بات معروفاً عند الجميع، إن الرأسمالية شيطانية في نطاقها، اذ إن لها وجوه عديدة، وقد بدأ تحول عظيم أخر في الرأسمالية الاميركية في خلال فترة ادارة الرئيس ريغان، في الوقت ذاته قامت انكلترا باستيراد بعض من نفس قوى التحول في اثناء سنوات الحكم الخاصة بتاتشر، حتى سُميت تلك الفترة بـ (إقتصاد ريغان)، بسبب تجمع ثلاث قوى عظيمة هي، النقودية وكما ذكر ميلتون فريدمان لرونالد ريغان إن النقودية (المنهج النقودي) يمكن أن تؤدي الى تخفيض التضخم مع انخفاض مؤقت في الانتاج والعمالة، اما القوى الثانية فهي بروز نفوذ النمساويين المحدثين ورغبتهم في تحرير رياديي الاعمال والدولة، اما الثالثة فقد كانت حلم أنصار جانب العرض لتحرير الاغنياء من الضرائب المفرطة.
ومن تلك القوى جاء صعود قوة اليمين الجديد في فترة اراخر السبيعينات وأوئل الثمانينيات، بدءاً من الاقتصادي النمساوي اودفيج فون مايزس في فيينا، التي استقرت على درج السلم الأمامي للبيت الابيض مع ريغان، وكما حدث مع المذهب النقودي، فأن صعود اليمين الجدد كان رد فعل على أزمات الركود التضخمي في سنوات السبعينيات من القرن العشرين، وبينما كان الكينزيون متحدين في توقعهم لقيام الحكومة بدور ما في الاقتصاد، فأن اليمين الجديد كان يضع ثقته في الرأسمالية ذات الاسواق الحرة، كما كان اليمين الجديد يرى في السوق حلاً لجميع المشاكل الاقتصادية وأنه يمثل الحل الوحيد.
تبعت الحلقة المبدئية لاتصال النمساويين الجدد بالسلطة السياسية من انشاء مؤسسة تشارلز كوخ عام 1974، التي اصبحت في مابعد معهد كاتو في العاصمة واشنطن، وكان كوخ رئيس مجموعة كوخ الصناعية قد أنشأ مؤسسته لغرس بذور وآراء الاقتصاديين المناصرين لمبدأ دعه يعمل دعه يمر، وكان الهدف المشترك للنمساويين الجدد ومعهد كاتو هو تقليص دور الحكومة الى ادنى حد ممكن، وعلى الرغم من أنهم يفضلون شخصية من طراز الاقتصادي آين راند أحد اعمدة المدرسة النمساوية على ريغان كريئس، الا ان رئاسة ريغان كانت هي اللعبة الوحيدة التي من خلالها قام النقوديين وأنصار علم اقتصاد ريغان ببناء جسر الى اقتصاد الكازينو في الظهور.
رأسمالية الكازينو
كان من بين تراث علم الاقتصاد الريغاني ازدياد تضخيم أهمية وول ستريت في المجتمع الاميركي، وكانت الرسالة الرئيسية لرونالد ريغان هي أن الحرية لعمل مايشاء المرء، ليست مقصورة على الشركات الاميركية وحدها، بل من حق جميع الناس ذوب الثراء أن يفعلوا مايشاؤون، وكان استمرار هذه السياسات من جانب ادارة كلينتون، غالباً على حساب أولئك الذين كانوا قريبين من القاع، محل دهشة وغضب كثير من الديمقراطيين القدامى، اذ لم تكن هناك سوى مسافة ضئيلة تفصل بين الثرة وول ستريت، وهكذا أصبحت وول ستريت مركز دوامات الاعصار المالي الذي سرعان ماكان سيعصف باقتصاد امريكي يعاني من الهشاشة المالية، وفي أثناء الفترة من عام 1983 الى عام 1989، تفجرت الولايات المتحدة متحولة الى لاس فيغاس، ومن هنا أتى مصطلح (اقتصاد الكازينو)، وارتفعت فقاعة مضاربة من نوع مماثل في سماء طوكيو.
وبلغ هذا التحول ذروة المضاربة المالية في منتصف الثمانينيات تقريباً، واندمج في الركود العظيم في أوائل التسعينيات، ليؤدي الى اعادة إشعال هوس المضاربة خلال النصف الثاني من تسعينيات القرن العشرين، وبدا أن كثيرين قد أعادوا اكتشاف المتعة في اكتساب النقود من النقود أو من الاصول المالية بدلاً من الاعتماد على الارباح الناشئة من انتاج السلع، وأعاد أخرون اكنشاف ميزة الجشع والثراء الفاحش من خلال القفز بالثورة الى مستويات اخرى من الانفاق الترفي الباذخ، حتى أصح المجتمع عبارة عن سوق عملاقة للاستثمار في السوق النقدية حيث المهمة الرئيسية فيها للعائلات ومنشآت الاعمال هي المضاربة.
أن الفكرة الرئيسية من كل ذلك، هي بيان التحول الخطير الذي شهدته الرأسمالية كتطور طبيعي لها، من رأسمالية تجارية الى رأسمالية صناعية انتاجية قائمة على أساس انتاج مختلف السلع والخدمات وتصديرها للخارج، لتنزع هذا الثوب من الانتاج الحقيقي والمادي، وترتدي ثوب الرأسمالية المالية، كتطور أخير لها، أصبحت في النمو السريع للنقود وأشباها لاحد له ولاسيطرة بفعل الحرية المطلقة، وان تكون المضاربة هي السمة الاساس لها، من خلال بوابات المصارف والقروض والفوائد والاسهم والسندات، والقيام بالتجارة من خلال المنزل او في السيارة او وانت تتصفح الجريدة اثناء جلوسك في المقهى، أن مصطلح الكازينو يحمل في طياته ان الاقتصاد تحول من اقتصاد انتاجي مادي الى اقتصاد مالي همه الوحيد هو المضاربة والمقامرة من اجل الحصول على الربح السريع لا على اساس انتاج السلع والخدمات والمتاجرة بها وتحقيق الارباح، وما الازمة المالية الاخيرة في عام 2008، الا خير مثال على ذلك التشوه الحاصل في نمو هذا الاقتصاد البدين.
اضف تعليق