إن النُهج "الذكية" ليست حكرا على الهواتف المحمولة. حان الوقت لنقتبس بعض سمات التكنولوجيا الذكية – ممثلة في القدرة والشمولية والثورية - ونطبقها على كيف ندير بها أحد أهم مواردنا الطبيعية: الغابات.
لكن ما المقصود "بالنُهج الذكية المراعية لمصالح الغابات"؟ يتعلق الأمر بالأساس بإلقاء نظرة شاملة على الوضع العام لفهم كيف تأثر الغابات بالأنشطة في الأخرى، وسبل تعزيز المنافع التي نكتسبها من الغابات.
فمن ناحية، هناك مجموعة عوامل شتى تؤدي إلى تقليص مساحات الغابات في العالم وتردي حالتها، منها اتساع رقعة الأرض الزراعية، وبناء الطرق والمناجم، والطلب على وقود الأخشاب. ومن ناحية أخرى، في الوقت الذي تبرز أهمية مثل هذه الأنشطة للتنمية الاقتصادية للبلدان ورفاهة المجتمعات المحلية، فإنها قد تقوض المنافع القيمة التي توفرها الغابات، والتي تشمل امتصاص الكربون، وتنقية الهواء والماء، وخصوبة التربة، فضلا عن كونها مصدرا للدخل والوظائف.
في البنك الدولي، تقتضي مراعاة مصالح الغابات رصد العناصر التكاملية - وليس فقط الجوانب التنافسية - بين مختلف القطاعات ليعود هذا بالنفع على المناخ والتنمية. هذا التوجه يتجلى في خطة العمل الخاصة بالغابات والتي وضعتها مجموعة البنك الدولي للسنوات المالية من 2010 إلى 2016 والتي تمثل عنصرا مهما في الوفاء بأهداف البنك الدولي للحد من الفقر، نظرا لأن الغابات تتيح دعما مهما للفقراء. وعلى مستوى العالم، فإن موارد الغابات تساعد واحدا من بين كل أحد عشر شخصا على الخروج من براثن الفقر المدقع. وبالإضافة إلى ما بين 300 إلى 350 مليون شخص يعيشون بالقرب من الغابات ويعتمدون عليها كليا تقريبا من أجل العيش، هناك آخرون تقدر أعدادهم بمئات الملايين يعتمدون بدرجة أكبر على الغابات من أجل الغذاء والحصول على مواد البناء والطاقة.
ومن العوامل الأساسية لتطبيق النهج الذكية المراعية لمصالح الغابات العمل مع مختلف الشركاء لرصد فرص المنفعة المتبادلة، ووضع الحلول المبتكرة التي يمكن تطبيقها على نطاق واسع. وبالأهمية نفسها، يستطيع البنك الدولي الاستفادة من خبرته في عدد كبير من القطاعات، ليس فقط في تنمية الغابات، بل أيضا في الصناعات الاستخراجية، والبنية الأساسية، وإدارة مخاطر الكوارث والطاقة والزراعة، وذلك على سبيل المثال لا الحصر.
ويتجلى أحد الأمثلة على تطبيق البنك الدولي لهذه النهج في مشروع يتكلف 47 مليون دولار في موزامبيق التي تفقد حاليا نحو 140 ألف هكتار من الغابات سنويا. يستثمر هذا المشروع في تعزيز سبل كسب أرزاق الآلاف من أصحاب الحيازات الصغيرة والمتوسطة، وتحسين استمرارية الأنشطة التي يمكن أن تؤثر في الغابات- ومن بينها إنتاج الأخشاب، والفحم والمحاصيل الزراعية – والعمل في الوقت نفسه على الحد من إزالة الغابات والانبعاثات الغازية المسببة للاحتباس الحراري. ويشكل قطاع الغابات فعليا نحو 3% من إجمالي الناتج المحلي لموزامبيق (بتقديرات عام 2011( ويوظف مباشرة 22 ألف شخص، إلا أن هناك إمكانية كبيرة لزيادة هذه المنافع.
ويتمثل مثال آخر في عمل البنك الدولي في مولدوفا، حيث تعتمد غالبية المجتمعات المحلية الفقيرة على الزراعة في كسب الرزق، إلا أن قدرة الصادرات الزراعية الغذائية على المنافسة تظل متدنية نسبيا. وفي إطار مشروع رفع القدرة التنافسية للزراعة في مولدوفا، تجري زيادة استخدام ممارسات الإدارة المستدامة للأراضي، كالأحزمة الواقية للغابات، والتي يمكن أن تحد من تآكل التربة وتساعد على احتجاز الكربون في الوقت الذي تسهم في زيادة العائد على المزارعين.
كما أننا نصبح أكثر وعيا بشأن الاستفادة من الآثار الإيجابية للغابات من أجل الحد من المخاطر الناجمة عن الكوارث الطبيعية. فعلى سبيل المثال، لا تشكل أشجار المنغروف حائط صد ضد العواصف والفيضانات وتآكل السواحل فقط، بل إنها توفر أيضا موئلا آمنا للأحياء البرية- وهو ما يترجم إلى نتائج إيجابية لمصائد الأسماك والسياحة والوظائف المحلية. وفي جامايكا- وهي أحد بلدان العالم الأكثر تعرضا لمخاطر الكوارث الطبيعية- يهدف مشروع يتكلف 30 مليون دولار إلى مساعدة الحكومة على تدعيم قدرة البلاد على الصمود أمام مثل هذه المخاطر والتهديدات، بما في ذلك دمج حلول البنية الأساسية القائمة على الطبيعة. ومع الدعم الإضافي من برنامج الغابات والصندوق العالمي للحد من الكوارث والتعافي من أثارها، سيخدم المشروع 300 ألف جامايكي من خلال تحسين الاستعداد للتصدي لتغير المناخ.
وأيا كان الحافز، فإن التغيرات التي تطرأ على غطاء الغابات يمكن أن تكون لها آثار فعلية وبعيدة المدى على المجتمعات المحلية ورفاهتها وأيضا على المناخ العالمي. وتتطلب التحديات الإنمائية في عالم يزداد تعقيدا وترابطا إجابات أكثر شمولا من أي وقت مضى- بما في ذلك ما يتعلق بالغابات. ويأتي اليوم الدولي للغابات، الذي يحتفل العالم به في 21 من مارس/آذار، في الوقت المناسب ليذكرنا بأن مراعاة مصالح الغابات عامل مهم لتحقيق أهداف التنمية المستدامة.
اضف تعليق