التجارة بين الافراد، فإنه يجب ان يكون هناك نقص في الاسواق أو بصفة عامة أكثر هناك نقص في المساومات الممكنة والتي تمكن الافراد من الحصول على هذه المكاسب.
وقد تم التعرض لهذه المشكلة في مقال مشهور للعالم " آرو" (1971) حيث عرف فشل السوق بأنه مصاحب للاسواق غير الكاملة والتي تفسر بتكاليف التبادل، وتكاليف التبادل المرتبطة بتشغيل الاسواق تشرح لماذا يمكن ان تكون كفء اجتماعياً لأن تستخدم الانظمة الأخرى من توزيع الموارد، والنظام السياسي والبيروقراطية العامة ترى او هي الاكثر اهتماماً بأن الافراد يمكنهم ان يستخدموا حلول المساومة الخاصة لكى يتغلبوا على تكاليف التعادل وذلك لحل مشكلة فشل السوق.
وفي الواقع فإن دور القطاع العام في السوق يمكن ان يأخذ عدة مستويات:
- احد المستويات ان هناك ملكية عامة وانتاج في نفس الوقت اى ان القطاع العام هو الذي يقوم بالمشروع وبالانتاج ويحظى بالملكية العامة وهذا النوع يعد أثقل نوع من مشاركة القطاع العام( الدفاع القومي – قوة الشرطة – المدارس الحكومية).
- وفي مستوى أقل لدور القطاع العام وهو الاشراف العام على خدمات خاصة لكن بدون ان يقوم القطاع العام بالانتاج ( وهنا المسئوليات العامة مقيدة من خلال انتاج القطاع الخاص)
- وعلى المستويات الاقل من دور القطاع العام فإن دور القطاع العام للانتاج والاشراف يظل في الايدي الخاصة ولكن ذلك مرهون ومرتبط بالقوانين الحكومية مثل قوانين الضرائب والدعم، ونلاحظ انه في الاقتصاد الحديث فإنه من النادر ان تجد منتج خاص لا يتبع بعض التنظيمات الحكومية فلا يدفع ضرائب او يتلقى دعم والتي لها أهداف محددة.
والحكم على دور او مشاركة القطاع العام ينسحب بشكل مضاعف أو خاص بفشل السوق بمعنى ان عدم مشاركة القطاع العام او ان يكون دوره ضعيفا فان ذلك يعني وقوع فشل السوق، وهكذا فأن الحكم على النقل العام يمكن رؤيته عادة على انه ينطبق عليه تزايد الغلة لكن الوفورات الخارجية مثل الارتياح تأخذا جانبا ايضا.
اضف تعليق