التيسير الكمي هو الخطوات المتخذة من قبل البنك المركزي لدولة معينة بهدف تحفيز الاقتصاد. فإن الدول التي عادةً تتبع التيسير الكمي هي الدول التي يعاني اقتصادها من ركود أو جمود إقتصادي. كما يعرف التيسير الكمي على أنه عملية ضخ الأموال في السوق على شكل أصول مالية والهدف من ذلك هو إغراق السوق بالاموال وزيادة السيولة. كيف يحقق البنك المركزي ذلك؟ أولاً، من خلال اخفاض البنوك المركزية لنسب الفائدة لتحفيز البنوك على الإقراض.
إلا أن بعض البنوك التجارية في بعض الأحيان تفضل عدم إقراض الشركات، الأفراد والمؤسسات الاقتصادية. أي بمعنى أخر تفضل عدم تحفيز الاقتصاد وذلك تخوفاً من الأوضاع الاقتصادية المتزعزعة لدولة معينة وعدم قابليتها على تنبؤ المستقبل. لذلك تلجأ إلى وسائل أكثر أماناً منها بيع الاصول المالية. تكون الاصول المالية عادةً على شكل إما سندات حكومية أو تجارية، لماذا؟ لأن البنك المركزي عبر شراء الاصول المالية يشجع المصارف على الإقراض من خلال ضخ السيولة في السوق.
لقد نال إستخدام التيسير الكمي رواجاً في 2008 عقب الأزمة المالية التي حصلت في الولايات المتحدة الأمريكية. فبعدما باءت محاولة البنك الإحتياطي الفدرالي الأمريكي لخفض معدل الفائدة بالفشل لتصل إلى معدل صفر وربع نقطة مئوية. كان الحل الوحيد لهذه المشكلة هو التيسير الكمي. فقام البنك الإحتياطي الفدرالي بشراء الاصول وسندات الخزينة بقيمة 2.1 تريليون دولار أمريكي بمحاولة لتحفيز الشركات على الاستثمار وكانت الإستراتجية ناجحة حيث تمكن الفدرالي لاحقاً من تحقيق أرباح ضخمة بعد بيعه للأصول التي اشتراها سابقاً من الشركات قبل حصول الأزمة المالية.
من أين بدأت الفكرة؟
- عندما كانت اليابان في حالة ركود طويل في التسعينيات، دعا "فريدمان" لتطبيق هذا البرنامج واسع النطاق لشراء الأصول.
- دخل الاقتصاد الياباني في حالة ركود مع انخفاض النمو النقدي بشكل كبير، حتى وصل سعر الفائدة في البنك المركزي الياباني إلى صفر.
- لذا كان ما على البنك المركزي فعله هو شراء أوراق مالية حكومية طويلة الأجل، والاستمرار في شرائها مع توافر سيولة نقدية إلى أن يصل إلى مرحلة النمو الاقتصادي المستهدفة.
- هكذا ولدت فكرة التسهيل الكمي لفترة قصيرة، أو "كيو إي".
- استخدمت اليابان هذه السياسة في العقد الأول من القرن الماضي، واعتمدها الكثير من دول العالم المتقدم خلال فترة الركود الكبير في عام 2009 وما بعدها، واعتبر ذلك انتصار عظيم لـ "النظرية النقدية".
- الآن ينهي مجلس الاحتياطي الفيدرالي رسمياً تلك السياسة وإن البنك سيبدأ في التخلص من كم الأصول المالية الضخمة التي اشتراها خلال العقد الماضي.
- على الرغم من أن "التيسر الكمي" مستمراً في اليابان وأوروبا، فإن التجربة النقدية الكبرى قد انتهت - على الأقل حتى الآن - في بيت الاقتصاديين الذين تصوروا ذلك.
الاسباب وراء اعتماد التيسير الكمي
لماذا انخرط أكبر بنك مركزي في العالم في تجربة بهذا الحجم؟ يقوم بنك الاحتياطي الفيدرالي بضبط الاقتصاد من خلال سيطرته على أسعار الفائدة قصيرة الأجل، فحينما تنخفض أسعار الفائدة، يرتفع الاستهلاك والاستثمار بشكل عام، مما يؤدي إلى المزيد من النشاط الاقتصادي. لكن معدلات الفائدة قصيرة الأجل كانت قد وصلت إلى مستوى قريب من الصفر في أواخر عام 2008، ولم يكن بالإمكان تخفيضها أكثر من ذلك. وكان السبيل الوحيد لتقديم حوافز إضافية هو خفض أسعار الفائدة طويلة الأجل، وهو أحد أهداف التيسير الكميّ. فمشتريات بنك الاحتياطي الفيدرالي تخلق طلباً إضافياً على السندات الحكومية طويلة الأجل، مما يرفع أسعارها ويخفض أسعار الفائدة المرتبطة بها.
أما الهدف الثاني فهو ضمان استقرار التوقعات المرتبطة بمعدلات التضخم لمنع وصول انكماش الأسعار إلى الأجور، وقد دفع هذا بنك الاحتياطي الفيدرالي لتوسيع ميزانيته العمومية بشكل كبير لضمان إبقاء التوقعات مستقرة. ثالثاً، أراد بنك الاحتياطي الفيدرالي تشجيع المستثمرين على امتلاك أصول ذات مخاطر أكبر عبر إزالة السندات الحكومية طويلة الأجل الآمنة نسبياً من السوق، حيث أن الزيادة الناتجة في أسعار الأسهم والمنازل من شأنها أن تزيد من ثروة الأفراد مما سيعزز استهلاك القطاع الخاص. وقد كان هذا هو الهدف من المرحلتين الاخيرتين من التيسير الكميّ.
في الواقع، أدت هذه التدابير إلى نتائج إيجابية في اقتصاد الولايات المتحدة. فقد تمكنت الولايات المتحدة من تفادي الدخول في فترة طويلة من انكماش الأسعار. وانخفض معدل البطالة الذي بلغ ذروته في أكتوبر 2009 عند نسبة 10,0٪ بشكل مطرد منذ ذلك الحين واستقر الآن عند نسبة 5,9٪. وقد كان دافع البحث عن عائدات هو ما أدى إلى ارتفاع نسبته 190٪ في الأسهم الأمريكية منذ مارس 2009، بل إن البعض يجادل بأن التيسير الكميّ قد تجاوز الحد المعقول وبات مصدراً لعدم الاستقرار المالي ولخلق فقاعات في أسعار الأصول. وسيكون الزمن وحده كفيلاً بإثبات ما إذا كان التيسير الكميّ قد خلق بالفعل طلباً أكثر من المطلوب على الأصول عالية المخاطر.
لم يكن تأثير برنامج التيسير الكميّ للبنك الاحتياطي الفيدرالي على الاقتصاد العالمي أمراً قليل الأهمية. فقد اتسع نطاق البحث عن عائدات أعلى ليشمل ليس فقط أسواق الأسهم والائتمان والإسكان المحلية، بل امتد إلى السندات والأسهم في الأسواق الناشئة كذلك. وعززت هذه التدفقات قيمة تلك الأصول مما عوض العجز الكبير في الحساب الجاري في بعض الأسواق الناشئة. غير أن تدفقات المحافظ عكست وجهتها بسرعة عندما أعلن بنك الاحتياطي الفيدرالي عن نيته الحد من عمليات شراء الأصول الشهرية في مايو 2013، وقد كشف ذلك عن نقاط الضعف الكامنة في عدد من تلك الاقتصادات. وكانت الدول الأكثر تضرراً هي تلك التي تعرف بالدول الخمس الهشة (البرازيل والهند وإندونيسيا وجنوب أفريقيا وتركيا)، والتي عانت من انخفاض كبير في عملاتها بعد هروب مقادير كبيرة من رؤوس الأموال
تصورات حول فعالية التيسير الكمي
إن أغلب المراقبين ينظرون إلى السياسات النقدية غير التقليدية مثل التيسير الكمي باعتبارها ضرورة لتنشيط النمو في اقتصادات اليوم التي تعاني من الهزال. ولكن التساؤلات حول مدى فعالية التيسير الكمي والمخاطر المحيطة به بدأت تتكاثر أيضا. وبشكل خاص، هناك عشرة تكاليف محتملة ترتبط بمثل هذه السياسات وتستحق الانتباه.
فأولا، في حين قد تؤدي الاستجابة "النمساوية" البحتة (أي التقشف) لانفجار فقاعات الأصول والائتمان إلى الكساد، فإن سياسات التيسير الكمي التي تؤجل عملية تقليص الديون الخاصة والعامة الضرورية لفترة طويلة قد تسفر عن خلق جيش من الموتى الأحياء: مؤسسات مالية ميتة حية، وأسر وشركات ميتة حية، وفي نهاية المطاف حكومات ميتة حية. لذا، فعند مرحلة ما بين طرفي النقيض، النمساوي والكينزي، يصحب من الواجب التخلص التدريجي من التيسير الكمي.
وثانيا، قد يصبح تكرار جولات التيسير الكمي غير فعّال بمرور الوقت مع انسداد قنوات الانتقال إلى النشاط الاقتصادي الحقيقي. فقناة السندات لا تعمل عندما تكون عائدات السندات منخفضة بالفعل؛ ولا تعمل قناة الائتمان عندما تكنز البنوك السيولة وتنهار السرعة. والواقع أن هؤلاء القادرين على الاقتراض (الشركات العالية الجودة والأسر الغنية) لا يرغبون ولا يحتاجون إلى الاقتراض، في حين أن أولئك الذين يحتاجون إلى الاقتراض ــ الشركات عالية الاستدانة والأسر الفقيرة ــ لا يستطيعون نظراً للضائقة الائتمانية.
اضف تعليق