يرتكز تحقيق التنمية الاقتصادية على عدة مقومات رئيسة، والتي منها وجود قطاع مصرفي متطور قادر على تدوير الأموال ما بين من يعرض النقود ويطلبها من مدخرين ومستثمرين، اذ يُعد الجهاز المصرفي الممول لمختلف المشاريع الاقتصادية بشتى أنواعها الصغيرة والمتوسطة والكبيرة وبحسب أهمية كل نوع منها.
ومن ناحية أخرى فأن وجود قطاع مصرفي رصين وقوي من شأنه يحافظ على الكتلة النقدية وبالتالي من خلال هذا القطاع يمكن الحفاظ على أسعار الصرف والسيطرة على التضخم بالتنسيق مع البنك المركزي للبلد، واستطاعت العديد من الدول من القيام بقفزات نوعية هائلة بفعل التمويل المصرفي لأنشطتها وبرامجها الاقتصادية، والقيام بالعديد من الاستثمارات الداخلية والخارجية التي ساهمت في تطوير مستوى النمو والتنمية الاقتصادية. بل وأصبح تطوير القطاع المصرفي شيء ضروري، سيما وأن الرأسمالية الحالية هي مرحلة الرأسمالية المالية التي تعني ان السياسة النقودية المتمثلة بالقطاع المصرفي هي المهيمن على النشاط الاقتصادي.
وفي بلد مثل العراق لاسيما بعد التحول من نظام شمولي في ادارة موارد الدولة وتخلف واضح للجهاز المصرفي، كان المعول ان يشهد هذا القطاع المهم أهمية خاصة من اجل ان يأخذ دوره الحقيقي في بناء اقتصاد البلد بالصورة الصحيحة، اذ يعد القطاع المصرفي العراقي هو النظام المصرفي الأكثر تخلفاً وأقل تطوراً في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. وفقا للإحصاءات، ليس لدى أكثر من 80٪ من السكان حساب مصرفي (Sansar كابيتال 2013).
وتهيمن البنوك المملوكة للدولة على النظام المصرفي العراقي حيث تمثل 75٪ من النظام المالي من حيث الأصول و 77٪ من الناتج المحلي الإجمالي (7) (صندوق النقد الدولي 2013). تتعلق القضايا الرئيسية في هذا القطاع بالقيمة المنخفضة للرسملة، خاصة في حالة كل من مصرف الرافدين ومصرف الرشيد. إصلاح القطاع المصرفي، والذي بدأ في عام 2006، قد وفر الحلول، من حيث رأس المال الجديد، ولكن التنفيذ كان بطيئا جدا. المصارف الخاصة (50) صغيرة وأنشطتها على المدى القصير موجهة لتجارة التجزئة والجملة. وقد تم التشكيك في مستوى الاحترافية في عمل المصارف الخاصة من قبل المسؤولين في البنك المركزي العراقي، فيما يتعلق بإمكاناتهم وتطلعاتهم الحقيقية في دعم النمو الاقتصادي.
اللائحة المتعلقة بمتطلبات رأس المال، والتي يجب الوفاء بها من قبل المصارف الخاصة تصب في خانة البنوك العامة لاحتكار القطاع المصرفي. القرار له دور في حماية أموال المصارف الخاصة ولكن في نفس الوقت سوف يبطئ النشاط. أيضا، مما اضطر البنوك الكبيرة لتقديم المزيد من القروض واضطر البنوك الصغيرة للاندماج مع المؤسسات المالية الأخرى في محاولة لتنفيذ التخطيط المركزي، بالإضافة إلى ذلك، تم التشكيك في فعالية الرقابة المصرفية، ومعايير التدقيق تتسم بالتراخي. الدافع وراء انعدام الثقة العامة في النظام المصرفي يعود لعدم وجود تأمين على الودائع، وقضية إفلاس بنك الوركاء والخسائر المسجلة من قبل اثنين من البنوك الرئيسية في النظام المصرفي. هناك حاجة حقيقية للشفافية ووسائل إعلام مالية موثوقة.
وبالتالي يمكن إجمال القضايا الداخلية الأخرى التي تعاني منها الأنظمة المصرفية العراقية على النحو التالي:
• الفجوات في جمع البيانات عن المعاملات المصرفية في المنطقة الشمالية (كردستان العراق)
• دور الأحزاب في المعاملات والإجراءات - الأسر المساهمة تستخدم أموال البنوك لمشاريع خاصة بها
• البنية التحتية المالية منخفضة ومرتبطة بنقص في المهارات والتكنولوجيا (البنك الدولي، 2012).
هذا من الناحية العامة أو الاطار العام لشكل وآلية عمل القطاع المصرفي في العراق، ومثلها السياسات المصرفية التي تم اعتمادها في تطوير واقع النشاط الاقتصادي في البلد، فعلى الرغم من الحجم الهائل للقروض التي مُنحت للجمهور، الا أنه وبأعتراف اصحاب هذه المصارف لم تحقق أهدافها الحقيقية المرسومة لها، خاصة وأن أغلب القروض التي كانت ممنوحة للجمهور كانت تنصب في مسألة تجاوز أزمة السكن للمواطنين، فعلى الرغم من قروض المصرف العقاري والقروض والسُلف الأخرى كقروض الـ 100 راتب أسمي والتي وصلت الى 75 مليون دينار كحد أقصى و40 مليون دولار كحد أدنى، فضلاً عن القروض الميسرة الصغيرة الأخرى التي تمنحها بعض المصارف الأهلية، الا أنها جميعها لم تصل الى مستوى الطموح او أصلا لم تحقق ولو حل بسيط لأزمة السكن في العراق.
والسبب في ذلك يعود الى أن أزمة السكن لا يمكن معالجتها فقط من خلال سياسات الاقراض للمواطنين، ومن خلال الأتي :
1- ان عدم وجود مجمعات سكنية او مشروعات أو وحدات جاهزة للاسكان من قبل القطاع العام او القطاع الخاص، جعل حل هذه المشكلة يقع على كاهل المواطن نفسه، وعبر آلية شراء الارض وبناءها.
2- هذا أدى الى تباين واختلاف أسعار قطع الاراضي وبشكل كبير من محافظة لأخرى بل وتختلف داخل المحافظة نفسها.
3- وبسبب الأزمة الخاصة بالسكن مع اطلاق حملة القروض هذه الى ارتفاع اسعار الاراضي مما أدى الى حصول عملية من المضاربات المتعددة في بيع وشراء الاراضي بسبب كما هو معلوم أن الأرض تعد من الموارد عديمة المرونة، اذ أن مساحتها محددة ولايمكن زيادتها.
4- بسبب المشكلة السابقة وبسبب ارتفاع اسعار قطع الاراضي وزيادة الطلب على الاسكان، دفع هذا المواطنين الى تفتيت الاراضي الزراعية وتحويلها لقطع سكنية وبيعها، وهنا ظهرت مشكلة أخرى وهي استحالة الحصول على قروض للبناء في هذه الاراضي كونها زراعية في الأصل.
5- استمرار زيادة الطلب على الاسكان، مع تدهور أسعار النفط عالمياً، حجم من قدرة المصارف الحكومية والأهلية على التوسع في اقراض المواطنين، بل وتوقف العديد من القروض من قبل المصارف بسبب شحة السيولة المصرفية.
هذا من جانب ومن جانب أخرى، فأنه حتى باقي القروض الاخرى كالقروض الزراعية والصناعية، فان الفساد فيها كان سبب في فشل تحقيق اهدافها، اذ لم تحقق نتائج طيبة بسبب الفساد الموجود في المصارف فيما يتعلق بمنح القروض لمن يستحقها، فضلاً عن أن المواطنين المستفيدين منها لم يقوموا بتوجيهها نحو القنوات الانتاجية التي من المفروض أن تكون هذه القروض مخصصة لها، بل العكس من ذلك تحولت هذه القروض الى اشباع حاجات استهلاكية وبعضها الاخر نحو حل مشكلة السكن أيضاً، ما يعني سيطرة أزمة السكن على مظاهر الحياة كافة.
وبالاضافة الى ذلك غياب الرقابة والشفافية في متابعة قنوات صرف هذه القروض التي من المفروض أن تكون نهايتها على شكل مشاريع انتاجية ذات فائدة اقتصادية للبلد، ومن ناحية أخرى وحتى في ظل نجاح محدود لبعض المشروعات الناجمة عن هذه القروض، فأن الحكومة لم تأخذ على عاتقها تكثيف الجهود لتسويق وضمان نجاح هذه المشروعات عبر توفير الاستشارات والخبرات اللازمة لديمومة نجاح ونشاط هذه المشروعات، مما حول هذه النجاحات المتحققة الى فشل في نهاية المطاف بسبب انقطاع الدعم المعنوي والمادي عنها.
بل وان سياسات الاقراض التي جاءت فيما بعد ساهمت في زيادة الطين بلة، فما معنى اطلاق حملة قروض للأطباء والصيادلة فقط، او اطلاق قروض لشراء السيارات، او قروض وسلف بمبلغ 10 ملايين دينار للموظفين، اذ تعد كل هذه القروض هي قروض استهلاكية وغير انتاجية بالمرة. ما يعني كمحصلة نهائية، ان الحكومة فشلت في ايجاد سياسة اقراضية مصرفية ناجحة، تأخذ على عاتقها تحقيق او بناء قاعدة تنموية اقتصادية صحيحة، مما ساهم في ضياع فرص التنمية والمال العام، وهذه تعد كارثة اقتصادية، اذ أن هذه الخسائر لا يمكن تعويضها مرة أخرى، وبالتالي فأنه من الضروري أن تشكل ادارة لسياسات الاقراض في العراق، تأخذ على عاتقها ادارة القروض العامة في البلد من أجل الحرص على تحقيق الاهداف المناطة بها بالشكل الصحيح.
اضف تعليق