q

يُعد الاقتصاد العراقي من الاقتصادات الهشة التي بمجرد إصابتها بخطر معين سينتقل ذلك الخطر بشكل تلقائي إلى أغلب مفاصلها وجزئياتها. اذ يعاني من مشاكل كثيرة كالبطالة والفقر والعجز الداخلي والخارجي والدين الخارجي الإجمالي واتجاه إجمالي الاحتياطيات الرسمية نحو الانخفاض وضعف البنى التحتية...إلخ، وذلك لعدم إتباع السياسات السليمة التي تمنع أو تحد من تلك المشاكل. هذا ما أدى إلى وجود محركات تعمل على استمرار توليد تلك المشاكل. ومن أبرز تلك المحركات هي هيمنة الدولة على النشاط الاقتصادي وريعية الاقتصاد العراقي.

الهيمنة - الريعية

الترابط الكبير بين تلك الثنائية (الهيمنة - الريعية) في آن واحد زاد من تعقيد المشكلة الاقتصادية. فالدولة، وعلى الرغم من تبنيها لفلسفة جديدة في الدستور العراقي ضمن المادة 112 ثانياً(... معتمدة أحدث تقنيات مبادئ السوق وتشجيع الاستثمار)، إلا أنها لم تفسح المجال أمام السوق والقطاع الخاص بشكل حقيقي، بل لازالت تهيمن على النشاط الاقتصادي هذا من ناحية.

ومن ناحية أخرى أن الدولة تعتمد على النفط بشكل كبير جداً في تمويل النشاط الاقتصادي، وهي لم تحسن إدارتهما (النفط والاقتصاد) وعدم إنصافها لحقوق الشعب من النفط على الرغم من إن الدستور أشار أيضاً وضمن نفس المادة أعلاه أولا (... على أن توزع وارداتها -النفط والغاز- بشكل منصفٍ يتناسب مع التوزيع السكاني في جميع أنحاء البلاد... وبما يؤمن تحقيق التنمية المتوازنة للمناطق المختلفة من البلاد...) وهذا لم يحصل أيضاً.

بعض مشاكل الاقتصاد العراقي

أولا: البطالة، أخذت البطالة تنتشر بشكل كبير جدا وبكافة أنواعها وأشكالها، حتى نالت أصحاب الشهادات العليا. واختلفت الإحصائيات بشأنها لكنها تتراوح ما بين 25-40%، وهذه تعد نسبة كبيرة جدا، إذ النسبة المسموح بها اقتصادياً ينبغي أن لا تتجاوز 5%.

ثانياً: الفقر، أشارت وزارة التخطيط على لسان المتحدث باسمها عبد الزهرة الهنداوي الى ارتفاع حجم الفقر في العراق الى 22,5% وذلك بسبب انخفاض أسعار النفط في النصف الثاني من عام 2014، فضلا عن احتلال داعش الإرهابي لمناطق عديدة من العراق. وتشير أغلب المصادر إلى ان وزارة التخطيط أوضحت إن نسبة الفقر وصلت إلى 30% في عام 2016.

ثالثاً: عجز الموازنة العامة: سجلت الموازنة العامة عجزا متجها نحو الارتفاع حيث ارتفع من 13.6مليار دولار عام 2013 إلى 22.06 مليار دولار عام 2016، هذا ما أشارت إليه نشرة ضمان الاستثمار ضمن عنوان الاقتصاد العربي مؤشرات الأداء 2000-2018، و يتم تغطيته هذا العجز من الاقتراض الداخلي والخارجي وهذا الأخير عند تراكمه سيتسبب في مشكلة أخرى كما سيتضح في النقطة اللاحقة، وان موازنة العراق غالباً ما تسجل عجزاً باستثناء السنوات التي ترتفع فيها الإيرادات النفطية.

رابعاً: الدين الخارجي الإجمالي، نلاحظ من خلال تقرير مناخ الاستثمار في الدول العربية لعام 2016، إن نسبة الدين الخارجي الإجمالي إلى الناتج المحلي الإجمالي آخذةً بالارتفاع. اذ ارتفعت من 27.3% من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2014 إلى 47.6% من الناتج المحلي الإجمالي عام 2017.

خامساً: انخفاض إجمالي الاحتياطيات الرسمية، حيث أخذت تنخفض من 66,7 مليار دولار عام 2014 الى 42,4 مليار دولار عام 2016 وفقا لتقرير مناخ الاستثمار في الدول العربية لعام 2016. وهذا ما يشير إلى وجود مشكلة في الاقتصاد تستنزف هذا الاحتياطي الذي ينبغي العمل على زيادته وليس نقصانه ليستخدم في الأوقات الحرجة.

أبرز مؤشرات الهيمنة – الريعية

إن المشاكل أعلاه وغيرها التي لم تُذكر أغلبها ظهرت كنتيجة (للهيمنة - الريعية) السائدة في الاقتصاد العراقي، وما يؤكد هذا الكلام مؤشرات كثيرة ونشير إلى أبرزها وكما يأتي:

أولا: الناتج المحلي الإجمالي: من ناحية الهيمنة بالتأكيد ان القطاع العام يسيطر بنسبة كبيرة على الناتج المحلي الإجمالي، الا إن البيانات حسب الملكية لم تتوفر ولذا لم نذكر نسبتها. أما من ناحية الريعية فإن النفط يسيطر على نسبة كبيرة من الناتج المحلي الإجمالي.

ثانياً: الصادرات: من ناحية الهيمنة ان القطاع العام يمتلك حصة الأسد في التصدير بسبب امتلاكه لقطاع النفط بالكامل. وهذا ما يجعل من ناحية الريعية تتمثل في تصدير منتجات الوقود المعدني والزيوت، ومنتجات التقطير تصل الى أكثر من 99% من مجموع السلع الأخرى في عام2015 حسب ما أشار اليه تقرير مناخ الاستثمار في الدول العربية 2016، وهذا ما يعني هيمنة الدولة وغياب التنويع وريعية الصادرات.

ثالثاً: الإيرادات وتكوين رأس المال

لا زالت تشكل الإيرادات النفطية أكثر من 85% من الإيرادات العامة في الموازنات العامة، في حين لم تشكل الإيرادات الأخرى غير النفطية أكثر من 15%. علماً إن جزء من هذه الضرائب تعتمد على القطاع الخاص أي كلما تكون إيراداته أعلى كلما تزداد إيرادات الدولة من الضرائب. إلا إن هذا الانخفاض في الإيرادات غير النفطية يعكس نتيجتين الأولى مدى الريعية التي تسود الاقتصاد العراقي بسبب اعتمادها على النفط بشكل كبير جداً، والأخرى مدى سيطرة الدولة على القطاع الخاص في إدارة الاقتصاد وهذا ما يتجسد في الهيمنة.

وما يؤكد على هيمنة القطاع العام هو مساهمته في تكوين رأس المال الثابت والتي بلغت أكثر من 77% من مجموع تكوين رأس المال في عام 2014 في حين لم تتجاوز نسبة مساهمة القطاع الخاص 33%، بناءاً على بيانات وزارة التخطيط دائرة الحسابات القومية لعام 2016.

الحلول

العمل على تطبيق ما جاء في الدستور بشكل جدي وحقيقي.

اولاً: تحويل دور الدولة من الهيمنة في إدارة النشاط الاقتصادي إلى المشاركة للقطاع الخاص من خلال الدخول معه في الاستثمارات التي يرغب بها إلا إنه متخوف منها لأسباب أمنية او اقتصادية او سياسية أو غيرها. هذا العمل يحفز ويشجع القطاع الخاص على استمرار الاستثمار في القطاعات الاقتصادية المختلفة. وبعد إن تضمن الدولة إنه (القطاع الخاص) يستطيع الوقوف على قدميه دون الحاجة إلى المشاركة والدعم والمساعدة عندئذٍ تستطيع الدولة أن تفسح المجال أمامه وتنسحب بشكل تدريجي. وتقوم هي بالمتابعة والمراقبة لأداء القطاع الخاص كي تضمن عدم انحرافه عن النهج الصحيح الذي يضمن خدمة الاقتصاد الوطني وتقدمه نحو الأمام.

ثانياً: العمل على تحويل الريعية إلى إنتاجية، إذ إن استمرار الاقتصاد العراقي على المورد الواحد الذي يخضع لعوامل خارجية، فضلاً عن إنه يعد صناعة كثيفة رأس المال وليس كثيفة العمل، فضلا عن الآثار التي يتركها على بقية الأنشطة الاقتصادية من خلال التأثير على المتغيرات الاقتصادية وخصوصاً سعر الصرف، تؤدي بالنتيجة بمجملها إلى استمرار وجود المشاكل -التي تم ذكرها سابقاً- التي يعاني منها الاقتصاد العراقي، ولذا لا بد من إدارة الإيرادات النفطية بالشكل السليم الذي يضمن تحقيق التنويع الاقتصادي.

* باحث في مركز الفرات للتنمية والدراسات الإستراتيجية/2004-Ⓒ2017
www.fcdrs.com

اضف تعليق