تعد الضرائب أداة اقتصادية مهمة، ومن القنوات المهمة التي يمكن من خلال تقنين وتنظيم النشاط الاقتصادي، سواء كان ذلك على مستوى الاستهلاك أو على مستوى الاستثمار، وفيما يخص الاستثمار بأعتباره عجلة النمو والتنمية الاقتصادية في أي بلد، فأنه من الضروري أن تكون الضريبة أداة فاعلة في تنشيط الاستثمار من أجل ديمومة النمو بشكل صحيح.
كما أن كثير من الاقتصاديين يرون إن الهيكل الضريبي ينبغي أن يتغير حتى يمكن تحفيز الاستثمار، اذ يستطيع صانعو السياسات تصميم سياسات ضريبية مختلفة لتنشيط الاستثمار، ومن هذه السياسات هو تخفيض معدلات الضرائب على الشركات وتقديم إعفاءات ضريبية للاستثمار والسماح للمؤؤسات والمنشآت بتعجيل الاندثارات، واذا خُفض هذا المعدل فأن الارباح الحقيقية بعد دفع الضريبة ستزداد، ويكون لدى المنشآة حافز كبير للاستثمار في مصانع وأنشطة جديدة.
كما يسمح الاعفاء الضريبي للاستثمار للمنشآت والشركات أن تخصم نسبة من أسعار أو تكاليف مشترياتها من المعدات والآلات من التزاماتها الضريبية، فعلى سبيل المثال اذا اشترت المنشأة ما يعادل 10 الآف دولار معدات وأدوات، وكان الاعفاء الضريبي للاستثمار 10% فأن الالتزامات الضريبية للمنشآة ستنخفض بمقدار 1000 دولار، وبالتالي سيسمح ذلك بأن تحقق المنشآة ربحا بفعل الاعفاء الضريبي وبالتالي تحفيز الاستثمار أكثر.
اما فيما يتعلق بتعجيل الاندثارات، فأنه غالباص مايتضمن التغيرات في صيغ الاندثارات أو المدى الزمني الذي يتم فيه تخفيض قيمة المصانع والمعدات والادوات، وخلافاً للاعفاء الضريبي للاستثمار الذي يخفض الالتزامات الضريبية للمنشآة، فأن تعجيل الاندثار ينقل ببساطة الخصومات الضريبية من الاعوام الأخيرة لحياة المشروع الى الاعوام الاولى. وبناءاً على ذلك لا تخفض الالتزامات الاجمالية للمنشآة، وهكذا تستفيد المنشآة حيث تؤخذ الخصومات مبكراً، ومن ثم تزيد القيمة الحالية للخصومات، وبانخفاض قيمة الاستثمار في المصانع والادوات بسرعة أكبر، تزداد القيمة الحالية للأرباح المرتبطة بالاستثمار وهكذا تجد المنشآت حافزاً لتزيد استثماراتها.
وتشير التجارب الى أن السياسات الثلاث، يمكن ان تنشط الاستثمار ومع ذلك فأن الاعفاء الضريبي وتعجيل او تسريع الاندثار يعتبران أكثر فاعلية من التخفيض في معدلات الضرائب على الشركات والمنشآت، بسبب أن تخفيض معدلات الضرائب أكثر كلفة على المالية العامة او الخزينة العامة للدولة بسبب انخفاض حجم الايرادات الضريبية هذا من جهة، ومن جهة أخرى فانه وبما ان الاعفاء الضريبي وتعجيل الاندثار يمكن أن يحدد بالنسبة للاستثمار الجديد، وبما أن ربحية الاستثمارات الجديدة مهمة كحافز، فأن الاعفاء الضريبي وتسريع الاندثار يعتبران وسيلة أفضل من تخفيض معدلات الضريبة.
الا أن ما يؤخذ على هذين الأسلوبين، هو إن كلاهما ليس محايداً فيما يتعلق بأنواع الاستثمار، فالاعفاء الضريبي يتجه الى صالح الأصول قصيرة الأمد، بينما يميل تسريع الاندثار الى صالح الأصول المعمرة، وبالنسبة للأصول قصيرة الأمد فأنه قد يعاد تجديدها أكثر من مرة، لتسمح بمزيد من الاعفاء الضريبي، وفي ظل تعجيل الاستثمار تنخفض قيمة الاستثمار بسرعة الى حد أن كثيراً من الالتزامات الضريبية للمنشآت تؤجل لسنوات متأخرة، وبما أنه من الأفضل للمنشآة أن تؤجل التزاماتها الضريبية كلما أمكن ذلك، فأن تعجيل الاندثار يعتبر أكثر ميزة للأصول المعمرة.
المناخ الضريبي الأمثل
تكلم العديد من الاقتصاديين حول المناخ الاستثماري، وهل ما هذا البلد تتوفر فيه مناخات استثمارية ايجابية او مُثلى للاستثمار، ومن ضمن شروط المناخ الايجابي للاستثمار، هو وجود جهاز ضريبي مرن وقابل لجذب الاستثمارات الاجنبية ومحفز للاستثمارات المحلية، واستطاعت العديد من الدول ومن خلالها أجهزتها الضريبية أن تحقق معدلات استثمار عالية، في حين فشلت دول أخرى من تحقيق ذلك بسبب تخلف أجهزتها الضريبية وتفشي الفسد فيها مع تجذر البيروقراطية فيها والروتين الى أبعد ما يمكن تصوره.
وفيما يخص الدول العربية وخاصة الريعية منها، فأن الضريبة بقت أداة ضعيفة في انعاش الاستثمارات، بسبب الهيمنة المالية لقطاع النفط، مما ساهم في ابقاء هذا الجهاز متخلفاً لعقود طويلة ترافق ذلك مع انحسار نمو القطاع الخاص، لا سيما في دولة مثل العراق، اذ ان العديد من الدول الاخرى المنتجة للنفط كالسعودية والامارات، تحاول اليوم جاهدة التخلص من هيمنة النفط على ناتجها المحلي، وبالتالي نجدها تسعى الى دعم القطاع الخاص سيما الصناعي، وذلك عبر بوابة الاعفاءات الضريبية ومنح القروض للمشروعات الصناعية المختلفة.
وهنا قد يسأل البعض، لماذا العراق غير قادر على خلق او صنع نموذج ضريبي فاعل وقادر على جذب الاستثمارات الاجنبية أو تحفيز الاستثمارات المحلية، فعلى الرغم من الكم الهائل من الدراسات في هذا المجال، لايزال الجهاز الضريبي في العراق مشلول وغير قادر على ادارة دفة النجاح في خلق الاستثمارات، على الرغم من قدم التشريع الضريبي في العراق والذي يعود للعام 1927. وهذا يعني على الرغم من خبرة هذا الجهاز الا انه لا يزال على وضعه القديم، ولسنا هنا بصدد شرح آليات الاصلاح وتفاصيلها، اذ قدمت العديد من الابحاث والدراسات في هذا الشأن كأصلاح الجهاز الضريبي او أتمتة الجهاز ومن تعديل فقرات الضرائب وتحسينها الا أنها ولحد هذه اللحظة، اذ بلغت نسبة الايرادات النفطية 1.2 % من حجم الموازنة العامة للدولة للعام 2008، وبالتالي نفهم ان كل محاولات الاصلاح لم تؤت ثمرها كما هو مطلوب، وبالتالي علينا أن نفهم أن الضريبة تمثل فكر الدولة وسياستها العامة وانها ليست مجرد أداة من ادوات السياسة المالية، وأن تكرس جميع جهودها في خدمة هذا المجال.
اذ على الدولة أن تعرف أن الضريبة تمثل هوية الحكومة في ادارة النشاط الاقتصادي، وهي المعبر عن ايدولوجيتها وفكرها الاقتصادي، اذ وكما نرى أن الضريبة تعد الاداة الوحيدة التي يمكن للدولة من أن تتحكم بها، كون أن السلطة النقدية والمتمثلة بالبنك المركزي مستقلة عن سياسة الدولة، وبالتالي على الحكومة أن تركز في كيفية استخدام هذا السلاح بشكل أمثل، ومن أجل نجاح هذا السلاح، فأنه من الضروري أن تعّي أهمية هذا الاداء، كما يجب على الدولة أن تعرف أنه بدون وجود قطاع صناعي انتاجي فلن يكون للضريبة دور في تطوير النشاط الاقتصادي، وهذا بدوره يعتمد على البنى التحتية من طاقة وشبكات نقل ومواصلات وغيرها.
وعليه فأن الجهاز الضريبي وأن تطور يبقى غير فاعل بالدرجة المطلوبة لأن الضريبة مرتبطة بدرجة عالية من وجود الادخارات التي تمثل المولد للاستثمارات، بمعنى أن فلسفة الدولة يجب أن تتغير اقتصادياً وانتقال هذا التغير الى المجتمع، من أجل زيادة الوعي الضريبي من أجل ضمان تحقيق توازن في جانبي الاستهلاك والادخار المجتمعي، كي يتسنى للاستثمارات ان تظهر من داخل المجتمع، ما يعني من ضرورة بذل جهود كبيرة لتغيير الذهنية المجتمعية حول آليات وأدوات النشاط الاقتصادي في البلد من استهلاك وادخار واستثمار وانتاج، أي نفهم أن أفضل مناخ داعم وساند للضريبة هو تشكيلها في ظل مجتمع يؤمن بالانتاجية لا الريعية .
اضف تعليق