مهمة علم الاقتصاد – وبشكل خاص مجتمع السياسة الاقتصادية – تائهة، إلا أن ذلك التيه لا يخلو من النفع. علماء الاقتصاد الذين أعمت الأزمة العالمية أبصارهم، والذين لا يزالون غير متيقنين من الأسباب والحلول (إن كانت هناك حلول) للانتعاش الاقتصادي البطيء بشكل مؤلم - في ظل الركود العالمي الذي يتلكأ بما يبدو وكأنه لا يريد أن يبارح - يناقشون فيما بينهم بشكل مكثف كيف يحسنون من فهمهم للاقتصاد من أجل أن يكونوا مستعدين لحالات الاضطراب المستقبلية، وتقديم إرشادات أفضل من أجل السياسة الاقتصادية الجيدة.
وهناك طريقة سهلة للتعبير عن التحدي، وهي أن النماذج الاقتصادية المعيارية تفترض أن الاقتصاد يتصرف "بشكل سليم" بحد ذاته، لكن في بعض الأحيان يتصرف الاقتصاد الحقيقي بطرق مختلفة، لا صلة لها بنص ما يعتقد بأنه الشكل السليم. باختصار، السبب في ذلك هو حالات التأرجح والزوايا.
أي حالات التأرجح أن التذبذبات في الاقتصاد الحقيقي قد تكون طائشة بشكل يفوق افتراضات النماذج المعيارية، التي ترى حالات تشويش صغيرة حول نقطة التوازن لنظام يعمل على تثبيت استقراره بنفسه، تبين الأزمات المالية أن الاقتصادات الحقيقية يمكن أن تكون لديها حالات كثيرة من التوازن، أو الحالات الثابتة التي تعمل على تعزيز استقرارها بنفسها – بعضها أفضل من غيرها، والتحول من توازن معين إلى توازن آخر يمكن أن يكون مفاجئا.
إضافة إلى ذلك، يمكن أن تكون التذبذبات "غير خطية"، بمعنى أن الاضطرابات الصغيرة يمكن أن تحدث آثارا كبيرة ومركبة، حتى في حالة التغيرات السلسة، يمكن أن يكون الاقتصاد مائعا بشكل يفوق كثيرا ما نفترضه تقليديا. أحد الاحتمالات، هو أن مفهوم معدل "طبيعي" واحد للبطالة هو مفهوم خاطئ. فرضية المعدل الطبيعي لديها في الواقع مضامين عميقة بالنسبة لسياسة تثبيت الاستقرار في الاقتصاد الكلي، لأنها تنطوي على فكرة أن أفضل ما تستطيع أن تفعله إدارة للطلب الكلي هو التقليل إلى أدنى حد ممكن من حالات الاختلاف، عن معدل البطالة الذي يتجه نحوه الاقتصاد بشكل طبيعي.
ومن هذه الدلالات، وإن كانت غير قطعية، ضد هذه الفرضية. أنه ليست هناك أسئلة كثيرة يمكن أن تكون أكثر أهمية من هذا السؤال لكي يأخذها صناع السياسة على محمل الجد، لأنه إذا كانت فرضية المعدل الطبيعي خاطئة، فإن هذا يستدعي اتباع سياسة في المالية العامة وسياسة نقدية أكثر نشاطا بكثير، وأعني بالزوايا أن النماذج المعيارية تفترض عدم وجود هذه الزوايا: اقتصادات (وسياسات) البلدان تستطيع أن تحدث تعديلات بسيطة في جميع الاتجاهات، باعتبار أن لديها أثار متناظرة، عملية صنع السياسية في السنوات العشر الماضية اصطدمت بقيود على التعديل – على الأقل في تصور صناع السياسة، في السياسة النقدية، هناك اعتقاد شائع بأن أسعار الفائدة لا تستطيع أن تذهب إلى ما دون الصفر (بمسافة كبيرة)، لأن الناس في هذه الحالة سوف يتدافعون للاحتفاظ بالنقدية الفعلية من أجل حماية مدخراتهم.
المصارف المركزية التي واتتها الجرأة للسباحة في المياه السلبية لم تشهد أية علامة على عمليات سحب هائلة للنقدية حتى الآن. وحتى مع ذلك، فإن الخوف من إمكانية حدوث ذلك قيد سلوك المصارف المركزية من الناحية العملية.
هناك قيد آخر يعمل على جانب المالية العامة، حيث دفعت الديون الكبيرة المستحقة الحكومات إلى تقليص سياسات المالية العامة، في الوقت الذي تتطلب فيه مصلحة الاقتصاد اتباع العكس، في كل هذه الطرق، فإن النماذج التي تتصرف بشكل سليم لم ترق إلى مستوى التوقعات الموثوقة أو الإرشاد الموثوق للسياسة الاقتصادية، في اقتصاد يتصرف بشكل غير سليم. هذا ليس سببا يدعو لليأس – النظريات موجودة، وعلم الاقتصاد الأكاديمي يعمل بجد من أجل تنقيحها، من أجل تفسير هذه الظواهر – فهو سبب يدعو للإصلاح.
وفي الوقت الذي تتطور فيه الأعمال الأكاديمية، يجدر بنا أن نتفكر فيما يجدر أن يعنيه الإصلاح ضمن الممارسات ذات العلاقة الأقوى بالسياسة الاقتصادية في علم الاقتصاد: أي التوقع، والتواصل، وعملية اتخاذ قرارات السياسة الاقتصادية نفسها. فيما يتعلق بالتوقع، فإن النماذج ذات التصرف السليم ربما تهدهد صناع السياسة والجمهور وتعطيهم إحساسا زائفا بالأمن. على أقل تعديل، ينبغي أن تشتمل التوقعات على إدراك أن توازنات الاقتصاد أو الحالات الثابتة ليست فريدة.
وفي حين أنه ربما يكون من الصعب، على سبيل المثال، أن نتوقع "حالات الانتقال" بين التوقعات المتفائلة والمتشائمة التي تحقق ذاتها بذاتها، إلا أن هذا ليس سببا قويا لاستبعاد حالات الانتقال المذكورة من التوقعات، استخدام مجموعة من النماذج والمنهجيات يمكن أن يفيدنا في تركيز الانتباه على مجموعة من النواتج الممكنة، التي هي أرحب من التذبذبات الصغيرة حول توازن مستقر. هذا يرتبط مباشرة بالطريقة التي يتواصل بها صناع السياسة مع الجمهور بشأن التوقعات والنيات. كثير من المصارف المركزية تعمل اليوم من خلال "رسوم بيانية للسلاسل الزمنية"، التي تهدف إلى بيان التوزيع غير المؤكد لتوقع معين – عادة، ولكن ليس دائما، فعامل اللبس يكون دائما موزعا حول توقع أساسي، لماذا لا نعرض بشكل صريح عدة أنواع من التوازنات؟ مثال ممتاز نجده في ورقة عمل حديثة من منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، حول استخدام عدة رسوم بيانية للسلاسل الزمنية لتوقعات النمو في الناتج المحلي الإجمالي: رسم بياني يبين "نظاما مأمونا"، ورسم بياني يبين نظاما يتسم "بخطر سلبي عال".
هذا بدوره يشير إلى أن عملية صنع السياسة أيضا ينبغي أن تتخذ بشكل صريح شكل التخطيط الاحتمالي تحسبا للطوارئ، باستخدام لغة "حالات التأرجح" والزوايا، يستطيع صناع السياسة أن يلتزموا مسبقا بتغيرات معينة في السياسة الاقتصادية، في حال تأرجح الاقتصاد من وضع متوازن إلى آخر، أو إذا وجد نفسه في زاوية.
مثال على ذلك هو اقتراح بن برنانكي بأنه ينبغي على المصارف المركزية الإعلان مسبقا أنها سوف تنتقل من استهداف التضخم إلى استهداف مستوى الأسعار، حين تصل أسعار الفائدة إلى الصفر، فيما وراء ذلك، صنع السياسية بالنسبة لاقتصاد يتصرف بشكل غير سليم ينبغي أن يعمل بشكل صريح، على تحديد طرق لجعل الوظائف والنمو أكثر متانة وقوة أمام النواتج السيئة. هذا ربما يأخذ شكل أن نجعل الزوايا لا تشكل عقبة كبيرة – من خلال البحث بشكل أعمق في المدى السلبي الذي يمكن أن تصل إليه أسعار الفائدة من المصارف المركزية، أو من خلال تمديد تواريخ استحقاق الدين العام لإزالة الخطر المتمثل في أزمات إعادة التمويل التي تضغط على حوافز المالية العامة، في حالة الركود الاقتصادي.
وينبغي أيضا أن يتخذ شكل القبول بأن دورات الاقتصاد لم يتم ترويضها، وأن النواتج السيئة سوف تحدث – وبالتالي ضمان أنها حين تفعل، يتم تخصيص الأضرار في المواضع التي هي أقدر على تحملها من غيرها، إحدى الطرق للقيام بذلك هي أن نجعل إعادة هيكلة الديون أكثر سلاسة بكثير وأكثر قدرة على التنبؤ – أو أن نجعلها غير ضرورية من خلال تشجيع كميات أكبر بكثير من التمويل باستخدام حقوق الملكية – من خلال ضمان أن الالتزامات المالية تتم ضمن فهم أفضل للخسائر المحتملة، البشرى السارة هي أنه تبذل الآن جهود في هذا الاتجاه، في كل من النظرية الاقتصادية وفي ممارسة السياسة الاقتصادية، أيضا. والمزيد من هذا القبيل سيكون أفضل.
اضف تعليق